تدخل الدولة للحد من التصرفات المخلة بالنظام العام

تدخل الدولة للحد من التصرفات المخلة بالنظام العام

    الدولة وجدت منذ نشأتها إلى يومنا هذا تحمل على عاتقها ليس حماية أفراد شعبها فقط بقدر ما تسعى إلى جعل أفرادها يعيشون فيما بينهم بصورة أفضل، صورةً محققةً للسعادة داخل بيئتهم. لذلك فالدولة تسعى إلى أن يعيش الأفراد عيشةٌ تغمرها السعادة والألفة، أي ملتئمين التئاما لا تفرقهم أشد النعرات خطورةً، ولتحقيق ذلك يجب أن يتحلى أفراد تلك الدولة بالأخلاق والآداب العامة. فيتم تقييد حرية الأفراد المطلقة لتحقق مصلحة الجماعة مجتمعة أو مصلحة كل منهم منفردًا. فالجماعة إذن عندما تضحي بحريتها المطلقة فهي تكتسب فضيلة الأخلاق والآداب العامة فيعيشون حياتهم بسعادة وأمان.

    وللوصول إلى أبهى صورة لفضيلة الأخلاق والآداب العامة داخل المجتمع تأخذ الدولة على عاتقها وفق ما تمتلكه من إرادة تشريعية (سلطة تشريعية) بوضع عدد من التشريعات والأنظمة تتضمن قواعد قانونية ملزمة للأفراد تُقّوم من سلوكياتهم فتجعلهم يتصرفون بمقتضاها على القدر المسموح به قانونًا، للوصول إلى غاية مهمة وهي المحافظة على النظام العام داخل المجتمع. غير أن تلك التشريعات ومهما كانت لها من قوة فهي لا تقدر على حظر الأفراد من تجاوزها، نعم هي تقييد الحرية الفردية غير أن الفرد يستطيع أن يتجاوزها ويأتي بأفعال تحرمها تلك النصوص بإرادتهُ، حتى وإن كانت تحمل طابع الجزاء، فيتعرض للجزاء جزاءً على مخالفتهِ لها. خصوصًا في حال كنا أمام حالة يستمر فيها تجاوز بعض الأفراد لها من دون وجود سلطة تُحرك ساكنًا بمقتضاه يُزجر المخالف ويُردع غيرهُ من الاقتداء به. فنكون بالمفهوم المخالف والحالة هذه، أمام عدد من الانتهاكات والتجاوزات إلى القواعد القانونية المشرعة، لا تعد ولا تحصى. مما يتسبب بفقد الكثير من الأفراد ثقتهم بقوة دولتهم؛ وذلك لضعفها في حماية نظامها العام بسبب تغافلها عن محاسبة هؤلاء المتجاوزين لتلك القواعد القانونية الهادفة إلى تقويم سلوك الجماعة، فنكون هنا أمام ظاهرة سيئة منتشرة داخل أوردة وشرايين المجتمع فعمت الفوضى في ارجاء المعمورة.

    إن فكرة مخالفة الآداب العامة والأخلاق لم تكن تدخل ضمن عناصر النظام العام الثلاث (الأمن العام، السكينة العامة، الصحة العامة)، فكان الأفراد أحرار في إستخدامهم لحرياتهم التي كفلتها لهم الدساتير والأنظمة والمواثيق الدولية والقوانين. غير أن الفقه والقضاء فيما بعد أتفقت وتوحدت كلمتهم على أعتبار الآداب والأخلاق العامة عنصرًا رابعًا إلى جوار العناصر الثلاث أعلاه.

    إن ذلك الاعتراف شكل أمرًا ضروريًا، فقد وسع من فكرة النظام العام بجنبتهُ الإدارية فجعلها تشمل كل ما يسيء إلى المجتمع، فتستطيع الدولة متمثلة بأجهزتها الإدارية أن تستخدم سلطاتها العامة للمحافظة على القيم والعادات والاخلاق داخل حدودهما الإقليمية لتعيد النظام العام إلى سيرهُ الطبيعي والمعتاد، تحت ما يعرف بوسيلة الضبط الإداري، والذي يمكن أن نعرفهُ بأنه وسيلة من الوسائل التي تساعد الإدارة على اتباع مجموعة من الإجراءات الضرورية تقدرها الإدارة وفق ظروف معينة تستهدف من جراءها تنظيم حريات الأفراد بل وربما تُقيدها في بعض الأحيان، ولا تصل لدرجة الحرمان في كل الأحوال.

    ومع انتشار عدد من مقاطع الفيديو لشخصيات معينة مثلت نوعا من الانحطاط الأخلاقي والادبي دون أدنى شك مما أثار سخط المجتمع كثيرًا فذهب الكثير منهم إلى تأييد ما قامت به الدولة متمثلةً بالأجهزة الأمنية التي تمتلكها ومستخدمة بذلك سلطتها العامة، بشن حملة واسعة للحد من تلك التصرفات المصطنعة بإرادة حرة مختارة يتخذها هؤلاء، كوسيلة للظهور إلى المجتمع، وتلقي التعليقات والمشاهدات العالية لمحتواهم وبالتالي حصولهم على ارباح مادية من الشركة الراعية للتطبيق الذي نشر عليه الفيديو، وكلما زادت المشاهدات والتفاعل على الفيديو زادت الارباح، فأطلق عليهم أصحاب المحتوى الهابط انسجاما مع طبيعة ونوع المحتوى في الفيديو الذي يرتجي اصحابه التفاعل لا التواصل.

    والإدارة العامة إذن تستطيع أن تكافح هذه الظاهرة منذ أن بانت بوادر أنتشارها، عن طريق توجيه الرأي العام بضرورة الابتعاد عن ذلك المحتوى، وكذلك تمنع كافة المؤسسات الفضائية بعدم الترويج لها، ووضع لائحة لضبطها، وفي حال مخالفة ذلك يمكن لجهة الإدارة حينها أن ترصد تلك المخالفات، والجدير بالذكر لقد تم إنشاء محكمة مختصة بقضايا النشر والإعلام، وذلك بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى في 12/7/2010، وهذا أن دل على شيء فيدل على النظرة الثاقبة للقضاء منذ أن انتشرت وغزت وسائل التواصل الاجتماعي المجتمع العراقي الذي كان مجتمعًا منغلقًا.

   غير أن الإدارة العامة لم تحرك ساكنًا، وأمام عدم القيام بالمهمة الموكلة بجهة الإدارة العامة بالمحافظة على الآداب والأخلاق العامة، بحت حناجر القضاء العراقي إلى أن صدر أعمام من مجلس القضاء الأعلى مؤخرًا وموجه إلى رئاسة الادعاء العام ورئاسة هيئة الاشراف القضائي ورئاسة محاكم الاستئناف كافة نصه الآتي: “لوحظ من خلال الرصد الإعلامي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للنشر محتويات تسيء للذوق العام وتشكل ممارسات غير أخلاقية إضافة إلى الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات. لذا أقتضى إتخاذ الإجراءات القانونية المشددة بحق مرتكب تلك الجرائم وبما يضمن تحقق الردع العام”.

    ومع تسلمنا بما ذهب به القضاء العراقي إصلاحًا لما تهاونت به جهة الإدارة العامة، غير أننا نشكل عليه شكليًا فتوجيه الإعمام بتلك الصيغة الآمرة إلى رئاسة الادعاء العام لا نتفق معها، لأن اعضاء هذا الجهاز يجب أن يكونوا مستقلون عندما يباشرون أعمالهم كممثلين عن الحق العام أمام أية جهة أخرى حتى أمام رئيس السلطة القضائية المتمثل برئيس مجلس القضاء الأعلى، فلا يستطيع أحد أن يأمرهم بمباشرة إجراءات دعوى الحق العام إلا وفق تقديرهم، فكنا نفضل لو تم توجيه هذا الجهاز على أن يأخذ دوره وفق ما يراه هو مضرًا بمصلحة المجتمع من عدمه، لا أن يفرض عليه العمل وفق توجهات معينة محددة له سلفًا.

    بالتأكيد إن قولنا هذا يتفق مع ما ذهب به المشرع العراقي عند تشريعه لقانون الادعاء العام رقم (49) لسنة 2017، ويخالف في الوقت نفسه ما ذهبت به المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية الاستقلال الإداري لجهاز الادعاء العام، لا شك بأن المشرع أراد من ذلك أن يوسع فاعلية هذا الجهاز فمنحه الاستقلال الكامل ليأخذ دورة كممثل عن المجتمع، ونتطلع إلى أن يأخذ هذا الجهاز استقلاله الكامل، وفي هذا الصدد فأننا نتفق مع رأي أستاذنا (الدكتور ضياء الأسدي) بضرورة منح هذا جهاز الاستقلال الكامل، وذلك بالمقال الذي نشره على الموقع الإلكتروني التابع لجامعة كربلاء.

    كما أن تلك الظاهرة بعد انتشارها بتلك الصورة لا ينبغي أن تُعالج معالجةٌ جزائيةٌ بهذه الصرامة بصورة مباشرة، حيث أصبح روادها من المشاهير تستضيفهم الكثير من القنوات الفضائية فأصبحوا رمزًا للاقتداء بهم من قبل بعض الأفراد الذين يريدون سلك هذا السلوك المنحط، لأن الدولة عندها ستكون أقرب إلى الاستبداد، ولا ينبغي السكوت عنها كذلك. فأما عن عدم اللجوء إلى المعاملة الجزائية بصورة مباشرة، فسكوت السلطة العامة نفسها هو الذي ساعد في انتشار هذه الظاهرة بين أفراد المجتمع، فأصبح بعض هؤلاء الأشخاص يتم استضافتهم في فضائيات مختلفة ليتم إظهارهم بصورة أكبر وتسليط الضوء عليهم أكثر من أي وقتٍ مضى، في الوقت الذي يعد الإعلام أهم سلطة في عالمنا اليوم، فتشرف الدولة على هذا المرفق. ونتساءل إذن أين كانت هذه الدولة كل هذا الوقت بعد أن انتشرت هذه الظاهرة بصورة يرثى لها جبين القوم؟ هذا من جانب. ومن جانب آخر، إن عدم إعمال العقاب بحق بعض المتهمين أولى من إجراءهُ بحقهم. لأن غاية العقوبة إبتداءً ليس الانتقام كما يتبادر إلى ذهن الكثير من الشباب العراقيون اليوم ممن لا يدركون غاية العقاب، فالكثير منهم أقولها وبوجه حق يفتقرون إلى الثقافة القانونية إلى درجةً كبيرة بظل التطور الذي يشهدهُ العالم.

    وإما عن ضرورة مكافحتها وعدم السكوت عنها فلأنها شكلت ظاهرة سيئة تؤثر على سير حياة المجتمع وتعكس عليهم صورة مشوهة فلا نكون أمام مجتمع يتحلى بفضيلة الأخلاق والآداب العامة، نتيجةً لعدم مكافحتها بصورة مبكرة مما أدى هذا التهاون إلى أن ينتشر بين افراد المجتمع وليكون هؤلاء الأشخاص قدوةٌ لغيرهم يسعون للوصول إلى مرتبتهم من الشهرة والمكنة المادية السريعة التي نالوها بتصرفاتهم المتصفة بالانحطاط.

    وعلى أية حال أن اللجوء إلى عقاب هؤلاء الأشخاص المصطنعين للمحتوى السيء للمجتمع العراقي وتكييفها وفق المادة (403) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 نراه أسلوبًا شديدًا بحق أشخاص لا يمتلكون النفس الإجرامية الخطرة، والمعروف إن المشرع يهدف إلى معاقبة النفس الجرمية بدرجة من العقوبة تزيد بحجم درجة خطورتها على النظام الاجتماعي. وأن هؤلاء الأشخاص الذين أحيلوا إلى القضاء لا تخرج تصرفاتهم على أنها أداة اتخذتها بعض البرامج الفضائية للحصول على عدد من المشاهدات والإعجابات المليونية جراء إثارتها للرأي العام، مما حفز تلك الشخصيات وغيرهم إلى سلك هذا الأسلوب المنحط بصورة أكبر للحصول على المكسب المادي من وراءهِ جراء عمل الإعلانات بفعل الشهرة التي اكتسبوها وهي نافذة لازالت تبحث عنها كافة الشركات في العالم لترويج منتجاتها.

     إن دور القنوات الفضائية في نشر الأفعال السلبية التي يتخذها البعض بهدف الظهور إلى المجتمع واكتساب الشهرة بوسائل تتصف بالبذائة والانحطاط فهو لا يخفى على أي عراقي اليوم.

     إن المحافظة على القيم الديمقراطية والاجتماعية والثقافية والاسلامية للمجتمع هي من مهمة شبكة الإعلام العراقي بموجب المادة (2) من قانون تلك الشبكة رقم (26) لسنة 2015، فتهدف هذه الشبكة وفق ما رسمه لها المشرع من أهداف إلى أن تساهم في نشر القيم الدينية والأخلاقية والديمقراطية، بالتأكيد لا نرى أية إجراءات حقيقية لهذه الهيئة بأن تأخذ دورها في مراقبة كل ما يُنشر على المنصات الفضائية من برامج، وأن قامت تلك المنصات ببث أية إساءة إلى الجمهور فكان الأولى أن يتم التعامل معها بشدة وصرامة لكونها تستطيع أن تحذف تلك المقاطع عند عملية المونتاج أي قبل عملية الإخراج إلى الجمهور، فنضمن بذلك برامج هادفة لا برامج منحطة غايتها معروفة كسب المزيد من المشاهدات وإثارة الرأي العام بالتحدث عنها، فنتمنى أن تأخذ هذه الهيئة دورها في الحفاظ على القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع العراقي كما نص قانونها.

    وبالعودة إلى بيان الكيفية المناسبة التي يتم التعامل بها مع أصحاب المحتوى الهابط كما يطلق عليهم، نرى أن اطلاق الجهة الإدارية منصة (بلغ) لاستقبال التبليغات من قبل المواطنين، ولتساعد تلك العملية في رصد المخالفات المسيئة للنظام العام فهي خطوة بالاتجاه الصحيح فيما إذا لحقتها إجراءات تكفل لنا معالجة تلك الظاهرة السلبية بصورة حقيقية.

    فعند ورود مثل تلك البلاغات، يمكن لجهة الإدارة أن تحيل الموضوع إلى الادعاء العام للتأكد من كون هذا الفعل يشكل خطرًا على النظام العام في المجتمع، أو أن تحيل موضوع البلاغ إلى قاضي التحقيق ليتولى التحقيق بشأنه، أو أن جهة الإدارة بإمكانها أن تبلغ الادعاء العام أو قاضي التحقيق بالأمر مباشرة. بعد ذلك يمكن للادعاء العام أو قاضي التحقيق أن يقوم بتبليغ قاضي الجنح وفقًا للمادة (321) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971، والتي جاء فيها: “للادعاء العام أو قاضي التحقيق أن يبلغ قاضي الجنح عن الاشخاص الآتي بيانهم إذا كان يخشى من ارتكابهم فعلاً مخلاً بالأمن ويرفق ببلاغه التحريات أو الدلائل التي تعززه: 1- كل شخص ليست له وسيلة جلية للتعيش. 2- كل شخص حكم عليه مرتين أو أكثر … في الجرائم المخلة بالآداب العامة …”.

     إن غاية هذا البلاغ هو لجعل هؤلاء الأشخاص يقدموا تعهدًا بحسن سلوكهم خلال المدة المحددة قانونًا. ويلحظ على هذه المادة أن المشرع أشترط أن يقدم البلاغ إلى قاضي الجنح من قبل الادعاء العام أو قاضي التحقيق، ولقد أكد قانون الادعاء العام النافذ اختصاص الادعاء العام بتقديم الطلبات وإبداء الرأي في قضايا التعهد وحسن السلوك وذلك بنص المادة (5/البند العاشر) ولما لا فهو ممثل المجتمع وهذا دورهُ. إذن حصر المشرع الجهات التي يمكنها تقديم البلاغ بجهتين هما (الادعاء العام وقاضي التحقيق) فلا يستطيع المحقق أو عضو الضبط القضائي أو غيرهم من تقديم هذا البلاغ إلى قاضي الجنح.

    والغاية من ذلك إن الشخص الذي ليست له وسيلة جلية للعيش، حالته هذه تدل على أنه شخصًا غير مستقر اجتماعيًا ووضعه قلقًا، بحيث يمكن أن تصدر منه تصرفات مخلة بالأمن من أجل أن يوفر العيش المناسب، هذه الذريعة التي اتخذها الكثير من المشاهير المعروفين بسوء السلوك والتصرفات بنظر المجتمع بالتأكيد لا تبيح لهم أن يتخذوا من الأفعال أو التفوه بالكلام الذي يسيء إلى الآداب والأخلاق العامة وسيلةٌ لكسب المال، وبالتالي أن تصرفاتهم قد تؤثر على سير النظام العام في المجتمع، وهذا ما أكدته “وزارة الداخلية” في التقرير الذي بثتهُ على صفحتها الرسمية في منصة “الفيس بوك” بتاريخ 16/1/2023 بالنص الآتي: “السمة الغالبة لما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا العالم الجديد عند البعض أصبح عالم المحتوى الهابط، لعل الكثير يتساءل إن المحتوى الهابط الرقمي هل هو حرية إعلامية أم انتهاك لمعاير المجتمع الاخلاقية.. محتويات تنشر على السوشيل ميديا تخالف القانون وتحتوي على إساءة وتحريض وتهديد وابتزاز حتى أنها باتت خطرًا على الأمن وتسيء إلى هيبة العسكر …”.

   أما الفئة الثانية، فهم أشخاص لهم سوابق إجرامية وما دامت لهم تلك السوابق فأن وضعهم سيكون خطرًا على المجتمع وقد يخشى منهم من العودة إلى ارتكاب الأفعال المخلة بالأمن لذلك فقد خصهم المشرع بالإبلاغ أيضًا.

    وعند ورود البلاغ إلى قاضي الجنح يتخذ الإجراءات اللازمة بتكليف الشخص المبلغ عنه بالحضور أمامه في يومٍ معين مع بيان مضمون البلاغ ضمن ورقة التكليف بالحضور، لكي يستطيع الشخص المبلغ عنه الدفاع عن نفسه ويكون على بينه من الأمر الذي سيحضر عنه، وهذا ما اشارت إليه المادة (323) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ بالقول انه: “يوجه القاضي ورقة التكليف بالحضور إلى الشخص المبلغ عنه يذكر فيه مضمون البلاغ ويطلب إليه فيها أن يحضر أمامه في يومٍ معين ويقدم ما لديه من أوجه الدفاع أو ما ينفي به صحة البلاغ على أن يذكر في ورقة التبليغ مبلغ التعهد ومدته”.

    وعند حضوره يستطيع أن يفند ما ورد في البلاغ، حيث أن القاضي لا يستطيع أن يمنعهُ من ممارسة حق الدفاع، ولأن ذلك يساعد قاضي الجنح أن يقف على حقيقة البلاغ، وعند وقوفهُ حول حقيقة البلاغ من عدمه يصدر قرارهُ وفقًا لما يتراءى له من قناعة كافية بموجبها يستطيع إما أن يرد البلاغ المقدم من قبل الادعاء العام أو قاضي التحقيق أو يقرر قبوله وتكليف المبلغ عنه بالتعهد.

   ففي حال لم يقم بالتعهد ولم يتقدم بالكفالة أو مبلغ الضمان فيستطيع قاضي الجنح إيقاع الحجز عليه وإيداعه السجن إلى أن تنتهي المدة المحددة وهي لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وإذا قدم التعهد على الوجه المطلوب خلال فترة الحجز يمكن حينها إخلاء سبيله.

   وفي حال تعهد بحسن سلوكه خلال مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات على أن يقترن ذلك بكفالة كفيل أو أكثر أو بدونها بأن يدفع مبلغ الضمان خلال المدة التي يحددها قاضي الجنح في حال أرتكب من قبيل الجرائم المخلة بالآداب العامة وهي إحدى الأفعال المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة (321). فضلاً عن ذلك فأن هذا سيشكل جريمة يعاقب عليها وفقًا لقانون العقوبات النافذ وبالتالي يمكن إنزال التكييف المناسب عليها عند ذلك، إذ أنها يمكن أن تدخل تحت طائلة تجريم المادة (403) من قانون العقوبات. وهذا ما أكدته المادة (327/ب) أصولية من أنه: “إذا ثبت اخلال الشخص بتعهدهُ استنادًا إلى حكم بات صادر عليه فيحصل مبلغ التعهد والضمان منه ومن كفيله وفق قانون التنفيذ بناء على مذكرة يقدمها القاضي إلى المنفذ العدل ويقيد هذا المبلغ أو مبلغ الضمان المدفوع نقدًا إيرادًا للخزينة”.

    أما في حال لم يرتكب الشخص المتعهد جريمة مما نص عليها القانون، فيرد إليه المبلغ الذي دفعه وتعتبر الكفالة ملغاة.

    إن أتباع هذا الأسلوب نراه أفضل لمعالجة هذه الظاهرة خيرًا من أن نلجأ إلى تكييفها إلى النصوص العقابية والتي قد تكون غير كفيلة بمعالجتها وأن كانت كفيلة لفترة من الزمن إلا أنها ستتلاشى بعد حين وتصبح أمرًا منسيًا. كما أن الدولة لا يمكنها أن تلجأ إلى تكميم الأفواه لأن ذلك يتعارض مع الحريات فكان الأفضل أن نبحث عن طرق كفيلة تعالج تلك الظاهرة لا أن نفكر بكيفية تكييفها وإنزال النصوص القانونية عليها لمكافحتها عقابيًا قبل أن نكافحها إجرائيًا، وما يؤكد كلامنا أن قاضي محكمة تحقيق الكرخ الثالثة المختص بقضايا النشر والإعلام “عامر حسن” وبتقرير تم نشره على موقع “وكالة الانباء العراقية” يذكر فيه: “نحن نشجع على خطوة الاعتذار وحذف المحتوى المسيء، وندعو المدونين كافة، وما يصطلح عليهم (المشاهير) بأن يقوموا بحملة مراجعة لمحتواهم، ومحاولة حذف المحتوى المسيء للأخلاق والمخل بالحياء العام”. ثم يضيف بأن: “الدعاوى لا تسقط لأن الجريمة وقعت، ونحن كمحكمة في حال عرضت علينا دعاوى بحق هؤلاء، سواء أكان من قبل مشتكي متضرر من هذا الموضوع أم من قبل مخبر فسنتعامل مع هذه الدعاوى، وفي حال وجدت المحكمة خطوة تدل على وجود حسن نية لدى هؤلاء فممكن أن تراعيها المحكمة عند الإجراءات التحقيقية أو عند إصدار الأحكام”.

    يتضح بأن الإجراءات المتخذة من قبل القضاء هي تهدف بحق إلى مكافحة تلك الظاهرة السلبية، غير أن مكافحتها لا تأتي بفرض العقاب مباشرةً، لذلك نرى أن يُعاد النظر بالآلية التي يتم التعامل بها مع هذه الظاهرة.

    كما يذكر القاضي “عامر حسن شنته” في تقرير له نشر على الموقع الإلكتروني لـ “بغداد اليوم” مفاده بأن: “هنالك إقرار مرتقب كلائحة لقواعد البث وما يتعلق بالإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي”. بالتأكيد نحن نؤيد مثل هذه الخطوة بصورة كبيرة فالإدارة تستطيع أن تُقيد ذلك، فهي تملك وسيلة (الضبط الإداري)، على أن يتم التعامل مع المخالفين معها ضمن ما أوردناه، لا أن يصار مباشرة إلى انزال النصوص العقابية موضع التطبيق وتكييفها على الوقائع بما يتعلق بمكافحة هذه الظاهرة السيئة التي شكلت خطرًا على النظام العام.

  • جمانة جاسم الأسدي
  • علي قاسم الحمداني.