كتب من قبل : الاستاذة جمانة جاسم الاسدي
لأجل تمكين القضاء من لعب دوره المنشود وتحقيق الغاية من سن قانون العمل فقد اتجه الى اعطاء طرفي العقد والعامل على وجه التخصيص العديد من المزايا والضمانات ، منها ما يمكن وصفه بالضمانات الموضوعية المتمثلة بالحقوق المادية والمعنوية والالتزامات المتبادلة ، ومنها ما يعد على قبيل الضمانات الاجرائية المزمع ممارستها امام الجهة القضائية لحماية العمال بوصفهم الجهة الاضعف في العقد ، وهذه الضمانات ما هي الا مجموعة من الضوابط والقواعد التي نص عليها قانون العمل لتنظيم النشاط الذي تباشره محكمة العمل بما لديها من مبادئ واختصاصات .
ولم يتوانى المشرع العراقي عند تقنينه لنصوص قانون العمل الجديد رقم 37 لسنة 2015 عن تنظيم هذه الضمانات في حال لم يتوصل اطراف العقد الى حل للنزاع بشكل او بأخر وعرض امام محكمة العمل، مع مراعاة الطبيعة الخاصة لطرفي العقد من حيث كونهم طبقتين غير متوازيتين في المركز الاجتماعي والاقتصادي ، وهذه الضمانات او الامتيازات (كما يطلق عليها المشرع الجزائري الشقيق) على الارجح فرضا ان العمال لا يعلمون بها وتنتفي امكانية تحرزهم بها ، مما يسهم بالمقابل من ذلك استغلال صاحب العمل لهم بشكل مستمر.
ان هذه الضمانات الممنوحة للعمال عند التقاضي امام المحاكم العراقية تتجسد امرين ، اولهما فأنه متمثل بالتعجيل من حسم الدعوى العمالية والنظر فيها على وجه الاستعجال كونها من الدعاوى المستعجلة قبل فوات الفرصة للعمال ولان من هدف الدعوى هي حماية العامل بالدرجة الاولى فأن النظر العادي في التقاضي يكون بطيء ولا يحقق العدالة الاجتماعية ، وقد نص المشرع العمالي العراقي في المادة 166 الفقرة الثالثة منها على : “تعد دعاوى العمل من الدعاوى المستعجلة”.
واقعا ان هذا الامر يعزى الى ان العامل يعتمد على أجره بصفة أساسية في معيشته اليومية مما يعني عدم امكانية انتظار بطء الدعاوى العادية ، تشريعات العمل تورد بعض العبارات للدلالة على وجوب نظر الدعوى العمالية بصورة سريعة من هذه العبارات (يكون نظرها على وجه السرعة) أو (تنظر الدعوى على وجه الاستعجال) وهي التي لا تمس أصل الحق ويطلب الحكم فيها بالنظر لما لها من صفة الاستعجال، وتختلف عن دعاوى التي يطلب النظر فيها على وجه السرعة لأنها دعاوى موضوعية تمس أصل الحق ويطلب الحكم فيها موضوعيا ، وأن الغرض الاساسي في النظر بالدعوى على وجه الاستعجال، يتمثل فقط في حث المحاكم على حسم الدعوى بدون تأخير مع ابقاء اجراءات رفع الدعوى واجراءات الطعن في الاحكام الصادرة عن محاكم العمل ومواعيدها خاضعا للقواعد العامة .
اما الضمانة الثانية هي في اعفاء العامل من دفع الرسوم القضائية عند اقامة وسير الدعوى بشكل كامل ، وهذا الاعفاء من الرسوم القضائية يكون في حالة كسب الدعوى لصالح العامل او حتى في الحالة المعاكسة وهي خسارته لها ، من منطلق توفير الحماية للجهة الاضعف اقتصاديا في كل الاحوال .
ومما تجدر الاشارة اليه ختاما في هذا الجانب ان المشرع العمالي العراقي اعطى الدعاوى العمالية تسهيلات خاصة ، متجسدة بإعفاء العامل والمنظمة النقابية إذا ما لجأوا لإقامة دعوى فإنهم يعفون من دفع الرسوم القضائية، ويعد ذلك من الاستثناءات القليلة التي نصت عليها التشريعات العراقية ، كذلك نجد انه يشمل الاعفاء في جميع مراحل التقاضي من دون أن يشترط فيه قرب الكسب من منطلق ان النص المطلق يجري على اطلاقه ، والأخذ بالمفهوم الواسع لمصطلح العامل فيشمل العامل سواء أكان وطنيا ام اجنبيا، كذلك لا يقتصر الاعفاء على رسوم محكمة الدرجة الاولى وانما يمتد الى جهة الطعن محكمة التمييز الاتحادية أي جميع مراحل التقاضي، سواء كانت مستندة الى قانون العمل أو قانون التقاعد والضمان الاجتماعي وأي قانون آخر يمنح العامل حقا يدخل في الاختصاص لمحكمة العمل ، كما ان الإعفاء من الرسوم القضائية يمتد الى ورثة العامل بعد وفاته، وان لم ينص القانون على هذا الامتداد وذلك بالرجوع الى الحكمة التشريعية من الاعفاء التي تتمثل في تخفيف عن كاهل العامل وتمكينه من الحصول على حقه حتى لا يفقد حقه بسبب وفاته، لذلك فان الحاجة إلى الإعفاء بالنسبة للورثة أكثر إلحاحا للحصول على ما يستحقه العامل المتوفي، وهذه الضمانة وردت في المادة 167 من قانون العمل السالف الاشارة اليه، والتي تنص على انه: “يعفى العامل المدعي أو منظمته من دفع رسوم اقامة الدعوى في جميع مراحل التقاضي”.