د . آمال علي الموسوي

   أصدرت محكمة التمييز الاتحادية في العراق قرارها بالعدد 963/ الهيئة المدنية / 2022 ، بتاريخ 2/ 2 / 2022،  بان دية القتيل لا تعتبر من أموال تركة المتوفى ولا يسري على تقسيمها الحصص الإرثية في القسام الشرعي ، وانما يخضع توزيع المبلغ المدفوع كفصل عشائري على العرف والتقاليد في عشيرة المتوفى ، فالمحكمة أدخلت شيخ العشيرة شخصا ثالثا للاستيضاح لكونه هو من استلم مبلغ الفصل وهو بدوره اعتمد على خبير مختص بالأمور الاجتماعية والأعراف العشائرية لتقسيم المبلغ على المستحقين وفقاً لهذه التقاليد والأعراف قضت فيه بأن المرأة لا تستحق من دية القتيل سواء كانت  أم  أو زوجة او بنت  ، وهذا ما يخالف الشريعة الإسلامية بأن الدية تدفع لأقرباء القتيل وتقسم  مثلما يقسم ارث المتوفى .

   وبإمعان النظر في حيثيات القرار نجده غير منصف يحتاج الى تدقيق ليتطابق مع الشريعة ، فالقضاء رغم استقلاله إلا انه ملزم بتطبيق القانون تطبيقا سليما ونصت المادة (88) من دستور العراق لسنة 2005 التي تنص على أن ( القضاة مستقلون ، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ، ولا يجوز لأي سلطة التدخل في القضاء او في شؤون العدالة ) فلابد  لمحكمة التمييز ان تضع نصب عينيها عدم انتهاك حقوق المرأة سواء كانت أم أو زوجه او بنت  بالتعويض عن القتل الخطأ ، فالإسلام حفظ  حقوق المرأة ، وحرص على اكرام المرأة وانصافها اما واختا وزوجة وبنتا ، واتخذ جميع التدابير الشرعية لحمايتها وصونها  واعطاها حق الإرث ، ومنها الدية عن القتل الخطأ  ، الا أن القضاء العراقي في احد قراراته سلب حقوقها ظلما وخاصةً في المناطق الريفية  .

    وبالرجوع إلى احكام القران الكريم نجد  قوله تعالى ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى اهله إلا ان يصدقوا …) وعليه  توزع دية القتيل على الورثة  حسب انصبتهم في الميراث الشرعي في القتل الخطأ ، فللزوجة الثمن فرضا استنادا الى قوله تعالى ( فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم …) ولامه السدس  كما في قوله تعالى ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد …) وما بقي بعد فرض الزوجة والابوين يقسم على الاولاد للذكر مثل حظ الانثيين كما في قوله تعالى (  … للذكر مثل حظ الانثيين ) ، اما اذا كان اناثا فقط فلهن الثلث فرضا ، فالثابت ان دية المقتول خطأ تقسم كالميراث ، فقد  كانت هذه الآيات مصداقاً للعدل وترجمة للأمانة التي كلف الله بها الجميع سواء الدستور والقانون والاعراف العشائرية والتقاليد وحتى شيخ العشيرة  ، ونجد أيضا مصداق لكلامنا في حديث للرسول (ص) حيث قضى ( إن العقل ( الدية ) ميراث بين ورثة القتيل على قرابتهم ، فما فضل فللعصبة ) وهكذا يتبين ان دية المقتول تقسم على ورثته كسائر الأموال التي تركها بعد تسديد ديونه إن كان مدينا ، فكيف للقضاء العراقي ان يحكم ان الدية او ( التعويض) لا تدخل في أموال تركة المتوفى   ولا يسري علي تقسيمها الحصص  الإرثية . 

   ويمكننا القول أن محكمة التمييز الاتحادية في العراق تعد قمة المحاكم  وهي الهيئة القضائية العليا التي تمارس الرقابة القضائية على جميع المحاكم ، فالاجتهاد القضائي التي جاءت به هذه  المحكمة لابد من مناقشة هذا الحكم والتعليق عليه بالرجوع الى الاسانيد القانونية  فضلا عما ذكرناه من الاسانيد الشرعية وبما جاء به كتاب الله من الآيات المتعلقة بهذا الشأن من الموضوع  ، فكيف  للقضاء العراقي وهو اعلى جهة قضائية لا يمتثل للحكم الشرعي في الديات و ينكر حقوق المرأة وهي الأولى بالرعاية .

   ونرى ان لهذا القرار ما يستوجب تحليله والوقوف على بعض المسائل التي لا تنطيق مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، فالنقطة الأولى التي تسجل لصالح محكمة التمييز انها اعتبرت دية القتيل ( تعويض )وقد يكون هذا التعويض  اتفاقي وحسنا فعلت لان التعويض  مرتبط بحجم الضرر سواء كان الضرر مادي او معنوي ، ومما لا شك فيه أن  القتل الخطأ هو ضرر يتأثر به اقرباء القتيل ، الاقرب فالأقرب ، فضلا عن ان عناصر التعويض هي الخسارة اللاحقة والكسب الفائت ، وخصوصا اذا كان  القتيل هو المعيل الوحيد للعائلة ،  ولكن لا نتفق مع القضاء العراقي بخصوص عدم تحديد معايير التعويض وكيفية تقديره بالنسبة   للمتضررين ، فكيف تتحقق عدالة التعويض في ظل غياب المعايير الجوهرية لهذا النوع من التعويض ، وكيف يتم توزيع مبلغ الدية على المتضررين وفقا للأعراف العشائرية،  وهل اعتمدت  المحكمة على نصوص قانونية من انه التعويض يتم توزيعه وفقاً للأعراف ، وهل من العدالة ان تحرم أم القتيل او زوجته ام بنته من الفصل العشائري فاين حقوق المرأة المتضررة من القتل الخطأ  ، واي قانون حكمت به محكمة التمييز في حرمان المرأة من التعويض وهي الأكثر تضررا ، وهل  لهذه الاعراف والتقاليد  قانون تسير نحوه  وما هي المعايير التي يستند اليها شيخ العشيرة في تقسيم التعويض ، وهل هناك ضوابط قانونية او شرعية ملزم بها،   وفي حال عدم التزام شيخ العشيرة بما فرضه الله والقانون فمن ذا الذي يحاسبه .

   وتنطوي وجهة نظرنا  في إن الدية ( التعويض ) في العرف العشائري وصلت في بعض الحالات الى مستويات غير مقبولة لا تتناسب مع كرامة الانسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص .

   ولكن نرى ان هناك اجحافا بحق المرأة  من قبل القرار الصادر من  محكمة التمييز والأعراف العشائرية في كون اغلبها لا يأخذ بعين الاعتبار نصاب الدية الشرعية للمرأة ولهذا فان محكمة التمييز عندما نقضت الحكم وخالفت الشريعة الإسلامية  في المسألة المتعلقة بمطالبة المرأة بحقها من دية زوجها المقتول ،إذ انها لم تأخذ بنظر الاعتبار الحكم الإلهي في إعطاء حق المرأة من الدية ، فالعرف العشائري لا يمثل حكم شرعي ولا قانون دولة ، فالتقدير وفق العرف العشائري عمل باطل وغير مقبول لأنه  يعطل حكما من احكام الله ولم تلتزم بالتطبيق الحرفي لنصوص الدستور ومنها المادة الثالثة التي نصت على عدم مخالفة ثوابت الشريعة ، ومما لا شك فيه ان الشريعة حفظت حقوق المرأة فكيف للقضاء العراقي انكار ذلك ، وهل لديه ما يثبت قانونا وشرعا ان المرأة ليس لها من تركة زوجها المقتول  .

  وتحقيقاً للعدالة ومراعاة للأعراف القبلية العشائرية في العراق التي تنسجم مع احكام الدين الإسلامي وبغية الحد من الظواهر الشاذة والممارسات الفردية التي لم تمت بصلة الى موروثنا من القيم والأخلاق الحميدة والمواقف الإنسانية للقبيلة والعشيرة العربية الاصلية ، نأمل من المشرع العراقي تنظيم احكام حقوق المرأة عند اصدار قانون مستقبلا وبالأخص قانون الاحوال الشخصية بما ينسجم مع الشريعة الإسلامية التي حفظت حقوقها ونظمتها بما يتلاءم مع مكانتها في المجتمع والاسرة ، لا سيما حقوقها من الدية ( التعويض ) في حالة القتل الخطأ ، وضرورة وضع ضوابط قانونية تحد من التجاوز على حقوقها من إيه جهة كانت مع تجريم كافة الأعراف العشائرية التي تتعارض مع احكام الشريعة الإسلامية ، وأخيرا مما يلاحظ ان القضاء العراقي في هذا القرار الموسوم  كان  أبعد عن احكام  الله  ولا يستند الى دليل شرعي .