أسباب فتح القبر
د.ضياء عبدالله عبود الجابر الاسدي
جامعة كربلاء/ كلية القانون
عندما تلجأ السلطات القضائية المختصة إلى أعطاء الإذن بفتح القبر والكشف على جثة المتوفى ،لابد أن يكون هذا القرار مستنداً إلى أسباب ومبررات قانونية وواقعية ضرورية دعت السلطة المختصة إلى اتخاذ مثل هكذا قرار مهم وخطير،من المفترض لا يتم اللجوء إليه إلا في الضرورات القصوى،كون القانون قد حمى جثة الإنسان وحرم انتهاكها،بأي شكل من الأشكال،والتي منها فتح أو كشف القبر،ما لم يتم الأمر بأذن السلطات المختصة،والذي يسبغ الصفة القانونية على هذا الإجراء.فهذا الإجراء قد يلجأ إليه القائم بالتحقيق لغرض جمع الأدلة المادية، من خلال فتح القبر وإعادة الكشف على جثة المجنى عليه للتأكد من أسباب الوفاة. .
وهناك العديد من الأسباب التي تدعو السلطات القضائية المختصة إلى إصدار القرار الخاص بإعطاء الإذن لفتح القبر من قبل الجهات ذات العلاقة والكشف على الجثة من قبل المختصين كالأطباء العدليين، ومن هذا المنطلق قد يسمح قاضي التحقق أو المحكمة المختصة بفتح القبر لأسباب عدة منها:- .
أولاً- الشك الحاصل من قبل السلطات المختصة في أسباب الوفاة/قد تحصل السلطات المختصة بعد دفن المتوفى(المجنى عليه) على معلومات جديدة تؤكد بأن الوفاة لم تكن طبيعية،أو كانت جنائية لكن لأسباب تختلف عن الأسباب التي كانت معروفة سابقاً،والتي تم الدفن بناءً عليها،فيتطلب الأمر هنا إعطاء الإذن بفتح القبر لإجراء الكشف على الجثة وفحصها،للتأكد من تلك المعلومات والوقوف على الحقيقة من خلال فحص الجثة في مكان الدفن من قبل الطبيب المختص أو بعد نقلها إلى مختبرات الطب العدلي للحاجة الملحة لذلك الأمر،ونتيجة الكشف والفحص قد تؤكد تلك المعلومات الجديدة،مما يعني اختلاف سير التحقيق والقرارات التي تتخذها السلطات القضائية المختصة في ضوء ما تمخض عنه ذلك الكشف والفحص،أو يتبين عدم دقة تلك المعلومات فتستمر الدعوى الجزائية على شاكلتها الأولى،أو تنقضي لتوافر أسباب الانقضاء .
ثانياً/ طلب ذوو العلاقة (المجنى عليه،أو الجاني،الشهود،الخبراء) لوجود الشك لديهم في أسباب الوفاة،فمن حق ذوي المجنى عليه،والشهود والخبراء المختصين،بل حتى الجاني مفاتحة الجهات القضائية المختصة للحصول على إذن بفتح القبر وإعادة الكشف على الجثة وفحصها للتثبت من أسباب الوفاة على ضوء الأدلة التي يقدمونها والتي قد تغير مسار القضية لصالح أحدهما ،ففي بعض الحالات يتقدم ذوو المجنى عليه بطلب فتح القبر لوجود شك لديهم في أسباب الوفاة التي عدت طبيعية ابتداء، في ضوء قرارات السلطة القضائية المختصة،لكنهم يملكون من الأدلة ما يكفي لتأييد وجهة نظرهم بوجود شبهة جنائية في الموضوع ،وهذه الأدلة غالباً ما تظهر بعد أعطاء السلطة المختصة قرارها لذوي المجنى عليه بدفن الجثة. .
وفي أحيان أخرى يتقدم ذوو الجاني بهذا الطلب لظهور أدلة جديدة تثبت عدم وجود حالة جنائية كسبب لوفاة المجنى عليه،والتي بنت عليها السلطة المختصة قرارها بإحالة الجاني أو ثبوت مسؤوليته ،بل أن الوفاة كانت طبيعية،وأن كانت هذه الحالة أقل حصولاً من حيث الواقع العملي،لان السلطات المختصة لا تعطي الإذن والتصريح بدفن الجثة إلا بعد استكمال الإجراءات التحقيقية،من فحص الجثة وتشريحها من قبل الطب العدلي،ولكن احتمالية الشك والخطأ واردة،ومن حق جميع الأطراف طلب اتخاذ الإجراءات التي يرونها تحقق مصلحتهم في الدعوى الجزائية،وبموافقة السلطة المختصة. .
كما يحق لبقية الأطراف كالشهود الذين يؤكدون من خلال المعلومات التي يدلون بها أمام السلطات المختصة بأن هناك حالة جنائية في تلك القضية،فعلى السلطة المختصة أن تتثبت من تلك المعلومات ،لاسيما إذا كانت الشهادات متعددة،كما يمكن للخبراء المختصين أن يطلبوا أعادة الكشف على الجثة وفحصها من جديد.
ويمكن كذلك للسلطة القضائية المختصة ومن أجل التثبت من حالة معينة أو استكمالا للإجراءات أن تعطي الإذن بفتح القبر من تلقاء نفسها ولو بدون طلب من أطراف الدعوى،لان طلب فتح القبر وإعادة الكشف على الجثة هو إجراء من الإجراءات التحقيقية في الدعوى الجزائية يمكن طلبه من جميع الأطراف،ولكن عدم طلبه من الأطراف لا يمنع السلطات القضائية المختصة من القيام به ،بل نرى أمكانية ذلك حتى في حالة معارضة ذوي العلاقة واقتناعهم بأن الوفاة كانت طبيعية،أو على العكس أن هناك حالة جنائية في الموضوع،لان هدف السلطات القضائية من ذلك الإجراء الوصول إلى الحقيقة مهما كانت،ولصالح أي طرف كان . .
ثالثاً/ ارتباط التحقيق في جريمة أخرى بضرورة فتح القبر،كإخفاء الأشياء التي كانت محلاً للجريمة،أو وقعت عليها الجريمة في قبر من القبور،وثبت ذلك لدى السلطات المختصة من خلال اعتراف المتهم،أو المتهمين أو بعضهم،أو بشهادات بعض الشهود،فمن أجل الوصول إلى الحقيقة والتثبت من مدى صحة الاعتراف وصدقه،أو صدق الشهادات،يتطلب الأمر أعطاء الإذن بفتح القبر للتثبت من وجود هذه الأشياء(النقود،المجوهرات،الأسلحة،أدوات الجريمة)،وبالتالي ضبط هذه الأشياء أن كانت موجودة فعلاً من خلال محضر تبين فيه الإجراءات المتخذة من فتح القبر وضبط هذه الأشياء وذكر نوعيتها وأعدادها وتفاصيلها بالدقة المطلوبة ،(إن هذا السبب يخرج عن نطاق البحث ولكننا أثرنا الإشارة إليه لتعميم الفائدة،واستكمال أسباب فتح القبر).
رابعاً/أن ذوي المجنى عليه قد أخفوا عن السلطات سبب الوفاة الحقيقية وأستحصلوا على شهادة الوفاة ،والتي تبين أن الوفاة كانت اعتيادية (الأجل المحتوم ) إلا أن المعلومات التي ترد إلى الجهة المختصة( المحقق أو قاضي التحقيق أو المحكمة المختصة توضح أن الوفاة كانت جنائية،وليست وفاة طبيعية أو قضاءً وقدراً .فعلى سبيل المثال قد يكتشف ذوو المجنى عليه،أو الجهات المختصة أن الوفاة حصلت عن طريق أعطاء السم والذي اكتشف لاحقاً في طعام المجنى عليه،أو أن هناك تلاعب وتزوير قد حصل في الاستمارة الخاصة بالتشريح وبيان أسباب الوفاة،وتم اكتشاف ذلك بعد حين،أو أن الدفن قد تم من دون تشريح للجثة لمعرفة سبب الوفاة وهو ما ثبت لاحقاً.
خامساً/ قيام من له علاقة بالمجني عليه بأخبار السلطات المختصة بصورة مباشرة ،أن الوفاة لم تكن قضاءً وقدراً ،وانه يشك بان الوفاة كانت نتيجة عمل أجرامي، ويقدم معلومات وأدلة تشير إلى ذلك،تقتنع بها السلطات المختصة،كان تكون الوفاة حصلت بدس السم في طعام المجنى عليه،أو بسبب دفعه من مكان عال كسطح المنزل،فتستجيب لطلب فتح القبر . .
سادساً/ وقوع الطبيب الذي قام بالكشف على الجثة في خطاَ عند إجراء الكشف عليها،أو في أعداد التقرير الخاص بتشريح الجثة أو بيان أسباب الوفاة،وقد تم اكتشاف هذا الخطأ بعد دفن الجثة،فقد يحصل خطأ عند ملء الاستمارات الخاصة بالمتوفى من قبل الطبيب العدلي،أو عند إرسال الأوراق الخاصة بتقرير الطب العدلي