في 8 يوليو / تموز 2024 أعلن جنوب السودان أن الجمعية التشريعية الوطنية
الانتقالية صادقت بالإجماع على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل والمعروفة باسم
(عنتيبي) يأتي هذا التطور في أعقاب تصديق خمس دول من حوض النيل – إثيوبيا
وتنزانيا ورواندا وأوغندا وبوروندي – مما مهد الطريق لدخول اتفاقية الإطار التعاوني
لحوض النيل حيز النفاذ بعد ستين يوميا من إيداع جنوب السودان تصديقه لدى الاتحاد
الافريقي، كما هو منصوص عليه في المادة 24 من الاتفاقية، في حين أن دخول هذه
الاتفاقية حيز التنفيذ يشكل تطوراً مهما بالنسبة لدول حوض النيل، فإن رفضها من جانب
دول المصب – مصر والسودان – يشكل تحديات كبيرة للإدارة التعاونية لمجرى مياه
النيل.
لقد رفضت دول المصب اتفاقية الاطار التعاوني للحفاظ على الوضع الراهن الذي
أنشأته اتفاقيات 1902 و 1929 1959 والتي يطلق عليها مجتمعة اتفاقيات مياه النيل
القائمة، ومع تزايد احتياجات المياه في حوض النيل مع اقتراب نهاية القرن العشرين
عززت دول المنبع دعواتها لوضع إطار قانوني جديد في عام 1997 بدأت جميع دول
حوض النيل في ذلك الوقت باستثناء إريتريا في التفاوض وصياغة اتفاقية الاطار التعاوني
وخلال المفاوضات كان مصير اتفاقيات مياه النيل القائمة موضع جدل كبير، وسعت دول
المنبع إلى استبدال هذه الاتفاقيات واستبدالها باتفاقية الإطار التعاوني في حين أصرت
مصر والسودان على الاعتراف بها واستمرار صلاحياتها.
كانت اتفاقية الاطار التعاوني اول محاولة متعددة الأطراف من جانب جميع دول
حوض النيل للتعاون في تطوير إطار قانوني ومؤسسي على مستوى الحوض لتنظيم
استخدام وإدارة مجرى مياه النيل، وبعدّها اتفاقية حديثة فأنها تدون مبادئ القانون الدول ي
العرفي للمياه، بما في ذلك مبدأ الاستخدام العادل والمعقول، والالتزام بمنع الضرر
الجسيم، وقد اعتمدت في صياغتها بشكل كبير على اتفاقية الأمم المتحدة بشان المجاري
المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية، وتعكس ايضا الاتجاهات الحديثة في القانون
الدولي للبيئي، خاصة فيما يتصل بتأكيدها على حماية وحفظ حوض النيل ونظامه البيئي،
وتعترف الاتفاقية بأن كل من دول حوض النيل المنبع والمصب تحتفظ بحقوق متساوية في
استخدام مجرى النيل، من دون النظر إلى أي درجة سابقة بتطور النيل أو استخدامه، كما
تضمنت الاتفاقية مفهوم تقاسم المنافع ضمن مبدأ الاستخدام العادل والمعقول، وأنشاء لجنة
حوض نهر النيل كهيئة مؤسسية تعمل على تعزيز وتنسيق التعاون بين دول الحوض فيما
يتصل بحوكمة النيل، ومن المقرر أن تتمتع هذه اللجنة بمجموعة واسعة من الصلاحيات.
أن تنفيذ هذه الاتفاقية يمثل تحديا كبيراً من حيث أنه بموجب القانون الدولي العرفي لا
تخلق المعاهدات التزامات او حقوق لطرف ثالث دون موافقته، ونظرًا لاستمرار مصر
والسودان في رفض الاتفاقية فأنها تخلو من أي أهمية قانونية تجاه هذه الدول، وحتى لو
افترضنا إمكانية تنفيذها عمليا،ً فإن دخولها حيز التنفيذ من شانه أن يخلق مؤسستين
متوازيتين على مستوى حوض النيل، فوفق ا للمادة 30 من اتفاقية الاطار التعاوني، فإن
مجلس حوض النيل سوف يخلف الدول التي ليست طرفا في الاتفاقية في جميع حقوقها
والتزاماتها وأصولها، وعليه ماذا سيحدث للحقوق والالتزامات التي تقع تحت مظلة مبادرة
حوض النيل للدول التي ليست طرفا في الاتفاقية ولا تخطط لان تكون طرفا فيها؟ فضلاً
عن ذلك إذا لم تحكم الاتفاقية العلاقة بين دول حوض النيل الواقعة في المنبع والمص ب،
فلن تمارس هيئة حوض النيل وظائفها على النحو المطلوب.
إن اتفاقية الإطار التعاوني تمثل الخيار الأفضل للتعاون المؤسسي على مستوى حوض
النيل، ولكن لكي يتحقق هذا يتعين على مصر والسودان الانضمام إلى الاتفاقية، وقد
أعربت كلتا الدولتين عن معارضتهما السابقة، ولك ن الظروف ربما تغيرت بما يكفي
لتبرير الدعم الج ديد لاتفاقية الإطار التعاوني، تختلف السياقات الهيدرولوجية والسياسية
الحالية المحيطة بحوض النيل بشكل كبير عن تلك الموجودة أثناء مفاوضات اتفاقية الإطا ر
التعاوني الشامل في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
إن اتفاقية الإطار التعاوني على الرغم من أنها تشكل خطوة مهمة نحو الإدارة التعاونية
لمجرى مياه النيل، فإن قدرتها على تعزيز التعاون على مستوى حوض النيل تعتمد على
إشراك جميع دول حوض النيل، ولا شك أن دخول الاتفاقية حيز النفاذ يشكل تطوراً بارزاً
بالنسبة لدول المنبع، ومع ذلك فإن ضمان مشاركة مصر والسودان يظل أمراً بالغ الأهمي ة
لتحقيق الإدارة المستدامة لمجرى مياه النيل.
بقلم : ا.م. د حازم فارس حبيب
كلية القانو ن/ جامعة كربلاء