ان وجود اي قانون هو لاستقامة تنظيم امور الحياة ، فلابد من وجود القانون كي تستقيم الحياة العادلة وتستقر الاوضاع القانونية وذلك بمعرفة الافراد مراكزهم القانونية ، وبيان علاقة الافراد مع بعضهم البعض او بعلاقتهم مع الدولة.
ان قانون الاحوال الشخصية النافذ هو القانون المتعلق بالحياة الاسرية ومسائل الحل والحرمة ، وهو من اهم القوانين الذي يصادف الافراد في حياتهم ، وكما هو مستقر ومن ابجديات القانون ، ان القانون يتغير كل ما كنا بحاجة ماسة الى تغييره وفق ظروف الحياة ، سواء كان التغيير بالتعديل ببعض نصوص المواد او بإلغاء قانون وسن قانون آخر جديد، وقبل وجود قانون الاحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959 م كانت هناك محاكم تمثل المذهبين الجعفري والحنفي لتنظيم امور الزواج والطلاق وغيرها من مسائل الاحوال الشخصية ،وعند سن قانون الاحوال الشخصية النافذ عدَل عدة مرات من قبل السلطة التشريعية آنذاك.
ولو نظرنا برؤية معتدلة لقانون الاحوال الشخصية ، نجد ان القانون في كثير من نصوصه كانت موفقة وملائمة لمتطلبات الحياة، ولكن نجد في نصوص آخرى يمكن توجيه سهام الانتقاد اليها، فبدلا من ان قانون الاحوال الشخصية النافذ يحافظ على الاسرة العراقية باعتبارها لبنة بناء المجتمع العراقي نجد احيانا يشجع من حيث لا يشعر على تفكك هذه الاسرة من خلال وجود نصوص كثيرة للتفريق القضائي بنصوص لا تتلاءم عادات المجتمع العراقي ولا تتلاءم مع الفقه الاسلامي بمذاهبه المختلفة، ونجد ان قانون الاحوال الشخصية النافذ لم يجد حلا في حالات الطلاق المتزايدة في مجتمعنا، وعلى الرغم من وجود التعديلات في هذا القانون ، ولعل من اسباب زيادة حالات الطلاق هو وجود هذا القانون ،وذلك من خلال وجود حالات كثيرة للتفريق القضائي، وكذلك نجد من نصوص هذا القانون فرض نفقة وتعويضا تعسفيا ومهرا مقدر بالذهب وحق السكنى ، فهذه الحقوق اراد به المشرع ان يحافظ على حقوق الزوجة في حالة الطلاق ولكنها ادت في النهاية الى انهاء حياة كثيرا من الاسر العراقية لوجود المقابل المالي لدى المرأة المطلقة ،فالقانون لابد ان يقوم على توازن بين حقوق الزوج وحقوق الزوجة ، لا ان يغلب حقوق احدهما على الاخر بدون مبرر ، ولكن قانون الاحوال الشخصية النافذ غلب حقوق الزوجة على الزوج ،مما سبب مطالبة الزوجة بالطلاق لوجود المقابل المالي الذي يضمن لها بعد الطلاق، فضلا عن حضانة الاولاد لها بموجب هذا القانون الى سن 15 والتي لا يمكن نقل الحضانة للاب الا في حالات نادرة، وبذلك خالف المشرع ما هو مستقر من احكام الفقه الاسلامي .
فيفترض بقانون الاحوال الشخصية ان لا يخالف الدستور و ان لا يخالف ثوابت الشريعة ، ونجد في المادة 41 من الدستور ان الافراد احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية وفق دياناتهم ومذاهبهم ومعتقداتهم ،وهذا مالم نجد تطبيقه ، ونجد نصوصا في قانون الاحوال الشخصية تخالف صراحة الفقه الاسلامي بمذاهبه المتعددة، فمثلا النص الذي يتعلق بالوصية الواجبة تخالف قول المذاهب الاسلامية ،وكذلك نجد ان القانون وضع سن حضانة للام مختلف عن قول الفقه الاسلامي، وكذلك نجد ان القانون لا ينقل حضانة الطفل في حالة زواج الام الى الاب ، وبذلك يخالف قانون الاحوال الشخصية الفقه الاسلامي ،وكذلك نجد مخالفات اخرى للقانون للفقه الاسلامي اذ يعد زواج الزوج بامرأة ثانية دون اذن القضاء سبب للتفريق ، بل اوجد مواد اخرى تعد سببا للتفريق بدون الرجوع للفقه الاسلامي وكذللك نجد المهر المقوم بالذهب ، وكل هذه النصوص تخالف راي الفقه الاسلامي.
لذا كان هناك مقترحات بتعديل قانون الاحوال الشخصية باختيار الافراد ما يلائمهم من قانون الاحوال الشخصية او الرجوع كل على مذهبه .
و لابد قبل قيام السلطة التشريعية من التصويت على مشروع تعديل القانون ،ان ترى الجدوى من حيث التجربة التي كانت قبل سن قانون الاحوال الشخصية النافذ و دراسة ما يوجد من البلدان العربية التي تطبق في احوالها الشخصية بالقضاء الجعفري او السني كما موجود في لبنان .
ولا يخفى ان قانون الاحوال الشخصية النافذ يحيلنا بموجب المادة الاولى منه للمذاهب الاسلامية، فالرجوع لا راء الفقه الاسلامي موجودة في هذا القانون .
ان مخاوف المطالبون ببقاء القانون على ما هو عليه قد يكون لأسباب منها فرض الزواج بسن صغيرة وهذا مما يمكن معالجته بفرض سن معينة للزوج من الصغيرة بسن معينة لاتتنافى مع العرف الموجود في بلادنا، ونجد ان قانون الاحوال الشخصية النافذ قد جعل سن الزواج لمن اتم الخامسة عشر او بلغ الخامسة عشر وبشروط معينة.
وان كان هناك مخاوف من الحضانة وما يترتب عليها، فيمكن ان يكون سن الحضانة بالسقف الاعلى للفقه الاسلامي 7 سنوات للام ،مع احتفاظ حق الام بالمشاهدة ومبيت طفل لديها حتى بعد 7سنوات يوما بالأسبوع او الاسبوعين .
اما مسائل الارث بالعقار فيمكن اخذ وفق المذهب الجعفري بالراي الذي يقول بإعطاء قيمتها او بانتقال حصتها من العقار اليها .
وانا كان قانون الاحوال الشخصية النافذ يقر للأديان الاخرى بان يطبق عليهم ما موجود في ديانتهم ، فلما نستغرب ان يطبق على المسلمين ما موجود في ديانتهم واعتقاداتهم .
ولما التخوف من مشروع قانون لم يكتمل، ولم نر ما يرد في منظومة الوقف الشيعي والسني.
وان قانون الاحوال الشخصية على ما هو عليه يوجد بينه وبين الفقه الاسلامي جفوة احيانا، كما في حالات التفريق القضائي ان طلقت المرأة بموجب قرار للقضاء بموجب نصوص التفريق القضائي ،ولكنها من الناحية الشرعية مازالت متزوجة ، وما يستبعه ذلك من مشاكل في حالة زواج المرأة المطلقة قانونا -وغير مطلقة شرعا- .
وغيرها من مشاكل الاخرى بالحضانة والارث ، وانتقال الاموال بموجب القانون ولكن لا يقره الشرع، فكل هذه الامور تستدعي وقفة جادة بتعديل قانون الاحوال الشخصية وان لا يفكر البعض بمصالحهم الانية ضاربين بعرض الحائط احكام الشريعة السمحاء و الدستور العراقي، وما تقره الفطرة السليمة من تماسك الاسرة وعدم تشتتها ، وياحبذا لو ان المشرع يجد الحلول لما تقدم ذكره ، وياحبذا المهتمين بقانون الاحوال الشخصية ان يجدوا الحلول لذلك، والله من وراء القصد.
بقلم / ا.د علي شاكر عبد القادر البدري