المستجدات النوعية في قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم 18 لسنة 2023

د. جمانة جاسم

   في الوقت الذي يتطلع فيه العمال العراقيين للإصلاح الاقتصادي الحقيقي في بلدهم، يبزغ في سماء المنظومة التشريعية نجمًا لامعًا يسمى بقانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم 18 لسنة 2023 ويدخل حيز التنفيذ في 20 اب 2023 بعد نشره في جريدة الوقائع العراقية في العدد 4734، ليكون هو الداعم والركيزة الاساسية في نهوض القطاع الخاص والمساهم الرئيس في تعزيز الاصلاح المنشود.

   حيث شمل هذا القانون أوسع فئة عمالية ممكنة في القطاعات الثلاثة المعروفة (القطاع التعاوني والقطاع الخاص والقطاع المختلط) ويبدو ذلك جليًا من خلال نصه في المادة الأولى منه بفقرتها الرابعة على أنه: “المضمون: كل شخص يعمل أو كان يعمل في مشروع جماعي أو فردي أو في عمل غير منظم ويدفع اشتراك الضمان الواجب دفعه إلى الصندوق لقاء أي من الضمانات أو الخدمات أو التعويضات أو المكافآت أو الرواتب التي يقدمها صندوق التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال المضمونين”.

   عليه، فأن كل عراقي سيكون مشمولًا بقانون التقاعد والضمان للعمال (مالم يحكمه قانون آخر) لضمان حياة كريمة للعمال وعائلاتهم، كما ويشمل العاملين الحاليين والسابقين منهم ممن لم يكونوا مضمونين ومساهمين في دفع بدلات الاشتراك السنوي، فبإمكان هؤلاء الاستفادة من القانون عبر دفع الاستحقاقات التقاعدية التي حددت بنسبة 7% مما يتقاضاه العامل في القطاع الخاص، على أن يدفع صاحب العمل 8%.

    وتكفلت الدولة العراقية بمقابل هذا الاشتراك الذي يدفع لصندوق التقاعد والضمان للعمال بتقديم الضمان الصحي والخدمي والتعويض عن الاصابات والامراض ومنح المكافآت والعلاوات والرواتب المجزية على خلاف القانون السابق رقم 39 لسنة 1971 محدود الأطر والامكانيات والذي كان يستبعد العديد من القطاعات العمالية غير المنظمة كأصحاب سيارات الأجرة وأصحاب التجارة المتنقلة والنساء اللواتي يعملن بالخياطة وغيرها.

   كما وأتى القانون الجديد للتأكيد على المبادئ التي نص عليها الدستور في المادة 22 والتي نصت على أنه: “العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياةً كريمة” وغيرها من المواد المؤكدة على هذا المضمون، وأستجاب القانون الجديد لتطورات المرحلة الحالية ومواجهة الأزمات الاجتماعية، ليكون بذلك متماشيًا مع دعوة منظمة العمل الدولية بتوسيع قاعدة الحماية الاجتماعية لشمول فئات أوسع من شرائح المجتمع العراقي بالضمان الاجتماعي للعمال.

   انضوى القانون على 110 مادة قسمت على 13 فصلًا، أحتوى الفصل الأول منه والخاص بالتعاريف والاهداف والسريان على 28 فقرة تضمنت تعريفات جديدة لم تكن واردة في القانون القديم، كتعريف الدائرة بدلًا عن المؤسسة سابقًا، ووسع من تعريف المضمون كما ذكرنا أعلاه، وأورد تعريف العامل نسخًا عن المادة الأولى الفقرة سادسًا من قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 مع الاشارة الصريحة للقانون الأخير، كما وأضاف تعريف المتقاعد وراتب التقاعد والعامل لحسابه الخاص ومتوسط الاجر الشهري وصاحب العمل على اعتبار أن الأخير مضمون كذلك في هذا القانون.

   ولم يكتفي بهذه الاضافات إنما أدخل تعريف العمل غير المنظم ليشمل بذلك الافراد العاملون غير المشمولين بتعريف العامل والعاملون لحسابهم الخاص وصاحب العمل، مع الاشارة إلى الحقوق التقاعدية والخدمة التقاعدية وضمان ما بعد التقاعد والضمان التقاعدي الاختياري الذي يعد ضمانًا لكل مواطن عراقي طبيعي غير مضمون أو صاحب عمل أو من يعمل لحسابه الخاص أو يعمل شريكًا مع الغير.

   مما يلاحظ على هذا القانون أنه قد أرسى الأساس الفعلي لأنشاء وتشكيل هيئة خاصة للضمان الاجتماعي وصندوق خاص بتقاعد العمال مرتبط ارتباطًا مباشر بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وقسم تفتيش تابع إلى دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، وهذه سابقة نوعية لم تكن موجودة في القانون السابق أيضًا.

   تضمن القانون امتيازات عديدة للعمال بوصفها محققة للحياة الكريمة التي نادى بها الدستور النافذ، من بينها تخفيف الضغط على القطاع الحكومي من خلال دعم وتعزيز القطاع الخاص بشكل مباشر، وبذلك سنكون أمام ضمان عملي موجب لعدم توجه الرغبات نحو الوظيفة العامة بعد الضمانات المقدمة للعاملين في القطاعات الثلاثة (الخاص والتعاوني والمختلط) من تقاعد وضمان صحي ومكافآت وتعويضات وغيرها من المفارقات المعروفة بين القطاع العام وما سواه، فحاول التقليص منها تارة والاعتلاء عليها تارة أخرى حيث خفض نسبة العجز الجسدي الموجب لتقاعد العمال من 35% إلى 30%.

   نستشف من قراءة القانون الجديد أنه قد اتاح فرصة انتقال الايدي العاملة ليس في النطاق المكاني فقط انما ما بين القطاعات العامة والخاصة كذلك، ليسمح لموظفي الدولة بالانتقال الكامل مصحوبين بحقوقهم التقاعدية وامتيازاتهم إلى القطاع الخاص وبالعكس، حيث أشارت المادة الثانية بفقرتها (و) لذلك، كما وهدف لتوحيد الاحكام القانونية الخاصة بالحقوق التقاعدية وبما يضمن تساوي المتقاعدين في القطاعات كافة (العام والخاص، المختلط والتعاوني).

    أورد في تنظيمه وسريانه اشارات لفئات واسعة تؤطر الحالات المستحدثة على الساحة القانونية والاجتماعية كإشارته للمكلفين في القطاع العام من العاملين غير المثبتين على الملاك الدائم (ويقصد بهم الاجور والعقود –بالتعبير الدارج-)، وعلى افراد اسرة صاحب العمل (الزوج والزوجة والابناء وأصوله وفروعه الين يعملون في مشاريعه)، والعاملين العراقيين لدى الهيئات الدبلوماسية والمنظمات والشركات العاملة في العراق.

    يضاف إلى ما سبق من مستجدات فيتوجب المقال علينا أن نعرج على المادة 33 من القانون والتي سمحت بشراء الخدمة أو اضافة خدمة عمالية غير مضمونة أو خدمة غير مشمولة بأحكام هذا القانون للعامل الذي ليس لديه خدمة تؤهله للحصول على الراتب التقاعدي (15 عامًا) على الرغم من وصوله للسن التقاعدي الوارد احكامه في المادة 29 (عمر المتقاعد من الرجال 63 والنساء 58 عامًا)، مبينًا امكانية شراء 5 سنوات خدمة فعلية من الدولة في حال كان عدد سنوات خدمة العامل 10 سنوات، مع اشتراطه دفع العامل للمستحقات التقاعدية لصندوق تقاعد العمال.

    أشار القانون في سابقة نوعية للأتمتة الإلكترونية في مادته 104 حيث الزم الدائرة بإكمال جميع المتطلبات التقنية الادارية لجميع مفاصلها وعلى أن لا تتجاوز نهاية السنة الحالية، فنستشف من ذلك استشعار المشرع العراقي بضرورة الركون للتعاون التقني والاداري في إنجاز المهام الموكلة للدوائر الحكومية، ولخلق حوكمة إلكترونية فعلية ينتج عنها سهولة وسرعة تنفيذ وأرشفة البيانات والمعاملات والمعلومات، والابتعاد عن الرتابة والروتين في الاساليب القديمة.

    ختامًا، نرى في هذا القانون بادرة الامل التي يطمح إليها المواطن العراقي والعامل الكادح، لأنه عزز من الضمانات والتعويضات الصحية والمالية للعمال ونهض بالقطاع الخاص في محاولة جادة لمساواته بالقطاع العام حتى لا يكون الأخير هو الهدف والوجهة الرئيسة للعاملين دون الاهتمام بالمجالات الزراعية والصناعية والحرفية الناهضة باقتصاد البلد، عليه، نشد على يد الجهات المعنية في ضرورة الإسراع بتنفيذ بنود واحكام هذا القانون.