المنظومة القيمية ودورها في الامن القانوني

المنظومة القيمية ودورها في الامن القانوني

د . آمال علي الموسوي

جامعة كربلاء / كلية القانون

    تلعب المنظومة القيمية دورا هاما في تدعيم الامن القانوني ، وذلك من خلال إرساء وتثبيت قواعد المنظومة القيمية  في التشريعات ، وبالرجوع الى المنظومة القيمية في الاسلام نجد هناك منهج كامل للعمل بقواعد المنظومة القيمية التي لها اثر كبير في بناء المجتمع  ومنها الاخلاق والعدالة  ، فالإسلام دين القيم والمبادئ  والمثل السامية التي تتسم بالشمولية والتوازن لكل ما يراد به الفرد  واستقرت في الضمير الإنساني ، فالمنظومة القيمية من اهم وظائفها ضبط السلوك الإنساني وتنظيم اتجاهاته ، ولتحقيق الامن القانوني لابد ان يعتمد على أسس ومفاهيم نابعة من المنظومة القيمية ، فالقيم التي تضمنتها  هذه  المنظومة هي  الاخلاق والعدالة والمساواة  التي تكونت من العقائد الدينية  وتضمنها القانون ، ومصدر هذه العقائد هو الله سبحانه وتعالى ، فالأخلاق  والعدالة مصدرهما الدين فيعتنقها أبناء المجتمع ويتمسكون بها ويحرصون عليها من اجل  تحقيق اكبر قدر من الامن القانوني .

   نجد ان قواعد المنظومة القيمية كانت وما تزال أساس الامن القانوني فضلا عن بقية قواعد القانون التي تحدد وتعين تصرفات الافراد التعاقدية وغير التعاقدية والحقوق والواجبات، وذلك لاستقرار المعاملات واستقرار المراكز القانونية، فعن طريق وجود قواعد قانونية عادلة  تطبق على الكل مهما كانت مراكزهم ، فالمنظومة القيمية لا تستطيع بمفردها ان تنظم العلاقات بين الافراد مهما سمت تلك القيم ، فلابد من وجود قواعد  قانونية تنظم تلك العلاقات وتضبط اتجاهاتها  وتفرض لها جزاء على كل من يخالفها  .

   وتعرف المنظومة القيمية بانها ( مجموعة من القيم والمبادئ التي يلتقي حولها كل اتجاهات  الافراد في المجتمع وتحكم سلوكهم وتكتسب صفة العمومية لديهم )  اما مفهوم القيمة وتعني مفرد القِيَم ( والقيمة : ثمن الشيء بالتقويم تقول كم قامت ناقتك أي كم بلغت ، وأهم ما يميز المنظومة القيمية انها صادرة من التشريع الإسلامي أي ان من القران الكريم والسنة النبوية على اعتبار انهما مصدر البحث لكل قيمة من القيم الإسلامية ، فهي تضبط الفرد في كافة اموره الخاصة بالحياة فهي تقود الفرد الى الطريق الصحيح في تحديد أهدافه وغاياته لأنها شاملة ومتكاملة  وتأثيرها اكبر واعم .

    اما الامن القانوني هو مبدأ من مبادئ دولة القانون التي من سماتها الأساسية سيادة القانون ، ويهدف الى استقرار المراكز القانونية للافراد ، وحماية حقوقهم المكتسبة ، فهذا الامن الذي يمنحه القانون للشخص ، فهو يحقق بوجود نوع من الثبات النسبي للعلاقات القانونية بغض النظر عما اذا كانت اشخاص قانونية عامة او خاصة ، بحيث يستطع الفرد ترتيب أوضاعه وفقا للقاعدة القانونية القائمة وقت مباشرتها لاعمالها دون ان تتعرض لمفاجئات أو اعمال لم تكن بالحسبان صادرة عن احدى سلطات الدولة الثلاث ، ويكون من شأنها استقرار المراكز القانونية التي تكونت واستقرت في مجال تعديل القوانين او صدور قرارات قضائية 

  فالأمن القانوني هو المثل الأعلى الذي يجب أن يتوجه نحوه القانون بإصدار قواعد متسلسلة ومترابطة ومستقرة نسبيا ومتاحة لكي تسمح للإفراد بوضع التوقعات ، فالقانون يجب ان يسمح للأفراد ببناء توقعات مما يفرض تميز قواعده بالنوعية والجودة ، فضلا عن احترام هذا القانون التوقعات المبنية مسبقا من قبل مواضيعه ، وبمعنى اخر يمكن ان يعرف الامن القانوني على انه مدى الامكانية اللازمة للعمل وحسن الأداء لقانون متاح وممكن البلوغ ومفهوم بحيث يسمح لأشخاص القانون او واضعيه لتقدير الصائب والمنصف للأثار القانونية لتصرفاتهم او سلوكهم ، الذي يحترم التوقعات المشروعة المبنية مسبقا من قبل مواضيع القانون الذي يفضل ويدعم تحقيقها .

   ولكي يتحقق الامن القانوني فالاهتمام ينصب على المنظومة القيمية  كمحفز للنزاهة والاستمرار في العمل ، فالقانون لا يستطيع التأثير عليها مباشرة ولكن تعزيز وتفعيل مبادئ المنظومة من العدالة والأخلاق توصلنا الى الامن القانوني .

   ومن القيم التي لها تأثير كبير على الامن القانوني هي  الاخلاق  والعدالة ، فالأمن القانوني هو استقرار النظام في المجتمع وتحقيق العدل وغايتها نفعية أي نفع المجتمع وحفظه ، اما الاخلاق  فغايتها مثالية تنزع بالفرد نحو الكمال فهي تأمر بالخير وتنهي عن الشر وبالتالي فهي ترسم نموذجا للشخص الكامل على أساس ما يجب ان يكون لا على أساس ما هو كائن بالفعل ، فالأخلاق توجه اوامرها الى ضمير الانسان وتهدف تحقيق الامن القانوني وتنظيم علاقة الأشخاص فيما بينهم ، فلابد من وجود قواعد خلقية تدعوا الى الزام الافراد باتباع هذه القواعد عن طريق الجزاء القانوني الذي يكفل احترامها ويحولها الى قاعدة قانونية ذات الأصل الأخلاقي   .

  اما فكرة العدالة فهي ذات قيمة  عليا  وسمة أخلاقية  يسعى اليها الانسان لتحقيق المساواة ، وهي مصدر من المصادر الرسمية للقانون ولها اثار على تشريع القوانين ، وتعد إحساس أخلاقي موجود في الضمير الاجتماعي وظيفته الملائمة بين القاعدة القانونية وعلاقة معينة ابتغاء تنظيم هذه العلاقة ، او هي شعور أخلاقي يستلهمه القاضي في اثناء محاولته تخفيف حكم قاعدة قانونية في تطبيقها على حالة معينة حينما يأذن له القانون في ذلك بنص استثنائي صريح ، فالقاضي برجوعه الى تطبيق مبادئ العدالة ومبادئ القانون الطبيعي ليحقق الامن القانوني .

   وما زالت حملات التغريب تسيطر وبابعاد مختلفة على التشريعات الإسلامية  ، فلابد من وجود الكثير من القواعد والنظريات الأخلاقية لتهذيب سلوك الفرد  ،لتدمج  في النصوص القانونية عن طريق التشريع ، وتصبح ملزمة ، وفي حالة مخالفتها يترتب عليها جزاء قانوني .