ظاهرة عمالة الأطفال

ـــ دراسة تحليلية مقارنة بين قانون العمل رقم (37) لسنة 2017 النافذ ومشروع قانون حماية الطفل ـــ

عقدت شعبة التعليم المستمر في كلية القانون جامعة كربلاء حلقة نقاشية عن ” ظاهرة عمالة الطفل” ، جاء فيها بأن هذه الظاهرة ليست ظاهرة جديدة بل تعود الى عصور ما قبل التأريخ ، فالطفولة ، إحدى المراحل العُمرية للإنسان والتي يكون فيها بأمس الحاجة الى الرعاية والحنان والتعليم قبيل العمل . وفي الواقع يترتب عليها عدة أضرار جسدية ونفسية وإجتماعية وتعليمية ، ولعل عدة أسباب تقف وراء هذه الظاهرة من أسباب إقتصادية وتتمثل بـ(الفقر والبطالة والهجرة من الريف الى المدينة) وأسباب إجتماعية تخص (فقدان المعيل وتعويد الطفل على العمل بسن مبكرة بحسب العرف) وأسباب سياسية مثل (الحروب والتغيرات السياسية) . وكان المشرع العراقي قد عالج هذه الظاهرة بترتيب جزاءين ، الأول ، جزاء مدني يتمثل ببطلان عقد العمل ، والثاني ، جزاء جنائي يتمثل بعقوبة الحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين . وتم التوصل الى جملة حلول تتمثل بتحديد سن الطفل بأنه من لم يبلغ الخامسة عشر لمنع الخلط بينهُ وبين الحدث ، وشمول الطفل العامل بإمتيازات قانون الضمان الإجتماعي ، وضرورة تفعيل أجهزة تفتيش العمل لمراقبة عمل أطفال الشوارع والأكشاك الخارجية والباعة المتجولين منهم بالذات لمنع إستغلالهم من أرباب العمل ، والقضاء على مسببات تسرب الأطفال من المدارس من خلال تفعيل دور إدارات المدارس وأصحاب الإختصاص في علم الإجتماع والتنمية البشرية والإعلام ورجال الدين .                                  

“ملاحظات على مشروع قانون حماية الطفل”

نقلت وسائل الإعلام المرئية والسمعية وشبكات التواصل الإجتماعي المختلفة خبر قراءة مجلس النواب العراقي القراءة الأولى لمشروع قانون حماية الطفل ، وتحديداً يوم الأحد الماضي المصادف 6\11 ، هذا المشروع لم يكن الأول فقد سبقتهُ عدة محاولات تشريعية من مجلس النواب العراقي لتمرير مشاريع قوانين لها الصلة بالموضوع ذاته ، ولكن المفاجئة في هذا المشروع النصوص الغريبة والدخيلة على مجتمعنا ، ولذا سنقوم بتسليط الضوء على بعض من هذه النصوص وإيراد ملاحظاتنا عليها تباعاً :

1ــ فقد جاء في المادة الأولى منهُ تعريف للطفل بأنهُ ” هو كل من يقل عمره عن (18) سنة” ، وفي الحقيقة هذا النص قد نسف كل القوانين كالقانون المدني وقانون رعاية القاصرين وقانون الأحداث وقانون العمل التي حددت كل مرحلة من مراحل عمر الإنسان بأهلية معينة ومسمى معين .

2ــ ورد في المادة الثانية منهُ بأن “يشترك الطفل في مجالات الحياة كافة” ، وفي الواقع لا نعلم أي مجال حياتي يقصدهُ المشرع بالضبط لطفل غير مكتمل الأهلية العقلية وليس عنده الإدراك اللازم في تقرير أموره الشخصية ؟! ، فكيف به يُقرر المجال الذي يختاره للإشتراك به ؟! ، فعبارة ” مجالات الحياة كافة ” وتحديداً (كافة) عبارة فضفاضة وواسعة تفسح المجال لخروج الإبن عن طوع ذويه وتقاليدهم ، فإذا إختار الإبن مجالاً حياتياً ـــ كالعمل في سن مُبكرة وبأعمال مرهقة كأعمال المقالع مثلاً ـــ من شأنه أن يُؤثر على صحته الجسدية والنفسية وأخلاقه نتيجة إختلاطه مع بالغين يُلقنونهُ سلوكيات غير سوية ، وإن ذلك من شأنه أن يخلق جيل منحرف متمرد على الأهل بسبب قلة وعيهم وإدراكهم ، مما يؤثر على أخلاق الطفل وسمعة عائلته .

3ــ ذكرت المادة(4) عبارة ” وضع آليات للشكوى من أي أفعال تضر بالطفل” ، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه : من المشتكي؟ ومن المشكو منهُ؟ وماهية الشكوى ؟ولعل أن المشتكي ــ بحسب منطق  الأمور كونه مشروع قانون يتعلق بحماية الطفل ــ هو الطفل نفسه ، وهذا أمر مُستغرب جداً من المشرع أن يسمح لطفل أن يُقدم شكوى !! فالقصور في المدارك العقلية والقيم السلوكية يجعلنا ننتقد موقف المشرع هذا وبشدة كون الطفل شخص غير راشد كفاية لكي يُقدم شكوى بنفسه  ، ناهيك عن أن قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 لا يسمح بإقامة دعوى لمن عمره دون 9 سنوات إلا بوجود الأب أو الوصي  . 

أما عن المشكو منهُ ، فالمتمعن بنص مشروع القانون يجد أن غرضه حماية الطفل من الجميع بما فيهم أهله وكل المحيطين به من معلميه وجيرانه ، وهذا يعني أن الشكوى المقدمة من الطفل قد تكون شكواه ضد أهله ومدرسيه والمقربين منهُ وغيرهم ، وهذا أمر صادم أن نسمح لطفل أن يشتكي من أهله لمجرد أي تصرف أو قول يقومون به في مواجهته ، فهذا مدعاة للتمرد وعدم إحترام والديه ، وهو أصلاً لا يملك تدبير شؤونه ولا مصلحة نفسه ، فكيف له أن يشتكي من عائلته وهم أقرب الناس له .

وفيما يخص موضوع الشكوى ، فهنا نسجل على النص الغموض ، فالملاحظ  على النص أنه لم يُحدد نطاق موضوع الشكوى ، ويبدو لنا أن الذي يُحدد ذلك هو الطفل نفسه ، ومنه على سبيل المثال الشكوى ضد أحد والديه لكونه مارس عليه حق التأديب ، حق التأديب الذي سمح به الشرع ضمن حدوده الشرعية ، فقد ورد في قوله تعالى (( ولكم في القصاص حياةٌ يا أُولي الألباب)) .

4 ــ أعطت المادة السادسة من مشروع قانون حماية الطفل للأطفال الذين يتعرضون للعنف من ذويهم لإيوائهم في مراكز إيواء حكومية ، وهذا الأمر إن صدق فهو ضد التقاليد والأعراف الإجتماعية التي نشأ عليها المجتمع العراقي ، فالطفل بحاجة دوماً للموجه والمرشد وليس هناك من هو أحرص عليه من عائلته ، وعليه ، نتسائل : كيف أعطى المشرع الحق لمراكز تابعة للدولة أن تنتزع من العائلة أبناءها بسبب تأديبها لهم ؟ فهذا الأمر لا يمكن تقبله في مجتمع محافظ مثل المجتمع العراقي له ثوابت دينية وأخلاقية تجعلهُ يأبى مثل هكذا إجراءات ممكن أن تتخذها الدولة تتمثل بسلب العائلة أحد أبناءها الصغار لا سيّما حين يتعلق الأمر بالإناث منهم . لكل ما تقدم ، ندعو اللجنة القانونية في مجلس النواب  إلى إيقاف هذه المهزلة التشريعية التي تكون مدعاة للتفك الأسري ولتمرد الأطفال على عوائلهم .   

بقلم الدكتورة رشــــا الزهيري \\ تدريسية في كلية القانون