الذكاء الاصطناعي في ميدان القانون والقضاء                                   

م .د معتز محمود المعموري       (التجربة الامريكية انموذجا )

العالم يتقدم بشكل سريع وثورة التكنلوجية وصلت الى مرحلة فائقة التطور وهي مرحلة الذكاء الاصطناعي حيث اصبح للا لة عقل تفكر به وباتت تزاحم الانسان في اعماله في شتى الميادين الطبية والهندسية والمالية والقانونية وغيرها .                                                                

ويثار هنا سؤال هو هل ذلك التطور نتاج للواقع الذي يعيشه الفرد في القرن الحالي ؟ للاجابة نقول ان  اول من طرح مسطلح ( الذكاء الصطناعي ) بشكل غير رسمي هو  عالم  الرياضيات الانكليزي المعروف ( الن توري ) الذي يعد الاب الروحي لعلمي الكومبيوتر والذكاء الصناعي والذي نشر اول ورقة بحثية تضمنت سؤالا مضمونه هل يمكن ان تفكر الالة ؟ واجرى اختبارات عديدة بهذا الخصوص في عام 1950 وتبعه مجموعة من ابرز علماء الرياضيات الامريكان الذين وضعوا ساس لفرع من فروع علم الكومبيوتر وهو الذكاء الصناعي وفي مقدمتهم العالم الامركي ( جون مكارسي) الذي اعلن عن ذالك في مؤتمر علمي انعقد في امريكا عام 1956 .وبعد هذه اللمحة التاريخية يمكن طرح عدة تساؤلات فما المقصود بالذكاء الاصطناعي وما مزاياه في القضاء والقانون وماهي عيوبه واثاره ؟

وهو  ما سنحاول الاحاطة به من خلال المحاور الاتية

المحور الاول:ـ ماهية الذكاء الصناعي . لتوضيح الماهية لابد من تعريف المصطلح و يختلف تعريف الذكاء الصناعي بحسب اختلاف الزاوية التي ينضر له من خلالها فمن العلماء من عرفه بانه فن صناعة الالة لتؤدي وظائف تتطلب ذكاء البشر لتنفيذ هذه الوظائف وعرفه اخرون بانه المعني بالسلوك الذكي من ناتج مصنعي اي انها صناعة ذات سلوك ذكي وهنالك من قال بان هذا العلم يصف محاولة تزويد الالات بسلوك بشري وعرف ايضا بانه العلم المتعلق باكساب الالات صفة الذكاء فيقوم الكومبيوتر بمحاكات قدرة التفكير لدى الانسان باستخدام خوارزميات محددة ثم القيام بتحليل المعلومات لاستنتاج الافكار.

ويلاحظ على جميع ما تقدم من تعريفات انها تشترك في التركيز على اكساب الالة اربع صفات يمتاز بها الانسان وهي:

أ/ التفكير ب/ التصرف ج/ العقلانية د/ الانسانية …… والتي نعتقد بانهم لم ينجحو حتى الان الا في اكساب الالة التفكير العقلاني والتصرف العقلاني دون الانسانية التي يختص بها الانسان وحده كما نعتقد بامكانية تعريف علم الذكاء الصناعي بانه ذلك العلم الذي يحدد الكيفية التي بواسطتها نجعل الالة قادرة على اتخاذ القرار بطريقة تشبه العقل البشري .

المحور الثاني :ـ مزايا الذكاء الصناعي في الميدان القانوني والقضائي ان استخدام الذكاء الصناعي له مزايا عديدة في القانون والقضاء نذكر منها

أ/ انه مساعد افتراضي للقضاة والمدعين والمحامين ففي امركا والدول المتقدمة ادت اتمتة القوانين والقضايا والقرارات الى جعلها كنزا للمعلومات يلجا اليه القضاة عند عرض واقعة معينة امامه بسبب الية البرامج المعتمدة في تغذية الذكاء الصناعي للربورتات التي امتلكت القدرة الهائلة على الجمع بين الضروف المتشابهة في القضايا المتماثلة والخروج بنتائج تعرض على القضاة الذين يعتمدون هذا النظام ففي احدى التجارب التي اجرية في الولايات المتحدة الامركية تمكنت هذه الربورتات خلال فترة قصيرة من الخروج بنتائج معينة من خلال المطابقة بين 750000الف قضية حسمها القضاء واصدر فيها قراراته وهذه النتائج استشارية وليست الزامية وهي تمكن القاضي من اجراء التحليل الدقيق لضروف الواقعة المعروضة امامه وادلتها وصولا الى اصدار حكم عادل فيها .

ب/ ان استخدام الذكاء الصناعي يسرع من اجرأت التقاضي ويختزل الجهد والوقت والنفقات المطلوبة لحسم الدعوى وهذا بدوره ينعكس ايجابا على عملية الترافع امام المحاكم ويسهم في ضمان استقرار القضاء ,

ج/ الغاية من اعتماد الذكاء الصناعي تتمثل قي ايجاد نظام متكامل للمعلومات القانونية والقضائية يمكن القضاة والمحامين اللجوء اليها والافادة منها في اسرع وقت ممكن لان الرجوع لهذه المعلومات يستغرق وقتا طويلا مما يؤدي الى تكرار تاجيل القضايا المنظورة امام القضاء وتراكم الدعاوى من جهة واطالت امد النزاع وما له من اثار سلبية لايحمد عقباها من جهة اخرى وهو ما تعاني منه الانظمة القضائية التي لم تعتمد الذكاء الصناعي في جميع مفاصل العملية القضائية ومنها النظام القضائي لدينا في العراق .

د/ ان تطوير الذكاء الصناعي في ميدان القانون والقضاء في امريكا ادى الى جعله مستشار محايد للخصوم في الدعوى لامكانية اللجوء اليه لحل النزاع بينهم بطرق ودية من خلال قيام المحامي بحضور الخصوم بعرض النزاع على الربورت القاضي الذي يظهر لهم النتائج المتوقع الوصول اليها اذا ما اتجهو للقضاء والتي قد تتضمن خسارة الدعوى او خسارة حقوقهم بشكل غير مرضي مما يجعلهم امام امرين هما حل النزاع بطرق ودية او الذهاب الى القضاء .

هـ / اشارت ابرز الدراسات التي اجراها العلماء الى ان استخدام الذكاء الصناعي في العملية القضائية ادى الى التقليل من نسبة الخطأ والاحكام المتناقضة في القضايا المتشابهة واثبتت تلك الدراسات ان تلك النسبة تصل الى 48%

ومما تقدم نصل الى نتيجة مفادها ان تفعيل الذكاء الصناعي في النظام القضائي العراقي بات امرا ملحا تفرضه الحالة والحاجة لاختزال الاجرأت والوقت والجهد والمصاريف وهو يحقق مزايا لجميع اطراف العملية التشريعية والقانونية والقضائية وليس فيه استبدالا او استعاضة عن القضاة بالالة انما هي مكملة للجهد الانساني الذي يهدف الى تحقيق العدالة بين افراد المجتمع وجعل العملية القضائية اكثر رصانة

المحور الثالث :ـ سلبيات الذكاء الصناعي في ميدان القانون والقضاء :ـ يذكر العلماء بعض السلبيات التي تحول دون استخدام الربوت كقاضي معتمد بدلا من الانسان والاعتماد عليه بشكل كلي في فض النزاعات التي تعرض امام المحاكم ومن هذه السلبيات .

اِ/ الموازنة بين الادلة المقدمة منقبل الدفاع والادعاء والترجيح بينها .

ب/ عدم القدرة على التحليل الدقيق للأدلة المقدمة وتدرجها من حيث القوة في الاثبات او النفي للواقعة المتنازع فيها سواء  أكانت تلك الأدلة مكتوبة أم تسجيلات صوتية او فيديويا ام غير ذلك .

ج/ عجزه عن التعرف على مدى مصداقية الشهود لدى الادلاء بأفادا تهم  وهذا ما يدعم القول بان الذكاء الصناعي يعد مكملا للجهد الانساني في العملية القضائية لا بديلا عنه .

المحور الرابع :ـ الاثار القانونية لاستخدام الذكاء الصناعي :ـ ان اتمتت النظام القضائي وارشفت جميع ما يدور في المحاكم منذ رفع الدعوى حتى صدور حكم حائز لدرجة البتات فيها سواء أكان ذلك دليلا مكتوبا ام تسجلا صونيا او فيديويا ام طلبا مقدما ام اجراء متخذ في الدول المتقدمة ادى الى رسم اطر معينة لعمل القاضي ومحددات وسياقات عمل يتم مراعاتها عند نظر الدعوى مثال ذلك تحديد هل هذه اول مرة ترتكب فيها الجريمة ام انها تكررت وثبت فيها عنصر الاعتياد وهل كان المتهم يحمل سلاحا ام لا وهل استخدم ذلك السلاح عند قيامه بفعله وهل كانت نتيجة هذا الفعل اتلاف مال فقط ام حدوث اصابات لدى المجنى عليهم فهذه الصور وغيرها وما يترتب عليها من عقوبات واجراءات  قضائية يتم تغذية الذكاء الصناعي للربوتات بها فلكل حالة حكم معين يترتب عند تكامل شروطها واركانها وقد اثبتت الدراسات في مجال تكفيل المتهم ان النصائح التي قدمت للقضاة من قبل الربورت لمنع تكفيل المتهمين في جرائم معينة كانت دقيقة للحد من عودتهم للجرائم تزيد بنسبة 48% من الحالات التي لم يستخدم فيها النظام مما دعا السلطات في بعض الولايات الامريكية  الى اجبار القضاة للجوء لهذا النضام لمراجعة قراراتهم قبل اصدارها فضلا عن ما للذكاء الصناعي من اهمية للمحامي الذي يلجأ اليه للحصول على احصائيات دقيقة للقضايا المماثلة للدعوى التي وكل بها كي يستند اليها في دفوعه المقدمة امام المحكمة لغرض اقناعها بما يطلبه من ناحية او ارغام القاضي الذي لا يستجيب لطلباته على تسبيب قرار الرفض من ناحية اخرى والا تعرض حكمه للنقض اذا طعن به امام الجهة الاعلى . والذكاء الصناعي يوفر للمحامي ارشفة جيدة لجميع تعاملاته مع وكلائه ومع الجهات القضائية والادارية التي يتعامل معها . والذكاء الصناعي يمثل مستشارا قانونيا لجميع فئات المجتمع بما يتضمنه من معلومات متاحة بما في ذلك نماذج العقود المختلفة على اختلاف صورها وشروطها لضمان حقوق المتعاقدين اللذين يلجؤن لهذا النظام لطلب المشورة

وفي الختام نجد ضرورة لاستحداث الذكاء الصناعي في المنظومة القانونية والقضائية العراقية .