تأريخ احتساب الشهادة العلمية (قراءة في قرار قضاء محكمة الموظفين) / مجلس الدولة – جمهورية العراق الصادر بتاريخ 4/9/2022 برقم الدعوى 1323/ م 2022 والمرقم بـ 3153/2022
توطئة : من المعلوم ان القرارات القضائية التي تصدر من محكمة قضاء الموظفين، مجلس الدولة ، هي بمجموعها تضمها بوتقة واحدة في ثنايا مجلس الدولة([1]).
حيثيات القرار : ادعى المدعي بواسطة وكيله أمام محكمة قضاء الموظفين بعريضة دعوى مسجلة بتاريخ (17/4/2022) وهو يطعن بالقرار الاداري الصادر في رقم (686) في (14/3/2022) والتي تضمن احتساب شهادته للدكتوراه من تاريخ صدور قرار تقييم الشهادة (7/6/2021) ، إذ يدعي المدعي في دعواه أن هذا الأمر جاء مجحفاً في حقوقه ، ومخالفاً للقانون ، وهو يطلب دعوة المدعى عليه إضافة لوظيفته للمرافعة والحكم بتعديل القرار بحيث يكون احتساب شهادته من تأريخ مباشرته في وظيفته في (22/11/2022) ، وبعد قبول الدعوى من قبل المحكمة واجراء التدقيقات الأصولية بشأنها قررت المحكمة دعوة الطرفين للمرافعة فحضرا بالتاريخ المحدد وبعد سير المرافعة الحضورية العلنية استمعت المحكمة إلى طرفي الدعوى واطلعت على الادلة والمستندات المقدمة فيها وقررت ختام المرافعة وغلق بابها واصدرت قرارها بـ:
بعد التدقيق من قبل المحكمة للأوراق الأصولية المتعلقة بالدعوى وجدت المحكمة أن المدعي يطعن بالقرار الإداري المذكور اعلاه بالرقم (686) في (14/3/2022) والذي تضمن احتساب شهادته للدكتوراه من تاريخ قرار صدور التقييم للشهادة في (7/6/2021) والذي تبلغ به اصولياً في (20/3/2022) ، إذ إنه بعد ذلك اقام دعوى في (17/4/2022) ووجدت المحكمة أن الدعوى مقامة ضمن المدة القانونية المنصوص عليها في (المادة 7 الفقرة ب – البند 9) من قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 والمعدل عام 2017 ، وهنا قررت المحكمة قبول الدعوى شكلاً ، وعند عطف النظر لاحظت المحكمة إن المدعي حاصل على شهادة دكتوراه في القانون من جامعة طهران بتاريخ (20/9/2020) بموجب قرار تقييم الشهادة الصادر من دائرة البعثات والعلاقات الثقافية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والمرقم (15457) في (7/6/2021) وباشر في وظيفته بتاريخ (22/11/2020) بموجب الامر الإداري المرقم (1557) في (24/11/2020) ، وحيث إن الشهادة تحتسب من تاريخ المباشرة في الوظيفة بعد الحصول على الشهادة وحيث إن قرار تقييم الشهادة تجده المحكمة هو قراراً كاشفاً ، وليس بمنشأ ، في حين إن القرار بمنح الشهادة هو المنشأ ، وحيث إن مباشرة المدعي كانت بتاريخ لاحق على حصوله لشهادة الدكتوراه وهو (22/11/2020) فوجدت المحكمة إن مطالبة المدعي لها سنداً من القانون ، فقررت المحكمة إلزام المدعى عليه بتعديل الأمر الاداري المرقم (686) في (14/3/2022) وجعل احتساب مخصصات الشهادة يكون من تاريخ المباشرة وهو (22/11/2020) وتحميل المدعى عليه الرسوم والمصاريف القضائية وأتعاب المحاماة ([2]) . وقدرتها المحكمة بمبلغ مقداره مئة الف دينار وأصدرت قرارها بالاستناد إلى المواد ( 156 ، 161 ، 166)([3]) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 والمادة 63 من قانون المحاماة (173) سنة 1965 ، حكماً حضوريا قابلاً للتمييز لدى المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 4/9/2022([4]).
ـــ بعد إصدار محكمة قضاء الموظفين قرارها المذكور أعلاه نجد أن هذا القرار قد أكسب حقاً بالنسبة للمدعي ، وهو ما يعبر عنه بالحق المكتسب بالدعوى ، والسؤال الذي يمكن أن يثار في هذا المجال هل سيستفيد من هذا القرار كل شخصٍ وإن لم يكن طرفاً في الدعوى ؟ ثم أن هذا القرار هل له من أثر في سريانه على الماضي ؟ أم انه متعلق بأطراف الدعوى فقط ؟ وللإجابة على ذلك نجد أن المتتبع للدعاوى الإدارية([5]) يجد أن القرارات القضائية الصادرة من قبل محكمة قضاء الموظفين تسري آثارها بالنسبة للموظفين فقط ، شأنها شأن القرارات التي تصدر من المحاكم العادية ، وهو ما يعبر عنه بالحجية النسبية للأحكام القضائية فهو متعلق بأطراف الدعوى ولا يتعداه إلى غيرهم ولكن ذلك لا يمنع من الاستئناس به إذا ما اقيمت دعوى أخرى من الغير أمام محكمة قضاء الموظفين ، وكذلك إن هذا القرار الذي صدر من محكمة قضاء الموظفين بالدرجة الاولى هل سيميز وجوبياً او اختيارياً لدى المحكمة الإدارية العليا ؟ ونتيجة قرار هذه المحكمة الاخيرة وتعلقه بحقوق الغير ، وما يثير التأمل ان الجهة المختصة والمعنية بتنفيذ هذا القرار ، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد أصدرت أعماماً موجهاً إلى الجامعات والهيئات كافة ([6]) . تلغي بموجبه أعماماً سابقاً لها ([7]) . وتؤكد في أعمامها الصادر مؤخراً بأن يكون تاريخ إستحقاق الإمتيازات المترتبة للموظف بعد حصوله على الشهادة من خارج العراق ومعادلتها أصولياً من تاريخ مباشرته بالوظيفة وليس من تاريخ المعادلة للشهادة ؛ لأن للمعادلة شروط حددها قانون اسس تعادل الشهادات رقم (20) لسنة 2020 ، وفي هذا تختلف الشهادات الصادرة من الداخل عنها في الخارج ، وقد تتأخر لأسباب لا دخل للموظف فيها ، نظراً لاستقرار القضاء على المبدأ اعلاه ، ولكن ما يثار هنا أنه ماذا لو تم احتساب الشهادة من تاريخ المباشرة في الوظيفة ثم تبين بعد ذلك خلل معين كتزوير أو عدم استيفاءه للشروط المطلوبة والمقررة قانوناً فما هو الإجراء الذي ينبغي أن يتخذ في هذا الصدد ، أضف إلى ذلك ماذا لو كانت المباشرة لاحقة على احتساب الشهادة ؟ والحقيقة نجد أن هذا القرار القضائي الاخير المذكور اعلاه وان كان يثبت حقاً إلا أنه سيخلق إرباكاً في العمل وقد يخل باستقرار المعاملات خصوصاً كونه قراراً قضائياً متعلقاً بقرار اداري ([8]).وقد يمضي عليها مدة طويلة من الزمن وإن كانت نسبية ، لكن ذلك لا يمنع من معالجته ، فضلاً عن ما يكون بالمستقبل العملي إذا ما ترتب الطعن في القرار القضائي لدى المحكمة الإدارية العليا .
([1]) نص قانون تعديل قانون مجلس شورى الدولة رقم (71) لسنة 2017 بـعنوان مجلس الدولة (المادة 1 الفقرة 1) ” ينشأ بموجب هذا القانون مجلس دولة ، يختص بوظائف القضاء الاداري ، والافتاء ، والصياغة ، ويعد هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية يمثلها رئيس المجلس ويتم اختياره من قبل رئاسة المجلس على ان يكون من بين المستشارين فيه ويعين وفقاً للقانون ” ، ويتألف من 1- محكمة قضاء الموظفين 2- محكمة القضاء الاداري 3- المحكمة الادارية العليا . وهو من يفصل في القضايا المعروضة عليه بصورة حيادية ومستقلة اسوة ببقية الدول المتحضرة ، وابدلت تسميته إلى مجلس الدولة انسجاماً مع الدستور العراقي سنة 2005 .
([2]) ينظر المواد من (55إلى 65) من قانون المحاماة العراقي رقم (173) لسنة 1965 النافذ والمعدل .
([3]) تنص المادة 156 من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 النافذ بـ “اذا تهيأت الدعوى لإصدار الحكم تقرر المحكمة ختام المرافعة ثم تصدر حكمها في ذات اليوم او تحدد للنطق به موعداً أخر لا يتجاوز 15 يوماً من تاريخ تفهيم ختام المرافعة” في حين تنص المادة (166 ف1) على “يجب على المحكمة عند إصدار الحكم الذي تنتهي به الخصومة أمامها أن تحكم من تلقاء نفسها بمصاريف الدعوى على الخصم للمحكوم عليه . أما الفقرة الثانية فتنص على “يدخل في احتساب المصاريف اجور المحاماة ومصاريف الخبرة ونفقات الشهود واجور الترجمة المقتضاة” ولا بأس من الإشارة هنا إن هذه الفقرة قد عدلت بموجب التعديل السادس لقانون المرافعات بقانون رقم (83) لسنة 1978 .
([4]) يمكن أن تثار مسألة متعلقة بالدعاوى الإدارية (دعاوى محكمة القضاء الإداري ، ودعاوى محكمة قضاء الموظفين) فهي في العموم تطبق قواعد قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 في المسائل المدنية الإجرائية على الدعاوى الإدارية ، أو تطبق قواعد قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 في الشكاوى التي تحمل الطابع الجزائي ، والعلة في ذلك عدم وجود قانون خاص بالإجراءات الإدارية متعلق بالدعاوى المدنية والشكاوى الجزائية في حين نجد مثل هذا القانون مشرعاً في القوانين المقارنة كالقانون المصري والقانون اللبناني ، ونقترح في هذا المجال على مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية في العراق على نقل هذه التجربة وسن قانون متعلق بالإجراءات الإدارية يشمل الدعاوى المدنية والجزائية ذو طابع إداري.
([5]) Bonnard . r, précis de droit administrative . L. G.D. J , Paris , ed 4 , 1943 . page 42 .
([6]) ينظر : أعمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية ، الدائرة القانونية ، قسم الإستشارات والتشريعات ، شعبة الاستشارات القانونية بالعدد (ق/ش/1/3480) بتأريخ (10/8/2022) .
([7]) ينظر : أعمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالعدد (ق/3/1/3738) والمؤرخ (15/11/2018) .
([8]) أ.د سليمان الطماوي ، الوجيز في القانون الإداري ، دار الفكر العربي ، مصر ، القاهرة ، 1991 ، ص5.