مقال بقلم التدريسية : جمانة جاسم الاسدي
قبل بيان المغزى من الورقة البحثية توجب علينا ايضاح العناوين الرئيسية وتبيان معنى الربوبية، التي نرمي منها المالك المدبر او المترأس والقيادة او قمة الهرم في علية القوم والخلق، ولهذا اللفظ مفرد هو (رب) وجمعه (ارباب)، والمؤنث منه (ربة)، ورب الارباب هو الله تعالى جل وعلا في ديننا الاسلامي الحنيف.
اما رب الولد فهو وليه ومتعهده بما يغذيه وينميه ويؤدبه، وغالبا ما نلاحظ تسمية الاب في الاسرة برب العائلة وتسمية مالك المشروع برب العمل، وما لاحظناه ليس في اقوال المجتمع المتدوالة فحسب، انما في بطون النصوص القانونية، التي زج فيها للتعبير عن المرمى المشار اليه سلفا.
فيما لو رجعنا قليلا بالزمن الى الوراء لوجدنا ان اول من ادخل هذا اللفظ الى المجال القانوني هم الرومان، ومنهم تلقفته الحضارات الاخرى لينتشر كالنار في الهشيم وتحتضنه التقنينات ايما احتظان!، معتبرة اياه خير ما يمكن ان يمثل ويجسد ما يبغونه من قصد، مع ان اصل اللفظ ديني شرعي اكثر منه تشريعي، ولا مانع من هذا الاستخدام في المواضع التي يمكن ان تعطي اُوكلها، الا ان المشكلة تتجوهر في بعض الاستخدامات التي توسع النص او تتعدد الالفاظ لذات الشخص او تشكل عليه شرعا ومنطقا.
وبعد الاستقراء لكل التشريعات العراقية النافذة من قوانين وتعليمات، وجدنا ان بعضا من هذه المنظومة العملاقة تحمل هذا اللفظ بعدة مواضع منها:
- قانون حجز ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة العائدة الى اركان النظام السابق رقم 72 لسنة 2017 وتحديدا في المادة 2، ذكرت عبارة (رب العائلة) .
- تعليمات تسهيل تنفيذ قانون منحة طلبة الجامعات والمعاهد العراقية الحكومية رقم 63 لسنة 2013 في المادة 1 في فقرتها الثانية، ذكرت عبارة (رب الاسرة).
- تعليمات رقم 8 لسنة 2017 تسهيل تنفيذ قانون حماية الاجتماعية رقم 11 لسنة 2014 في المادة 2، ذكرت عبارة (رب الاسرة).
- قانون الضمان الصحي رقم 22 لسنة 2020 في المادة 7 الفقرة اولا – ز و م12 ثانيا و م16 رابعا و م32 و م36 ثانيا ، ذكرت عبارة (ارباب العمل) ، اما المادة 28 بفقرتها الاولى منه ذكرت عبارة (رب الاسرة) .
- قانون الصحة العامة رقم 89 لسنة 1981 المعدل ، في المادة 53 فقرتها الثانية منه ذكرت عبارة (رب العمل).
- قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 المعدل ، المادة 12 بفقرتها الاولى أ منه ، ذكرت عبارة (ربة البيت).
- قانون اقامة الاجانب رقم 76 لسنة 2017 المادة 9 اولا منه، ذكرت عبارة (رب اسرته).
- قانون المدني رقم 40 لسنة 1951 في المادة 391 ذكرت عبارة (رب الدين)، والمادة 558 الفقرة 2 وم565 ذكرت عبارة (ارباب الخبرة) ، والمادة 826 و827 و829 و830 و831 ذكرت عبارة (رب الارض) ، اما المواد 865 و866 و867 و868 و869 و870 و871 و 873 و875 و877 و878 و879 و882 و883 و885 و886 و887 و888 و889 و890 و900 و902 و906 و907 و908 وو909 و910 و911 و912 و913 و921 و923 و924 و925 و926 ذكروا عبارة (رب العمل)، والمادة 1331 فقرتها الثانية ذكرت عبارة (ارباب الارض).
- قانون السيطرة على الضوضاء رقم 41 لسنة 2015 المادة 3 ذكرت عبارة (رب العمل).
- قانون البطاقة الوطنية رقم 3 لسنة 2016 المادة الاولى بفقرتها 16 ذكرت عبارة (رب الاسرة او من ترتضيه الاسرة ربا لها), والفقرة 18 كذلك من ذات المادة ، والمادة 10 و11 و14 ذكرت ذات عبارة (رب الاسرة).
- قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 40 لسنة 1970 المادة 43 ذكرت عبارة (ارباب الصناعات).
- تعليمات استقطاع الضريبة بطريقة الاستقطاع المباشر رقم 1 لسنة 2007 في المادة 3 ثانيا والمادة 5 ذكرت عبارة (ربة البيت).
- تعليمات الرقابة على التحويل الخارجي الصادرة عن البنك المركزي العراقي في المادة 73 فقرتها 5 ب ذكرت عبارة (رب العمل).
- تعليمات الاحوال المدنية رقم 1 لسنة 1975 المادة 58 ذكرت عبارة (رب الاسرة).
- نظام الاحوال المدنية رقم 32 لسنة 1974 المادة 34 ذكرت عبارة (ربة البيت) والمادة 44 ذكرت (رب الاسرة).
- قانون نقابة المهندسين رقم . لسنة . المادة 39 ذكرت عبارة (رب العمل).
- النظام الداخلي لنقابة المهندسين المادة 14 ذكرت عبارة (رب العمل).
- قانون صندوق تقاعد المحامين المادة 22 فقرة 2 ذكرت عبارة (رب العمل).
- قانون براءة الاختراع والنماذج الصناعية رقم 65 لسنة 1970 المادة 9 و10 و11 و79 ذكرت عبارة (رب العمل).
نحن لا نؤاخذ المشرع العراقي لاستخدامه لفظ (رب) في تشريعاته بسبب انحصار هذا اللفظ لكينونة الخالق، فدستورنا الاسلامي اورد ما يدل على انه لفظ عام للملك او المرؤوس او السيد، حيث جاءت الاية الكريمة رقم 42 من سورة يوسف في قوله سبحانه وتعالى: “وقال للذي ظن انه ناج منهما اذكرني عند ربك”، يبدو من التفسير الظاهري للاية ان سيدنا يوسف (عليه وعلى نبينا واله الصلاة والسلام) قد سمى صاحب العبد بالرب، وعليه نذعن ان الرب قد لا يكون المراد به الله (جل وعلا).
ولكننا كقانونيين نشكل على التشريعات تعدد الالفاظ ومصطلحاتها للدلالة على شخص واحد في عدة قوانين وتعليمات، فحينا يستخدم المشرع لفظ رب الاسرة وحينا رب العائلة وحينا اخر (الاب) للدلالة على ذات الشخص !، ونحن نرجح التسمية الاخيرة بفرضها الافضل نظرا لدقة استخدامها في قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، واما رب الدين المستخدمة في القانون المدني فالمقصود منها هو الدائن، الذي له بذمة المدين دين.
وكذلك فيما يتعلق بألفاظ ارباب الصناعات وارباب الخبرة وارباب الارض، ما هم الا اصحاب او مُلاك لهذه الخبرات او الصناعات او العقارات والعرصات، وقد سبق ايرادها بلفظ مالك: كمالك العقار (في قانون تبليط الشوارع رقم 85 لسنة 1963 وقانون ايجار العقار رقم 87 لسنة 1979 ونظام الاستثمار رقم 2 لسنة 2009 وقانون الاستملاك رقم 12 لسنة 1981 والقانون المدني وقانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 وقانون ضريبة العقار رقم 162 لسنة 1959)، او لفظ مالك الارض (في قانون اعادة تنظيم الملكية الزراعية في مشاريع الاستصلاح رقم 42 لسنة 1987 وقانون تأجير الاراضي المستصلحة رقم 79 لسنة 1985 وقانون الاستملاك وقانون المدني وقانون الاثار والتراث رقم 55 لسنة 2002 وقانون الاستثمار الخاص في تصفية النفط الخام رقم 64 لسنة 2007 وقانون صيانة شبكات الري والبزل رقم 12 لسنة 1995)، فما الداعي للفظ رب الارض؟.
وفيما لو استقرائنا نصوص قانون العمل العراقي الجديد رقم 37 لسنة 2015 فسنجده استغنى بشكل تام عن استخدام عبارة رب العمل المستخدمة في القانون المدني وقوانين العمل الملغاة السابقة وابدالها الى (صاحب العمل)، نثني المشرع على التغير فهو خير ما يمكن ان يعبر عن ماهية الشخص المقصود وصلاحياته غير المطلقة وقيوده القانونية على كلتا سلطتيه الادارية والانضباطية.
كما ان على المشرع السعي لتسمية الشخوص بمسمياتها الحصرية المانعة الجامعة، ومنع تداخل الالفاظ التي من شأنها ان تسبب الارباك، وتعطي القارئ انطباع الذهول امام صلاحيات ومكنة صاحب الكنية، على الرغم ان الواقع يقيده بعدة التزامات عليه ان لا يتعداها، فأين هو من الربوبية والتسليم؟.
ختاما: نأمل كدعوة صادقة للمشرع العراقي ان يعيد النظر في المواد التي اسلفنا ذكرها في تسعة عشر تشريعا عاديا وفرعيا ونظاما، ليكون تعديله بالاستغناء عن عبارات الربوبية وايلاء صفة الموصوف حقها، وندعو مجلس الدولة العراقي المشكل بموجب قانون 65 لسنة 1979 بوصف المجلس جهة قضائية مرتبطة اداريا بوزارة العدل لمراجعة القرارات الحكومية والتشريعات والصياغة ودراسة وتدقيق مشروعات القوانين حسب المادة الرابعة منه، املا في توحيد الالفاظ ورفع الارباك.