التحقيق الاداري بين النص القانوني والواقع العملي

التحقيق الاداري بين النص القانوني والواقع العملي

أ.د. ضياء عبدالله عبود الجابر

جامعة كربلاء/ كلية القانون

التحقيق الاداري هو الوسيلة التي تستطيع من خلالها الادارة الوصول الى قناعة معينة بخصوص المخالفة الادارية الوظيفية المنسوبة الى الموظف الذي ينتمي اليها ويرتبط معها بالرابطة التنظيمية الوظيفة،على الرغم من وجود صلاحية للإدارة- الرئيس الاداري الاعلى- في حالات محددة وبعقوبات معينة لمعاقبة الموظف الذي تراه مخالفا بعد القيام بإستجواب الموظف المخالف دون الحاجة لتشكيل لجنة تحقيقية بموضوع المخالفة الادارية، وهنا نرى ضرورة ان يكون هذا الاستجواب تحريريا مكتوبا من خلال توجيه استفسار له عن سبب المخالفة للحصول منه على رد تحريري مكتوب بخصوصها اثباتا ام نفيا.

 وهذا التحقيق الاداري الانضباطي الذي يتم من خلال اللجنة التحقيقية المشكلة لهذا الغرض يتم وفقا لقواعد قانونية نص عليها قانون الانضباط ،وان لم ينص عليها بشكل مفصل – قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل– ، سواء من حيث تشكيل اللجنة التحقيقية وعدد اعضائها، الذي يعد من النظام العام والذي لا يمكن مخالفته، وفي حالة المخالفة سيكون ذلك سببا لعدم الاعتراف بالنتائج التي توصلت اليها اللجنة بتوصياتها التي تمت المصادقة عليها من قبل المسؤول الاداري الاعلى الامر بتشكيل اللجنة التحقيقية، وبالتالي إلغاء القرار شكلا قبل النظر فيه موضوعا.

واللجنة التحقيقية تتبع القواعد والاحكام المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات الجزائية وقانون المرافعات المدنية، بخصوص الية عمل اللجنة كالإجراءات المتعلقة بالتبليغات القضائية او التكليف بالحضور، والاستماع لإفادة الموظف المحال على اللجنة وبقية الشهود، سواء كانوا شهاد اثبات او شهود نفي، وغيرها من الاجراءات التي تنسجم مع طبيعة موضوع اللجنة المشكلة، كالانتقال والمعاينة ،واجراء الكشوفات والمخططات والمرتسمات ،ومحاضر الضبط والتفتيش والاستعانة بالخبراء، كلما تطلب عمل اللجنة والتحقيق فيها ذلك، وهذه اللجنة بعد قيامها بالإجراءات المتعددة والمتنوعة من استماع للإفادات والانتقال الى اماكن معينة والاطلاع على اوراق ووثائق ومستندات، واجراء كشوفات، وطلب معلومات والتي يجب ان تكون مدونة وموثقة بمحضر رسمي اصولي، أي مكتوبة ومدونة تحريريا رسميا، وعدم الاكتفاء بالاستماع لها شفهيا فقط،  تصل الى استنتاجات تقوم بتثبيتها في ذلك المحضر الذي تراعى فيه تلك الشكلية المطلوبة، ثم تقدم توصياتها الى الجهة الامرة بتشكيل اللجنة والمتمثلة بالمسؤول الاداري الاعلى او من يخوله ، وهذه التوصيات اما تتضمن غلق التحقيق في حالة عدم ثبوت المخالفة المنسوبة للموظف المحال على اللجنة ، أو التوصية بفرض احدى العقوبات المنصوص عليها قانونا في المادة (8) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل،عند ثبوت تلك المخالفة بتوافر الادلة القانونية الكافية لذلك، وبشرط تسبيب ذلك.

وللمسؤول الاداري الاعلى صلاحية المصادقة على توصيات اللجنة التحقيقية او تعديلها تخفيفا او تشديدا او رفضها، واعادتها دون المصادقة عليها الى اللجنة التحقيقية من خلال رئيسها لاستكمال بعض الاجراءات التحقيقية التي يراها مؤثرة في تكوين قناعة اللجنة التحقيقية، من خلال تدوين بعض العبارات على محضر اللجنة (( التعمق بالتحقيق، استكمال الاجراءات، وجود نقص في اجراءات التحقيق الاداري، عدم اتخاذ اجراء…، او غيرها من العبارات)) وقد يلجأ البعض من الرؤساء الاداريين الى الحوار والنقاش مع اللجنة بخصوص ما توصلت اليه من توصيات وفقا لما اتخذته من اجراءات وفي ضوء الادلة التي توصلت اليها والاستنتاجات التي بنت عليها توصياتها، قبل او بعد المصادقة من عدمها، وهو امر معمول به في الواقع العملي التطبيقي، ونراه امر جائز ومشروع قانونا، دون ان يمثل ذلك ضغطا او ايحاء من قبله للجنة التحقيقية لاسيما اذا ما تم قبل المصادقة، طالما لم يطلب منهم اعادة النظر في تلك التوصيات.

وقد يترتب على التحقيق الاداري طلب اتخاذ الاجراءات القانونية المدنية او الجزائية، متى ما توصلت اللجنة الى ان الفعل المنسوب للموظف كمخالفة ادارية يشكل جريمة معاقب عليها قانونا كالرشوة والاختلاس والتزوير والاضرار بالمال العام.

اما من الناحية المدنية فقط يترتب على اللجنة التحقيقية احالة الموظف المقصر على لجنة التضمين اضافة لمعاقبته بإحدى العقوبات الانضباطية بعد ثبوت المخالفة الادارية بحقه، فتقرر لجنة التضمين تحمله المسؤولية القانونية التي يترتب عليها دفع قيمة الاضرارالناشئة عن ذلك الفعل الذي ارتكبه الموظف عمدا او خطأ غير عمدي، جبرا للضرر الذي اصاب الدولة او اموالها.

اما بالنسبة للغير فيمكنه اقامة الدعوى المدنية او الجزائية عما يترتب من ضرر بخصوص المخالفة المنسوبة للموظف المخالف والتي شكلت قعلا ضارا الحق ضرر بالغير، او جريمة يعاقب عليها القانون، فلا يوجد مانع من اثارة المسؤوليات الثلاث عن فعل واحد.

وللموظف المعاقب الحق في التظلم من قرار العقوبة المفروضة عليه، سواء كان التظلم ولائيا، ام رئاسيا، والذي قد يترتب عليه تعديل القرار الاداري الصادر بالعقوبة الغاء او تخفيفا وفقا للصلاحية القانونية الممنوحة لجهة الادارة بما تمتلك من سلطة رئاسية.

  وكذلك من حقه الطعن امام محكمة قضاء الموظفين خلال المدد القانونية المحددة، والتي تمتلك الصلاحية الكاملة في الغاء القرار او تعديله وفقا لما تراه مناسبا كونها جهة الطعن المختصة قانونا في ذلك.

خلاصة القول ان التحقيق الاداري هو وسيلة من الوسائل القانونية التي يتم من خلالها التعرف على مقصرية ومخالفة الموظف عما منسوب اليه من مخالفة تتعلق بوظيفته الادارية أو الفنية او ما يرتبط بها، وهو وسيلة محكوم استخدامها بنصوص القانون التي يجب من خلالها توفير الضمانات القانونية للموظف المحال عليها، وان كنا نرى ضرورة وجود قواعد اجرائية تحكم هذا التحقيق بشكل صريح وواضح دون الاحالة على التشريعات العامة كقانون المرافعات المدنية أو قانون أصول المحاكمات الجزائية لخصوصية الوظيفة الادارية.

أ.د. ضياء عبدالله عبود الجابر

جامعة كربلاء/ كلية القانون