الاستثناء ومقتضياته  الشرعية والقانونية

الاستثناء ومقتضياته  الشرعية والقانونية

د / آمال علي الموسوي

الاختصاص /  القانون المدني

جامعة كربلاء / كلية القانون

   أن القران الكريم هو مصدر التشريعات فقد تضمن في بعض آياته  إشارات واضحة لمفهوم الاستثناء كما ان هناك نصوص قانونية لم تبتعد عن مفهوم الاستثناء وان لم تشر بكلمة ( الاستثناء )  بشكل صريح  في نصوص القانون ،وعليه يكون للاستثناء مقتضيات شرعية وقانونية هامة .

أولا / المقتضيات الشرعية

  من الآيات القرآنية التي عند تفسيرها اشارت في بعض المسائل الى الاستثناء من الحكم الشرعي العام ، وعليه عرف الاستثناء في القران الكريم بحروف معينة مثلا (إلا ، غير ، سوى ،إنما ، خلا ، عدا ) كقوله تعالى ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه  إن الله غفور رحيم ) فالأصل في هذه الآية الكريمة حرمة اكل الميتة والدم ولحم الخنزير الا ان الاضطرار والخوف من الهلاك والموت للإنسان ، فقد أجاز الشارع اكل تلك المحرمات والا يكون قاتلا نفسه ، فهذا الاستثناء الذي قرره الشارع  لأجل غاية معينة وهي ابعاد الضرر عن عباده ، وليرحم ويغفر لهم ،  وبه أجاز اكل المحرم استثناءاً على ان يكون الاكل بقدر الضرورة فلا يزيد عليها واذا زاد في ذلك يرجع الامر الى ما كان عليه وهو الحرام ، كما ان هناك قاعدة فقهية تقول ( الضرورات تبيح المحظورات ) فالممنوع شرعا يباح عند الضرورة ، وهذا الجواز الشرعي استثنائي يقدر بقدره .

   وكذلك اشارت الآية الكريمة على وجود استثناء متعلق بالمعاملات المالية كقوله تعالى ( يا أيها الذين امنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما )  يتضح من منطوق الآية على حرمة المعاملات المالية الربوية وأحل المعاملات المالية التجارية القائمة على التراضي ، فالتجارة عن تراض مستثناة من الأموال والمعاملات الباطلة ، فالأصل حرمة التجارة اذا كانت عن طريق الربا او الغصب او الخيانة أو السرقة ، فالتجارة هنا باطلة  والاستثناء التجارة القائمة على التراضي أو التجارة المشروعة الواقعة على المبادلة  المباحة  بين البائع والمشتري ، فالتمسك بمفهوم الاستثناء يجعلنا تطبيق احكامه التي تخالف الأصل ، فالاستثناء كونه حاجة أساسية لمعالجة الكثير من المسائل التي تساعد على تنظيم سلوك الفرد في المجتمع على نحو ما يتطلب منه شرعا وقانونا ، وبالتالي يؤدي الى تنظيم العلاقات المدنية والالتزام بما فرض الله علينا. 

   إلا إنه يمكن القول ان حالات الاستثناء الواردة في القران الكريم هي حالات استثنائية منذ الأصل وقد حدد الشارع حالات معينة  بنصوص قرآنيه وأجاز فيها الخروج عن الأصل العام وذلك لغايات معينة يريد بها اليسر لعباده ، فالهدف من هذا الجواز الاستثنائي هو الاختبار والامتثال الى ما  امر به عباده وهو ما اباح لهم ما حرم وقت الضرورة  ، فالأصل في كل الأشياء الاباحة الا ما نص على تحريمه .

ثانيا /المقتضيات القانونية

   فقد يستثني المشرع حالات معينة أو امراً معيناً من الخضوع لحكم القاعدة العامة ، فالأصل  أن القاعدة العامة تطبق على الجميع دون استثناء الا انه قد يرد على الأصل العام استثناءات تعنى بالحالات او المسائل التي لها احكام خاصة تختلف عن الحكم العام لها تحقيقا لمصلحة لا تتحقق الا بوجود هذا الاستثناء .

   وعليه يعرف الاستثناء قانونا هو خروج مسألة او واقعة معينة عن حكم القاعدة العامة لضرورة ومصلحة تقتضي ذلك ، فيتضح من التعريف أن  الاستثناء يعد  مظهراً من مظاهر الضرورة كإجراء قانوني يتفق مع النظام القانوني .

 فلم  تشير النصوص القانونية ايضاً بشكل صريح الى مصطلح ( الاستثناء ) ولكن يفهم من التطبيقات القانونية على وجود هذا المصطلح ، فهناك غايات اساسية من الحكم  بالاستثناء ومنها هو تحقيق التوازن العقدي فمثلا ان الأصل العام في العقود كافة ان ( العقد شريعة المتعاقدين ) الا ان المشرع خرج عن هذا الأصل وأورد استثناءً في المادة ( 146/2) التي أجاز فيه للقاضي الخروج عن هذه القاعدة والقيام بتعديل العقد كما في حالة وقوع ظروف استثنائية عامة لم تكن متوقعة بحيث يصبح تنفيذ الالتزام مرهقا ً للمدين فللقاضي إجراء موازنة بين مصلحة الطرفين  لإعادة التوازن للواجبات والحقوق المتبادلة فهذا التوازن من مهمة القاضي المدني الذي يمكن له الوصول لحل اكثر مطابق لمصالح  المتعاقدين ، وهذا التدخل هو الاستثناء على القاعدة العامة التي تنص على العقد شريعة المتعاقدين ولا يجوز التدخل والمساس بإرادة الأطراف العقدية ، وكذلك استقرار المعاملات المالية وذلك بإمكانية المحافظة والإبقاء على العقد بدلاً من هدمه  ، وأيضا تقرر الاستثناء لمنع وقوع الضرر وان الاستثناء قد شُرّع للضرورة أو لحالة خاصة ومن ثم لا يجوز التوسع به وتفسيره تفسيرا واسعا ، وذلك لان الاستثناء للضرورة والضرورة تقدر بقدرها ، فالمشرع عند ايراده أو إخراجه حكما معينا فانه يكون دافعا لغاية معينة .

    أما الحالات الواردة في القانون يكون البعض منها يأتي النص القانوني بشكل عام إلا انه يفهم من تفسير النص هناك حالات مستثناة ، فعلى سبيل المثال التعويض العادل استثناء من التعويض الكامل للضرر ، فالأصل ان يكون التعويض كاملا عن الضرر ولكن  يكون في حالات معينة غير كاملاً وانما عادلاً،  كحالة التجاوز في حق الدفاع الشرعي او حالة الضرورة يكون التعويض عادلا نظرا لاعتبارات معينة ، أما البعض الاخر من هذه الحالات يكون الاستثناء منصوص عليه  في القانون منذ البداية كما في حالة القوة القاهرة او الظروف الاستثنائية غير المتوقعة التي قد تطرأ على العقد ، فالأصل العام ( العقد شريعة المتعاقدين ) فلا يجوز لأطراف العقد تعديله او نقضه الا بمقتضى نص قانوني او إرادة الطرفين ولكن نتيجة حدوث ظروف غير متوقعة تجعل تنفيذ الالتزام اما مرهقا فيخفف عن المدين التزامه العقدي أو يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا فتنقضي الالتزامات بها ، فهنا تكون المسؤولية مخففة والتعويض عن الضرر تراعى فيها  المحكمة في ذلك ظروف كلا المتعاقدين  كما يمكن الإشارة الى ان الاستثناء لا يجوز التوسع فيه ، وبالنظر الى تعدد حالات الاستثناء سواء في النصوص القرآنية ام في النصوص القانونية الا انه لا  يمكن جعل الاستثناء  قاعدة عامة على الرغم من غاياته الهامة التي  تعالج في بعض الأحيان مسائل عديدة متعلقة بالتزامات الأطراف ،كما وان للاستثناء دورا هام في نطاق المسؤولية المدنية سواء التقصيرية  ام العقدية التي تجعل المسؤولية مخففة استثناء من الأصل العام ان تكون المسؤولية كاملة .