دور المرأة في العمل التطوعي
قال الله تعالى في كتابه العزيز( فمن تطوع خيراً فهو خير له)
يعد العمل التطوعي ظاهرة قديمة وعالمية تمثل سلوكاً انسانياً تلقائياً نحو فعل الخير وتقديم يد العون للاخرين ، ليجسد بذلك القيم الاخلاقية والدينية المعبرة عن الدوافع الانسانية والمشاعر العاطفية المتأصلة في النفس البشرية.
وقد أتخذ العمل التطوعي عبر التأريخ الانساني اشكالاً متعددة ، ابتداءاً من الاعراف والتقاليد القائمة على اساس المساعدة الذاتية ، ومروراً بالتجاوب الاجتماعي في اوقات الشدة ومجهودات الاغاثة ، وبلوغاً لما وصل اليه اليوم من صيغ العمل المؤسساتي المنظم.
والعمل التطوعي ، ظاهرة اجتماعية تحقق الترابط والتآلف والتآخي بين افراد المجتمع حتى يكون كما وصفه الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) “كالجسد الواحد” ، والعمل التطوعي من اهم الاعمال التي يجب ان يعتنى بها ، كما دلت على ذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله ، فكل انسان ذكراً أم أنثى مطالب بعمل الخير، يتناسب مع قدراتهِ انطلاقاً من قولهِ تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان).
والعراق بلد من بلاد المسلمين ، دخله الاسلام من مراحله الأولى وضرب أهله أمثلة عظيمة في الاستجابة لدعوة الإسلام ، وفي هذا الوقت قد ملء بالعمل الخيري التطوعي فانتشرت الجمعيات والصناديق الخيرية ، وظهر الاهتمام بالفقراء والمساكين والمعاقين وذوي الحاجة .
وقد كان للمرأة نصيب وافر في العمل التطوعي ، لذلك سوف نوضح في هذ المحور اولاً مفهوم العمل التطوعي وبعد ذلك نبين دور المرأة في هذا العمل.
اولاً:- مفهوم العمل التطوعي
يعرف العمل التطوعي بأنه النشاط الاجتماعي والاقصادي الذي يقوم به الافراد او الممثلون في الهيئات والمؤسسات والجمعيات الاهلية ذات النفع العام دون عائد مادي مباشر للقائمين عليهِ وذلك بهدف التقليل من حجم المشكلات والاسهام في حلها.
وتكمن اهمية العمل التطوعي ، بأنه يعمل على تكميل العمل الحكومي وتدعيمه لصالح المجتمع . بالاضافة الى ان التطوع ظاهرة مهمة للدلالة على حيوية الجماهير ،لذلك يؤخذ مؤشراً للحكم على مدى تقدم الشعوب.
والمجالات التي يمكن ان يشغلها العمل التطوعي ، يبحث في حاجات الناس لا سيما الاشد ضعفاً ، منهم ليقدم لهم خدماتهِ من قبيل رعاية الايتام والمسنين او المعوقين او المتعففين او الاطفال او النساء وغيرهم من الشرائح الاجتماعية التي تكون بحاجة للخدمات التطوعية.
ويمكن الاستدلال على ما يمتلكه الاسلام من وقود يزود به العمل التطوعي ويدفع الافراد نحوه ، هو ما نلمسه من اعمال تطوعية في المناسبات الدينية ومواليد الرموز الاسلامية كولادة الرسول الاعظم ، والائمة الاطهار ووفياتهم ، واحياء ذكرى عاشوراء ، اذ يتجسد ما تختزنه هذه المناسبة من جذوة حماس التضحية المتمثلة بواقعة الطف ، الى قوة دافعة نحو العمل التطوعي في تظاهرة تطوعية لا مثيل لها بصور العمل واشكاله ومجالاته المختلفة كافة من طبية وانمائية وخدمية وبيئية وغيرها، في واحدة من اكبر التجمعات البشرية في العالم كله.
ثانياً:- دور المرأة في العمل التطوعي
المرأة في المجتمعات العربية ، تواجه العديد من التحديات التي تعوقها من القيام بدورها في العمل التطوعي، ومن اهم هذهِ التحديات عدم وعي المرأة بالدور المطلوب منها. حيث انها كانت وما تزال تستشعر الكثير من الضغوط المؤسسية الاجتماعية التي تعوق مشاركتها، وان مفهوم تمكين المرأة من العمل التطوعي ، يساعد على تطور مشاركتها وينمي قدرتها ووعيها ومعرفتها ومن ثم تحقيق ذاتها ، على مختلف الاصعدة المادية والاجتماعية والسياسية ويتيح لديها كافة القدرات والامكانات التي تجعلها قادرة على السيطرة على ظروفها ووضعها ومن ثم الاسهام الحر والواعي في بناء المجتمع على كافة اصعدتهِ.
بالاضافة الى ان هناك معوقات تتعلق بالمجتمع تحول دون مشاركة المرأة بالعمل التطوعي منها عدم الوعي الكافي بين افراد المجتمع بأهمية التطوع ، والاهداف التي يسعى الى تحقيقها واعتقاد البعض ان التطوع مضيعة للوقت والجهد ، بالاضافة الى عدم وجود تنظيمات تنظم العمل التطوعي .
ويمكن تقسيم الدور الذ ي تقوم به المرأة في نهضة المجتمع الى دائرتين رئيستين ، دائرة الاسرة ودائرة المجتمع ، وان العمل التطوعي جزء من دائرة الدور المجتمعي الذي يمكن للمرأة ان تشارك به في عملية تحسين الاحوال المعيشية وايجاد حياة افضل لافراد المجتمع.
ومن ابرز صور العمل التطوعي الذي يمكن للمرأة ان تقوم به ، منها افتتاح جمعيات انسانية او مراكز لتنمية الطفل او تدريب فتيات الاسر المحتاجة على مهنة تكون مصدراً للعيش.
ويتمثل النشاط التطوعي للمرأة في انماط متعددة من اهمها واكثرها شيوعاً الجمعيات الخيرية النسائية وهي الجمعيات التي ترتبط بالفلسفة التقليدية للبر والاحسان وتحاول اصلاح ومعالجة المشكلات.
فأن من اهم الدوافع التي تدفع المرأة للمشاركة في الاعمال التطوعية ، حب الخير ومساعدة الاخرين والتعلم واكتساب مهارات جديدة.
فبات من الضروري نشر ثقافة التطوع لدى كل شرائح المجتمع وربطها بالاجر من الله تعالى وكذلك العمل على الارتقاء بمستوى العمل التطوعي عبر التدريب وتكريس العمل المؤسسي والاستفادة من وسائل التواصل المجتمعي
فأن أهم التوصيات التي يمكن ان نطرحها في مجال دور المرأة في العمل التطوعي هي:-
- في الوقت الذي نثمن فيه لمشرعنا العراقي اصداره قانون المنظمات غير الحكومية رقم (12) لسنة 2010 ، اذ يسجل له في ذلك خطوة في اصلاح الاتجاه الصحيح نحو دعم وتطوير النشاط التطوعي ، الا أن هذهِ الخطوة جاءت قاصرة لان القانون المذكور ق\ اغفل اية اشارة الى القطاع التطوع والمتطوعين ، رغم ان هذهِ المنظمات في حقيقتها تمثل المجال الحيوي لنحو العمل التطوعي وازدهاره لذا نجد انفسناضرورة توجيه الدعوة لمشرعنا الموقر للعمل الجاد بغية سن قانون خاص ينظم العمل التطوعي في العراق.
- وفي سياق دعم العمل التطوعي وتشجيع الافراد من كلا الجنسين للاقدام عليه نقترح ان يتضمن القانون اقرار وسام يمكن ان يسمى ( وسام القيم الاخلاقية) او اية تسمية اخرى تشير الى مبادئ العمل التطوعي الانساني ليمنح المتطوعين ولجهات التطوع.
- ضرورة تعاون القطاع الخاص مع الجمعيات ذات النفع العام والعمل على دعمها مادياً بما يتناسب وخدمات تلك الجمعيات.
- استخدام التكنولوجيا الحديثة لتنسيق العمل التطوعي بين الجهات الحكومية والاهلية لتقديم الخدمات الاجتماعية.
واخيراً يمكن القول ان العمل التطوعي بمفهومه الحديث يظل امتداداً لقيم المحبة والتآخي والاجتماعي التي حثت عليها الاديان السماوية ، وتجلت في آفاق المعاني الانسانية التي آتت بها ايات القران الكريم واقوال الرسول الاعظم ، لذلك فأن العمل التطوعي والسعي في خدمة المجتمع وقضاء حوائج الناس يحقق راحة نفسية وسعادة معنوية كبيرة لها مردود ايجابي على المجتمع بشكل عام.