مزدوجي الجنسية ومخاطر تولي المناصب الهامة
تثير ظاهرة ازدواج الجنسية مشاكل عديدة على الصعيد القانوني بصورة عامة، فضلاً عن ما لها من تأثير على مباشرة مزدوج الجنسية لحقوقه السياسية بشكل خاص، إذّ أنَّ توليه منصباً سيادياً من شأنه التأثير على سيادة الدولة وأمنها، وذلك لخطورة المهام التي يمارسها شاغل هذا المنصب وما يتولد عنها من قرارات مصيرية ترتبط ارتباطاً مباشراً بمصالح الدولة العليا. وهذا تسليط الضوء على المخاطر التي تنجم عن تولي مزدوج الجنسية منصباً سيادياً، فرغم أنَّ مبدأ المساواة يقضي بممارسة جميع المواطنين لحقوقهم السياسية دون تمييز، فإنَّ طبيعة بعض المناصب وعلاقتها بسيادة الدولة وأمنها الوطني، يقتضي حرمان مزدوج الجنسية من توليها.
وإذا كان الأصل يقضي أنَّ للفرد جنسية واحدة، فقد يتمتع بعض الأفراد بأكثر من جنسية واحدة وفقاً لأحكام قانون دولتين أو أكثر، وذلك لتباين القواعد القانونية الخاصة باكتساب الجنسية في كل منهم، وهنا نكون أمام ظاهرة (تعدد الجنسية)، والتي تعد من أهم المشاكل التي تثار في مجال الجنسية ، وذلك بوصفها وضع شاذ يتعارض مع طبيعة الجنسية ووظيفتها وما تقرٌّ به من اندماج الفرد في الحماية الوطنية للدولة التي ينتسب اليها.
ومن المعروف أنَّ الجنسية ترتب التزامات وحقوق متبادلة بين الفرد والدولة، فمساهمة الفرد في الحياة السياسية، وممارسة لحقوقه وحرياته الاساسية مرهون بتمتع الفرد بجنسية الدولة التي يمارس هذه الحقوق على اقليمها، واذ أنَّ مزدوج الجنسية يحمل جنسية أكثر من دولة فإنَّ تمتعه ببعض حقوقه السياسية كحق الترشيح وتولي الوظائف العامة والمناصب السيادية يثير اشكالات عدة، من شأنها التأثير على مستوى ما يتمتع به من تلك الحقوق بالمقارنة مع المواطن منفرد الجنسية.
وما زاد من هذه الظاهرة، هو لا تشترط بعض الدول أن يتخلى الفرد عن جنسيته الأصلية عند اكتسابه جنسية جديدة، مما يؤدي الى نتيجة حتمية وهي تمتع الفرد بأكثر من جنسية واحدة، إذ أنَّ للدولة مطلق الحرية في معاملة مزدوج الجنسية على النحو الذي تراه ينصب في مصلحتها العليا.
هذا وقد أورد دستور جمهورية العراق لسنة 2005، نصاً صريحاً يقتضي بـ (يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً التخلي عن اية جنسية أخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون)، وهكذا أفصح الدستور النافذ عن موقفه بجواز تعدد الجنسية بشكل يخالف ما استقرت عليه الدساتير السابقة، والتي لم تنظم هذه الظاهرة بل حاولت الحد منها.
ولكن جواز ازدواج الجنسية لم يكن مطلقاً، بل قيده المشرع الدستوري بوجوب تخلي من يتولى منصباً سيادياً عن اي جنسية اخرى مكتسبة، وذلك لتحقيق التوازن بين رغبة الفرد بالاحتفاظ بجنسياته الاخرى أضافة الى الجنسية العراقية من جهة، وبين وجوب مراعاة احترام حقوق الفرد منفرد الجنسية من جهة أخرى.
كما سمح قانون الجنسية العراقية النافذ رقم 26 لسنة 2006 بجواز ازدواج الجنسية وبصورة صريحة، وذلك في الفقرة الاولى من المادة 10 من القانون، ولكن قيد ذلك بالنسبة لمن يتولى منصباً سيادياً، اذ نصت المادة (9/ رابعاً) على أنه (لا يجوز للعراقي الذي يحمل جنسية أخرى مكتسبة أن يتولى منصباً سيادياً أو امنياً رفيعاً إلا إذا تخلى عن تلك الجنسية(.
ما يثيره المقال من اشكالية هامة على صعيد التطبيق أو الواقع، وعلى الرغم النص الصريح الذي أورده دستور جمهورية العراق لسنة 2005، لكن للأسف ما زال الواقع العملي يشهد تولي مزدوجي الجنسية لبعض المناصب السيادية، الأمر الذي يستدعي تنظيماً قانونياً دقيقاً وحاسماً للموضوع محل البحث.
أ.د. حسن علي كاظم
كلية القانون/ جامعة كربلاء