الجهة المختصة بإعطاء الإذن بفتح القبر

د.ضياء عبدالله عبود الجابر الاسدي

جامعة كربلاء/ كلية القانون

أن فتح القبر لا يتم جزافاً أو اعتباطا كما بينا سلفاً،فهو يحتاج إلى مبررات أو أسباب تدعوا السلطة المختصة إلى أعطاء الإذن بفتحه وإجراء الكشف على الجثة،وهذه السلطة عندما تعطي الإذن بفتح القبر،لابد أن تتبع إجراءات محددة عند فتح القبر فعلياً،سواء تم ذلك بحضور السلطة التي أعطت الإذن لفتح القبر، قاضي التحقيق المختص،أو رئيس أو قاضي المحكمة المختصة(محكمة الموضوع)،أو أوكل الأمر إلى المحقق،دون حضور القاضي المختص ،مع الجهات المختصة الأخرى( ،المحقق المختص ،مفرزة الشرطة، الخبير المختص أو الطبيب العدلي،أقارب المتوفى، الدفان أو حفار القبور) التي يستلزم حضورهم عند المباشرة في فتح القبر،ولكن لا يستلزم حضورهم عند أجراء الكشف على الجثة،لان الأمر قد يتم داخل المختبرات الجنائية المتخصصة.                                                        

إن النظر إلى فتح القبر كإجراء من إجراءات التحقيق يقتضي التعرف على الجهة التي منحها القانون هذا الحق،لأهمية وخطورة هذا الإجراء،فالقانون أعطى للقبور حرمتها عندما جرم الأفعال التي تشكل مساساً بهذه الحرمة،وانتهاكاً لها،فنصت المادة(373) من قانون العقوبات العراقي رقم(111) لسنة 1969 المعدل على ما يأتي((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من انتهك أو دنس حرمة قبر أو مقبرة أو نصب لميت أو هدم أو أتلف أو شوه عمداً شيئاً من ذلك)).                                                     .                                                          

كما جرمت المادة (374) من القانون ذاته انتهاك حرمة الجثة بأي طريقة كانت،فنصت على ما يأتي(( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من انتهك عمداً حرمة جثة أو جزء منها أو رفات آدمية أو حسر عنها الكفن،وإذا وقع الفعل انتقاماً من الميت أو تشهيراً به فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات)).                                                                                  .                                                                                                  

وعاقب المشرع أيضا على إخفاء جثة قتيل أو دفنها بدون إخبار الجهات المختصة في المادة(420) من القانون نفسه بقوله ((كل من أخفى جثة قتيل أو دفنها دون أخبار السلطة المختصة وقبل الكشف عليها وتحقيق حالة الموت وأسبابه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار أو بإحدى العقوبتين)) .                                

ولكن الملاحظ على النصوص أعلاه ضالة العقوبة المقررة،لاسيما إذا استخدم القاضي المختص سلطته التقديرية في تخفيف العقوبة وفرض عقوبة الغرامة لوحدها،أو الحبس البسيط لوحده،الأمر الذي يستوجب إعادة النظر فيها تشديداً لخطورة هذه الأفعال،وجسامة ما يترتب عليها من أثار،ويتم ذلك كما نرى من خلال رفع عبارة((…أو بإحدى هاتين العقوبتين))،لان ذلك يحد من سلطة القاضي في النزول بالعقوبة إلى الغرامة،أو الحبس البسيط،أو من خلال رفع الحد الأدنى للعقوبة المقيدة للحرية وجعلها السجن بدلا من الحبسإضافة إلى الغرامة،أو تحديد الحد الأدنى للعقوبة المقيدة للحرية وجعلها الحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات (32).                                               .                                                                    

وعند الرجوع إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم(23) لسنة 1971 المعدل، نجده قد قصر سلطة إعطاء الإذن بفتح القبر على قاضي التحقيق والمحكمة المختصة،وهذا ما نصت عليه المادة(71) منه،والتي جاء فيها ما يأتي((لقاضي التحقيق إذا اقتضى الحال أن يأذن بفتح قبر للكشف على جثة ميت بواسطة خبير أو طبيب مختص بحضور من يمكن حضوره من ذوي العلاقة لمعرفة سبب الوفاة)).                                                          

إن النص المتقدم أعطى قاضي التحقيق حصراً دون غيره الحق في إعطاء الإذن بفتح القبر،مما يعني أن القاضي المنتدب لمهام الادعاء العام عند وجود القاضي المختص،لا يمتلك هذه الصلاحية ،وكذلك المحقق العدلي أو القضائي مهما كانت الأحوال والظروف،لان القانون جعل هذه السلطة مناطة بقاضي التحقيق دون غيره،هذا في الظروف الاعتيادية(33).                                                                                                                                                                                                                    

ولكننا نتساءل هنا هل يمتلك عضو الادعاء العام(القاضي المنتدب لمهام الادعاء العام)،هذه الصلاحية عند غياب قاضي التحقيق المختص،وفقاً لنص المادة(3) من قانون الادعاء العام رقم(159) لسنة 1979 المعدل،أم لا،تقيداً بحرفية النص الوارد في المادة(71 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية سالفة الذكر؟                                          

من الناحية النظرية لا نرى وجود مانع من ذلك طالما أن قانون الادعاء العام في مادته الثالثة قد أعطاه هذه الصلاحية في حالة غياب قاضي التحقيق المختص ،فمن حقه مباشر جميع الإجراءات التحقيقية التي يمارسها القاضي المختص أصالة و اللازمة وصولاً إلى الحقيقة،ومن بينها إعطاء الإذن بفتح القبر،والقيام بالإشراف على عملية الكشف على الجثة إذا رغب بذلك شخصياً(34)،ولكن من الناحية العملية أو التطبيقية،نقول أن هذا الأمر قليل الحصول أو نادر الحدوث،لان دفن الجثة لا يتم إلا بعد الحصول على إذن من الجهات المختصة ومن بينها قاضي التحقيق المختص والجهات الطبية المختصة(الطب العدلي،المستشفيات العامة الرسمية) التي تمنح ذوي المتوفى شهادة الوفاة(بيان الوفاة)،وهذا ما نصت عليه المادة(21) من قانون الطب العدلي رقم(57) لسنة 1987 المعدل بقولها((يزود الطبيب العدلي ذوي المتوفى بشهادة وفاة طبية عدلية بعد أكمال عملية تشريح الجثة)) ، وتبين فيها أسباب الوفاة،وتعد بمثابة تصريحاً رسمياً للدفن،والتي لا تعطيها الجهة الطبية إلا بعد إجراء التشريح لجثة المتوفى،باستثناء بعض الحالات التي نص عليها قانون الطب العدلي رقم( 57 ) لسنة 1987 المعدل،والتي أعطت الحق لقاضي التحقيق في إعطاء الإذن بالدفن وبدون تشريح ،ولكن هذه الحالة أصبحت نادرة أو معدومة الوجود،تجنباً لكثير من الإشكاليات القانونية التي يمكن أن تثار بعد دفن الجثة بدون تشريح مهما كانت الأسباب،والتي قد تعرض القاضي للمساءلة القانونية(35)،كتراضي الطرفين،أو الأمراض الوبائية فقد نصت الفقرة(أولا) من المادة (20) منه على ما يأتي((تشرح الجثة أو تسلم بدون تشريح بقرار مسبب من قاضي التحقيق)) ،ونحن نؤيد الشق الثاني من الفقرة سالفة الذكر ،وخاصة عندما تكون هناك مبررات مقبولة،كالاشتباه بوجود حالة مرضية وبائية ،وهذا ما نصت عليه المادة((22) من قانون الطب العدلي بقولها(( لا يجوز تشريح الجثة إذا اشتبه بوجود حالة مرضية وبائية من الأمراض الخاضعة للوائح الصحية،ويخبر في هذه الحالة قاضي التحقيق،والجهات الصحية المختصة بذلك على وجه السرعة)).                                                                                              

هذا من ناحية،ومن ناحية ثانية أن مجلس القضاء الأعلى في الوقت الحاضر(الجهة المسؤولة عن السلطة القضائية والمرجع الأعلى لها)،عمل جاهداً على الفصل بين سلطتي التحقيق والادعاء،وذلك من خلال تفعيل دور الادعاء العام،بعد أن كان معطلاً أو شبه معطل في ظل الحقبة السابقة(36).                                                          

كما أن العمل بنظام قاضي التحقيق الخفر(القاضي الخافر)(37) يقلل من احتمالية أعطاء مثل هكذا صلاحية لعضو الادعاء العام(القاضي المنتدب لمهام الادعاء العام).                                                                         .                                                                            

ويحق لمحكمة الموضوع أعطاء الإذن بفتح القبر،بناء على سلطاتها في اتخاذ كافة الإجراءات القضائية التي تمكنها من بناء قناعاتها القضائية وصولاً إلى إصدار الحكم المناسب في الدعوى الجزائية(38)،فمن حق محكمة الموضوع(جنح،جنايات)،أن تعطي أوامرها لفتح قبر المتوفى للأسباب التي تقتنع بها،لاسيما إذا قدمت أدلة في مرحلة المحاكمة قد تغير مجرى القضية والقرارات التي تتخذ فيها،ومن قبل أي طرف من الأطراف،ولاسيما ذوي المتوفى.وان كنا نفضل تضمين هذه الصلاحيات بشكل صريح النصوص الخاصة بفتح القبر والكشف على الجثة إلى جاني قاضي التحقيق،فتكون صياغتها((لقاضي التحقيق ومحكمة الموضوع……))،أو, ((للجهات القضائية المختصة…….))أو((للقاضي المختص….)).