الأسـاس القانـوني للعقوبات الإداريـة
Legal foundation for Adminstratine sanctions
بحث مقدم من قبل
الاستاذ المساعد الدكتور محمد علي عبد الرضا عفلوك
جامعــة البصرة // كليــة القانون
الخلاصـــة..
بالنظر الى التضخم التشريعي الحاصل نتيجة اتساع حماية المصالح المستحدثة التي تتمثل بالمصالح المالية والاقتصادية والخدمية التي تلامس حياة الفرد العصرية ولغرض ضمان ادامة المصالح المذكورة كان لابد من منح الادارة صلاحية فرض العقوبات دون الرجوع الى القضاء على ان لا تكون العقوبات السالبة للحرية من بينها فتارة تكون عقوبات ادارية مالية كالغرامة والمصادرة الادارية وتارة تكون عقوبات شخصية كغلق المحل وسحب الترخيص وحظر النشاط ونشر العقوبة الادارية على ان لا يكون فرض الجزاء الاداري ماسا بمبدأ الفصل بين السلطات او مبدا الشرعية الجزائية ولا يحرم المدان اداريا من فرصة الاعتراض امام الادارة او المحاكم . وهناك تشريعات تأخذ هذه العقوبات بنظام قانوني خاص كالتشريع الالماني والايطالي واخرى كالعراق تتبناها دون ان يكون قانونا خاصا بها .
الكلمات المفتاحية: الاساس القانوني ، العقوبات ، الادارية ،مالية ،القضاء.
Abstract..
In according to enlarge legislation that’s happing as a result to the breadth of the protection developed interested which represented by financial ,economic and serving interests that related with modern individual life. In order to ensuring perpetuation of the above interests, must be given the administrator the authority of imposition of punishment without returning to the judiciary , but the imprisonment and prison must not be among of them. These punishments may be financial administration punishments such as fine and administrative confiscation or personal punishments such as close place , withdraw the license , prohibition of act and declare the administrative punishment.The imposing of the administrative punishment must not effect of the separation of powers or the penal legality and must not prevent the convicted administratively from the chance of appeal before of administrator or courts. There are some laws regulate the above system in special laws such as Germany and Italian laws or regulate that in general without special laws such as Iraq.
key words:legal foundation , sanction , Administrative , Tinancial , Judiciary.
المقدمـــة..
لما كان القانون هو مرآة المجتمع وانعكاس لحاجاته ومتطلباته المختلفة ، فأن وسيلته لتحقيق أغراضه ووظائفه التنظيمية والضبطية والوقائية العقوبة . وهذه الأخيرة تتناسب منطقا وعقلا مع طبيعة الجريمة نوعا وموضوعا وإلا فلا يتحقق التوازن المرسوم بين التجريم والعقاب والذي بدوره إن تحقق تتحقق معه أغراض القانون وأهدافه. ولما كان الإنسان متطور بطبيعته ، فلا بد من تطور أساليب التجريم والعقاب وهذا ما حصل فعلا عند تتبع منهجية التطور القانوني على مر التاريخ , أي تطور أساليب التجريم وأنماط العقاب وأنواعه , إلاان التطور التاريخي حاليا قد وصل إلى مراحل استقرت فيه السياسات القانونية المتعلقة بالتجريم والعقاب ، فضلا عن استقرار القدر الكبير من المبادئ القانونية والقواعد التي أصبحت راسخة فقها وتشريعا وقضاء وتنفيذا . ومن هذه المبادئ مبدأ الشرعية الجزائية , ومبدأ عدم رجعية القانون ومبدأ عدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الجرم مرتين , ومبدأ شخصية العقوبة , ومبادئ أخرى متعلقة بإقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وأخرى تتعلق بأنواع الجرائم إن كانت جنائية أو مدنية أو إدارية أو انضباطية تأديبية ومبادئ أخرى عديدة.إلا ان اللافت للنظرهو انه على الرغم من استقرار المبادئ القانونية دستورا وتشريعا , فان هناك تطورا حصل في الاتجاه نحو جعل القانون الجنائي هو الحل الأخير لحماية المصالح الجديرة , واللجوء إلى حلول قانونية جديدة تعتمد العقوبات الجنائية المالية كالغرامة والمصادرة وعقوبات أخرى شخصية غير مالية كسحب الترخيص وغلق المنشاة وغيرها ولكن بطريق إداري تنزله الإدارة العامة بما تمتلكه من وسائل تحقيق أغراضها , أي بإجراءات إدارية ولكن تحت رقابة القضاء , ويطلق على هذا الأسلوب الجديد قانون العقوبات الإداري , أو القانون الجنائي الإداري .ويذكر ان جميع التشريعات عملت بهذا الأسلوب الحديث ولكن الفارق ان بعضها كالقانون الألماني والقانون الايطالي والقانون السوفييتي قد اعتمدته كنظام قانوني مستقل تتولى الإدارة وتشعباتها تطبيقه وتنفيذه على الانتهاكات التي تمس مصالح تعد في قانون الجزاء الجنائي من قبيل المخالفات البسيطة او الجنح ، أي تلك التي تخرج عن نطاق الجنايات , في حين إن تشريعات عديدة ومنها التشريع الفرنسي والمصري والعراقي , قد اعتمدته ولكن دون أن يكون نظاما قانونيا مستقلا ، إلا ان الواقع يشير إلى تطبيقه وتنفيذه من الإدارة مباشرة دون الرجوع إلى القضاء ولكن تحت رقابته . وتعد هذه العقوبات قرارات إدارية تخضع لرقابة القضاء باعتماد الأساليب الإدارية المستقرة . ويلاحظ ذلك في العديد من التشريعات الخاصة بالتعاملات المالية والبيئية والخدمية وغيرها من الأمور التي تتولى الإدارة مباشرتها أوالإشراف عليها .هذا القانون أي القانون العقابي الإداري اخذ مداه وتطبيقه في العديد من النشاطات كالنشاط الاقتصادي والكمركي والضريبي والبيئي والشركات وقانون أسواق المال وغيرها الكثير وعقوباته المقررة في مواجهة الجريمة هي بعد استبعاد العقوبات البدنية والسالبة للحرية عقوبة الغرامة والمصادرة كما ذكرنا انفا ، فضلا عن عقوبة سحب الترخيص وإغلاق المنشأة والوقف المؤقت للنشاط وإزالة المخالفة وكذلك الحرمان من بعض الحقوق والامتيازات ونشر قرار العقوبة ، وحقيقة الأمر لو امعنا في هذه العقوبات نجد أغلبها هي اما عقوبات جنائية أصلية أوتكميلية أو تبعية أو تدابير احترازية أو وقائية ،إلا إن الفارق هو ان فرضها لايكون بالطريق الجنائي بالاستناد إلى قانون العقوبات العام وقوانين الجزاء الخاصة والقوانين الإجرائية وإنما دائما يكون بناء على سلطة الإدارة المباشرة وبإجراءات إدارية محضة وان كانت تحت القضاء .هذا الأمر دعت إليه ضرورات التطورالاجتماعي والاقتصادي والثقافي وتشعب مجالات الحياة واتساعها وتطورها الكبير وحققت الإدارة من خلال اعتماده اغراض القانون ،إلاإن الأمرلايسلم من إشكالات أثارت جدلا فقهيا يتعلق بتعارض هذا الأسلوب الجديد من التجريم والعقاب مع بعض المبادئ المستقرة التي سبق وانه اشرنا إليها انفا مما يستدعي التوقف عند هذا الأمر والبحث فيه مستعينين بتجارب بعض التشريعات السباقة في هذه المجال ولغرض التوصل إلى استقراء منطقي يحقق الطموح في تحقيق غايات القانون وأغراضه بالشكل المخطط له من جهة ، ومن جهة أخرى لا يتعارض مع المبادئ القانونية المستقرة و الذي إن حصل فانه يمس حقوق الأفراد وحرياتهم و الضمانات القانونية المستقرة في التشريعات الجزائية الوطنية. وبناء على ما تقدم سوف نعتمد اسلوب الوصف والتحليل مستهدفين الوصول الى التأصيل القانوني لهذا النمط المستحدث من العقوبات على وفق مباحث ثلاث نتناول في اولها مفهوم العقوبات الادارية وفي المبحث الثاني نستعرض اسباب نشأة العقوبات الادارية ومبرراتها ، اما المبحث الثالث فنفرده الى الضمانات القانونية في ضوء اشكاليات العقوبات الادارية .
المبحث الأول//مفهوم العقوبات الإداريــة..
إن رد العقوبات الإدارية إلى نظام قانوني محدد يحكمها وينظمها يتطلب التوقف عند تحديد المفهوم القانوني لهذه العقوبات الحديثة ، أو ربما يصح لنا تسميتها بالعقوبات الهجينة التي حملت صفات الإداري من جهة وصفات الجنائي من جهة أخرى وذلك بحسب طبيعة العقوبة أو بحسب طريقة تنفيذها أو الجهة التي تتولى فرضها أو بحسب المصالح التي تطالها ، فضلا عن إن تحديد المفهوم القانوني للعقوبات الإدارية يقتضي تحديد تعريف هذه العقوبات وخصائصها في مطلب، وفي مطلب آخر تسليط الضوء على تميزها عن غيرها من العقوبات ، أما أنواع هذه العقوبات فنخصص المطلب الثالث لها تباعا.
المطلب الأول// التعريف بالعقوبات الإدارية وخصائصها..
سنقسم هذا المطلب إلى فرعين أولهما نحدد من خلاله تعريف العقوبات الإدارية وثانيهما نفرده لبيان الخصائص المميزة لهذه العقوبات.
الفرع الأول // تعريف العقوبات الإدارية..
لما كانت الغرامة التي توقعها الإدارة هي العقوبة الإدارية الأكثر تعبيرا وتجسيدا لهذا النمط من العقوبات فأنه نلاحظ بعض التشريعات الرائدة في هذا المجال و منها التشريع السوفيتي السابق واليوغوسلافي السابق و كذلك التشريع الايطالي و الألماني ، قد اتجهت إلى تخصيص عقوبة الغرامة أو المصادرة أو الإنذار أو العمل لصالح المجتمع أو تحديد الإقامة أو منع الإقامة في مكان معين أو غيرها من العقوبات للجرائم التي تعد من قبيل المخالفات حيث تتولى الإدارة سلطة فرض العقوبة على المخالف، و على الرغم من الايجابيات التي تتحقق من جراء تطبيق هذه السياسة العقابية ، إلا انها لا تخلو من النقد الموجه لها، حيث ينظر بعض الفقه إن الأمر يتعارض مع مبدأ قضائية العقوبة ، فضلا عن فتح باب تعسف الإدارة في إيقاع تلك العقوبات.(1) فضلا عن ان المشرع اليوغسلافي قد حذا حذو المشرع السوفيتي في هذا المجال ، بل انه قد افرد عقوبة الحبس البسيط لا يزيد عن شهر، فضلا عن عقوبة الغرامة لبعض الجرائم التي تعد من قبيل المخلفات .(2) كما إن التشريع الجزائي الايطالي القديم (روكو) ذهب إلى الحبس أو الغرامة كعقوبات تقرر على المخالفات ، اما المشرع الألماني الذي اتخذ صورا عديدة للغرامة منها اليومية كبديل لسلب الحرية . و بالاستناد الى ما تقدم يمكن وصف العقوبة الإدارية بأنها :جزاءات ذات خصائص عقابية توقعها السلطات الإدارية بعدّها سلطة إدارية عامة تجاه كل من يخالف بعض القوانين و التعليمات الخاصة ذات الطابع الفني بإحدى العقوبات التي لها طابع جنائي كالغرامة أو المصادرة أو ذات طابع إداري صرف كغلق المحل أو إيقاف النشاط المؤقت أو سحب الرخصة الدائم أو المؤقت اوغيرها سواء أكانت الدولة تتبنى نظام قانون العقوبات الإداري كما في ألمانيا أوايطاليا أو تخضع المخالفات لقانون العقوبات الجنائية كما في فرنسا(3) ومصروالعراق و يمكن تعريف العقوبات الإدارية بأنها العقوبات ذات الطابع الجنائي غير البدنية و غير السالبة للحرية أو ذات الطابع الإداري التي توقعها الإدارة بمناسبة اقتراف سلوك رفع عنه صفة التجريم الجنائي و اخضع لنظام قانوني آخر كالقانون الإداري بإجراءات إدارية و تحت سلطة رقابة القضاء الإداري .(4)
الفرع الثاني // خصائص العقوبات الإدارية..
تمتاز العقوبات الإدارية بخصائص تميزها و تضفي عليها طابع خاص مزيج من الجنائي ومن الإداري ومن أهمها الآتي:-
أولا // انها عقوبات ذات طابع غير بدني و لا مقيد للحرية و غالبا ما تكون عقوبات مالية أو وقائية .
ثانيا // ان العقوبات الإدارية تخضع لمبدأ الشرعية الجزائية بشكل مباشر أو بناء على تفويض تشريعي للسلطة التنفيذية. ثالثا // انها عقوبات خصصت لسلوكيات مجرمة تقع على مصالح لا تخدش الضمير العام و مصالح حديثة اقتضتها تطورات المجتمع الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و نعني بها مصالح هامة ، إلا انها غير جوهرية أساسية ولا تقوض كيان المجتمع الأساسية.
رابعا // و لعل أهم خصيصة إن هذه العقوبات تفرضها الإدارة و لكن برقابة القضاء .
والمراجعة الحديثة للجزاءات الادارية في كندا راقبت ولاحظت ان اكثر الجزاءات الادارية تشترط حق المراجعة بشكل اساسي ليس قبل فرض الجزاء اي بعد فرض الجزاء. (5)
خامسا // إن العقوبات الإدارية اما تنظم بنظام قانوني خاص بها و يخضع الجرائم الجنائية المندرجة بعنوان المخالفات وبعض الجنح إلى هذا النظام القانوني الإداري كما في ايطاليا و ألمانيا ، أو يتاح للإدارة أن تمارس هذا النشاط الجزائي و لكن بدون وجود نظام قانوني خاص بالمخالفات على غرار فرنسا و مصروالعراق و غيرها.
سادسا // تصدر العقوبة الإدارية بشكل قرار إداري أحادي الجانب (6) و ذلك بمناسبة مزاولة نشاطها الإداري
سابعا // العقوبات الإدارية جزاءات ردعية و عامة ، بمعنى انها عقوبات رادعة لكل سلوك ايجابي أو سلبي ماسا بمصلحة معينة سواء مست الإدارة نفسها أو كانت الإدارة مسؤولة عن تنظيمها ، و عقوبات عامة تطال كل شرائح المجتمع سواء أكانوا موظفون أو أشخاص عاديون ولا يشترط أن توجد علاقة قانونية أوتعاقدية بين مقترف الجريمة و الإدارة . (7)
المطلب الثاني // تمييز العقوبات الإدارية..
لما كان للعقوبات الإدارية خصائص معينة تميزها عن غيرها من العقوبات ، فلابد من تسليط الضوء على تمييزها عن العقوبات الضبطية من جهة ، و من جهة أخرى تمييزها عن العقوبات الأخرى في الفرعين الآتيين :
الفرع الأول // تمييز العقوبات الإدارية عن العقوبات الضبطية..
للتمييز بينهما لابد من أن ننطلق من غاية كل مهما ، و حيث إن غاية العقوبات الإدارية تكمن في مواجهة الخطأ المخالف للقوانين الإدارية بالعقاب ، في حين ان غاية العقوبات التي تفرضها أجهزة الضبط الإداري هي الوقاية و المنع من خلال تدابير احترازية تسخر لحماية الأمن العام أو السكينة العامة أو الصحة العامة.(8) وتبدو أهمية التمييز بين العقوبات الإدارية التي تفرضها الإدارة و بين عقوبات الضبط الإداري التي تفرضها أجهزة الشرطة وبنص القانون صراحة ، الأمر الذي تجسد برفض مجلس الدولة الفرنسي إضفاء صفة العقوبة الإدارية على العقوبة الضبطية و ذلك لإبعاد الأخيرة أي العقوبات الضبطية التي تتكفل بحماية الأمن العام و السكينة العامة والصحة العامة عن الاقتران بنفس الضمانات التي أضفيت على العقوبات الإدارية التي سنتوقف عندها لاحقا .(9) و لا يفهم من ذلك تقييد الحريات بقدر ما يقصد به الموائمة و التوازن بين المصالح العليا للجماعة و فسحة المجال المتروكة للحريات الفردية و النشاط الخاص ، أي بين مطالب الحرية و مقتضيات حفظ النظام العام .(10) و تجدر الإشارة إلى انه لا يوجد تعريف تشريعي لأغلب التشريعات كما في مصر أو فرنسا أو العراق بقدر ما عرفه الفقه بالاستناد إلى أغراضه وغاياته المذكورة آنفا .(11) و يفهم من ذلك ان مجلس الدولة الفرنسي يبعد العقوبات الضبطية عن التمتع بمبدأ المواجهة ، وبعكس الحال على الإدارة احترامه قبل اتخاذ أي جزاء إداريا ، بحيث يتوجب على الإدارة اخطار المتهم بما اتهم به لتمكينه من ضمانات الدفاع عن نفسه ضمن السياقات الإدارية كالتظلم وغيره. فضلا عما تقدم فان تدابير الضبط الإداري تتخذ بمناسبة انتهاك النظام العام و الحريات ، بعكس العقوبات الإدارية في نطاق قانون العقوبات الإداري ، فإنها تكون بمناسبة مخالفة نصوص القوانين التي تندرج تحت إطار القانون الإداري . و بمعنى آخر عندما يكون الجزاء كسحب الترخيص أو سحب إجازة ممارسة نشاط جزاء طبيعيا ان كان لغرض الحفاظ على النظام العام ، بينما يكون إداريا ان كان قد اتخذ على إثر ارتكاب جريمة مخالفة لشروط الصحة أو البيئة ، الأمر الذي يراد منه ان الضبط الإداري مؤقتا لأنه يواجه ظروفا استثنائية ، بينما العقوبات الإدارية مستمرة لأنها تهدف إلى الحفاظ على الوظيفة العامة و انتظام سير المرافق العامة بانتظام واضطراد.(12)
الفـرع الثـاني // تمييز العقوبات الإدارية عن العقوبات التأديبية و التعاقدية ..
أولا // يراد بالعقوبات التأديبية الانضباطية تأثيم الموظف العام في الإدارات العامة او النقابات او الشركات لغرض احترام و انتظام سير تلك الإدارات ، بمعنى انها عقوبات تطال شريحة الموظفين العموميين ، و تلتزم السلطات التي تتولى فرض العقوبات التأديبية الانضباطية باحترام مبدأ المواجهة و حقوق الدفاع التي تنص على تنظيمها قوانين شرعت لهذا الغرض مثل قانون انضباط موظفي الدولة و القطاع العام رقم /14 لسنة 1991 العراقي . و بالتالي فان خصائص الجزاء التأديبي الانضباطي الذي يفرض على الموظف المخالف ترتبط ارتباطا وثيقا بغايات الجزاء التأديبي التي تدور حول ضمان انتظام و احترام سير المرافق العامة ، و ان الخصائص المميزة بالجزاء التأديبي تدور حول المجال الشخصي للفاعل و مجال السبب أي المخالفة الإدارية والمجال الذاتي أي المحل الذي وقعت عليه المخالفة .(13)
ثانيا // اما الجزاءات التعاقدية الخاصة التي تمارس الإدارة فرضها بحق المتعاقدين معها نتيجة لعدم او للإخلال بالتزاماتهم التعاقدية مع الادارة فقط دون ان يمتد اثرها على غيرهم ، في حين ان العقوبات الادارية التي تفرضها الادارة على الجميع بمناسبة خرقهم للقوانين و الانظمة و التعليمات .(14) كما في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية العراقية رقم (1) لسنة 2007 المعدل . و يلاحظ إن الجزاء الإداري تنفذه الإدارة بحق كل مخالف باعتباره قرارا يتصف بالعمومية ، في حين إن الجزاء التعاقدي تتخذه الإدارة المتعاقدة بحق المتعاقد معها غير الملتزم بتعهداته العقدية و التزاماته فانه قرار فردي زجري نص عليه بالرابطة العقدية(15) .
المطلب الثالث // أنواع العقوبات الإدارية..
للعقوبات الإدارية تصنيفات عديدة بحسب الأساس الذي يقوم عليه التصنيف ، إلا ان أهمها التصنيف الذي يرتكز على مضمونها و تصنف إلى عقوبات إدارية مالية وعقوبات إدارية شخصية غير مالية ، اما التصنيف
الآخر فيصنفها بحسب أهميتها و جسامتها إلى عقوبات إدارية أصلية أو تبعية أو تكميلية ، اما التصنيف الأخير فيستند إلى المحل الذي تقع عليه العقوبة الإدارية وهي عقوبات إدارية شخصية كالغرامة الإدارية وعقوبات عينية كالإزالة . وسنتبع التصنيف الأول الذي يقسمها إلى عقوبات إدارية جنائية مالية وأخرى شخصية غير مالية .
الفرع الأول// العقوبات الإدارية المالية..
تهدف العقوبات المالية تشكل عام إلى الردع العام أو الردع الخاص أسوة بالجزاءات الجنائية ، وتقرر الإدارة هذا النوع من العقوبات في حالة مخالفة أي فرد ينتهك بسلوكه الخاطئ نص القانون أوالأنظمة أوالتعليمات أواللوائح ، وخير مثال على تلك العقوبات المالية ما تفرضه الإدارة المالية في حالة انتهاك قانون الضريبة أو مخالفات المرور أو المخالفات البلدية أو البيئية أو الكمركية أوالإدارات المشرفة على الانتخابات او المخالفات التي تتعلق بتراخيص مزاولة النشاطات المختلفة …الخ .
أولا // الغرامـة الإداريـة..
عندما تكون الغرامة هي العقوبة الوحيدة للفعل المرتكب يجوز للمتهم الطعن امام القضاء ضمن المدة القانونية وفي هذه الحالة فانه المشرع يتبنى الجزاء الإداري (الغرامة) بديلا عن التجريم الجنائي استنادا إلى نظام إلغاء التجريم انف الذكر، وبناء عليه يمكن التمييز بين الغرامة الإدارية والغرامة الجنائية من خلال الآتي :-
1ـ الإدارة تحدد مقدار الغرامة الإدارية وتفرضها ، بينما الغرامة الجنائية يقررها و ويفرضه القضاء جنائي.(16)
2ـ في بعض الأحيان تجيز تشريعات معينة كالقانون الايطالي وقف تنفيذ عقوبة الغرامة الجنائية بشروط معينة يحددها القانون المذكور .
3ـ الغرامة الإدارية ثابتة المقدار ، في حين الغرامة الجنائية تتفاوت بين الحد الأدنى والحد الأعلى .(17)
4ـ الغرامة الإدارية لا ينظر عند فرضها الظروف المتعلقة بالمتهم ، بعكس الغرامة الجنائية ، بمعنى ان الغرامـــــــــــــــة الإدارية تـــــــــــــهدف إلى الــــــــــــــردع دون الالتفات إلى تفريد العقاب(18). 5- في الغرامة الإدارية لا يطبق وفق تنفيذ العقوبة الا في حاله الطعن بالقرار الإداري القاضي بفرضها في حالة الجدية و الاستعجال ، بعكس الحال في الغرامة الجنائية فانه ممكن وقفها أسوة بباقي العقوبات الجنائية . 6- بعض التشريعات الإدارية تجيز تحول الغرامة الإدارية إلى عقوبة الحبس بعد إحالة الأوراق إلى القضاء الجنائي عند الامتناع عن الدفع من باب الإكراه البدني على غرار الغرامة الجنائية ، بمعنى انه في الغرامة الإدارية لا تتحول العقوبة تلقائيا إلى الحبس عند عدم الدفع كما هو الحال في الغرامة الجنائية . حيث يخير النص القانوني الغرامة أو الحبس و عند عدم الدفع يؤول الجزاء إلى الحبس تلقائيا .(19) و بالاستناد إلى ما تقدم فان العقوبة الإدارية المالية المتمثلة بالغرامة تفرض من قبل الإدارة بالاستناد إلى الإجراءات الآتية :-
1- ضبط المخالفة مـن قبل الإدارة .
2- تحرير محضرا رسميا مستوفيا الشكل و المضمون و يعلم بها المخالف على ان يدفعها فور فرضها او خلال ثلاثون يوما من تاريخ فرضها .
3- عند عدم الرغبة في الدفع يجوز للمتهم الاعتراض أمام جهة الإدارة و من ثم على الإدارة إحالة الاعتراض امام القضاء للنظر فيه ، أي القضاء الإداري عند ممارسته رقابة الملائمة لتقرر مدى ملائمة العقوبة المعروضة أو عدمها بكل الأحوال .(20)
ثانيا//المصادرةالإدارية.. لما كانت المصادرة في أصلها جزاء جنائيا ذي طبيعة مالية وعينية تقع على مال معين متمثلا بنقل ملكية مال معين إلى خزينة الدولة .(21) فإنها قد تكون عقوبة تكميلية يحكم بها في أوضاع معينة وجوبيا ، و في أحيان أخرى تعد تدبيرا احترازيا ، و في أحيان أخرى يحكم بها القضاء جوازا لما لها من خصائص العقوبة.(22) وإذا كان الأمر كما ذكرنا عند الحكم بالمصادرة جنائيا ، فان الحكم لها في نطاق قانون العقوبات الإداري بعدها عقوبة إدارية أصلية أوتبعية أو تكميلية بواسطةالإدارة ودون الرجوع إلى القضاء. وعند الحديث عن طبيعة المصادرة يذهب رأي إلى التمييز بين المصادرة الإدارية والمصادرة الجنائية بالاستناد إلى طبيعة الجزاء لا بالاستناد إلى الجهة التي أصدرت الحكم بها ، إلا انه في رأي أخرى يذهب إلى ان طبيعة الجزاء لا يكفي للاستدلال لكون الجزاء جنائيا أو لا ، إذ انه يمكن ان تكون المصادرة عقوبة جنائية أو إدارية أو تدبيرا احترازيا أو تعويضا ، ينصب على الدفعة المالية التي تقع مباشرة على شخص المخالف فضلا عن الجزاءات الأخرى التي تمس شخصيته بغض النظر عن طبيعتها أو الجهة التي أصدرتها جنائية كانت أو إدارية (23).ويـــــشترط في المـــــــــصــادرة الآتي:- 1- ان يكون محل المصادرة مال مملوكأو بذمة الشخص المخالف.
2- ان يشكل المالالمصادر خطراً على المجتمع.(24)
3- ان يكون المال المصادر محلا للمخالفة أو تحصل بسببها أو في سبيل اقترافها و حسب ما تنص عليه القوانيــــــن والتعليمات. 4- ويمكن ان يكون في بعض التشريعات كقانون العقوبات الإدارية الايطالي المصادرة العينية بديلا الغرامة النقدية عند عدم مقدرة المتهم على اداءها .(25) وبالاستنــــــاد الى ما تقدم فان من التشريعات ما يعد المصادرة تدبيرا احترازيا عندما يقــــــــع على اموال محرمة كقانون العقوبات الايطالي في المادة 36 وكذلك القانون الأردني و العراقي واللبناني ومن التشريعات ما يميز بين المصادرة على الاموال المباحة وعدهاعقوبة تكميلية.(26 ) ولا يخفى ما للمصادرة من أهميـة عند إيقاعها كجـزاء إداري يكمـن في رفـد الاقتصـاد القـومي
والتعويض عن المتضررمتمثلا بالدولة ، فضلا عن كونها بديلا عن عقوبات إدارية أصلية كالغرامة كما أسلفنا فضلا عن مزايا أخرى .(27)
الفرع الثاني // العقوبات الادارية الشخصية ..
وهي عقوبات (غير مالية) وتتمثل هذه العقوبات الادارية غير المالية بكونها تقع على شخص المخالف الا انها لا تنال من حياته ، اي تستبعد من هذه العقوبات الادارية العقوبات السالبة للحرية ، ولكنها تنال من الحقوق والحريات غير الاساسية لتسلبها او تقيدها ، وبطبيعة الحال تكون هذه العقوبات الادارية غير المالية امضى وقعا على الشخص من العقوبات المالية سالفة الذكر ، الامر الذي دعى بعض التشريعات ومنها قانوني العقوبات الادارية الالماني والايطالي الى تبني نظام قانوني يقيد عن سلطة الادارة واحاطتها بضمانات عدة لتفادي تعسف الادارة وامتداد هذه القيود الى ابعد مما تقرره القوانين ، واهم هذه العقوبات الادارية سحب الترخيص او الغاءه اوغلق المنشاة او حظر مزاولة النشاط وغيرها .(28) ،ان تبرير فرض هذة العقوبات الادارية الشخصية تنطلق من رفع صفة التجريم ( الحد من التجريم ) عن بعض السلوكيات التي تطال مصالح محمية ، الا ان هذه الجرائم قليلة الاهمية و بالتالي فان فاعلية هذه العقوبات المتمثلة بالردع العام او الخاص وسهولة فرضها دعت الى حماية فعالة لهذه المصالح بعيدا عنه التجريم الجنائي ومع توفر الضمانات القانونية من خلال عقوبات ادارية لها طابع التدبيرالاداري لا الجزاء الجنائي .(29) واهم هذه العقوبات الشخصية الاتي :
اولا // سحب الترخيص..
ولما كانت هذه العقوبة لدى بعض التشريعات عقوبة جنائية كا في سحب ترخيص قيادة السيارة او حمل الاسلحة ، فان بعض التشريعات تعدها عقوبة ادارية كما في قانون المرور الفرنسي في مادة (266) . وقد يكون سحب الترخيص جزاء دائمياً او موقتا ، ذلك انه سحب الترخيص لا يولد حقوقا اصلية وانما قرارا اداريا مولدا لحقوق مكتسبة تعلق او تقيد اوتلغي في حالة عدم التزام بشروط الترخيص(30) ، ولا اشكال لسحب الترخيص الوقتي ، بعكس الحال عند سحب الترخيص الدائم فانه يثير اشكالية مخالف الدستور بعدها عقوبة فيها الاعتداء على الحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور واضفى عليها ضمانات في حالة فرضها قضائيا فكيف الحال عند فرضها اداريا .(31)
ثانيا // غـلق المـنشاة ..
يراد بغلق المنشاة منعها من الاستمرار بنشاطها التي انشأت من اجله بسبب اقتراف نشاط غير مشروع يهدد او يصيب مصلحة محمية قانونيا ، و هو اي الغلق من الجزاءات الجنائية التي نصت عليها كثير من التشريعات العقابية ، الا انه في الوقت تعد عقوبة ادارية في تشريعات عديدة اخرى كقانون تداول الخمور الفرنسي في المادة / 62 منه .(32) وبرأينا ايا كانت العقوبة او الجزاء جنائيا او اداريا فانه يتحد في حماية المصلحة المحمية ولكنه يتفاوت بجدارة الحماية و كفايتها بحسب وجهة الحماية ان كانت لصالح مراقبة انتظام و حسن سير النشاط تكون ادارية او كانت حماية لصالح مصالح الاقتصاد تكون جنائية هذا جانب ، و من جانب اخر ينظر الى مركز العقوبة من حيث كونها اصلية او تكميلية او تبعية او تدبير احترازي ، فقد تكون هنا عقوبة ادارية اصلية او تكون جزاء جنائيا من جهة اخرى سواء اكان تبعيا او تدبيرا او احترازيا .و بناء على ما تقدم فانه و في جميع الأحوال ليس من المقصود في إغلاق المشاة إغلاق المحل لذاته ، بل لمنع الفرد من اقتراف جريمة .(33)
و تجدر الإشارة إلى التمييز بين غلق المنشاة و عقوبة سحب الترخيص هو ان الاخير يمنع ممارسة النشاط كليا وفي جميع المنشات ، في حين غلق المنشاة لا ينصرف أثره الا على المنشاة ذاتها .
ثالثا // حظر مزاولة النشاط..
وهذه العقوبة تعد جزاء تكميليا يلحق سحب الترخيص ، و حكمة هذه العقوبة ان كانت ادارية تكميلية او ان كانت جزاء جنائيا وقائيا كتدبير احترازي هو حماية المجتمع من طائفة من الافراد لا تتوفر فيهم الضمانات الاخلاقية او العلمية او الفنية لممارسة النشاط او المهنة ، او من جهة اخرى حماية مصلحة صيانة المهنة و الحرفة من الدخلاء على امتهانها .(34) و قد نص عليها قانون العقوبات الاداري الايطالي اكثر مما عليه الحال في التشريع الالماني المقارن له و تقررت لكل من يخالف شروط مزاولة النشاط حسب القوانين و التعليمات و اللوائح .(35) وعقوبة حظر ممارسة النشاط كعقوبة ادارية قد تعد عقوبة أصلية او تكميلية بحسب الاحوال. فتعد عقوبة اصلية ان كانت مدة العقوبة الجنائية من عداد الجنح فيكون الحظر اداريا مدة لا تزيد عن خمس سنوات كما في المادة43 /2 من قانون العقوبات الفرنسي ، و تكون عقوبة تبعية كما في قانون مؤسسات الانتخاب لسنة 1984 الفرنسي بالمادة رقم 13 منه ، و كذلك المادة 1775 من القانون العام للضرائب الفرنسي ، و تكوين عقوبة تكميلية وجوبية عندما تقرر المادة 187 من قانون العقوبات الفرنسي عندما يفتح موظف البريد خطابات مودعة بمكاتب البريد و ذلك بمنعه من التعيين مدة لا تقل عن خمس سنوات ، و تكون جوازية في المادة 90 من قانون الصحة العامة بمنع مؤقت من مزاولة وظائف الخدمات العامة و الأمن لكل من يدان جنائيا من وقع منه فعل وهو بحالة سكر .(36)
رابعا // النشـر..
ان نشر العقوبة الادارية التي تصدر من الادارة بقانون اداري طالما كان هو اجراء يخضع لسلطة القضاء و يتمتع بنفس الاجراءات التي تضفي الضمانات للحقوق و الحريات و يتقرر لمدة محدودة و قصيرة . و النشر في الصحف و المجلات او واجهات المحلات او المصانع و يتحمل كل من ينزع او يخفي الاعلان غرامة مالية.ويعد النشر من العقوبات التي سمحت بها المادة (13) من مجلس المنافسة التي تأمر بالامتناع عن المــمارسات غيـــر المشـــروعية في فترة محددة. (37) فضلا عن قرارات مضاربات البورصة و المجلس الاعلى للاعلام .(38)
المبحث الثاني // أسباب نشأة العقوبات الادارية و مبرراتها..
كان لنشوء قانون العقوبات الاداري اسباب بعضها يرجع الى ما تقتضيه السياسة الجنائية الحديثة ، و بعضها يعود الى تناسب التجريم و العقاب بحسب ما تقتضيه المصلحة القانونية ، اما مبررات اعتماد هذا الاسلوب القانوني في العقاب فيعود الى مبررات املتها غايات العقوبات الادارية و اخرى مبررات موضوعية و اجرائية سنتناولها تباعا .
المطلب الأول // مقتضيات تطور السياسة الجنائية ..
لقد تطورت سياسة التجريم و العقاب في العصر الحديث بتأثير عوامل عديدة اجتماعية و سياسية و فكرية و كانت لا فكار مونت سكيو و فولتير الاثر البارز في تلك النهضة ، فضلا عن افكار حركة الدفاع الاجتماعي الحديث و روادها كراماتيكا و أنسل الذين كان لهما الاثر البارز في سياسة التجريم و العقاب حديثا.وكان لرؤية مونتسكيو الاثر الابلغ عندما انتقد قوة العقاب و تحكم القضاء في مقدار العقوبات ونوعها ، ودعى الى ضمان حرية المواطنين ومساواتهم امام القانون واعتدال العقوبات وتناسبها مع السلوك الاجرامي بموجب نصوص واضحة محددة تصدرها السلطة التشريعية المستقلة عن السلطتين القضائية والتنفيذية ، الامر الذي انتهى الى اقرار مبدأين اساسيين في مجال قانون العقوبات اولهما مبدأ الشرعية الجزائية و ثانيهما مبدأ الفصل بين السلطات .(39)، و يذكر ان الجهد الاممي ممثلا بالجمعية العامة للأمم المتحدة كان لها دور مهم في الاصلاحات العقابية ، و اتخذت بذلك منهجا لهدم ما توارثته الانسانية من اساليب تعسفية و ظالمة وافكار تقليدية ضمن السياسة العقابية ، واعتمدت منهجا يصون حقوق الانسان و كرامته وخير وسيلة لذلك كانت المؤتمرات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تروج لإرساء دعائم سياسة تجريم وعقاب حديثة .(40) وبناء على ما تقدم فان هناك عوامل ادت الى تطور سياسة التجريم و العقاب تطورا أدى الى حد منح الادارة العامة في الدولة سلطة فرض العقوبات ذات الطابع الجنائي كالغرامة و المصادرة دون الرجوع الى القضاء وبدون محاكمة وخاصة في الانتهاكات الواقعة على المصالح التي تمارس الادارة مباشرتها و منها و اهمها ذات الطابع الاقتصادي او المرفقي او الحرفي ، الامر الذي يعرض المبدأين السالف ذكرهما و الذين هما العمود الفقري لمبادئ قانون العقوبات الى خطر المساس بهما.
الفرع الاول // عوامل تطور السياسة الجنائية..
سوف نستعرض اهم العوامل التي ساهمت في تطور السياسة الجنائية وهي كالاتي :
اولا // تطور مفهوم الدولة واتساع نشاط الادارة ..
بعد النهضة الصناعية التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية ، اتجهت الدول المتقدمة الى الاصلاحات التشريعية التي تضفي الحماية للمصالح الجديدة التي تمخضت عن التطور الحاصل في المجال الصناعي و ما صاحبه من تطور في مجال الفكر والثقافة التي املت على المشرع ايضا الحفاظ على القيم الانسانية ، الامر الذي ادى الى تضخم قانون العقوبات ، حتى وصل الامر الى ان اصبح الاخير يشكل عب على الفرد لكي يكون ملما بكل سلوك مجرم ، دون ان يكون متمثلا باي خطورة اجرامية كما هو الحال في كثير من السلوكيات المجرمة في مجال المصالح التي تنظمها القوانين الجزائية الخاصة في المجالات الاقتصادية و الخدمية و المرور وغيرها وحيث ان الجرائم الحديثة الماسة بتلك المصالح التي تتمثل بفكرة الضرر او الخطر على المجتمع بات لا ينظر اليها بنفس فكرة الضرر او الخطر الذي ينظر اليه سابقا بصدد الجرائم التي تمس المصالح التقليدية وعلى سبيل المثال لا ينظر الى جريمة التهريب الكمركي او الضريبي على انهما جريمتان تمسان شرف الانسان بقدر ما هما سلوكان يتمثلان بالتخلص من عب مالي ثقيل او غير عادل يفرض على الفرد ، و هذا الامر في الكثير من المجتمعات بحسب ثقافتها او نظامها الاقتصادي . و لهذا فان التوجه التشريعي للحلول البديلة عن الجزاء الجنائي التقليدي اصبحت ملاذا للابتعاد عن الجزاء الجنائي الذي كثيرا ما ثبت عدم فاعليته المثلى بمثل هكذا جرائم و ذلك من خلال عدم فاعلية القسوة في الجزاء ، فضلا عن ان الجزاء البديل ينعكس ايجابيا على المجتمع سواء من الجوانب المالية او المعنوية المتمثلة بعدم استفحال الغل و السخط المجتمعي تجاه السلطة بعدها الجهة التي تنفذ العقوبات المقترنة بالجرائم المقترفة .(41)
ثانيا // التطور الاجتماعي والاقتصادي..
ان اتساع نشاط الادارة كان نتيجة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والفكري فتحولت الدولة من راعية للأمن ومحافظة على السيادة الى كونها ادارة عامة واسعة الموارد متشعبة التنظيم تمارس الاشراف على حسن سير المرافق وتقديم الخدمات وتحدد اوجه الانفاق ، ووصل الامر الى حد احتكار تقديم بعض الخدمات الرئيسة في مجال الطاقة والمياه وغير ذلك . وعندما تزايدت اعباء الادارة بأتساع حاجات المجتمع المختلفة ، كان لزاما عليها استعمال سلطاتها بما تمتلكه من وسائل سياسية وقانونية لغرض تنظيم مواردها المالية وايصال الخدمات وجباية الموارد واعادة تدويرها الى خدمات وسلع ، مما دعى الى زيادة وتضخم المصالح الجديدة التي اصبحت جديرة بالحماية القانونية . وحقيقة الامر ان هذه المصالح المالية والخدمية اصبحت عصب الحياة في المجتمعات الحديثة ولايمكن لأي فرد في اي وقت الاستغناء عنها ، فضلا عن كونها مصالح للأفراد جديرة بالحماية ، فهي ايضا تشكل اعباء مالية على المستفيد منها ، وكذا الحال فهي اعباء مالية وفنية على كاهل الادارة في سبيل توفيرها وصيانتها وديمومتها واعادة تدويرها ، مما يستدعي الحفاظ عليها من المساس والانتهاك بكل الوسائل التشريعية الناجعة التي لا تفوت الوقت عند حمايتها ، لأن في ذلك فوات ديمومة المصالح سواء اكانت خدمية للفرد وللمجتمع اوان كانت ايرادا ماليا يجبى بالمقابل من الفرد لصالح الدولة ومن ثم يدور للفرد وللمجتمع فضلا عن ان فوات تقديم الخدمات فيه فوات تحقيق موارد مالية تدخل الخزانة العامة للدولة . ان هذا التزايد المضطرد في جميع القطاعات اقتضى البحث في سبيل جديدة ناجعة تحقق الهدف من توفيرهذه المصالح تحميها بالطريقة التي تناسب مع طبيعتها وهذه السبل عديدة وياتي في مقدمتها الجزاءات الادارية ذات الطبيعة الجنائية كالغرامة والمصادرة وغلق المحل وايقاف النشاط او حظره وغيرها ، فان هذه الجزاءات هي عقوبات جنائية في طبيعتها وبعضها تدابير وقائية احترازية ، الا ان الفارق المهم هو ان جهة فرضها ليس القضاء وانما الادارة بما تمتلكه من سلطة عامة . ان مرد هذا الاجراء هو ان اغلب او جميع هذه الجرائم الحديثة هي جرائم مصطنعة لا طبيعية ، اي انها جرائم غير مستنكرة اجتماعيا بطبيعتها ولا تأثر في مشاعر الشفقة الغريزية او الامانة الفطرية الا انها جرائم اصطنعها الانسان لرغبته في تطوير احتياجاته واستيعابها ، وهي تختلف من حيث النطاق او المضمون من مجتمع لأخر ومن وقت لأخر ، فهي جرائم تنظيمية لا تتعارض مع القيم الانسانية الرئيسة السائدة والهدف منها الحفاظ على مصالح الدولة الحديثة التي تمكنها من اداء واجباتها الحديثة المتمثلة في تقديم الخدمات والسلع ، فضلا عن الأمن والسكينة والصحة العامة.(42)وفي حقيقة الامر ان هذه الجرائم لا تعدو ان تكون محصلة لانتهاك علاقة تنظيمية لقطاع خدمي معين تديره الدولة او تشرف عليه او توجهه ، وذلك بحسب النهج الاقتصادي او الخدمي السائد فيها ، وهذه العلاقة الادارية نشأت بين ادارة الدولة في ذلك القطاع وبين المكلف بالعلاقة القانونية التنظيمية وهو الفرد الطبيعي او الشخص المعنوي ، وان مخالفته ونقصد بها الجريمة المرتكبة هي مخالفة لأوامر الادارة الحكومية المعنية ، وهذه الاوامر هي قرارات ادارية يفترض ان تتولى الادارة بنفسها المعاقبة على من يخالفها وبما يتناسب مع حجم وطبيعة السلوك الماس بالمصلحة المنتهكة ، والادارة الاكثر دراية من غيرها والاكثر حرصا على ادامة هذه المصالح .(43)
ثالثا // تكامل الحماية القانونية للمصالح..
عندما يقترف سلوك ما انتهاكا لمصلحة قانونية ينظر الى اهمية المصلحة ان كانت مصلحة اساسية او تكليمية فحينما يكون الانتهاك لمصحة اساسية يزداد الجزاء شدة وصرامة ، اما ان كان الانتهاك لمصلحة فرعية او تكليمية يخفف الجزاء ،ومن هنا اصبح التميز واضحا بين التأثيم القانوني وبين التجريم ،ذلك ان التجريم صورة خاصة وتمثل اقصى درجات التأثيم وذلك الاخير هو مهمة القانون عموما ، اما التجريم فهو من اختصاص القانون الجنائي .(44) وبذات الصدد يذكر ان القانون الجنائي يصون الركائز الاساسية للمجتمع التي تضمن سلامته وبقاءه ، ويقصد بها المصالح الركائز الاولية الاساسية ، اما فروع القانون الاخرى فأنها تتصدى بالحماية لمصالح اقل اهمية ، وهي تلك المصالح التي يقال عنها انها تضمن وتصون مقومات كمال الحياة الاجتماعية وبعبارة ادق ان القاعدة القانونية الجنائية المنظمة للسلوك والتي تحمي مصالح اساسية تتقاسم وتشترك معها في الحماية قواعد اخرى غير جنائية تنتمي الى فروع القانون الاخرى كالقانون الاداري او الدستوري او المدني وهو ما يطلق عليه ب ((ثنائية حكم القاعدة الجنائية )).(45) او التلازم الحتمي بين الحظر الجنائي والحظر غير الجنائي . ويمكن القول ان القانون الجنائي يتولى حماية المصالح الاساسية للمجتمع ، بينما القوانين الاخرى تتولى حماية المصالح التي تعنى برقي المجتمع ، وان تجاوز القانون الجنائي ذلك ، اي حدود المصالح الاساسية فانه يفتح الابواب لأعباء وصعوبات تقع على كاهل الدولة ، والاولى ان لا يتجاوزحدود التجريم ويترك تلك المصالح الاقل اهمية من تلك التي يطلق عليها الركائز الاولية الاساسية للمجتمع لتتولاها فروع القانون الاخرى بالتنظيم . ومتى ما كان السلوك المجرم لا يطال الضميرالانساني العام فيوكل أمر التأثيم الى قانون اخر لإيقاع وفرض جزاءات اكثر فاعلية كالغرامة الادارية والمصادرة وغيرها .(46) ولما كانت المصلحة تعني الموافقة بين المنفعة والهدف ، فهي أي المصلحة توجد بتوافرعناصرها الثلاثة ،المنفعة والهدف والموافقة بينهما ، ولما كانت المصلحة جلب المنفعة ودرء المفسدة او الضرر ، فلا مناص من اتباع سبل الحماية القانونية بما يحقق المصلحة ولا ينتقص منها ولا يفوت تحقيقها بالكامل وبما يدفع الاضرار ويدرء المفاسد ، لأن في ذلك تفويت او انتقاص من المصلحة محل الاقامة .(47) ونعتقد وبلا شك ان سبل حماية المصالح المهمة تحددها السياسة الجنائية في الدولة ، في حين ان تحديد المصالح الجديرة بالحماية يكون على اساس فلسفة الدولة ، وطبيعة الايديولوجيا التي تنتهجها . وان كانت السبل المؤدية الى تحقيق الحماية القانونية غير ناجعة فلا جدوى من الحماية ولا مصلحة تتحقق منها .
الفرع الثاني // ملامح السياسة الجنائية الحديثة..
ان من اهم مظاهر السياسة الجنائية الحديثة التي دعت اليها حاجات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية وتوسع نشاط الادارة العامة هو فكرة الحد من التجريم والحد من العقاب واعتماد معايير حديثة للتجريم والعقاب ، فضلا عن الحاجة الى الانتقال من الجزاء الجنائي الى الجزاء الوقائي او اعتماد الجزاءات البديلة عن الجزاءات الجنائية التقليدية وهذا ما سنبحثه تباعا .
اولا // الحد من التجريم..
لابد من بيان مفهوم الحد من التجريم ومفهوم الحد من العقاب وعوامل ظهور هاتين الفكرتين وتحديدهما وعرض النتائج المترتبة عليهما.
1- تعريف الحد من التجريم..
ويقصد به إلغاء التجريم لأفعال معينة والاعتراف القانوني بمشروعيتها واخراجها من طائلة اي نوع من العقاب .ان الغاء تجريم اي سلوك لا يستتبعه حتمية عدم استهجانه اجتماعيا او قبوله او عدم رفض الضمير العام له عند مجموعة او طائفة او عموم المجتمع ، وهذا الامر تجده جليا عند بعض السلوكيات التي الغي تجريمها في العقود الاخيرة في بعض المجتمعات الغربية كفعل الاجهاض المتعمد او ممارسة الانحراف الجنسي ، اذ انه على الرغم من كونها غير مجرمة في مجتمعات معينة ، الا انها غير مقبولة اجتماعيا عند فئات مجتمعية واسعة ، وبعكس الحال هناك بعض الافعال المجرمة قانونا ، الا انها غير مستهجنة ولا تجرح الضمير العام ومنها تجريم التهرب الضريبي او الكمركي وغيرها ، وجدير بالذكران الحد من التجريم فكرة نسبية ، اذ انه ما يمكن قبوله او استهجانه في زمان ومكان معينين لا يكون الامر ذاته في زمان او مكان اخر ، الامر الذي يترتب عليه ان قبول فكرة الحد من التجريم يتوقف على امكانية تطور الفكر الاجتماعي ومدى استساغة الضمير العام لهذا السلوك او ذاك ، وبالتالي فهي وان كانت فكرة نسبية وتعتمد على مدى توغلها في ضمير المجتمع ، فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالآداب العامة والنظام العام بعدهما يختلفان بحسب المكان والزمان . وبالتالي فان فكرة الحد من التجريم ومن حيث نطاق تطبيقها تتلائم مع بعض السلوكيات ذات الطابع الاخلاقي او الاعتقادي او في بعض التعاملات اليومية البسيطة على صعيد التعاملات الاقتصادية البسيطة او غيرها ولا ينسحب اثرها على المصالح الرئيسة او المعززة لها . وبهذا الصدد نجد ان تجريم الافعال المتعلقة بالتهرب الضريبي اصبحت راسخة في الضمير العام للشعوب المتطورة التي تعتمد حكوماتها اقتصاد السوق ، وتعد مخدشة لسمعة وشرف مقترفها ، في حين ان الامر لا يعد كذلك عند شعوب اخرى ذلت ثقافة او نمط اقتصادي اخر .(48) وجدير بالقول ان فكرة الحد من التجريم وان كانت فكرة حديثة املتها ضرورة التطور الاجتماعي والتوسع في نشاط الدولة ، فأنها تنطلق من فكرة اوسع وهي ان القيم والمصالح التي تساهم في حفظ كيان المجتمع واستقراره واستمراره ، فأنها تبرر لوجود القاعدة الجنائية المجرمة لسلوك ما ، وان انتفى التهديد الحقيقي او المساس بالمصالح المهمة الجديرة بالحماية فلا داعي لتدخل القانون الجنائي .(49) اذن ان حماية المصالح توكل الى المشرع بعده ممثل المجتمع بكل فئاته واطيافه والاجدر بقياس الحاجة الى التجريم ومن ثم وحده من يستطيع الموازنة بين المصالح العامة والمصالح الخاصة ومن ثم اقرار الحاجة الى التجريم من عدمه ، عندما تكون المصالح الفردية يتسبب عند المساس بالمصلحة العامة .(50)
1- عوامل فكرة الحد من التجريم..
وتتمثل العوامل التي دعت إلى الحاجة إلى الحدمن التجريم إضافة إلى ما ذكرناه آنفا المتعلق بتوسيع نشاط الدولة و الإدارة تبعا للتطور والتوسع الاقتصادي و الاجتماعي و الإداري و تطور فكرة القناعة الاجتماعية و التشريعية و الإدارية بعدم ضرورة التدخل الجنائي لفعل معين لعدم وصوله حد خدش الضمير العام أو المساس بالمصالح الأساسية الأولية الجوهرية للمجتمع أو تلك الداعمة أو المعززة لها ، كما في العديد من الافعال المجرمة قانونيا ، الا ان تفعيل التجريم غير مستساغ اجتماعيا وغير ممكن قانونا كما في جريمة التخلف عن المشاركة في الاقتراع او الانتخاب و ذلك كما في المادة رقم (39) من قانون رقم 73 لسنة 1956 المصري .(51)وتجسيدا لما تقدم فقد نادى الفقيه بكاريا بحكمة شهيرة مفادها (( ان الرقي بالشعب وسيلة الحرية المقرونة بالتوعية والتعبيرلاالعبودية التي تتخذ من سيف العقاب اداة لها وتهدد باستخدامه في كل صغيرة و كبيرة)) .(52) و بهذا الصدد يرى العالم هانز و لزل ان التوسع في التجريم على سلوكيات تستهدف غاية تنظيمية أو اقتصادية أو سياسية يعتبر استخداما غير حكيما للقانون الجنائي ، ينال من الحدة القاطعة لسيف العقاب ويحول القانون الجنائي الى اداة للرعب.(53)وتطبيقا لذلك وللحد من ظاهرة التوسع في التجريم اتجه مؤتمر الامم المتحدة الرابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في كيوتو عام 1970،ان لا تتوسع الدول في تجريم افعالا مستحدثة ، فضلا عن ضرورة مراجعتها للجرائم التي تنطوي على افعالا خطرة وكذا الحال في المؤتمر العربي السابع للدفاع الاجتماعي المنعقد في القاهرة عام 1974 الذي دعى الى توخي الدقة والحذر في التجريم وعدم الاتجاه نحو التضخم والتوسع في التجريم طالما لايوجد مبررا لهذا التوسع تقتضيه الضرورات الاجتماعية .(54)
ثانيا // الحد من العقاب..
وكما عرفنا فكرة الحد من التجريم ، فانه حري بنا تعريف الحد من العقاب ، وقبل ذلك ندعو بشكل عام الى تبني سياسة اكثرتسامحا واكثر ملائمة وتناسبا مع مقتضيات العصر الحديث الذي يتسم بتشعب المصالح الجديرة بالحماية دون الوقوع في تشعب الحماية وتشابكها وأضعاف القانون الجنائي ، فانه يجدر بنا التمييز بين ثلاثة اتجاهات تشريعية وهي كالاتي:-
(( 1- الابقاء على تجريم الفعل جنائيا وتخفيف الجزاء الجنائي.
2-البقاء على تحريم الفعل جنائيا والتحول عن الجزاء الجنائي.
3-التحول عن التجريم الجنائي الى نظام قانوني اخر. )).(55)
وبناء على ماتقدم فان تعريف الحد من العقاب يعتمد على مناقشة الاتجاهات الثلاثة المتقدمة وتحديد المقصود بالحد من العقاب . ان الاتجاه الاول ، الابقاء على التجريم الجنائي وتخفيف الجزاء الجنائي يذهب الى اقرار سياسة جنائية وتتناسب مع مقتضيات العصر والتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من خلال تخفيف العقاب واقرار الظروف المخففة وبخاصة العقوبات السالبة للحرية طويلة المدة ، الامر الذي ادى الى تزايد وارتفاع منسوب العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة ، مانتج عنه الحاجة الى الاتجاه لبدائل عن العقوبة سالبة الحرية قصيرة المدة لاحقا واهمها عقوبة سحب الرخصة لمدة معينة والمصادرة في قضايا المرور عندما قضت المادة 43/الفقرة 3 من قانون رقم 11 لسنة 1975 الفرنسي ، ان ينطق القاضي بصفة اصلية بإحدى العقوبات المتعلقة بسحب رخصة القيادة او منع قيادة المركبة او مصادرتها او منع حيازة اوحمل السلاح او سحب الترخيص الممنوح للصيد او مصادرة السلاح ، اي الحكم بها بصفة اصلية لا تبعية او تكميلية .ان هذا لم يكن شأن القانونين الالماني والايطالي عندما ينطق القاضي بالعقوبات التبعية او التكميلية كعقوبة اصلية ولكن دون استحالة او تعذر الاتفاق بين المحكوم عليه والسلطة الادارية المختصة باللجوء الى بديل للعقوبة السالبة للحرية الى عقوبة اخرى كالغرامة او مراقبة الشرطة. اما الاتجاه الثاني الذي يذهب الى تجريم الفعل جنائيا والتحول الى الاجراء الاخر غير الجنائي، وهو ايضا اتجاها يذهب الى اقرار سياسة جنائية متسامحة من خلال التوقف عن المتابعة الجنائية واعتماد اجراءات غير جنائية تمهد وتساعد في سرعة اندماج المحكوم عليه مجددا في مجتمعه ، فضلا عن امكانية اللجوء الى حل النزاع الذي يسبب الجريمة دون اللجوء الى الاجراءات الجنائية .(56) اما الاتجاه الثالث المتمثل بالتحول التام عن القانون الجنائي الى نظام قانوني اخر، اي الغاء التجريم الجنائي عن الفعل ، وتكون عدم مشروعيته بالاستناد الى اخر اداري او مدني ، والجزاءات المقررة له غير جنائية وهو ما يطلق عليه قانون العقوبات الاداري او القانون الاداري العقابي ،كالقانون الالماني لعام 1952 والقانون اليوغوسلافي السابق لعام 1958 والقانون الروسي لعام 1960 وهذه القوانين اقتصرت على التجريم الاداري لذات الافعال الواقعة في ظل قوانين جزائية اخرى كالمخالفات ، اما القانون الايطالي لعام 1981 فقد مد التجريم الاداري لافعال تعد من عداد الجنح في قوانين جزائية اخرى .وبالاستناد الى ما تقدم فان ظاهرة الحد من العقاب يمكن ان تعرف بالاستناد الى الاتجاه الثالث انف الذكر هو التحول عن القانون الجنائي الى نظام قانوني اخر له خصوصيته عن القانون الجنائي . وخلاصة القول ان ظاهرة الحد من العقاب هو تجريد الصفة الجنائية عن الفعل وتجريمه على وفق معايير ادارية موضوعية وشكلية وتخصيص جزاءات تفرضها الادارة ولكن غير تلك التي تفرضها على الموظف العام عند ارتكابه جريمة وظيفية.
ثالثا // معيارية التجريم والعقاب..
وفضلا عن الملامح الرئيسة للسياسة الجنائية الحديثة المتمثلة بالحد من التجريم والعقاب والانتقال من الجزاءات الجنائية المغلظة كالعقوبات السالبة للحرية طويلة المدة الى العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة ، اي الانتقال الى الجزاءات الجنائية البديلة ، فان من صور السياسة الجنائية الحديثة هو معيارية التجريم والعقاب.
1- تعريف المعيار القانوني..
ونقصد بالمعيارية هو الاسس التي بموجبها تتم حماية المصالح الجديرة ، وان كان الدين والاخلاق يفصلان بين الخير والشر، فان القانون ليس كذلك ، فهو يحتاج الى معايير اكثر وضوحا ،خاصة وان المشكلة فيه لا تتعلق بما هو خيرو شر، بل تتعلق بما هو حق وما هو ليس حق ، فالمعاييرالقانونية هي ادوات معنوية وفكرية وعقلية توجه المشرع وهو بصدد اختيارالمصالح الجديرة بالحماية وصياغة القواعد القانونية.(57) و يعرف ( الاستاذ السنهوري ) المعيارالقانوني بأنه اتجاه عام لا يفيد القاضي ، يهتدي به عند الحكم ، ويعطيه فكرة عن غرض القانون وغايته .(58) و يعرفه ( شنوس ) بأنه إلهام المشرع بالقواعد القانونية المستمدة من المبادى الاخلاقية للمجتمع لان من واجب المشرع الا يجرم من الافعال الا تلك التي يستطيع كل شخص ان يتبين من تلقاء نفسه و بالحس العادي انها محظورة ، فالقواعد التي تحيا في نفوس المجتمع هي اساس النصوص القانونية وهي التي ترسم صور قواعد القانون التي لا يستطيع المشرع تجاهلها .(59) و يعرفه العميد (روسكوباوند) انه مقياس لنهج اجتماعي سليم ، غيرانه يعترف بصعوبة وضع تعريف دقيق للمعيار، لانه يرتكز على افكار عامة متعلقة بأصول التعامل المدني للإنسان ، و هذه المعاملات يصعب حصرها .(60) وأيا كان تعريف المعيار القانوني فنعتقد انه يراد به منهج منطقي وعملي يعتمد على اسس الاخلاق و الدين و المصالح الرئيسة و المتجددة في المجتمع يعتمده المشرع عند اختياره للمصالح الجديرة بالحماية من جهة ، وعند صياغته للنصوص من جهة اخرى ، فضلا عن نوع التجريم وكمه بالتناسب مع نوع الجزاء و مقداره ، و بما يحقق اقرارالحقوق و حمايتها و تنظيمها وصولا للعدالة و الرقي .
2 – خصائص المعاير القانوني..
و يجب ان يتميز المعيار القانوني بخصائص معينة تتحقق معها اغراض السياسة الجنائية و اهداف المشرع وهي كالاتي:-
أ- الاخلاق : لان المعيار له صلة وثيقة بسلوك الانسان ، اي ان المعيار يمثل الصلة بين القانون و الاخلاق.
ب- الخبرة و الدراية : اي يتوجب عند تطبيق المعيار ان يكون القائم به مدركا بشكل جيد للأمور العامة و حاذقا ومراعيا للقيم السائدة في المجتمع .
ج- النسبية و الملائمة : اي ان المعيار ليس مطلقا ، لأنه يتغير من شخص لأخر ومن حال لأخر ، اي ان معيار اليوم ليس بالضرورة يصلح للغد فالمعايير تتغير بتغير المحيط الاجتماعي لغرض التوفيق بين القانون الثابت و تطورات المجتمع المستمرة .(61)يتضح مما تقدم ان المعيار القانوني متغير و نسبي كما هي مفردات الحياة فحينا يأخذ شكل الاستقرار، وحينا يأخذ شكل التجديد و التطور وحينا يأخذ شكل الطاري ، الامر الذي يحتم ان تكون السياسة الجنائية الحديثة معتمدة على معايير قانونية لتلبي حاجات المجتمع بين المستقراخلاقا وعرفا و بين المصالح المتجددة و المستحدثة مراعية التوازن بين المصالح من جهة و بين نوع التجريم و مقدار العقاب و نوعه من جهة اخرى.
3-انـواع المـعايير القـانونية..
ولابد من معايير تعين الشارع في تقييم واختيار المصالح و من ثم تحديد نوع الجزاء و مقداره و هي كالاتي:- أ- المعيار التاريخي : اذ ان المشرع يقدر المصلحة من حيث نشأتها تاريخيا والاهداف التي يرمي اليها القانون عند فرض الحماية المقررة لها .
ب- معيار المثالية : و يستعين به المشرع عند التنازع بين المصالح الاجتماعية وتقدير ايهما اجدر بالحماية فالخير العام يعلو على المصالح الخاصة الفردية ويقتضي للأخيرة عدم تعارضها مع النفع او الخير العام .(62)
ج- المعيار المنطقي : وعلى اساسه تصاغ القوانين لغرض حماية المصالح وان القوانين لاتتضمن حلولا تفصيلية تعالج كل القيم والمصالح في المجال العملي ، والسياسة التشريعية تحمل نصوص القانون مبادى عامة ، وهناك تفصيلات تترك للقضاء عند التطبيق .(63)
د- المعيار العملي : ونقصد به وظيفة المشرع في البحث عن حلول عملية لتحديد معايير القيم والمصالح الاجتماعية ، وهذا الاتجاه نادى به روسكو باوند ، حيث يضع معيارا عمليا يتضمن اسباع اكبر قدر من المصالح بأقل تضحية ممكنة . وان هذا المعيار لايعني المساواة بين المصالح بقدر ما يعني التراتبية لها بحسب اهميتها فردية او مصالحا عامة .(64)
ه- معيار التضامن الاجتماعي : ونادى الفقيه ( ديجي ) صاحب فكرة التضامن الاجتماعي حينما اكد على حقيقتين هما طبيعة النسان وحاجته للجماعة ، فالانسان كائن لايمكن تحقيق حاجاته الا بعد انصهاره بالمجتمع ويضمن التضامن الاجتماعي صورتان:الاولى تضامن اشتراك.وثانيهما تضامن بتقسيم الاعباء .(65)وبالاستناد الى ما تقدم فلا يمكن ان تكون السياسة الجنائية الحديثة الا ان تكون مبنية على اساس معايير ثابتة ومتجددة تلبي حاجات المجتمع وتطوره ولا تكون عائقا او عبأ امام انسيابية حياة الافراد في المجتمع او ثقلا على كاهل السلطات في الدولة عن تطبيق او تنفيذ القانون ولا تفوت فرصة التمتع بكامل المصالح وعدم انتقاصها.
المطلب الثاني // تناسب التجريم والعقاب في ضوء المصلحة..
واستنادا الى مقتضيات السياسة الجنائية الحديثة انفة الذكر فأنها ولكي تكون فعالة ناجعة تتناغم مع اغراض القانون وضرورات العصر ، يجب ان تكون محققة للتناسب بين العقاب و التجريم بالاستناد الى المصلحة المحمية ، فضلا عن ان التناسب ضروري ايضا في مجال العقاب المخصص للشخص المعنوي مع السلوكيات المجرمة.
الفرع الاول // التناسب في ظل التضخم التشريعي..
يكتسب موضوع التناسب بين التجريم و العقاب اهمية خاصة في مجال السياسة الجنائية التي اضحت ترتكز على وظائف العقاب ، فضلا عن ان ضرورة كون التناسب نسبيا لا مطلقا . و في مجال العقوبات الادارية و خصوصية الجرائم المستحدثة التي تقابلها فان موضوع التناسب له ما يميزه بحسب طبيعة الجرائم و طبيعة الجزاءات الادارية المقررة لها وطبيعة الجهة التي تفرضها وطبيعة الغايات التي يتوخى تحقيقها.
اولا // تعريف التناسب..
ويعرف التناسب اصطلاحا بانه الاجراء المتخذ بالتوافق مع سبب القرار.(66) و في الاصطلاح القانوني يعرف التناسب بوجه عام بأنه تعبير عن الصلة التوافقية بين حالة معينة واخرى مناظرة لها نتيجة توازن مقبول بينهما .(67) اما في المجال العقابي فان التناسب يعني ان يكون العقاب متلائما مع الظروف الشخصية للجاني و الظروف الموضوعية للجريمة كي تأتي العقوبة ثمارها ووظائفها .(68) اذ انه ليس للمشرع ان يقرر عقوبة قاسية تجرح الشعور والضمير العام ، ولا عقوبة بسيطة لا تحقق اغراض القانون وتوفر الحماية كاملة ، و قد عبرت محكمة التمييز العراقية عن مضمون مبدأ التناسب في قرار لها انه ((لا ينبغي ان تكون العقوبة هينة بحيث لا يؤبه بها ، و لا تكن قاسية بغير مبرر ، اذ لا فائدة من عقوبة غير رادعة)) .(69) ومن مقتضيات مبدأ التناسب ان تكون العقوبة قابلة للتجزأة ، و قد عبر عنها البعض بالمرنة ، بحيث يمكن تحديد مقدارها بما يتناسب مع جسامة الجريمة و درجة خطورة الجاني.(70) ومبدأ التناسب يجعل العقوبة صالحة لتحقيق الاغراض المراد تحقيقها كالردع العام والردع الخاص ولتحقيق العدالة وتهدئة الشعور العام في المجتمع .(71)
ثانيا // معيار التناسب ..
ان وضع معيار محددا للتناسب يواجه صعوبات عديدة لان تحديده لا يخلو من الدقة نظرا لتعدد الامتيازات التي يجب مراعاتها للقول بالتناسب من عدمه ، لهذا السبب تعددت معايير التناسب فمنها المعيار الموضوعي والاخر المعيار الشخصي وهناك المعيار الوسط بينهما وهو المختلط . ووفقا للمعيار الموضوعي يجب ان يكون هناك تناسب بين جسامة الجريمة وجسامة العقاب ، اما المعيار الشخصي فيرتكز على ان يكون التناسب بين حافة السلوك المادي خطورة الاحترافية للجاني ، في حين ان المعيار المختلط الذي تبنته المدرسة التوفيقية التي حاولت التوفيق بين المعيارين السالفين من خلال السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي بحسب الواقعة المعروضة امامه ، وهذا الاخر هو اقرب للعدالة من خلال ملائمة العقوبة ومنح القاضي السلطة التقديرية لفرض العقوبة المناسبة في ظل ظروف الجريمة والجاني وخطورته الاجرامية. وفي مجال العقوبات الادارية وعلى سبيل المثال في الجرائم ذات الطبيعة المالية كالجرائم الضريبية والكمركية ، تبدو العقوبات سالبة الحرية لا تتناسب مع المصلحة المراد حمايتها والتي تخلص الى تغذية الخزانة العامة للمال ، وهذه الحماية تستوجب فرض عقوبات تتفق مع طبيعة تلك الجرائم التي تتسم بعدم السماح بهدر مصلحة الخزينة العامة والتسبب بضياع لأموال مستحقة سواء من خلال فعل التهرب او من خلال فرض عقوبة لا تسمح او تعرقل دخول اموال للخزينة العامة ، وخير دليل على ذلك عندما ذهب المشرع الى منح الادارة سلطة التسوية الصلحية كبديل عن العقوبات السالبة للحرية لان نتيجة التسوية هو دفع اموال مضاعفة للخزينة ، هذا من جهة ومن جهة اخرى عندما ذهب المشرع الى منح الادارة فرض عقوبات مالية كالغرامة لمواجهة هكذا جرائم ، فضلا عن العقوبات الادارية سالفة الذكر لجرائم مستحدثة اخرى ،كما في الغرامة الضريبية التي تفرضها الادارة بموجب المادة/56 الفقرة اولا / البند4 بنسبة 100%من الضريبة المتحققة على ان لا تزيد عن خمسائة الف دينارعلى المكلف الذي لم يقدم او يمتنع عن تقديم
تقرير ضريبة الدخل لغاية 31/5 من كل سنة .(72) الامر الذي يحد من التضخم التشريعي ويحقق اغراض القانون ويوفر حماية مثلى للمصلحة المستحدثة على وفق مرونة اسلوب الحماية ونجاعتها .(73)
الفرع الثاني // التناسب في ظل مسؤولية الشخص المعنوي ..
ان اقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي لم تزل تتجاذبها اراء الفقهاء بين القبول وعدها تطورا تشريعيا وبين الرفض كونها تراجعا خطيرا للفكر القانوني المعاصر ، وكل فريق يقدم ما يؤيد رأيه ويدحض الرأي المخالف ، ومن مؤيدي فكرة المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي الاستاذ donnedien ، بينما الرافض هو الاستاذ roux .(74) ومن اهم الافكار التي سيقت لاقرار المسؤولية ، أن الشخص المعنوي حقيقة واقعية وقانونية ولايمكن اعتباره فرضا قانونيا لا تتوافر فيه الشروط القانونية ، ذلك ان الشخص المعنوي كيان حقيقي قانوني اوجده المشرع ونظم نشاطه الذي يعد تجسيدا لإرادته التي هي ترجمة لارادات الاشخاص الطبيعيين الاعضاء في مجلس ادارته ، فضلا عن مساءلة الشخص المعنوي مدنيا وان كان الشخص المعنوي مسؤولا امام القضاء الجنائي . هذا من جانب ، ومن جانب اخر ان الشخص المعنوي وان كان من غير المتصور انطباق بعض العقوبات عليه لعدم تناسبها تماما مع طبيعته وغاية انشاءه كالعقوبات البدنية السالبة للحرية ، فان هناك عقوبات اخرى تتناسب مع طبيعة وغاية انشاءه كالغرامة والمصادرة وغلق المحل او سحب الترخيص..الخ.وهذه تتفق تماما مع الشخص المعنوي كيانا وطبيعة .(75) اما اقرار المسؤولية الادارية او مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم الادارية فهذا أيسر بكثير عن سابقتها المسؤولية الجنائية لاعتبارات عديدة منهاعدم تعارض العقوبات المفروضة عليه مع طبيعته ، فضلا عن ان اتيان الجريمة وقيام المسؤولية لا يحتاج كثيرا التحقق في الركن المعنوي للجريمة ، ذلك انها جرائم تتعلق بالإدارة العامة والمرفق العام ولا تمس عموم المجتمع وليست جريمة من الجرائم التي تمس الركائز الاساسية للمجتمع او دعاماته التي يقوم عليها ومن ثم التهديد بتقويض كيان المجتمع او الدولة. وغالبا ما تكون هذه الجزاءات الادارية ذات طبيعة مالية او جزاءات ادارية خاصة كسحب الترخيص او الغلق او وقف النشاط وهي جزاءات لاتخالف طبيعة الشخص المعنوي وتتطابق معها تنفيذيا .(76) اما ضرورة التمييز بين المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي والمسؤولية الادارية فهي هامة جدا ، لان الاخيرة يكون الخطأ فيها مفترضا وهو اساس المسؤولية وتكلف الادارة بتوقيع احدى العقوبات التي سبق وان ذكرناها وتتلائم معه تماما . اما ان تلازم الجرم الاداري بجرم جنائي ، فلا بد ان تحال الدعوى للقضاء لغرض البت بما هو جنائي وضمن الحق العام عما هو اداري يقع ضمن تكليف الادارة . وفي هذا السياق يشار الى مثال السيارة التي تقف ليلا في شارع مظلم ومفتقدة الى الانارة الامامية والخلفية فهذه جريمة ادارية ، اما ان تسببت هذه السيارة المظلمة الواقفة في شارع مظلم بحادث مع سيارة اخرى فتخضع الجريمة الى القضاء لان فيها جانب جنائي .نخلص الى القول ان المسؤولية الادارية للشخص المعنوي تنطلق من فكرة الخطأ المفترض كأساس للمسؤولية ، وهذا ما تقتضيه الحكمة من وجود الادارة والقانون الاداري وخاصة الاجراءات السريعة الفعالة الناجعة في فرض وايقاع الجزاء ، والا فوتت الكثير من المصالح او انتقصت بسبب ضعف او عدم وجود اساليب فرض الجزاءات الناجعة الفعالة .(77) وبناء على ماتقدم فان الشخص المعنوي ومسؤوليته الجنائية والادارية حقيقة قانونية قائمة لاغنى عنها بالنظر الى ما تتطلبه التطورات الاجتماعية والاقتصادية وتشعباتها ، بل ان التطور المذكور قد تطور الى ابعد من كونه تطورا ماديا محسوسا الى ان يكون تطورا الكتروبيا ورقميا دخل جميع مناحي الحياة وهذا مايعزز فكرة الشخص المعنوي ومسؤوليته عن كثير من الافعال والاعمال التي ينجزها على صعيد شبكة المعلومات العنكبوتية ومواقع التسوق الالكتروني وبطاقات الاعتماد والوفاء الالكترونية وغيرها.
المطلب الثالث // مبررات العقوبات الاداريـة..
تتميز السياسة الجنائية بأنها غائية ونسبية وسياسة متطورة ، وهذا التطور يكون بناء على تأثر السياسة الجنائية بعدة عوامل تتحكم في تحديدها وتوجيهها ، وفي مقدمة العوامل طبيعة النظام السياسي للدولة والمشكلات التي تواجه المجتمع فضلا عن التغيرات التي تعتريه ، والتي تدفع به الى التطور .(78)وبناء على ما تقدم فان المبررات التي دعت الى اعتماد العقوبات الادارية كنتيجة للتطور الذي اتسمت به السياسة الجنائية خاصة والتشريعية عامة ، وهي اما مبررات غائية تنطلق من اهداف التجريم والعقاب ، او مبررات اخرى موضوعية واجرائية سنأتي عليها تباعا.
الفرع الاول // المبررات الغائية..
فضلا عن الاسباب التي ادت الى نشوء العقوبات الادارية انفة الذكر ، فان مبررات اعتماد هذا النوع من العقوبات هي مبررات غائية اومبررات موضوعية او اجرائية ، وفي هذا الموضع من البحث سنتوقف عند المبررات الغائية والتي تتمثل بعدم كفاية الحماية الجنائية . ذلك ان الجزاءات الجنائية كما هي ضرورة تأريخية املتها طبيعة المصالح اللصيقة بالفرد من جهة وبالمجتمع من جهة اخرى ، ونقصد بذلك اي فرد ككائن بشري مجرد عن كنهه او وظيفته ، والمجتمع نقصد به اي مجتمع انساني بكل ما يحمله من المعاني الاجتماعية والانسانية التي تنسجم مع الطبيعة والفطرة السليمة فانها أي الجزاءات الجنائية تنسجم مع طبيعة المصالح التي هي ساندة للمصالح الاساسية التي يدعوها بعض الفقه ركائز وهي المصالح الداعمة لها ونقصد بها المصالح التي تتمثل بكمال المجتمع والفرد وارتقائهما .(79) ان هذه الجزاءات الجنائية بطبيعتها القضائية تحمي المصالح وتحقق الردع العام والردع الخاص من جهة ، ومن جهة اخرى اصلاح الجاني ، فضلا عن انها وكونها قضائية ولها سماتها الموضوعية والاجرائية المعروفة لا تتعارض مع ضمانات المتهم وبكل مراحل الدعوى ومرورا بصدور الحكم وانتهاء بتنفيذ العقوبة .وبناء على ما تقدم فان هذه الجزاءات وبحكم طبيعتها التي تتلائم وتتناسب مع المصالح انفة الذكر ، فانها لم ينظر اليها بذات القيمة عند حمايتها للمصالح المصطنعة او المستحدثة المتجددة التي ارتبطت بنشاط الدولة والادارة العامة سواء على صعيد النشاط المرفقي او الخدمي بكل انواعه المالية والمصرفية والتنظيمية والخدمية ، ذلك ان هذه المصالح اما ان ترتبط بتقديم خدمة من الادارة بمقابل نقدي او مالي يدفعه الفرد ، او ترتبط بممارسة نشاط اقتصادي او مالي له الاثر البالغ في التعاملات الفردية اليومية التي املتها الحياة المعاصرة ، او انها ترتبط بامور ونشاطات تنظيمية تمارسها الادارة ، وهذه المصالح المستحدثة ولغرض حمايتها لابد ان يضمن المشرع ديمومتها وأنتظام وإضطراد دون تأخير او إنتقاص ، لان في التأخير والانتقاص إعاقة للحياة العصرية على الصعيد الخدمي والتنظيمي والاقتصادي والمالي ، ومن ثم يترتب على ذلك فوات استحصال للمبالغ النقدية او المالية التي تدخل خزانة الدولة وهذا بحد ذاته مصلحة ايضا تعود للمجتمع اولا وللفرد ثانيا بعد تدويرها الى خدمات وتستحق الحماية القانونية . الامر الذي يترتب عليه عدم نجاعة الجزاءات الجنائية التي يصدرها القضاء وذلك لتناسبها مع المصالح الرئيسة للفرد والمجتمع – الركائز- وعدم تناسبها مع المصالح المستحدثة للفرد والمجتمع – الدعائم- من جهة ومن جهة اخرى ان اجراءات التقاضي لابد وان تحفظ للفرد ضمانات لحقوقه الاساسية وتحفظ للمجتمع حقه في سيادة القانون وهذا الامر يحتاج الوقت اللازم ، فضلا ان اغراض الجزاء الجنائي هي ليست ذات الاغراض التي يهدف اليها الجزاء الاداري بحسب طبيعة المصلحة المراد حمايتها. ومن ذلك ما نصت عليه المادة (482) الفقرة ثانيا من قانون العقوبات العراقي رقم111 لسنة1969 عندما يعاقب بالحبس وبالغرامة او باحداهما لكل من يتسبب بتسميم سمك في الحوض او النهراو غير ذلك بطريقة المتفجرات او المواد الكيميائية او غير ذلك بالوقت التي تعاقب فيه المادة (21) اولا /1 من قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم3 لسنة1997 بالغرامة لا تقل عن خمسين الف دينارولا تزيد عن مائتين وخمسين الف دينارـ شهريا ـ اي بتكرار المبلغ لكل شهر لحين ازالة المخالفة . ومنها ايضا ما ذكر بالمادة (19) من القانون المذكور التي تتعلق بتلويث البيئة والمياه والاحياء المائية ، فضلا عن العديد من الجزاءات الادارية في القوانين الخاصة التي تقيد قانون العقوبات من حيث التجريم والجزاء ، ذلك ان الجزاء الاداري المخصص لهذه المصلحة المستحدثة يكون اكثر تحقيقا للحماية القانونية من القانون العقابي العام .
الفرع الثاني // المبررات الموضوعيـة والاجرائيـة..
فضلا عما تقدم بيانه ، فان هناك مبررات موضوعية واخرى اجرائية تسهم في اعتماد هذه العقوبات.
اولا // إدامة المصلحة وتفادي الخسائر المالية..
مع تطور السياسة العقابية تطورت مفاهيم وظيفة العقوبة بحيث أصبحت لا تقتصر على الردع العام والخاص،بل تتعداه الى تحقيق العدالة وسيادة القانون في المجتمع ،(80) ولا يخفى ان العدالة مفهوم واسع وكذا الحال سيادة القانون ، اذ يمتد هذا المفهوم ليشمل ادامة وصيانة المصالح تحت ظل الدولة وحمايتها ، ذلك ان مفهوم الدولة الحديث وكما سبق وان اشرنا الى ذلك ، تطور ليشمل تقديم الخدمات اللازمة لتطور كماليات المجتمع ، فضلا عن التنظيم . ويذكر ان الاتجاه المعاصر في وظيفة العقوبة ذهب الى تحقيق سبل الوقاية من الجريمة ووسائل التكافل الاجتماعي ضد الجريمة ، فضلا عن تحقيق ديمومة تقديم الخدمات العامة للأفراد وتنظيم مرافق الحياة العصرية . وحيث ان الجزاءات المالية التي تفرضها الادارة تمتاز بسرعة الاجراءات حيث يحرر محضر بالمخالفة من قبل رجل الادارة المفوض قانونا بفرض العقوبة ومن ثم يكون تحرير المحضر بحدود الاصول الادارية القانونية التي تضمن سلامته من حيث صاحب الاختصاص المفوض بفرض العقوبة وصحة حصول الواقعة وانطباق العقوبة المقررة لها ، فانها اي العقوبة المالية او العقوبات الادارية الاخرى تتناسب مع طبيعة المصالح التي تنالها الجريمة ، فضلا عن ان هذه الجزاءات الادارية تقابل بالضد من الفائدة التي يرجو مرتكب الجريمة الحصول عليها ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر ان فرض العقوبة الادارية اجراء سريع لايمرباجراءات الدعوى الجزائية او غيرها ، الامر الذي يجنب تلكؤ تقديم الخدمات التي تتولى الادارة مباشرتها والذي يتسبب بفوات فرصة الحصول على اموال تدخل خزانة الدولة لإعادة تدويرها الى خدمات والتي ممكن ان تصاب بالخطر او الضررالمتمثل بالتلكؤ الذي يصيب المصلحة جراء المساس بها . ذلك ان اغراض العقوبة الادارية نفعية تتمثل بالدفاع عن المصالح المستحدثة . فضلا عما تقدم فان في بعض الجرائم الضريبية وعندما يتأخر المكلف بدفع الغرامة ، فان المشرع قد فرض فائدة مصرفية على مبلغ الضريبة المتأخر عن تسديده بالرغم من التبلغ بدفعها على ان يعادل مقدارها الفائدة الضريبية السائدة على تسهيلات السحب على المكشوف على مبلغ الضريبة من تاريخ تحقق تسديده وفقا لقانون ضريبة الدخل ولغاية التسديد من قبل المكلف. (81)
ثانيا // سرعـة الاجراءات وخفض التكاليف..
ويقصد بها اختصار الزمن الذي تستغرقه اجراءات التقاضي ، فضلا عن الزمن الذي تستغرقه العقوبات السالبة للحرية ، فضلا عن التكاليف والنفقات التي تلحق بالخزانة العامة جراء ما تستهلكه الادارة في سبيل تسييرخدمات السجون والاصلاحيات ، والتخفيف عن كاهل العدالة الجنائية عن طريق تحويل الاجراءات الى اساليب اخرى غير جنائية اقل تسببا بالاحتدام الاجتماعي واكثر فاعلية للمجتمع والدولة .(82) فضلا عن الحاجة الى الاتجاه الى العدول عن الجزاء الجنائي الناتج عن التضخم التشريعي والركون الى بدائل الجزاء الجنائي .(83)
ثالثا // رقابـة القضاء..
وفي حالة اعتراض الفرد على العقوبة المفروضة عليه بقرار اداري يمكنه اللجوء الى القضاء الاداري وهناك طريقان يحكمان هذه الحالة بحسب القانون وهما :ـ
1- اللجوء الى القضاء ويحاكم عن نفس السلوك الذي سبب الجريمة التي عوقب عليها اداريا كما في قانون العقوبات الالماني .
2- ان يعترض امام القضاء الاداري وعلى القاضي ان يمحص اجراءات فرض الجزاء ووجود المخالفة من عدمه وتناسب العقوبة . وللقاضي اما ان يلغي الجزاء او يعدله كما في قانون العقوبات الاداري الايطالي (84).وضمانات استقلال وحياد القضاء نص عليها بالمادة 6/1 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان وكذلك الاتفاقيات الحقوقية والاعلانات العالمية واخرها اعلان الحقوق والحريات الاساسية الصادرة عن البرلمان الاوروبي في12/4/1989 من حيث توفر ضمانات اللجوء الى القضاء في مجال العقوبات الادارية عند رفض قرار العقوبة من قبل الشخص المعترض امام المحكمة من الدرجة الاولى اوالاستئناف بحسب الاحوال (85).والمفاجئ ان محاكم الاستئناف في مقاطعة(ساسكاتشوان) لا تستعمل بشكل واسع مراجعة الجزاءات الادارية واحيانا تستعين محاكم الاستئناف بأماكن اخرى للمراجعة كما في كندا واستراليا فان استعمال حق المراجعة والنقض واسعا في الجزاءات الادارية. (86) وفي القانون الاداري الكندي لا يبدو واضحا في اي مستوى للقضاء يجب ان يسمع الاعتراض على القرارات الادارية (87) ان هذا الطريق الاداري يعد احد مبررات اعتماد العقوبات الادارية من حيث ضمان فاعلية العقوبة من حيث السرعة وخفض التكاليف والتناسب مع طبيعة المصلحة والجريمة المقترفة وكذلك غلق ابواب الاحتجاج بعدم شرعية العقوبات الادارية او عدم خضوعها للمبادئ العامة للتجريم والعقاب. والاعتراض يمكن ان يستند على القرار الحقيقي والذي يؤدي الى كثرة الاستئنافات والتأجيل والتأخير والتكاليف المالية. (88)
المبحث الثالث // الضمانات القانونيـة في ضوء اشكاليات العقوبات الاداريـة..
كان لفكرة المسؤولية المادية للجريمة الادارية اهمية خاصة ، حيث ان القوانين التي تأخذ بهذا النظام القانوني اي قانون العقوبات الاداري ،قد اضفت على بعض الجرائم الادارية الصفة المادية والتي تعني تحقق المسؤولية القانونية على مجرد تحقق الركن المادي للجريمة دون الحاجة للتثبت من وجود الركن المعنوي اواثبات الخطأ . لذا فان الطبيعة المادية للجريمة الادارية هي السمة المميزة لهذا النوع من الجرائم ، هذا من حيث الجريمة ، اما من حيث الجزاء الاداري فهو تدبير وقائي وهذا ما يحدد الطبيعة القانونية للعقوبات الادارية والذي سنسلط الضوء عليه في المطلب الاول ، اما اشكاليات وضمانات العقوبات الادارية فسنبحثه في المطلب الثاني .
المطلب الاول // الطبيعة القانونية للعقوبات الادارية..
ان الجرائم المادية عند بعض الفقه ينص عليها في القوانين الخاصة، التي يراد منها حماية المصالح المادية المستحدثة والتي لا يعد المساس بها دائما محلا للاثم او لاستهجان الضمير العام ، ولا يعاقب على تلك الطائفة من الجرائم الا لكونها تقع مخالفة لما نص عليه القانون ، بعكس الحال الجرائم التي نظمها قانون العقوبات العام التي تعد ماسة بالضمير العام ومستهجنة اجتماعيا . ويترتب على ذلك ان معيار تحديد الجريمة المادية ومعيار الجريمة الادارية يتأسس احيانا على جسامة العقوبة الجنائية ، بمعنى ان بعض الجرائم الادارية في اصلها كانت جرائم جنائية مقررا لها عقوبة غبر جسيمة او غير مناسبة تماما واغفل المشرع بشأنها بيان الركن المعنوي ، اي انها جريمة ذات طابعا ماديا .(89) فضلا عما تقدم فان محل التجريم يعد معيارا للجريمة المادية قريب الصلة ببعض الجرائم الادارية ، كما في الجرائم السلبية كجرائم الامتناع التي يكفي لوقوعها مجرد اتخاذ نشاط سلبي كما في عدم الاعلان عن الاسعار في جرائم التموين او عدم تقديم الاقرار الضريبي في الموعد المحدد إن إضفاء الصفة او الطبيعة المادية للجريمة الادارية كان ذلك نظرا للحاجة الى هذا النوع من الجرائم الى تحقيق الردع السريع والفعال الذي لا يمكن تحقيقه الا بالجزاء الاداري الذي لا يتطلب اثبات الخطأ.اما من ناحية الجزاء الاداري فهو تدبير وقائي يراد به اتقاء الاخلال بالنظام العام التي ظهرت بوادره وخفيت عواقبه ، فالغرض من فرض الجزاء الاداري هو وقاية النظام العام وهو اسلوب يختلط فيه التدبير بالتنفيذ وسمي جزاء كونه فيه مساسا خطيرا بحرية الافراد او مالهم اونشاطهم ، وهذا المعنى وان اشترك مع الجزاء الجنائي القامع ، الا ان الجزاء الاداري الوقائي ينطوي على امر اخر ، وهو ردع مصدر التهديد ، فلا يمكن الاضرار بالغير.(90) وحيث ان عمومية تطبيق القانون ونفاذه يعد دليلا على التقارب بين الجزاء الاداري والجزاء الجنائي وهذا يعني ان كليهما يفرض على المخالف بمجرد وقوع المخالفة القانونية ، بغض النظر عن وجود رابطة قانونية متميزة ،(91)أي مايربط الادارة بصاحب الشأن . وحقيقة الامر على الرغم من التقارب بين الجزائين الاداري والجنائي ، الا ان الفارق الاهم هو ان الجهة التي تفرضهما مختلفة ، فالإداري تفرضه الادارة والجنائي تفرضه المحكمة . الا ان ذلك لا يمنع ان تكون العلاقة بينهما تكاملية تستوجب وجودهما جنبا الى جنب ، دون الاستغناء عن احدهما ، ذلك لقدرة الجزاء الاداري تفادي مثالب الجزاء الجنائي في مواجهة الجرائم المستحدثة (92). فضلا عن تجنيب ما يسوء سمعة الفرد والاسرة عند فرض الجزاء الجنائي ولاسيما في المخالفات البسيطة التي لا تدل على خطورة اجرامية لدى مقترفها .(93) ان القوانين الخاصة ومنها القانون الضريبي وقانون المرور وغيرها تنظم العلاقات بين الادارة والافراد وهذه بطبيعتها تختلف عن تلك القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الافراد مع بعضهم اذ ان الاخيرة تؤسس على مبادئ المساواة و سلطان الارادة و احترام السلامة البدنية والخلقية واموال الغير ، اما العلاقة بين الادارة والافراد فتقوم على اساس القهر . ونتيجة لذلك يكون على الاشخاص الطبيعيين والمعنوية ان تخضع للقانون وتتجنب مخالفته ، وان القوانين التي تؤسس على عنصر القهر تؤدي الى اختلافها من حيث القيمة القانونية عن النصوص المطبقة في المجالات التي تنظم العلاقة بين المواطنين .(94) الامر الذي يعني ان العبرة في ما هو جنائي او اداري يجب ان يرتكز على الطبيعة القانونية الآمرة التي يخاطب بها الافراد بدون التركيز على طبيعة الجزاء الذي تقرره لمخالفتها ، ولا يهم ان يكون الجزاء جنائيا او غير جنائي ، اذ انه يجب التعويل على ما تكشف عنه طبيعة القاعدة القانونية ، فان كانت جنائية خضعت للقانون الجنائي ،اما ان كانت ادارية خضعت للقانون الاداري الامر الذي يترتب عليه ان من يخالف قاعدة قانونية ادارية يخضع الى القانون الاداري في مواجهة الادارة مباشرة وليس مجرما بالمعنى المفهوم في القانون الجنائي .(95) وعلى الرغم من ان الاتجاه المتقدم ذكره تعرض للنقد بزعامة الفقيه الايطالي rocco تتاسس على كون الادارة وان كانت تمارس نشاطا يتولى القانون حماية المصالح المترتبة عليه ، فان ذلك ليس من شأنه ان يسلبها الخضوع لقانون العقوبات الجنائي و تدخلها في نطاق قانون العقوبات الاداري .الا ان الحقيقة ان كلا الرأيين المتناقضين قد تعرضا للنقد ونقصد بذلك الراي الذي يذهب الى الجرائم الادارية هي من طبيعة جنائية ، او الراي الذي يذهب الى انها ذات طبيعة ادارية ، ونعتقد ان الجرائم الادارية ذات الطبيعة خاصة تتناسب مع طبيعة المصالح محل الحماية الادارية ، ولا نميل الى كونها جرائم جنائية ، ذلك انها على الرغم من خضوعها لمبادئ جنائية في التجريم والعقاب ،الا انها تنفرد بقواعد خاصة بها كما في عدم وجود الشروع والمساوة بين العمد والخطأ غير العمدي ، الامر الذي نعتقد هان الجرائم الذي تنظمها قوانين العقوبات الادارية هي جرائم ادارية تحمي مصالح تنظيمية اقتصادية خدمية.
المطلب الثاني // إشكاليات العقوبات الاداريـة ..
وبالاستناد الى طبيعة العقوبات الادارية وطبيعة المصالح التي تنظمها ، والجهة التي تفرضها ، فانها لا تخلو من اشكاليات تعتري فرضها وتنفيذها ، وتتمثل في مدى خضوعها لمبدأ الشرعية الجزائية ، فضلا عن كون الجهة التي تفرض العقوبة الادارية هي الادارة ، هل هناك اعتبار لمبدأ الفصل بين السلطات ؟ هذا ما سنتوقف عنده في ما يلي .
الفرع الاول // العقوبات الاداريـة ومبدأ الشرعية الجزائيـة..
لما كان مبدا الشرعية الجزائية يعني ان لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون ، وهو المبدأ الاهم لحماية حقوق وحريات الافراد ونصت عليه المواثيق الدولية والدساتير الوطنية وقوانين العقوبات الجنائية . بمعنى ان مبدا الشرعية الجزائية يتضمن مفهوم شكلي يتمثل بتحديد الجرائم والجزاءات المقررة لها ، ومفهوم موضوعي يتمثل بتحديد معايير التجريم ، وبالتالي يترتب على إعمال مبدا الشرعية التزامات تقع على عاتق كل من المشرع والقاضي والفرد وكالاتي :-
أولا // التزامات المشرع..
وتتمثل بواجب المشرع بالتحديد الدقيق لعناصر السلوك الاجرامي ، فضلا عن عدم السماح برجعية القوانين الى الماضي الا بنصوص استثنائية وبأضيق الحدود ، فضلا عن التحديد الدقيق للجزاء ووصفه ورسم حدوده العليا او الدنيا او بدائله ، وكل ما تقدم ذكره يكون ضمن اجراءات شكلية لسير الدعوى الجزائية واختصاصات اجهزة القضاء التي تكفل حماية حقوق وحريات الافراد بمحاكمة عادلة .وعلى اية حال ذكرت احدى المحاكم الكندية ان مزيد من القواعد الاساسية للقانون الاداري هي من مضمون قواعد العدالة الطبيعية التي تمنح وتفرض الاعلان الواضح المحدد للأطراف وفرصة العلم والسماع بالقرار. (96)
ثانيا // التزامات القاضي..
لما كان واجب المشرع ينصرف الى تحديد عناصر السلوك ، فان واجب القاضي يتمثل بتكييف الوقائع ومدى انطباقها على النصوص للتوصل الى وصف الجريمة ، فضلا عن تحديد الجزاء الذي يناسب الوصف القانوني استنادا للنص الجزائي ومن ثم التوصل وتفريد العقاب ومن ثم تحديد العقوبات التكميلية المناسبة استنادا للنص .
ثالثا // التزامات الافراد..
وتتمثل بعلم الافراد بالقانون الصادر اعتبارا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية بعد المصادقة عليه من رئاسة الدولة . ولا يعتد بالاعتذار بالجهل بالقانون إعمالا لمبدأ الشرعية الجزائية .(97)وبالاستناد الى ما تقدم وحيث ان العقوبات الادارية تمس حقوق وحريات الافراد ،فلابد من خضوعها لمبدأ الشرعية الجزائية ، والا فلا يمكن اعتماد مبدأ الشرعية الجزائية على الجرائم الجنائية واهمال المبدأ في الجرائم الادارية ، اذ لا عبرة بطبيعة الجريمة والجزاء طالما يمس الاخير بمصالح تتعلق بحقوق وحريات الافراد . بمعنى هل يكون القانون الاداري بالمعنى الشكلي انف الذكر ، اي تحديد الجرائم الادارية والجزاءات والمقررة لها بنص ، ام يكون الامر بالاستناد الى تعاون السلطتين ، التشريعية تضع قواعد التجريم وتترك للسلطة التنفيذية (الادارة) تحديد عناصر السلوك الاجرامي تحت مسمى السلطة الممنوحة بالتفويض التشريعي الذي يستند الى اساس دستوري . وكنموذج لقانون العقوبات الاداري فان القانون الالماني حرص على النص مبدأ الشرعية في المادة (1) من قانون owig الصادر في 2 يناير 1975 بنصها على الاتي (( كل عمل غير مشروع يتكون من فعل منصوص في قانون يعاقب على ارتكابه بغرامة ادارية )) . كما ان المادة (3) من القانون ذاته تنص على (( يعاقب عن فعل كونه غير مشروع اداريا ، اذا ما كان العقاب منصوصا عليه في قانون مطبق قبل وقوع الفعل )) .(98)ويقصد مما تقدم ان القانون المقصود بمفهومه المادي كونه صادر كمساعدة قانونية سواء شرع من السلطة التشريعية او التنفيذية ، وتحدد الجرائم بواسطة القوانين او الانظمة او اللوائح والتعليمات . الامر الذي كثيرا ما يؤدي الى انطباق اكثر من نص على السلوك الاجرامي سواء اكان جنائيا او اداريا.اما قانون العقوبات الاداري الايطالي وبالاستناد الى المادة 25/2 من الدستور الايطالي وقانون العقوبات الجنائي فقد اشار الى ان قانون العقوبات الاداري رقم 689 لسنة 1981 حريصا على النص على مبدأ الشرعية في المادة (1) بقوله (( لا يخضع احد لجزاءات ادارية الا طبقا لقانون معمول به قبل وقوع الخرق ولا تطبق القوانين التي تقرر جزاءات ادارية الا على الحالات التي تقع بعد صدورها ))(99) . ويسري هذا النص على القوانين الاتحادية وقوانين الاقاليم .واستنادا الى ما تقدم يتضح ان مبدأ الشرعية الجزائية لا يتحدد نطاقه على الجرائم الجنائية ، وانا يشمل العقوبات الادارية ، اما بشكل صريح على النص على الجرائم ضمن قواعد جنائية متضمنة عناصر السلوك والعقاب ، او النص على الجرم كقاعدة عامة وترك تفاصيل تحديد العناصرالمكونة للجريمة الى السلطة التنفيذية استنادا الى التفويض التشريعي .اما في الانظمة القانونية التي لا تتبنى نظام العقوبات الاداري بقانون خاص كمصر والعراق وفرنسا ، فان الامر لا يكاد يختلف عما هو عليه الحال في التشريع الالماني والايطالي ، حيث ان التشريعات الادارية الخاصة كالقانون الضريبي والكمركي والبيئي والمرور والبلدية وغيرها تستند بالتجريم الاداري والجزاء المترتب عليه الى قواعد قانونية بالنص عليها مباشرة او تستند على الادارة بوضع وتحديد عناصر التجريم لكونها تنال مصالح متغيرة او قابلة للتغيير فتكون الادارة اكثر دراية من غيرها بتحديدها وتعديلها بالاستناد الى التفويض التشريعي الذي هو احد المبادئ الدستورية المهمة التي تتبناها كافة الدساتير.
الفرع الثاني//العقوبات الادارية ومبدأ الفصل بين السلطات..
يثار كثيرا عندما تفرض الادارة عقوبات ادارية على مخالفة معينة في اطار القانون ان النشاط القانوني للإدارة المتمثل بفرض العقوبات الادارية يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ، ذلك ان الاصل هو ان القضاء يفرض العقوبة ضمن اجراءات قضائية محدودة ، لذا فان مجلس الدولة الفرنسي حسم الخلاف الذي نشب في هذا الشأن عندما اقر بأن مبدأ الفصل بين السلطات لايعد عقبة امام سلطة الادارة بفرض العقوبات الادارية بحكم القانون سواء من حيث ممارسة الاختصاص القانوني المتمثل بفرض العقوبة او من حيث فرض الجزاء وايقاعه وتنفيذه وذلك من ناحيتين:
الاولى // ان العقوبات التي تفرضها الادارة لا تتعلق بسلب الحرية..
الثانية // مراعاة الضمانات الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات..
الا ان هناك ناحية ثالثة وهي التي تتعلق بكون الادارة عند فرض الجزاء الاداري على المخالفة المرتكبة تراعي تناسب العقوبة مع المخالفة بحكم القانون وتحت رقابة القضاء ذلك الامريخفف الاعباء عن القضاء من ناحية ويحقق سرعة الانجاز من ناحية ثانية ونجاعة الردع ثالثا فضلا عن توفيرحماية امثل واكمل.(100)ويمكن تبرير ذلك ايضا من خلال ان المحكمة الادارية تستند في تبرير مسلكها ذاته على التفرقة بين الحق باعتباره الهدف الذي يسعى الفرد الى تحقيقه ونين المطالبة بالحق باعتباره الوسيلة . وخلصت الى ان الوسيلة قد تختلف طالما ان الحق مصان ، وعلى هذا الاساس قضت المحكمة الادارية العليا في حكم لها بتاريخ 8 يونيه 1957 بالاتي (( الغاء الوسيلة القضائية ليس معناه الغاء اصل الحق ذاته ، ذلك انه يجب عدم الخلط بين اصلين لا تعارض وهما :
اولا // الحق ووسيلة المطالبة شى اخر ، ثانيا : ان الحق هو الذي يحدد وسيلة المطالبة بالحق ويعين الجهة التي يلجأ اليها صاحب الحق لأقتضاء حقه ، قضائية كانت هذه الجهة او غير قضائية )) . هذا من جانب ، ومن جانب اخر قضت بالاتي (( من المسام كأصل دستوري ان القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويحدد نطاق ولايتها ويوزع الاختصاص بينها ، كما انه الذي يقرر الحقوق ويحدد وسائل المطالبة بها قضائية كانت او غير قضائية ولا يلزم ان تكون الوسيلة قضائية اوان تكون قضائية على وجه معين كطلب الالغاء او وقف التنفيذ دون وجه اخر كطلب التعويض . بل ان المراد في ذلك كله الى ما يؤتبه القانون ويحدده بالشروط والاوضاع التي يقررها لأنه الاداة الدستورية التي تملك ذلك كله في حدود الدستور وبغير خروج على مبادئه …)). (101)
المطلب الثالث // العقوبات الاداريـة والضمانات القانونيـة..
ولا بد للعقوبات الادارية ان تخضع للمشروعية ، الامر الذي يحقق ضمان حقوق وحريات الافراد عند فرض العقوبة ، وهذه الضمانات تنقسم الى ضمانات موضوعية واخرى اجرائية .
الفرع الاول //الضمانات الموضوعيـة..
وتتمثل الضمانات الموضوعية بالرقابة على الشرعية الجزائية للعقوبات الادارية من خلال الرقابة على التفويض التشريعي وتحقيق التناسب بين العقوبة الادارية والمخالفة.
أولا // الرقابـة على التفويض التشريعي في قانون العقوبات الاداري..
لما كان الاصل في التشريع اناطته بالسلطة التشريعية ، فان التفويض التشريعي يعد الاستثناء على ذلك والى ذلك اشار الدستور العراقي لعام 2005 في المادة ( 80/ثالثا ) وكذا الحال المادتان (108) و(147) من الدستور المصري السابق 1971 . ولما كان التفويض التشريعي يمنح السلطة التنفيذية سلطة تحديد عناصر التجريم دون انشاء جرائم ، فهل يجوز وتحت اطار التفويض التشريعي انشاء جرائما جديدة ؟ لقد حدد الدستور الفرنسي ذلك من خلال المادتين (34 ، 37 ) من دستورعام 1958وكذا الحال في المادة (380) من قانون العقوبات المصري حينما تسمح للسلطة الادارية بإنشاء المخالفات . اما الدستور العراقي النافذ فقد اشار صراحة الى التفويض التشريعي في المادة (80/ثالثا)، وعند الامعان في نص المادة (19/ثانيا ) منه عندما نصت بانه (( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص )) ولم يذكر بقانون وذكر بنص ، اما المادة الدستورية المشار ايها انفا فتنص على صلاحيات مجلس الوزراء باصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين ، اما قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 فلم يشرالى ما اشار اليه قانون العقوبات المصري عندما منح السلطة التنفيذية صلاحية انشاء مخالفات ، والثابت هو اختصاص الادارة بتحديد عناصر التجريم بالاستناد الى القوانين الخاصة التي تحدد الجرائم ونظرا للانتقادات التي تعرضت لها المادة (34) من دستور فرنسا المذكور لجأ المجلس الدستوري الفرنسي الى الافتاء بتحديد السلطة التنفيذية في الدولة باختصاص انشاء المخالفات فقط دون ان يكون العقاب سلبا للحرية .(102) ونعتقد ان اتجاه المشرع العراقي بتحديد المخالفات بشكل عام سواء بقانون البلديات او قانون المرور او القوانين الخاصة هو بحد ذاته التزاما بالشرعية الجزائية سواء تحت مظلة قانون العقوبات الجنائي اوقانون العقوبات الاداري ، وان كان المشرع العراقي لم ينظم العقوبات الادارية بنظام خاص كما هو عليه الحال في التشريع الالماني والايطالي ، فالمشرع العراقي في القوانين الذكورة وغيرها يحدد الجزاءات ويذكر الافعال او يترك تحديدها الى السلطة الادارية . الامر الذي يبين اهمية التفويض التشريعي في العقوبات الادارية منعا من تعسف الادارة في خلق جرائم وتصبح هي الاصل بينما هي استثناء وتبقى استثناء.اما التفويض بمعنى تحديد عناصر التجريم فهو يعد اختصاص اصيل للسلطة التنفيذية والادارة بعد النص عليه دستورا وقانونا .ويبدو ان سلطة الادارة العامة عندما تمارس مهمة التفويض التشريعي الممنوح لها هي اقدر على تحديد حاجات ممارسة النشاطات الادارية المختلفة وسبل حمايتها وبالتالي تمنع اشكال الافعال التي تنال منه .وتكون رقابة القضاء على التفويض التشريعي الممنوح للإدارة من خلال الشكل والموضوع .من خلال الشكل يراقب القضاء مشروعية اصدار اللوائح الانظمة والتعليمات من حيث خضوعها للقانون ومن حيث ممارسة الاختصاص في اصدارها .اما رقابة القضاء على الموضوع فيجب ان تصدر اللوائح والانظمة والتعليمات والقرارات دونما تعديل او تعطيل او تجاوز على احكام القانون .(103)
ثانيا // الرقابـة على مبدأ تناسب العقوبـة..
ومن الضمانات المهمة في مجال قانون العقوبات الاداري مبدأ تناسب العقوبة شأنه شأن القانون الجنائي ، فلا بد من مراعاة الجهة الادارية عند فرضها العقوبة تناسبها مع المخالفة المرتكبة ، وان كان الغلو في الجزاء ينافي العدالة الاجتماعية ، والى ذلك ذهبت المحاكم الادارية فية القضايا المرفوعة امامها لكبح جماح وغلو وتعسف الادارة بالجزاءات التي تفرضها.ويترتب على مبدأ تناسب العقوبة التزامان اساسيان هما ( المعقولية وعدم التعدد) اي المعقولية في اختيار الجزاء الاداري والتزام بعدم تعدد العقوبات الادارية المفروضة على مخالفة واحدة .ان التزام المعقولية يفرض ان يكون الجزاء على قدر خطورة الفعل الماس بالمصلحة المحمية وقدر المنفعة التي حققها المخالف .اما التزام بعدم تعدد العقوبات الادارية المفروضة على المخالفة الواحدة فلا يشمل تعدد العقوبات او جمعها على ذات الواقعة ان كان كل منهما ينتهي الى نظام قانوني مخالف للأخر كالجنائي والاداري فضلا عن ذلك ان كان الجزاء المزدوج لأكثر من نظام قانوني فيجب ان لا يزيد عن الحد الاقصى المقرر لاحدهما . كما يجب ان يقترن الجزاء الجزاء الاداري الاصلي بجزاء تكميليا او تبعيا طالما كانت الادارة مرخصة تشريعيا بذلك ، كما في ازالة البناء المخالف يقترن بجزاء مالي اخر كأن تكون الازالة على نفقة المخالف وكذلك سحب رخصة القيادة مع حجز المركبة في مخالفة مرورية .(104)
الفرع الثاني // الضمانات الاجرائيـة ..
وتتمثل الضمانات الاجرائية بالضبط والتحقيق وحق المواجهة والدفاع ، فضلا عن اعلان العقوبة واللجوء للقضاء.
أولا // الضبط والتحقيق في الجرائم الادارية..
ان ضبط الجريمة الادارية يختص فيها عضو الادارة المكلف بهذا الواجب والتحقيق فيها واعلان الجزاء وتنفيذه ، وان حصر هذا الاختصاص بالمقارنة مع الجرائم الادارية بيد شخص واحد يمثل الادارة تفرضه الحاجة الى سرعة الحسم وفعاليته التي تفرضه طبيعة المصالح المحمية والتي سبق وان اشرنا اليها . ان تحديد عضو الضبط الاداري واختصاصه يكون من خلال القانون الذي يحدد الجهة الادارية المختصة بالضبط والتحقيق وفرض وتنفيذ العقوبة الادارية وعضو الادارة بحسب منصبه ووظيفته ، كما في قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم 21 لسنة 2008 العراقي المعدل وكذلك قانون البلديات رقم 165 لسنة1969 المعدل وغيرها حينما يحددان الجهة الادارية المختصة بضبط الجرائم والمنصب الوظيفي للموظف المختص سواء أكان محافظا او مديرا للبلدية . وكذا الحال في قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم21 لسنة 1964 العراقي المعدل وقانون المرور وقانون الضريبة وقانون الكمارك وغيرها . اما قانوني العقوبات الاداري الالماني والايطالي بعدهما يمثلان نظامان مستقلان للعقوبات الادارية ، فلا يختلف الامر عنا ذكرنا ، فالمادة 35 من قانون العقوبات الاداري الالماني تقضي بأن ضبط الجريمة الادارية يتم بواسطة السلطات الادارية ، في حين المادة 36 تشير الى انه عندما يغفل القانون تحديد الجهة الادارية فيوكل الامر الى الوزير او السلطة المحلية . بينما تشير المادة37 الى ان الاختصاص المكاني للسلطات الادارية يكون للإدارة التي تقع الجريمة على اقليمها او مكان كشف الجريمة او محل اقامة مرتكب الجريمة او مكانه المعتاد التواجد فيه ان لم يكن له محل اقامة محدد.(105) ويذكر ان بعض التشريعات ومنها الفرنسي يقرر نظام لجان ومجالس خاصة للضبط والتحقيق وفرض وتنفيذ العقوبة كما في مجلس المنافسة او لجنة معاملات البورصة .الا ان بعض الجرائم ذات الطبيعة الفنية الخاصة يحتاج الى ضبطها من قبل مأموري ضبط متخصصين كما في الجرائم المتعلقة بالتنظيم الصناعي او الزراعي او التجاري .(106) وفي قانون العقوبات الاداري الالماني هناك طريقان للاجراءات المتعلقة بالضبط وفرض العقوبة ، الاول فرض العقوبة الادارية المالية من قبل الادارة ، اما الثاني وهوعند رفض المخالف تنفيذ العقوبة فيصار الى الاجراء القضائي الجنائي للنظر في الجريمة الادارية ولكن ليس من خلال مراجعة اجراءات الادارة في الضبط والفرض وانما يقوم القضاء الجنائي بالنظر من جديد وبشكل مستقل بالواقعة ، ويمكن لعضو الضبط الاداري الاستعانة بالشهود وغير ذلك من اجراءات التقاضي ، وذلك بالاستناد الى المادة 53 من القانون المذكور (owig).(107)
ثانيا // حق المواجهـة والدفاع..
لقد فرضت الدساتير وكفلت حق المواجهة والدفاع ، كما أكد القضاء ذلك بأحكام عديدة ، وهو حق مكفول في القانون الجنائي ،القانون الاداري ، اذ لا بد من احترام مبدأ المواجهة في توقيع العقوبات الادارية من خلال الاتي:
1- اخطار المتهم بالتهمة الادارية الموجهة اليه خطيا.
2- تمكينه بالطرق المتاحة من الدفاع عن نفسه.
3- منحه مهلة لأعداد الدفاع وتقديم لائحته ودفوعه.
واستقر مجلس الدولة الفرنسي على التأكيد على ضمانة حق المواجهة والدفاع سواء في مجال القضاء الجنائي او المدني او الضبطي او الاداري . ويكون الاخطار عادة بإعلان الوقائع المنسوبة الى المتهم بشكل واضح وجلي نافيا للجهالة ، ومن ثم فتح ومباشرة التحقيق حسب الاصول المرعية في مجال التحقيق من خلال بيان الواقعة ومكان وزمان وقوعها وطبيعتها بالتفصيل ، الامر الذي يفرض التزام المتهم بحدود حق الدفاع وعدم تجاوزه من خلال الزمن المطلوب لإعداده ، لان في ذلك فوات فرص الحماية القانونية للمصالح وفوات لاعتراض الجزاء الاداري .(108)
ثالثا // إعلان العقوبة الادارية..
ويثار الجدل في صلاحية الادارة بإعلان العقوبة وفرضها ومدى تعارض هذا الاجراء مع مبدأ الفصل بين السلطات ، الا ان مجلس الدولة الفرنسي حسم الامر عندما اقر بأن مبدأ الفصل بين السلطات لا يمثل عقبة امام السلطة الادارية عندما تمارس صلاحياتها وامتيازاتها كإدارة عامة وهي تتمتع بفرض الجزاء وذلك من ناحيتين:
الاولى // ان لا تؤدي العقوبات التي تفرضها الادارة الى سلب او تقييد الحرية.
والثانية//لن يكون فرض الجزاء غير السالب للحرية ضمن الحدود التي كفلها الدستور والتي يضمن الحقوق والحريات .(109)
الخاتمــة..
لما كان هدف البحث يتجه الى التأصيل القانوني للعقوبات الادارية من خلال بيان اساسها ، وحيث اننا بحاجة الى تأطير البحث من خلال عرض نتائجه وتحديدها تحديدا دقيقا ان لم يقطع الشك والجدل فيساعد في تخفيف حدته ، فان النتيجة الابرز كانت تتمثل بالكشف عن كون الجرائم الادارية هي ترجمة تشريعية لسياسة الحد من التجريم الجنائي والحد من العقاب ، والركون الى تجريم اقل احتداما واسرع ردعا وانجع حماية بحسب المصالح التي يتولاها بالحماية . بينا ان الجرائم الادارية لا تتخطى مبدأ الشرعية الجزائي من خلال النص التشريعي الذي يحدد الجريمة والعقاب او من خلال التفويض التشريعي الممنوح من السلطة التشريعية الى السلطة التنفيذية . فضلا عن بيان كون الحماية القانونية هي حماية تكاملية ولا مساس بمبدأ الفصل بين السلطات طالما كان الهدف هو حماية المصالح القانونية الجديرة وضمن الاطر القانونية المرسومة في الدستور والمترجمة قانونا ولا عبرة بالجهة التي تفرض الجزاء اذ ان العبرة بالهدف ولاعبرة بالوسيلة طالما كانت بحكم القانون وتحفظ وتصون الحقوق والحريات للإفراد وتضمنها . وتطرقنا الى ان هناك تشريعات تبنت نظاما قانونيا للعقوبات الادارية يقابلها في قانون العقوبات الجنائي المخالفات او الجنح فقط دون الجزاءات السالبة للحرية جزاءات مالية او شخصية ، كقانون العقوبات الاداري الالماني والايطالي ، وبالمقابل العديد من التشريعات كالفرنسي والمصري والعراقي تتبنى عقوبات ادارية تتولى الادارة فرضها ولكن دون ان تتبنى نظاما قانونيا خاصا ولكن بالاستناد الى قوانين خاصة تنظم المصالح الحديثة المصطنعة . وتوصلنا الى ان اجراءات الادارة محاطة بضمانات موضوعية واجرائية لا تنال من الشرعية الجزائية او الفصل بين السلطات ، ومن اهم الضمانات فضلا عما ذكرنا امكانية اللجوء الى القضاء للنظر في صحة التجريم او تناسب العقاب . وختاما فان العقوبات الادارية هي عقوبات خاصة تتناسب وطبيعة المصالح التي مصالح مستحدثة وليست جرائما طبيعية وان الجرائم المرتكبة هي غالبا لا تخدش الضمير العام لأنها منظمة للنشاطات الادارية والخدمات التي تتولاها ومن ضمنها المصالح الاقتصادية . الامر الذي يحتم ان تكون العقوبات المخصصة لها سريعة لا تنقص من مصلحة ديمومة واضطراد الخدمات والموارد المالية التي تدخل الخزانة العامة نظير تقديم الخدمات ، وبالتالي لا يمكن قياس هذه المصالح والعقوبات الادارية بالمصالح الطبيعية التي تنال من ضمير المجتمع ، الامر الذي يحتم ان تكون هذه العقوبات المخصصة للجرائم المستحدثة تتفق مع طبيعة نشاط الدولة واتساع نشاط الادارة وتخدمه ولا تعطله دون الاستهانة او اهمال ضمانات الافراد في حماية حقوقهم وحرياتهم.
الهوامـــش..
[1]– د سمير الجنزوري ، الغرامة الجنائية دراسة مقارنة ،المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، القاهرة ، 1967 ،ص 115
2– د .ايمن رمضان الزيني ، العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة وبدائلها ، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2003 ،ص351
3 – د.محمد سعد فودة،النظرية العامة للعقوبات الادارية دراسة فقهية قضائية مقارنة،دارالجامعة الجديدة،الاسكندرية،2010 ،ص13
4- د .امين محمد مصطفى ، النظرية العامة لقانون العقوبات الاداري ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، 2008 ، ص9
5- AmndaTait , the use of administrative monetary penalties in consumer protection , public interest advocacy center (PIAC), may, 2001, p13.
6- د .محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجنائي ، ظاهرة الحد من العقاب ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1996 ، ص42
7- د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص 79-83
8- كذلك ، المرجع السابق ، ص 96
9- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص 229
10- د. عادل السعيد محمد ابو الخير، البوليس الاداري ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ، 2014، ص 9
11- وبالاستناد الى غايات الضبط الاداري عرفه الفقيه الفرنسي riveroبانه (مجموعة تدخلات الادارة التي ترمي الى ان تفرض على التصرف الحر للافرادالنظام الذي تطالب به الحياة في المجتمع ) . نقلا عن د.عادل السعيد ، المرجع السابق ص 10
12– د. محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص 97 -99
13– د.عبدالقادرالشيخلي، النظام القا نوني للجزء التاديبي ، دار الفكر للنشر و التوزيع ، الاردن ، 1983، ص 135
14– د. محمد سعود فودة ، المرجع السابق ، ص 102
15– المادة 12 / ثالثا من تعليمات العقود الحكومية العراقية رقم10 لسنة 2007 المعدلة تنص على الاتي (( على الجهة المتعاقدة وبقرار مسبب فرض الغرامات التاخيرية او ايقافها عند سحب العمل من المقاولين او المتعاقدين ))
16– د . امين مصطفى ، المرجع السابق ، ص232
17-القرار رقم277/ك/2011 في 24/8/2011 ، سلمان عبيد عبد الله الزبيدي ، قرارات الهيئة التمييزية الخاصة بقضايا الكمارك ، الجزء الاول ، ط1 ، بغداد ، ص15
18-د محمد سعد فودة ، المرجع ، ص122
19-كذلك ، ص123
20– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص239
21– د جلال ثروت ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، نظرية القسم الخاص ، جرائم الاعتداء على الاشخاص ، مؤسسة الثقافة الجنائية ، الاسكندرية ،1979 ، ص241
22– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السايق ، ص241
23-القرار 216/ك/2011/في 21/7/2011 سلمان عبيد عبد الله ، المرجع السابق ، ص121
24-د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص133
25-كذلك ، ص132
26-د . محمد محمد مصباح ، التدابير الاحترازية في السياسة الجنائية الوضعية الوضعية والشرعية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص66
27-د . ايمن رمضان الزيني ، المرجع السابق ، ص372
28-د . سعد فودة ، المرجع السابق ، ص135
29-د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص245
30– د .ايمن رمضان الزيني ، المرجع السابق ، ص408
31– د . غنام محمد غنام ، القانون الاداري الجنائي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1996 ، ص48
32– د . ايمن الزيني ، المرجع السابق ، ص408
33– د. محمد محمد مصباح ، المرجع السابق ، ص64
34– كذلك ، ص60
35– د. ايمن الزيني ، المرجع السابق ، ص41
36– د. محمد سعد فودة ، المرحع السابق ، ص146-147
37– د. امين مصطفى ، المرجع السابق ، ص269
38– د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص150
39– د.اكرم نشأت ابراهيم,السياسة الجنائية ، دراسة مقارنة ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ط ,2, 2011, ص96
40– د. محمدانس جعفر, د. محمد احمد رفضت ,حقوق الانسان ، التعليم المفتوح , جامعة القاهرة 1999, ص61
– 41 د . أمين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص 8
42– د . طالب نور الشرع ، الجريمة الضريبية ، ط1 ، دار وائل للنشر ، عمان ، 2008 ، ص34
43– محمد قاسم حسين ، الجريمة الضريبية والقضاء المختص بها وفقا لاحكام ضريبة الدخل الاردني ، رسالة ماجستير ، جامعة النجاح الوطنية ، كلية الدراسات العليا ، ص46
44– د. رمسيس بهنام ، نظرية التجريم في القانون الجنائي ، معيار سلطة العقاب تشريعا وتطبيقا ، مركز الدلتا للطباعة ، مصر،1996، ص10
45– د رمسيس بهنام ، المرجع السابق ، ص15
46– كذلك ، ص 30-40
47– د . احمد محمد خليفة ، النظرية العامة للتجريم ، دراسة في فلسفة القانون ، دار المعارف ، مصر ،1958 ، ص104
48 – Robert. W. mcgee.the ethics of tax evasion ,2012, p 451
49– د طلال عبد حسين البدراني ، الشرعية الجزائية ، اطروحة دكتوراه ، كلية القانون جامعة بابل ، 2002 ، ص79
50– د. محمد علي سالم عياد الحلبي ، ضمانات الحرية الشخصية اثناء التحري والاستدلال ، جامعة الكويت ، 1981 ، ص41
51– د . امين مصطفى ، المرجع السابق ، ص 46
52 -د. احمد فتحي سرور ، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية ، القاهرة ، 1983 ، ص 7
53– ,11,aulfage,berlin,1969,p 6Esdevschestratrecht : Hans welzal52-
54– د- اكرم نشأت ابراهيم ، المرجع السابق ، ص44
55– د .امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ،ص 32 وما بعدها
56– كذلك ، ص38
57– د . حسن عبد الكريم ، فكرة القانون الطبيعي الكلاسيكي ومفهوم القانون ، دار النهضة العربية ، مصر ،1966 ، ص1
58 – فارس حامد عبد الكريم ، العيار القانوني ، بغداد ، 2009 ، ص 10
59 – د . محمد طه جلال ، أصول التجريم و العقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ، دار النهضة العربية ، مصر ، 2005 ، ص 133
– 60 فارس حامد عبد الكريم ، المرجع السابق ، ص 251
– 61فارس حامد عبد الكريم ، المرجع السابق ، ص20
62– د . السيد عبد الحميد فودة ، جوهر القانون ، دار الفكر العربي ، 2005، ص32
63– د. مصطفى ابراهيم الزلمي ، الضنة بين علم المنطق والقانون ، مطبعة بغداد ، بدون تاريخ ، ص19
64– د . دنيس لويد ، فكرة القانون ، ترجمة سليم الصويص ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، 1981، ص252
65– د . محمد طه جلال ، المرجع السابق ، ص80
66-مايا محمد نزار،الرقابة القضائية على التناسب في القرار الاداري، ط 1 المؤسسة الحديثة للكتاب،2001 ، ص 65
67-د. خليفة سالم الجهمي ، الرقابة القضائية على التناسب بين العقوبة و الجريمة في مجال التاديب ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2009 ، ص 95 -96
68-د. عمار عباس الحسيني ، التفريد العقابي في القانون العراقي و المقارن ، بحث منشور في مجلة الكلية الاسلامية الجامعة ، العراق ، 2009 ، ص 79
69-قرار محكمة التمييز رقم 1636 في 28/7 /1971 ، نقلا عن د . فخري الحديثي ، شرح قانون القسم العام ، ط1 ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص 373
70-د . فخري الحديثي ، شرح قانون القسم العام ، ط 1 ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص 373
71– د . حسن بن حمد التويجري ، مبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة في الشريعة الاسلامية ، القوانين الوضعية ، رسالة ماجستير، جامعة نايف العربية ، 2010 ، ص 102
72– المادة 56/اولا /4 من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم113 لسنة 1982
73– سلام عبيد عبد الله الزبيدي /مرجع السابق ، العدد 29 / ، قرار رقم 386 /ك / 2013 المعدل في 30 /10/2013
74– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص185
75– د .محمد زكي ابو عامر ، قانون العقوبات القسم العام ، دار المطبوعات الجامعية ، ط1 ، الاسكندرية ، 1986 ، ص197
76– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص199
77– د . امال عبد الرحيم عثمان ، شرح قانون العقوبات الاقتصادي ، جرائم التموين ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1987 ، ص76 وما بعدها
78– د . احمد فتحي سرور ، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية ، مطبعة جامعة القاهرة ،1973 ،ص3
79– د . رمسيس بهنام ، المرجع السابق ، ص9 وما بعدها
80 – د . فهد يوسف الكساسبة ، وظيفة العقوبة ودورها في الاصلاح والتأهيل ، دراسة مقارنة ، دار وائل ، ط1 ، الاردن ، 2010 ، ص9
81– قرار مجلس قيادة الثورة العراقي المنحل رقم307 المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد2986 في 26/3/1984 الذي نص على نفاذه منذ 1/1/1984
82-د . محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجزائي ، المرجع السابق ، ص20
83– د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص47
[1]كذلك ، ص195
80- د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص33
81-ALRC,PRINICIPLED REGULATION: FEDRAL CIVIL AND ADMINRESTRATIVE PENALTIES (FINALE REPORT), MARCH 2003,P6.
82-Jones and De Villars ,principles of administrative law (2nded), 1994,Carswell, Toronto, ch.13.
83– R Baldwin and M Cave , understanding regulation : theory strategy and practice (1999), Oxford University Press, Oxford, 295.
84- د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص154
85- د محمد حلمي ، نشاط الادارة ( الضبط الاداري والمرفق العام) دار الفكر العربي ، ط1 ، القاهرة ، 1967 ، ص23
86- د . محمد باهي ابو يونس ، الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات الادارية العامة ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ،2000 ، ص27
87- د . حلمي الدقدوقي ، رقابة القضاء عاى المشروعية الداخلية لاعمال الضبط الاداري ( دراسة مقارنة ) ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 1989 ، ص170
88- د . محمد باهي ابو يونس ، المرجع السابق ، ص29
89- د . احمد فتحي سرور ، الجرائم الضريبية ، ط 2 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1990 ، ص 43
90- د .طالب نورالشرع ، المرجع السابق ، ص 36
91-Canadian Transit co.v.Public service staff regulation boar (CAN),1989, 39 admn.L.R. 140
92– د . فخري عبد الرزاق الحديثي ، شرح قانون العقوبات القسم العام ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص23
93- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص115 وما بعدها
94- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص117
95- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص299
96- د. يس عمر يوسف ، استقلال السلطة القضائية في النظامين الوضعي والاسلامي ، دار ومكتبة الهلال ،لبنان ،1995 ، ص163-164
97- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص121
98- د. محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص227
99- د. محمد سعد فودة ، المرجع السابق ر، ص211-212
100- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص185 وما بعدها
101- د.محمود مصطفى العوجي،الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن،الجزء 2،مطبعة القاهرة ط2 ،1979 ،ص 226
102- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص288
103- د. محمد باهي ابو يونس ، المرجع السابق ، ص184
[1]104- د. محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجنلئي ، مرجع سابق ، ص184-185
قائمـة المراجع العربيـة..
1- د .احمد فتحي سرور ، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية ، القاهرة ، 1983
2- د .احمد محمد خليفة النظرية ، العامة للتجريم ، دراسة في فلسفة القانون ، دارالمعارف ، مصر ، 1958
3- د .اكرم نشأت ابراهيم ، السياسة الجنائية دراسة مقارنة ، دار الثقافة للنشر و التوزيع ، ط 2 ، الاردن ، 2011
4 – د . السيد عبد الحميد فودة ، جوهر القانون ، دار الفكر العربي ، 2005
5- د . امين مصطفى محمد ، النظرية العامة لقانون العقوبات الاداري ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2008
6- د . امال عبد الرحيم ، شرح قانون العقوبات الاقتصادي ، جرائم التموين ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1987
7- د . ايمن رمضان الزيني ، العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة و بدائلها ، ط1، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003
8- د . جلال ثروت ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، الاسكندرية ، بدون تاريخ
9- د . حسن بن محمد التويجري ، مبدا تناسب العقوبة مع الجريمة في الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية ، رسالة ماجستير ، جامعة نايف العربية ،2010
10- د . حسن عبد الحميد ، فكرة القانون الطبيعي الكلاسيكي و مفهوم القانون ، دارالنهضة العربية ، مصر، 1966
11-د . حلمي الدقدوقي , رقابة القضاء على المشروعية الداخلية لاعمال الضبط الاداري دراسة مقارنة ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 1989
12- د . خليفة سالم الجهمي ، الرقابة القضائية على التناسب بين العقوبة و الجريمة في مجال التاديب , دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2009
13-دنيس لويد ، فكرة القانون ، ترجمة سليم الصويص ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، 1981
14 – د. رمسيس بهنام ، نظرية التجريم في القانون الجنائي ، معيار سلطة العقاب تشريعا و تطبيقا ، مركز الدلتا للطباعة ، مصر ، 1996
15-د . سمير الجنزوري ، الغرامة الجنائية دراسة مقارنة , المركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية ، القاهرة ، 1967
16- د . طالب نور الشرع ، الجريمة الضريبية ، ط1 ، دار وائل للنشر ، عمان ، 2008
17- د . طلال عبد الحسين البدارني ، الشرعية الجزائية ، اطروحة دكتوراه ، كلية القانون ، جامعة بابل ، 2002
18 – فارس حامد عبد الكريم ، المعيار القانوني ، بغداد ، 2009
19 – د . فخري عبد الرزاق الحديثي ، شرح قانون العقوبات القسم العام ، مطبعة ، بغداد ، 1996
20- د . عادل السعيد محمد ابو الخير، البوليس الاداري ، دار الفكر العربي ،الاسكندرية ، 2014
21- د . عبد القادر الشيخلي ، النظام القانوني للجزاء التاديبي ، دار الفكر للنشر و التوزيع ،الاردن ، 1983
22- د . عمار الحسيني ، التفريد العقابي في القانون العقابي و المقارن ، البحث منشور في مجلة الكلية الاسلامية الجامعة ، العراق ، 2009 .
23- د . غنام محمد غنام ، القانون الاداري الجنائي ، دار النهضة العربية القاهرة ، 1996
24- مايا محمد نزار ، الرقابة الفضائية على التناسب في القرار الاداري ، ط1 ، المؤسسة الحديثة للكتاب2001
25- د . محمد انس جعفر ، د . احمد محمد رفعت ، حقوق الانسان ، التعليم المفتوح ، جامعة القاهرة،1999
26- د . محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجزائي – ظاهرة الحدة من العقاب ، دار النهضةالعربية،القاهرة،1996
27- د . محمد محمد مصباح ، التدابير الاحترازية في السياسة الجنائية الوضعية و الشرعية ، دارالنهضةالعربية،القاهرة،بدون تاريخ
28– محمد قاسم حسين ، الجريمة الضريبية و القضاء المختص بها وفقا لاحكام ضريبة الدخل الاردني ، رساـــــــــــــــلة مـــــــــــــــــــاجستير جاـــــــــــــــــــــــمعة النجاح الوطنية ، كلية الدراسات العليا 29- د . محمد علي سالم عياد الحلبي ، ضمانات الحريات الشخصية اثناء التحري و الاستدلال ،جامعةالكويت ،1981
30- د .محمود طه جلال ، اصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ، دار النهضةالعربية ،مصر،2005
31- د . مصطفى ابراهيم الزلمي ، الضنة بين العلم المنطق و القانون ، مطبعة بغداد ، 1991
32- د . محمد زكي ابو عامر ، قانون العقوبات القسم العام , دار المطبوعات الجامعية ، ط1 ، الاسكندرية ، 1986
33- د. محمد باهي ابو يونس ، الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات الادارية العامة ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2000 .
34- د . محمد حلمي ، نشاط الادارة ، ( الضبط الاداري – المرفق العام ) ، دار الفكر العربي ، ط1 ، القاهرة , 1967
35-د . محمود مصطفى العوجي , الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن ، الجزء 2 ، مطبعة القاهرة ، ط1 ، 1979
36- د . مهند يوسف الكساسبة , وظيفة العقوبة و دورها في الاصلاح و التأهيل , دراسة مقارنة ، دار وائل للنشر ، ط1 ، الاردن ، 2010
37- د. يس عمر يوسف ، استقلال السلطة القضائية في النظامين الوضعي والاسلامي ، دار و مكتبة الهلال ، لبنان ، 1995
قائمة المراجع الأجنبية..
1- Robert .w. MCgee . The ethics of tax evasion , 2012 .
2- Hans welzal : Esdevschestratrecht , 11 , Aulfage, Berlinn , 1969 .
3-Canadian transit co. v.public service staff regulation board (can),( 1989) , 39 , admin . l . r.140
4-Jones and de Villars , principles of administration law (2nd ed) , (1994) ,Carswell Torento , ch.13
5-Alrc , principled regulation : federal civil and administration penalties (final report) , march 2003
6- R Baldwin and m cave , understanding regulation : theory , strategy ,and practice (1999) oxford university press , oxford ,295
7- Amanda Tait , the use of administrative monetary penalties in consumer protection , public interest advocacy center (pIAC) , may 2001
الأسـاس القانـوني للعقوبات الإداريـة
Legal foundation for Adminstratine sanctions
بحث مقدم من قبل
الاستاذ المساعد الدكتور محمد علي عبد الرضا عفلوك
جامعــة البصرة // كليــة القانون
الخلاصـــة..
بالنظر الى التضخم التشريعي الحاصل نتيجة اتساع حماية المصالح المستحدثة التي تتمثل بالمصالح المالية والاقتصادية والخدمية التي تلامس حياة الفرد العصرية ولغرض ضمان ادامة المصالح المذكورة كان لابد من منح الادارة صلاحية فرض العقوبات دون الرجوع الى القضاء على ان لا تكون العقوبات السالبة للحرية من بينها فتارة تكون عقوبات ادارية مالية كالغرامة والمصادرة الادارية وتارة تكون عقوبات شخصية كغلق المحل وسحب الترخيص وحظر النشاط ونشر العقوبة الادارية على ان لا يكون فرض الجزاء الاداري ماسا بمبدأ الفصل بين السلطات او مبدا الشرعية الجزائية ولا يحرم المدان اداريا من فرصة الاعتراض امام الادارة او المحاكم . وهناك تشريعات تأخذ هذه العقوبات بنظام قانوني خاص كالتشريع الالماني والايطالي واخرى كالعراق تتبناها دون ان يكون قانونا خاصا بها .
الكلمات المفتاحية: الاساس القانوني ، العقوبات ، الادارية ،مالية ،القضاء.
Abstract..
In according to enlarge legislation that’s happing as a result to the breadth of the protection developed interested which represented by financial ,economic and serving interests that related with modern individual life. In order to ensuring perpetuation of the above interests, must be given the administrator the authority of imposition of punishment without returning to the judiciary , but the imprisonment and prison must not be among of them. These punishments may be financial administration punishments such as fine and administrative confiscation or personal punishments such as close place , withdraw the license , prohibition of act and declare the administrative punishment.The imposing of the administrative punishment must not effect of the separation of powers or the penal legality and must not prevent the convicted administratively from the chance of appeal before of administrator or courts. There are some laws regulate the above system in special laws such as Germany and Italian laws or regulate that in general without special laws such as Iraq.
key words:legal foundation , sanction , Administrative , Tinancial , Judiciary.
المقدمـــة..
لما كان القانون هو مرآة المجتمع وانعكاس لحاجاته ومتطلباته المختلفة ، فأن وسيلته لتحقيق أغراضه ووظائفه التنظيمية والضبطية والوقائية العقوبة . وهذه الأخيرة تتناسب منطقا وعقلا مع طبيعة الجريمة نوعا وموضوعا وإلا فلا يتحقق التوازن المرسوم بين التجريم والعقاب والذي بدوره إن تحقق تتحقق معه أغراض القانون وأهدافه. ولما كان الإنسان متطور بطبيعته ، فلا بد من تطور أساليب التجريم والعقاب وهذا ما حصل فعلا عند تتبع منهجية التطور القانوني على مر التاريخ , أي تطور أساليب التجريم وأنماط العقاب وأنواعه , إلاان التطور التاريخي حاليا قد وصل إلى مراحل استقرت فيه السياسات القانونية المتعلقة بالتجريم والعقاب ، فضلا عن استقرار القدر الكبير من المبادئ القانونية والقواعد التي أصبحت راسخة فقها وتشريعا وقضاء وتنفيذا . ومن هذه المبادئ مبدأ الشرعية الجزائية , ومبدأ عدم رجعية القانون ومبدأ عدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الجرم مرتين , ومبدأ شخصية العقوبة , ومبادئ أخرى متعلقة بإقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وأخرى تتعلق بأنواع الجرائم إن كانت جنائية أو مدنية أو إدارية أو انضباطية تأديبية ومبادئ أخرى عديدة.إلا ان اللافت للنظرهو انه على الرغم من استقرار المبادئ القانونية دستورا وتشريعا , فان هناك تطورا حصل في الاتجاه نحو جعل القانون الجنائي هو الحل الأخير لحماية المصالح الجديرة , واللجوء إلى حلول قانونية جديدة تعتمد العقوبات الجنائية المالية كالغرامة والمصادرة وعقوبات أخرى شخصية غير مالية كسحب الترخيص وغلق المنشاة وغيرها ولكن بطريق إداري تنزله الإدارة العامة بما تمتلكه من وسائل تحقيق أغراضها , أي بإجراءات إدارية ولكن تحت رقابة القضاء , ويطلق على هذا الأسلوب الجديد قانون العقوبات الإداري , أو القانون الجنائي الإداري .ويذكر ان جميع التشريعات عملت بهذا الأسلوب الحديث ولكن الفارق ان بعضها كالقانون الألماني والقانون الايطالي والقانون السوفييتي قد اعتمدته كنظام قانوني مستقل تتولى الإدارة وتشعباتها تطبيقه وتنفيذه على الانتهاكات التي تمس مصالح تعد في قانون الجزاء الجنائي من قبيل المخالفات البسيطة او الجنح ، أي تلك التي تخرج عن نطاق الجنايات , في حين إن تشريعات عديدة ومنها التشريع الفرنسي والمصري والعراقي , قد اعتمدته ولكن دون أن يكون نظاما قانونيا مستقلا ، إلا ان الواقع يشير إلى تطبيقه وتنفيذه من الإدارة مباشرة دون الرجوع إلى القضاء ولكن تحت رقابته . وتعد هذه العقوبات قرارات إدارية تخضع لرقابة القضاء باعتماد الأساليب الإدارية المستقرة . ويلاحظ ذلك في العديد من التشريعات الخاصة بالتعاملات المالية والبيئية والخدمية وغيرها من الأمور التي تتولى الإدارة مباشرتها أوالإشراف عليها .هذا القانون أي القانون العقابي الإداري اخذ مداه وتطبيقه في العديد من النشاطات كالنشاط الاقتصادي والكمركي والضريبي والبيئي والشركات وقانون أسواق المال وغيرها الكثير وعقوباته المقررة في مواجهة الجريمة هي بعد استبعاد العقوبات البدنية والسالبة للحرية عقوبة الغرامة والمصادرة كما ذكرنا انفا ، فضلا عن عقوبة سحب الترخيص وإغلاق المنشأة والوقف المؤقت للنشاط وإزالة المخالفة وكذلك الحرمان من بعض الحقوق والامتيازات ونشر قرار العقوبة ، وحقيقة الأمر لو امعنا في هذه العقوبات نجد أغلبها هي اما عقوبات جنائية أصلية أوتكميلية أو تبعية أو تدابير احترازية أو وقائية ،إلا إن الفارق هو ان فرضها لايكون بالطريق الجنائي بالاستناد إلى قانون العقوبات العام وقوانين الجزاء الخاصة والقوانين الإجرائية وإنما دائما يكون بناء على سلطة الإدارة المباشرة وبإجراءات إدارية محضة وان كانت تحت القضاء .هذا الأمر دعت إليه ضرورات التطورالاجتماعي والاقتصادي والثقافي وتشعب مجالات الحياة واتساعها وتطورها الكبير وحققت الإدارة من خلال اعتماده اغراض القانون ،إلاإن الأمرلايسلم من إشكالات أثارت جدلا فقهيا يتعلق بتعارض هذا الأسلوب الجديد من التجريم والعقاب مع بعض المبادئ المستقرة التي سبق وانه اشرنا إليها انفا مما يستدعي التوقف عند هذا الأمر والبحث فيه مستعينين بتجارب بعض التشريعات السباقة في هذه المجال ولغرض التوصل إلى استقراء منطقي يحقق الطموح في تحقيق غايات القانون وأغراضه بالشكل المخطط له من جهة ، ومن جهة أخرى لا يتعارض مع المبادئ القانونية المستقرة و الذي إن حصل فانه يمس حقوق الأفراد وحرياتهم و الضمانات القانونية المستقرة في التشريعات الجزائية الوطنية. وبناء على ما تقدم سوف نعتمد اسلوب الوصف والتحليل مستهدفين الوصول الى التأصيل القانوني لهذا النمط المستحدث من العقوبات على وفق مباحث ثلاث نتناول في اولها مفهوم العقوبات الادارية وفي المبحث الثاني نستعرض اسباب نشأة العقوبات الادارية ومبرراتها ، اما المبحث الثالث فنفرده الى الضمانات القانونية في ضوء اشكاليات العقوبات الادارية .
المبحث الأول//مفهوم العقوبات الإداريــة..
إن رد العقوبات الإدارية إلى نظام قانوني محدد يحكمها وينظمها يتطلب التوقف عند تحديد المفهوم القانوني لهذه العقوبات الحديثة ، أو ربما يصح لنا تسميتها بالعقوبات الهجينة التي حملت صفات الإداري من جهة وصفات الجنائي من جهة أخرى وذلك بحسب طبيعة العقوبة أو بحسب طريقة تنفيذها أو الجهة التي تتولى فرضها أو بحسب المصالح التي تطالها ، فضلا عن إن تحديد المفهوم القانوني للعقوبات الإدارية يقتضي تحديد تعريف هذه العقوبات وخصائصها في مطلب، وفي مطلب آخر تسليط الضوء على تميزها عن غيرها من العقوبات ، أما أنواع هذه العقوبات فنخصص المطلب الثالث لها تباعا.
المطلب الأول// التعريف بالعقوبات الإدارية وخصائصها..
سنقسم هذا المطلب إلى فرعين أولهما نحدد من خلاله تعريف العقوبات الإدارية وثانيهما نفرده لبيان الخصائص المميزة لهذه العقوبات.
الفرع الأول // تعريف العقوبات الإدارية..
لما كانت الغرامة التي توقعها الإدارة هي العقوبة الإدارية الأكثر تعبيرا وتجسيدا لهذا النمط من العقوبات فأنه نلاحظ بعض التشريعات الرائدة في هذا المجال و منها التشريع السوفيتي السابق واليوغوسلافي السابق و كذلك التشريع الايطالي و الألماني ، قد اتجهت إلى تخصيص عقوبة الغرامة أو المصادرة أو الإنذار أو العمل لصالح المجتمع أو تحديد الإقامة أو منع الإقامة في مكان معين أو غيرها من العقوبات للجرائم التي تعد من قبيل المخالفات حيث تتولى الإدارة سلطة فرض العقوبة على المخالف، و على الرغم من الايجابيات التي تتحقق من جراء تطبيق هذه السياسة العقابية ، إلا انها لا تخلو من النقد الموجه لها، حيث ينظر بعض الفقه إن الأمر يتعارض مع مبدأ قضائية العقوبة ، فضلا عن فتح باب تعسف الإدارة في إيقاع تلك العقوبات.(1) فضلا عن ان المشرع اليوغسلافي قد حذا حذو المشرع السوفيتي في هذا المجال ، بل انه قد افرد عقوبة الحبس البسيط لا يزيد عن شهر، فضلا عن عقوبة الغرامة لبعض الجرائم التي تعد من قبيل المخلفات .(2) كما إن التشريع الجزائي الايطالي القديم (روكو) ذهب إلى الحبس أو الغرامة كعقوبات تقرر على المخالفات ، اما المشرع الألماني الذي اتخذ صورا عديدة للغرامة منها اليومية كبديل لسلب الحرية . و بالاستناد الى ما تقدم يمكن وصف العقوبة الإدارية بأنها :جزاءات ذات خصائص عقابية توقعها السلطات الإدارية بعدّها سلطة إدارية عامة تجاه كل من يخالف بعض القوانين و التعليمات الخاصة ذات الطابع الفني بإحدى العقوبات التي لها طابع جنائي كالغرامة أو المصادرة أو ذات طابع إداري صرف كغلق المحل أو إيقاف النشاط المؤقت أو سحب الرخصة الدائم أو المؤقت اوغيرها سواء أكانت الدولة تتبنى نظام قانون العقوبات الإداري كما في ألمانيا أوايطاليا أو تخضع المخالفات لقانون العقوبات الجنائية كما في فرنسا(3) ومصروالعراق و يمكن تعريف العقوبات الإدارية بأنها العقوبات ذات الطابع الجنائي غير البدنية و غير السالبة للحرية أو ذات الطابع الإداري التي توقعها الإدارة بمناسبة اقتراف سلوك رفع عنه صفة التجريم الجنائي و اخضع لنظام قانوني آخر كالقانون الإداري بإجراءات إدارية و تحت سلطة رقابة القضاء الإداري .(4)
الفرع الثاني // خصائص العقوبات الإدارية..
تمتاز العقوبات الإدارية بخصائص تميزها و تضفي عليها طابع خاص مزيج من الجنائي ومن الإداري ومن أهمها الآتي:-
أولا // انها عقوبات ذات طابع غير بدني و لا مقيد للحرية و غالبا ما تكون عقوبات مالية أو وقائية .
ثانيا // ان العقوبات الإدارية تخضع لمبدأ الشرعية الجزائية بشكل مباشر أو بناء على تفويض تشريعي للسلطة التنفيذية. ثالثا // انها عقوبات خصصت لسلوكيات مجرمة تقع على مصالح لا تخدش الضمير العام و مصالح حديثة اقتضتها تطورات المجتمع الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و نعني بها مصالح هامة ، إلا انها غير جوهرية أساسية ولا تقوض كيان المجتمع الأساسية.
رابعا // و لعل أهم خصيصة إن هذه العقوبات تفرضها الإدارة و لكن برقابة القضاء .
والمراجعة الحديثة للجزاءات الادارية في كندا راقبت ولاحظت ان اكثر الجزاءات الادارية تشترط حق المراجعة بشكل اساسي ليس قبل فرض الجزاء اي بعد فرض الجزاء. (5)
خامسا // إن العقوبات الإدارية اما تنظم بنظام قانوني خاص بها و يخضع الجرائم الجنائية المندرجة بعنوان المخالفات وبعض الجنح إلى هذا النظام القانوني الإداري كما في ايطاليا و ألمانيا ، أو يتاح للإدارة أن تمارس هذا النشاط الجزائي و لكن بدون وجود نظام قانوني خاص بالمخالفات على غرار فرنسا و مصروالعراق و غيرها.
سادسا // تصدر العقوبة الإدارية بشكل قرار إداري أحادي الجانب (6) و ذلك بمناسبة مزاولة نشاطها الإداري
سابعا // العقوبات الإدارية جزاءات ردعية و عامة ، بمعنى انها عقوبات رادعة لكل سلوك ايجابي أو سلبي ماسا بمصلحة معينة سواء مست الإدارة نفسها أو كانت الإدارة مسؤولة عن تنظيمها ، و عقوبات عامة تطال كل شرائح المجتمع سواء أكانوا موظفون أو أشخاص عاديون ولا يشترط أن توجد علاقة قانونية أوتعاقدية بين مقترف الجريمة و الإدارة . (7)
المطلب الثاني // تمييز العقوبات الإدارية..
لما كان للعقوبات الإدارية خصائص معينة تميزها عن غيرها من العقوبات ، فلابد من تسليط الضوء على تمييزها عن العقوبات الضبطية من جهة ، و من جهة أخرى تمييزها عن العقوبات الأخرى في الفرعين الآتيين :
الفرع الأول // تمييز العقوبات الإدارية عن العقوبات الضبطية..
للتمييز بينهما لابد من أن ننطلق من غاية كل مهما ، و حيث إن غاية العقوبات الإدارية تكمن في مواجهة الخطأ المخالف للقوانين الإدارية بالعقاب ، في حين ان غاية العقوبات التي تفرضها أجهزة الضبط الإداري هي الوقاية و المنع من خلال تدابير احترازية تسخر لحماية الأمن العام أو السكينة العامة أو الصحة العامة.(8) وتبدو أهمية التمييز بين العقوبات الإدارية التي تفرضها الإدارة و بين عقوبات الضبط الإداري التي تفرضها أجهزة الشرطة وبنص القانون صراحة ، الأمر الذي تجسد برفض مجلس الدولة الفرنسي إضفاء صفة العقوبة الإدارية على العقوبة الضبطية و ذلك لإبعاد الأخيرة أي العقوبات الضبطية التي تتكفل بحماية الأمن العام و السكينة العامة والصحة العامة عن الاقتران بنفس الضمانات التي أضفيت على العقوبات الإدارية التي سنتوقف عندها لاحقا .(9) و لا يفهم من ذلك تقييد الحريات بقدر ما يقصد به الموائمة و التوازن بين المصالح العليا للجماعة و فسحة المجال المتروكة للحريات الفردية و النشاط الخاص ، أي بين مطالب الحرية و مقتضيات حفظ النظام العام .(10) و تجدر الإشارة إلى انه لا يوجد تعريف تشريعي لأغلب التشريعات كما في مصر أو فرنسا أو العراق بقدر ما عرفه الفقه بالاستناد إلى أغراضه وغاياته المذكورة آنفا .(11) و يفهم من ذلك ان مجلس الدولة الفرنسي يبعد العقوبات الضبطية عن التمتع بمبدأ المواجهة ، وبعكس الحال على الإدارة احترامه قبل اتخاذ أي جزاء إداريا ، بحيث يتوجب على الإدارة اخطار المتهم بما اتهم به لتمكينه من ضمانات الدفاع عن نفسه ضمن السياقات الإدارية كالتظلم وغيره. فضلا عما تقدم فان تدابير الضبط الإداري تتخذ بمناسبة انتهاك النظام العام و الحريات ، بعكس العقوبات الإدارية في نطاق قانون العقوبات الإداري ، فإنها تكون بمناسبة مخالفة نصوص القوانين التي تندرج تحت إطار القانون الإداري . و بمعنى آخر عندما يكون الجزاء كسحب الترخيص أو سحب إجازة ممارسة نشاط جزاء طبيعيا ان كان لغرض الحفاظ على النظام العام ، بينما يكون إداريا ان كان قد اتخذ على إثر ارتكاب جريمة مخالفة لشروط الصحة أو البيئة ، الأمر الذي يراد منه ان الضبط الإداري مؤقتا لأنه يواجه ظروفا استثنائية ، بينما العقوبات الإدارية مستمرة لأنها تهدف إلى الحفاظ على الوظيفة العامة و انتظام سير المرافق العامة بانتظام واضطراد.(12)
الفـرع الثـاني // تمييز العقوبات الإدارية عن العقوبات التأديبية و التعاقدية ..
أولا // يراد بالعقوبات التأديبية الانضباطية تأثيم الموظف العام في الإدارات العامة او النقابات او الشركات لغرض احترام و انتظام سير تلك الإدارات ، بمعنى انها عقوبات تطال شريحة الموظفين العموميين ، و تلتزم السلطات التي تتولى فرض العقوبات التأديبية الانضباطية باحترام مبدأ المواجهة و حقوق الدفاع التي تنص على تنظيمها قوانين شرعت لهذا الغرض مثل قانون انضباط موظفي الدولة و القطاع العام رقم /14 لسنة 1991 العراقي . و بالتالي فان خصائص الجزاء التأديبي الانضباطي الذي يفرض على الموظف المخالف ترتبط ارتباطا وثيقا بغايات الجزاء التأديبي التي تدور حول ضمان انتظام و احترام سير المرافق العامة ، و ان الخصائص المميزة بالجزاء التأديبي تدور حول المجال الشخصي للفاعل و مجال السبب أي المخالفة الإدارية والمجال الذاتي أي المحل الذي وقعت عليه المخالفة .(13)
ثانيا // اما الجزاءات التعاقدية الخاصة التي تمارس الإدارة فرضها بحق المتعاقدين معها نتيجة لعدم او للإخلال بالتزاماتهم التعاقدية مع الادارة فقط دون ان يمتد اثرها على غيرهم ، في حين ان العقوبات الادارية التي تفرضها الادارة على الجميع بمناسبة خرقهم للقوانين و الانظمة و التعليمات .(14) كما في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية العراقية رقم (1) لسنة 2007 المعدل . و يلاحظ إن الجزاء الإداري تنفذه الإدارة بحق كل مخالف باعتباره قرارا يتصف بالعمومية ، في حين إن الجزاء التعاقدي تتخذه الإدارة المتعاقدة بحق المتعاقد معها غير الملتزم بتعهداته العقدية و التزاماته فانه قرار فردي زجري نص عليه بالرابطة العقدية(15) .
المطلب الثالث // أنواع العقوبات الإدارية..
للعقوبات الإدارية تصنيفات عديدة بحسب الأساس الذي يقوم عليه التصنيف ، إلا ان أهمها التصنيف الذي يرتكز على مضمونها و تصنف إلى عقوبات إدارية مالية وعقوبات إدارية شخصية غير مالية ، اما التصنيف
الآخر فيصنفها بحسب أهميتها و جسامتها إلى عقوبات إدارية أصلية أو تبعية أو تكميلية ، اما التصنيف الأخير فيستند إلى المحل الذي تقع عليه العقوبة الإدارية وهي عقوبات إدارية شخصية كالغرامة الإدارية وعقوبات عينية كالإزالة . وسنتبع التصنيف الأول الذي يقسمها إلى عقوبات إدارية جنائية مالية وأخرى شخصية غير مالية .
الفرع الأول// العقوبات الإدارية المالية..
تهدف العقوبات المالية تشكل عام إلى الردع العام أو الردع الخاص أسوة بالجزاءات الجنائية ، وتقرر الإدارة هذا النوع من العقوبات في حالة مخالفة أي فرد ينتهك بسلوكه الخاطئ نص القانون أوالأنظمة أوالتعليمات أواللوائح ، وخير مثال على تلك العقوبات المالية ما تفرضه الإدارة المالية في حالة انتهاك قانون الضريبة أو مخالفات المرور أو المخالفات البلدية أو البيئية أو الكمركية أوالإدارات المشرفة على الانتخابات او المخالفات التي تتعلق بتراخيص مزاولة النشاطات المختلفة …الخ .
أولا // الغرامـة الإداريـة..
عندما تكون الغرامة هي العقوبة الوحيدة للفعل المرتكب يجوز للمتهم الطعن امام القضاء ضمن المدة القانونية وفي هذه الحالة فانه المشرع يتبنى الجزاء الإداري (الغرامة) بديلا عن التجريم الجنائي استنادا إلى نظام إلغاء التجريم انف الذكر، وبناء عليه يمكن التمييز بين الغرامة الإدارية والغرامة الجنائية من خلال الآتي :-
1ـ الإدارة تحدد مقدار الغرامة الإدارية وتفرضها ، بينما الغرامة الجنائية يقررها و ويفرضه القضاء جنائي.(16)
2ـ في بعض الأحيان تجيز تشريعات معينة كالقانون الايطالي وقف تنفيذ عقوبة الغرامة الجنائية بشروط معينة يحددها القانون المذكور .
3ـ الغرامة الإدارية ثابتة المقدار ، في حين الغرامة الجنائية تتفاوت بين الحد الأدنى والحد الأعلى .(17)
4ـ الغرامة الإدارية لا ينظر عند فرضها الظروف المتعلقة بالمتهم ، بعكس الغرامة الجنائية ، بمعنى ان الغرامـــــــــــــــة الإدارية تـــــــــــــهدف إلى الــــــــــــــردع دون الالتفات إلى تفريد العقاب(18). 5- في الغرامة الإدارية لا يطبق وفق تنفيذ العقوبة الا في حاله الطعن بالقرار الإداري القاضي بفرضها في حالة الجدية و الاستعجال ، بعكس الحال في الغرامة الجنائية فانه ممكن وقفها أسوة بباقي العقوبات الجنائية . 6- بعض التشريعات الإدارية تجيز تحول الغرامة الإدارية إلى عقوبة الحبس بعد إحالة الأوراق إلى القضاء الجنائي عند الامتناع عن الدفع من باب الإكراه البدني على غرار الغرامة الجنائية ، بمعنى انه في الغرامة الإدارية لا تتحول العقوبة تلقائيا إلى الحبس عند عدم الدفع كما هو الحال في الغرامة الجنائية . حيث يخير النص القانوني الغرامة أو الحبس و عند عدم الدفع يؤول الجزاء إلى الحبس تلقائيا .(19) و بالاستناد إلى ما تقدم فان العقوبة الإدارية المالية المتمثلة بالغرامة تفرض من قبل الإدارة بالاستناد إلى الإجراءات الآتية :-
1- ضبط المخالفة مـن قبل الإدارة .
2- تحرير محضرا رسميا مستوفيا الشكل و المضمون و يعلم بها المخالف على ان يدفعها فور فرضها او خلال ثلاثون يوما من تاريخ فرضها .
3- عند عدم الرغبة في الدفع يجوز للمتهم الاعتراض أمام جهة الإدارة و من ثم على الإدارة إحالة الاعتراض امام القضاء للنظر فيه ، أي القضاء الإداري عند ممارسته رقابة الملائمة لتقرر مدى ملائمة العقوبة المعروضة أو عدمها بكل الأحوال .(20)
ثانيا//المصادرةالإدارية.. لما كانت المصادرة في أصلها جزاء جنائيا ذي طبيعة مالية وعينية تقع على مال معين متمثلا بنقل ملكية مال معين إلى خزينة الدولة .(21) فإنها قد تكون عقوبة تكميلية يحكم بها في أوضاع معينة وجوبيا ، و في أحيان أخرى تعد تدبيرا احترازيا ، و في أحيان أخرى يحكم بها القضاء جوازا لما لها من خصائص العقوبة.(22) وإذا كان الأمر كما ذكرنا عند الحكم بالمصادرة جنائيا ، فان الحكم لها في نطاق قانون العقوبات الإداري بعدها عقوبة إدارية أصلية أوتبعية أو تكميلية بواسطةالإدارة ودون الرجوع إلى القضاء. وعند الحديث عن طبيعة المصادرة يذهب رأي إلى التمييز بين المصادرة الإدارية والمصادرة الجنائية بالاستناد إلى طبيعة الجزاء لا بالاستناد إلى الجهة التي أصدرت الحكم بها ، إلا انه في رأي أخرى يذهب إلى ان طبيعة الجزاء لا يكفي للاستدلال لكون الجزاء جنائيا أو لا ، إذ انه يمكن ان تكون المصادرة عقوبة جنائية أو إدارية أو تدبيرا احترازيا أو تعويضا ، ينصب على الدفعة المالية التي تقع مباشرة على شخص المخالف فضلا عن الجزاءات الأخرى التي تمس شخصيته بغض النظر عن طبيعتها أو الجهة التي أصدرتها جنائية كانت أو إدارية (23).ويـــــشترط في المـــــــــصــادرة الآتي:- 1- ان يكون محل المصادرة مال مملوكأو بذمة الشخص المخالف.
2- ان يشكل المالالمصادر خطراً على المجتمع.(24)
3- ان يكون المال المصادر محلا للمخالفة أو تحصل بسببها أو في سبيل اقترافها و حسب ما تنص عليه القوانيــــــن والتعليمات. 4- ويمكن ان يكون في بعض التشريعات كقانون العقوبات الإدارية الايطالي المصادرة العينية بديلا الغرامة النقدية عند عدم مقدرة المتهم على اداءها .(25) وبالاستنــــــاد الى ما تقدم فان من التشريعات ما يعد المصادرة تدبيرا احترازيا عندما يقــــــــع على اموال محرمة كقانون العقوبات الايطالي في المادة 36 وكذلك القانون الأردني و العراقي واللبناني ومن التشريعات ما يميز بين المصادرة على الاموال المباحة وعدهاعقوبة تكميلية.(26 ) ولا يخفى ما للمصادرة من أهميـة عند إيقاعها كجـزاء إداري يكمـن في رفـد الاقتصـاد القـومي
والتعويض عن المتضررمتمثلا بالدولة ، فضلا عن كونها بديلا عن عقوبات إدارية أصلية كالغرامة كما أسلفنا فضلا عن مزايا أخرى .(27)
الفرع الثاني // العقوبات الادارية الشخصية ..
وهي عقوبات (غير مالية) وتتمثل هذه العقوبات الادارية غير المالية بكونها تقع على شخص المخالف الا انها لا تنال من حياته ، اي تستبعد من هذه العقوبات الادارية العقوبات السالبة للحرية ، ولكنها تنال من الحقوق والحريات غير الاساسية لتسلبها او تقيدها ، وبطبيعة الحال تكون هذه العقوبات الادارية غير المالية امضى وقعا على الشخص من العقوبات المالية سالفة الذكر ، الامر الذي دعى بعض التشريعات ومنها قانوني العقوبات الادارية الالماني والايطالي الى تبني نظام قانوني يقيد عن سلطة الادارة واحاطتها بضمانات عدة لتفادي تعسف الادارة وامتداد هذه القيود الى ابعد مما تقرره القوانين ، واهم هذه العقوبات الادارية سحب الترخيص او الغاءه اوغلق المنشاة او حظر مزاولة النشاط وغيرها .(28) ،ان تبرير فرض هذة العقوبات الادارية الشخصية تنطلق من رفع صفة التجريم ( الحد من التجريم ) عن بعض السلوكيات التي تطال مصالح محمية ، الا ان هذه الجرائم قليلة الاهمية و بالتالي فان فاعلية هذه العقوبات المتمثلة بالردع العام او الخاص وسهولة فرضها دعت الى حماية فعالة لهذه المصالح بعيدا عنه التجريم الجنائي ومع توفر الضمانات القانونية من خلال عقوبات ادارية لها طابع التدبيرالاداري لا الجزاء الجنائي .(29) واهم هذه العقوبات الشخصية الاتي :
اولا // سحب الترخيص..
ولما كانت هذه العقوبة لدى بعض التشريعات عقوبة جنائية كا في سحب ترخيص قيادة السيارة او حمل الاسلحة ، فان بعض التشريعات تعدها عقوبة ادارية كما في قانون المرور الفرنسي في مادة (266) . وقد يكون سحب الترخيص جزاء دائمياً او موقتا ، ذلك انه سحب الترخيص لا يولد حقوقا اصلية وانما قرارا اداريا مولدا لحقوق مكتسبة تعلق او تقيد اوتلغي في حالة عدم التزام بشروط الترخيص(30) ، ولا اشكال لسحب الترخيص الوقتي ، بعكس الحال عند سحب الترخيص الدائم فانه يثير اشكالية مخالف الدستور بعدها عقوبة فيها الاعتداء على الحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور واضفى عليها ضمانات في حالة فرضها قضائيا فكيف الحال عند فرضها اداريا .(31)
ثانيا // غـلق المـنشاة ..
يراد بغلق المنشاة منعها من الاستمرار بنشاطها التي انشأت من اجله بسبب اقتراف نشاط غير مشروع يهدد او يصيب مصلحة محمية قانونيا ، و هو اي الغلق من الجزاءات الجنائية التي نصت عليها كثير من التشريعات العقابية ، الا انه في الوقت تعد عقوبة ادارية في تشريعات عديدة اخرى كقانون تداول الخمور الفرنسي في المادة / 62 منه .(32) وبرأينا ايا كانت العقوبة او الجزاء جنائيا او اداريا فانه يتحد في حماية المصلحة المحمية ولكنه يتفاوت بجدارة الحماية و كفايتها بحسب وجهة الحماية ان كانت لصالح مراقبة انتظام و حسن سير النشاط تكون ادارية او كانت حماية لصالح مصالح الاقتصاد تكون جنائية هذا جانب ، و من جانب اخر ينظر الى مركز العقوبة من حيث كونها اصلية او تكميلية او تبعية او تدبير احترازي ، فقد تكون هنا عقوبة ادارية اصلية او تكون جزاء جنائيا من جهة اخرى سواء اكان تبعيا او تدبيرا او احترازيا .و بناء على ما تقدم فانه و في جميع الأحوال ليس من المقصود في إغلاق المشاة إغلاق المحل لذاته ، بل لمنع الفرد من اقتراف جريمة .(33)
و تجدر الإشارة إلى التمييز بين غلق المنشاة و عقوبة سحب الترخيص هو ان الاخير يمنع ممارسة النشاط كليا وفي جميع المنشات ، في حين غلق المنشاة لا ينصرف أثره الا على المنشاة ذاتها .
ثالثا // حظر مزاولة النشاط..
وهذه العقوبة تعد جزاء تكميليا يلحق سحب الترخيص ، و حكمة هذه العقوبة ان كانت ادارية تكميلية او ان كانت جزاء جنائيا وقائيا كتدبير احترازي هو حماية المجتمع من طائفة من الافراد لا تتوفر فيهم الضمانات الاخلاقية او العلمية او الفنية لممارسة النشاط او المهنة ، او من جهة اخرى حماية مصلحة صيانة المهنة و الحرفة من الدخلاء على امتهانها .(34) و قد نص عليها قانون العقوبات الاداري الايطالي اكثر مما عليه الحال في التشريع الالماني المقارن له و تقررت لكل من يخالف شروط مزاولة النشاط حسب القوانين و التعليمات و اللوائح .(35) وعقوبة حظر ممارسة النشاط كعقوبة ادارية قد تعد عقوبة أصلية او تكميلية بحسب الاحوال. فتعد عقوبة اصلية ان كانت مدة العقوبة الجنائية من عداد الجنح فيكون الحظر اداريا مدة لا تزيد عن خمس سنوات كما في المادة43 /2 من قانون العقوبات الفرنسي ، و تكون عقوبة تبعية كما في قانون مؤسسات الانتخاب لسنة 1984 الفرنسي بالمادة رقم 13 منه ، و كذلك المادة 1775 من القانون العام للضرائب الفرنسي ، و تكوين عقوبة تكميلية وجوبية عندما تقرر المادة 187 من قانون العقوبات الفرنسي عندما يفتح موظف البريد خطابات مودعة بمكاتب البريد و ذلك بمنعه من التعيين مدة لا تقل عن خمس سنوات ، و تكون جوازية في المادة 90 من قانون الصحة العامة بمنع مؤقت من مزاولة وظائف الخدمات العامة و الأمن لكل من يدان جنائيا من وقع منه فعل وهو بحالة سكر .(36)
رابعا // النشـر..
ان نشر العقوبة الادارية التي تصدر من الادارة بقانون اداري طالما كان هو اجراء يخضع لسلطة القضاء و يتمتع بنفس الاجراءات التي تضفي الضمانات للحقوق و الحريات و يتقرر لمدة محدودة و قصيرة . و النشر في الصحف و المجلات او واجهات المحلات او المصانع و يتحمل كل من ينزع او يخفي الاعلان غرامة مالية.ويعد النشر من العقوبات التي سمحت بها المادة (13) من مجلس المنافسة التي تأمر بالامتناع عن المــمارسات غيـــر المشـــروعية في فترة محددة. (37) فضلا عن قرارات مضاربات البورصة و المجلس الاعلى للاعلام .(38)
المبحث الثاني // أسباب نشأة العقوبات الادارية و مبرراتها..
كان لنشوء قانون العقوبات الاداري اسباب بعضها يرجع الى ما تقتضيه السياسة الجنائية الحديثة ، و بعضها يعود الى تناسب التجريم و العقاب بحسب ما تقتضيه المصلحة القانونية ، اما مبررات اعتماد هذا الاسلوب القانوني في العقاب فيعود الى مبررات املتها غايات العقوبات الادارية و اخرى مبررات موضوعية و اجرائية سنتناولها تباعا .
المطلب الأول // مقتضيات تطور السياسة الجنائية ..
لقد تطورت سياسة التجريم و العقاب في العصر الحديث بتأثير عوامل عديدة اجتماعية و سياسية و فكرية و كانت لا فكار مونت سكيو و فولتير الاثر البارز في تلك النهضة ، فضلا عن افكار حركة الدفاع الاجتماعي الحديث و روادها كراماتيكا و أنسل الذين كان لهما الاثر البارز في سياسة التجريم و العقاب حديثا.وكان لرؤية مونتسكيو الاثر الابلغ عندما انتقد قوة العقاب و تحكم القضاء في مقدار العقوبات ونوعها ، ودعى الى ضمان حرية المواطنين ومساواتهم امام القانون واعتدال العقوبات وتناسبها مع السلوك الاجرامي بموجب نصوص واضحة محددة تصدرها السلطة التشريعية المستقلة عن السلطتين القضائية والتنفيذية ، الامر الذي انتهى الى اقرار مبدأين اساسيين في مجال قانون العقوبات اولهما مبدأ الشرعية الجزائية و ثانيهما مبدأ الفصل بين السلطات .(39)، و يذكر ان الجهد الاممي ممثلا بالجمعية العامة للأمم المتحدة كان لها دور مهم في الاصلاحات العقابية ، و اتخذت بذلك منهجا لهدم ما توارثته الانسانية من اساليب تعسفية و ظالمة وافكار تقليدية ضمن السياسة العقابية ، واعتمدت منهجا يصون حقوق الانسان و كرامته وخير وسيلة لذلك كانت المؤتمرات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تروج لإرساء دعائم سياسة تجريم وعقاب حديثة .(40) وبناء على ما تقدم فان هناك عوامل ادت الى تطور سياسة التجريم و العقاب تطورا أدى الى حد منح الادارة العامة في الدولة سلطة فرض العقوبات ذات الطابع الجنائي كالغرامة و المصادرة دون الرجوع الى القضاء وبدون محاكمة وخاصة في الانتهاكات الواقعة على المصالح التي تمارس الادارة مباشرتها و منها و اهمها ذات الطابع الاقتصادي او المرفقي او الحرفي ، الامر الذي يعرض المبدأين السالف ذكرهما و الذين هما العمود الفقري لمبادئ قانون العقوبات الى خطر المساس بهما.
الفرع الاول // عوامل تطور السياسة الجنائية..
سوف نستعرض اهم العوامل التي ساهمت في تطور السياسة الجنائية وهي كالاتي :
اولا // تطور مفهوم الدولة واتساع نشاط الادارة ..
بعد النهضة الصناعية التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية ، اتجهت الدول المتقدمة الى الاصلاحات التشريعية التي تضفي الحماية للمصالح الجديدة التي تمخضت عن التطور الحاصل في المجال الصناعي و ما صاحبه من تطور في مجال الفكر والثقافة التي املت على المشرع ايضا الحفاظ على القيم الانسانية ، الامر الذي ادى الى تضخم قانون العقوبات ، حتى وصل الامر الى ان اصبح الاخير يشكل عب على الفرد لكي يكون ملما بكل سلوك مجرم ، دون ان يكون متمثلا باي خطورة اجرامية كما هو الحال في كثير من السلوكيات المجرمة في مجال المصالح التي تنظمها القوانين الجزائية الخاصة في المجالات الاقتصادية و الخدمية و المرور وغيرها وحيث ان الجرائم الحديثة الماسة بتلك المصالح التي تتمثل بفكرة الضرر او الخطر على المجتمع بات لا ينظر اليها بنفس فكرة الضرر او الخطر الذي ينظر اليه سابقا بصدد الجرائم التي تمس المصالح التقليدية وعلى سبيل المثال لا ينظر الى جريمة التهريب الكمركي او الضريبي على انهما جريمتان تمسان شرف الانسان بقدر ما هما سلوكان يتمثلان بالتخلص من عب مالي ثقيل او غير عادل يفرض على الفرد ، و هذا الامر في الكثير من المجتمعات بحسب ثقافتها او نظامها الاقتصادي . و لهذا فان التوجه التشريعي للحلول البديلة عن الجزاء الجنائي التقليدي اصبحت ملاذا للابتعاد عن الجزاء الجنائي الذي كثيرا ما ثبت عدم فاعليته المثلى بمثل هكذا جرائم و ذلك من خلال عدم فاعلية القسوة في الجزاء ، فضلا عن ان الجزاء البديل ينعكس ايجابيا على المجتمع سواء من الجوانب المالية او المعنوية المتمثلة بعدم استفحال الغل و السخط المجتمعي تجاه السلطة بعدها الجهة التي تنفذ العقوبات المقترنة بالجرائم المقترفة .(41)
ثانيا // التطور الاجتماعي والاقتصادي..
ان اتساع نشاط الادارة كان نتيجة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والفكري فتحولت الدولة من راعية للأمن ومحافظة على السيادة الى كونها ادارة عامة واسعة الموارد متشعبة التنظيم تمارس الاشراف على حسن سير المرافق وتقديم الخدمات وتحدد اوجه الانفاق ، ووصل الامر الى حد احتكار تقديم بعض الخدمات الرئيسة في مجال الطاقة والمياه وغير ذلك . وعندما تزايدت اعباء الادارة بأتساع حاجات المجتمع المختلفة ، كان لزاما عليها استعمال سلطاتها بما تمتلكه من وسائل سياسية وقانونية لغرض تنظيم مواردها المالية وايصال الخدمات وجباية الموارد واعادة تدويرها الى خدمات وسلع ، مما دعى الى زيادة وتضخم المصالح الجديدة التي اصبحت جديرة بالحماية القانونية . وحقيقة الامر ان هذه المصالح المالية والخدمية اصبحت عصب الحياة في المجتمعات الحديثة ولايمكن لأي فرد في اي وقت الاستغناء عنها ، فضلا عن كونها مصالح للأفراد جديرة بالحماية ، فهي ايضا تشكل اعباء مالية على المستفيد منها ، وكذا الحال فهي اعباء مالية وفنية على كاهل الادارة في سبيل توفيرها وصيانتها وديمومتها واعادة تدويرها ، مما يستدعي الحفاظ عليها من المساس والانتهاك بكل الوسائل التشريعية الناجعة التي لا تفوت الوقت عند حمايتها ، لأن في ذلك فوات ديمومة المصالح سواء اكانت خدمية للفرد وللمجتمع اوان كانت ايرادا ماليا يجبى بالمقابل من الفرد لصالح الدولة ومن ثم يدور للفرد وللمجتمع فضلا عن ان فوات تقديم الخدمات فيه فوات تحقيق موارد مالية تدخل الخزانة العامة للدولة . ان هذا التزايد المضطرد في جميع القطاعات اقتضى البحث في سبيل جديدة ناجعة تحقق الهدف من توفيرهذه المصالح تحميها بالطريقة التي تناسب مع طبيعتها وهذه السبل عديدة وياتي في مقدمتها الجزاءات الادارية ذات الطبيعة الجنائية كالغرامة والمصادرة وغلق المحل وايقاف النشاط او حظره وغيرها ، فان هذه الجزاءات هي عقوبات جنائية في طبيعتها وبعضها تدابير وقائية احترازية ، الا ان الفارق المهم هو ان جهة فرضها ليس القضاء وانما الادارة بما تمتلكه من سلطة عامة . ان مرد هذا الاجراء هو ان اغلب او جميع هذه الجرائم الحديثة هي جرائم مصطنعة لا طبيعية ، اي انها جرائم غير مستنكرة اجتماعيا بطبيعتها ولا تأثر في مشاعر الشفقة الغريزية او الامانة الفطرية الا انها جرائم اصطنعها الانسان لرغبته في تطوير احتياجاته واستيعابها ، وهي تختلف من حيث النطاق او المضمون من مجتمع لأخر ومن وقت لأخر ، فهي جرائم تنظيمية لا تتعارض مع القيم الانسانية الرئيسة السائدة والهدف منها الحفاظ على مصالح الدولة الحديثة التي تمكنها من اداء واجباتها الحديثة المتمثلة في تقديم الخدمات والسلع ، فضلا عن الأمن والسكينة والصحة العامة.(42)وفي حقيقة الامر ان هذه الجرائم لا تعدو ان تكون محصلة لانتهاك علاقة تنظيمية لقطاع خدمي معين تديره الدولة او تشرف عليه او توجهه ، وذلك بحسب النهج الاقتصادي او الخدمي السائد فيها ، وهذه العلاقة الادارية نشأت بين ادارة الدولة في ذلك القطاع وبين المكلف بالعلاقة القانونية التنظيمية وهو الفرد الطبيعي او الشخص المعنوي ، وان مخالفته ونقصد بها الجريمة المرتكبة هي مخالفة لأوامر الادارة الحكومية المعنية ، وهذه الاوامر هي قرارات ادارية يفترض ان تتولى الادارة بنفسها المعاقبة على من يخالفها وبما يتناسب مع حجم وطبيعة السلوك الماس بالمصلحة المنتهكة ، والادارة الاكثر دراية من غيرها والاكثر حرصا على ادامة هذه المصالح .(43)
ثالثا // تكامل الحماية القانونية للمصالح..
عندما يقترف سلوك ما انتهاكا لمصلحة قانونية ينظر الى اهمية المصلحة ان كانت مصلحة اساسية او تكليمية فحينما يكون الانتهاك لمصحة اساسية يزداد الجزاء شدة وصرامة ، اما ان كان الانتهاك لمصلحة فرعية او تكليمية يخفف الجزاء ،ومن هنا اصبح التميز واضحا بين التأثيم القانوني وبين التجريم ،ذلك ان التجريم صورة خاصة وتمثل اقصى درجات التأثيم وذلك الاخير هو مهمة القانون عموما ، اما التجريم فهو من اختصاص القانون الجنائي .(44) وبذات الصدد يذكر ان القانون الجنائي يصون الركائز الاساسية للمجتمع التي تضمن سلامته وبقاءه ، ويقصد بها المصالح الركائز الاولية الاساسية ، اما فروع القانون الاخرى فأنها تتصدى بالحماية لمصالح اقل اهمية ، وهي تلك المصالح التي يقال عنها انها تضمن وتصون مقومات كمال الحياة الاجتماعية وبعبارة ادق ان القاعدة القانونية الجنائية المنظمة للسلوك والتي تحمي مصالح اساسية تتقاسم وتشترك معها في الحماية قواعد اخرى غير جنائية تنتمي الى فروع القانون الاخرى كالقانون الاداري او الدستوري او المدني وهو ما يطلق عليه ب ((ثنائية حكم القاعدة الجنائية )).(45) او التلازم الحتمي بين الحظر الجنائي والحظر غير الجنائي . ويمكن القول ان القانون الجنائي يتولى حماية المصالح الاساسية للمجتمع ، بينما القوانين الاخرى تتولى حماية المصالح التي تعنى برقي المجتمع ، وان تجاوز القانون الجنائي ذلك ، اي حدود المصالح الاساسية فانه يفتح الابواب لأعباء وصعوبات تقع على كاهل الدولة ، والاولى ان لا يتجاوزحدود التجريم ويترك تلك المصالح الاقل اهمية من تلك التي يطلق عليها الركائز الاولية الاساسية للمجتمع لتتولاها فروع القانون الاخرى بالتنظيم . ومتى ما كان السلوك المجرم لا يطال الضميرالانساني العام فيوكل أمر التأثيم الى قانون اخر لإيقاع وفرض جزاءات اكثر فاعلية كالغرامة الادارية والمصادرة وغيرها .(46) ولما كانت المصلحة تعني الموافقة بين المنفعة والهدف ، فهي أي المصلحة توجد بتوافرعناصرها الثلاثة ،المنفعة والهدف والموافقة بينهما ، ولما كانت المصلحة جلب المنفعة ودرء المفسدة او الضرر ، فلا مناص من اتباع سبل الحماية القانونية بما يحقق المصلحة ولا ينتقص منها ولا يفوت تحقيقها بالكامل وبما يدفع الاضرار ويدرء المفاسد ، لأن في ذلك تفويت او انتقاص من المصلحة محل الاقامة .(47) ونعتقد وبلا شك ان سبل حماية المصالح المهمة تحددها السياسة الجنائية في الدولة ، في حين ان تحديد المصالح الجديرة بالحماية يكون على اساس فلسفة الدولة ، وطبيعة الايديولوجيا التي تنتهجها . وان كانت السبل المؤدية الى تحقيق الحماية القانونية غير ناجعة فلا جدوى من الحماية ولا مصلحة تتحقق منها .
الفرع الثاني // ملامح السياسة الجنائية الحديثة..
ان من اهم مظاهر السياسة الجنائية الحديثة التي دعت اليها حاجات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية وتوسع نشاط الادارة العامة هو فكرة الحد من التجريم والحد من العقاب واعتماد معايير حديثة للتجريم والعقاب ، فضلا عن الحاجة الى الانتقال من الجزاء الجنائي الى الجزاء الوقائي او اعتماد الجزاءات البديلة عن الجزاءات الجنائية التقليدية وهذا ما سنبحثه تباعا .
اولا // الحد من التجريم..
لابد من بيان مفهوم الحد من التجريم ومفهوم الحد من العقاب وعوامل ظهور هاتين الفكرتين وتحديدهما وعرض النتائج المترتبة عليهما.
1- تعريف الحد من التجريم..
ويقصد به إلغاء التجريم لأفعال معينة والاعتراف القانوني بمشروعيتها واخراجها من طائلة اي نوع من العقاب .ان الغاء تجريم اي سلوك لا يستتبعه حتمية عدم استهجانه اجتماعيا او قبوله او عدم رفض الضمير العام له عند مجموعة او طائفة او عموم المجتمع ، وهذا الامر تجده جليا عند بعض السلوكيات التي الغي تجريمها في العقود الاخيرة في بعض المجتمعات الغربية كفعل الاجهاض المتعمد او ممارسة الانحراف الجنسي ، اذ انه على الرغم من كونها غير مجرمة في مجتمعات معينة ، الا انها غير مقبولة اجتماعيا عند فئات مجتمعية واسعة ، وبعكس الحال هناك بعض الافعال المجرمة قانونا ، الا انها غير مستهجنة ولا تجرح الضمير العام ومنها تجريم التهرب الضريبي او الكمركي وغيرها ، وجدير بالذكران الحد من التجريم فكرة نسبية ، اذ انه ما يمكن قبوله او استهجانه في زمان ومكان معينين لا يكون الامر ذاته في زمان او مكان اخر ، الامر الذي يترتب عليه ان قبول فكرة الحد من التجريم يتوقف على امكانية تطور الفكر الاجتماعي ومدى استساغة الضمير العام لهذا السلوك او ذاك ، وبالتالي فهي وان كانت فكرة نسبية وتعتمد على مدى توغلها في ضمير المجتمع ، فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالآداب العامة والنظام العام بعدهما يختلفان بحسب المكان والزمان . وبالتالي فان فكرة الحد من التجريم ومن حيث نطاق تطبيقها تتلائم مع بعض السلوكيات ذات الطابع الاخلاقي او الاعتقادي او في بعض التعاملات اليومية البسيطة على صعيد التعاملات الاقتصادية البسيطة او غيرها ولا ينسحب اثرها على المصالح الرئيسة او المعززة لها . وبهذا الصدد نجد ان تجريم الافعال المتعلقة بالتهرب الضريبي اصبحت راسخة في الضمير العام للشعوب المتطورة التي تعتمد حكوماتها اقتصاد السوق ، وتعد مخدشة لسمعة وشرف مقترفها ، في حين ان الامر لا يعد كذلك عند شعوب اخرى ذلت ثقافة او نمط اقتصادي اخر .(48) وجدير بالقول ان فكرة الحد من التجريم وان كانت فكرة حديثة املتها ضرورة التطور الاجتماعي والتوسع في نشاط الدولة ، فأنها تنطلق من فكرة اوسع وهي ان القيم والمصالح التي تساهم في حفظ كيان المجتمع واستقراره واستمراره ، فأنها تبرر لوجود القاعدة الجنائية المجرمة لسلوك ما ، وان انتفى التهديد الحقيقي او المساس بالمصالح المهمة الجديرة بالحماية فلا داعي لتدخل القانون الجنائي .(49) اذن ان حماية المصالح توكل الى المشرع بعده ممثل المجتمع بكل فئاته واطيافه والاجدر بقياس الحاجة الى التجريم ومن ثم وحده من يستطيع الموازنة بين المصالح العامة والمصالح الخاصة ومن ثم اقرار الحاجة الى التجريم من عدمه ، عندما تكون المصالح الفردية يتسبب عند المساس بالمصلحة العامة .(50)
1- عوامل فكرة الحد من التجريم..
وتتمثل العوامل التي دعت إلى الحاجة إلى الحدمن التجريم إضافة إلى ما ذكرناه آنفا المتعلق بتوسيع نشاط الدولة و الإدارة تبعا للتطور والتوسع الاقتصادي و الاجتماعي و الإداري و تطور فكرة القناعة الاجتماعية و التشريعية و الإدارية بعدم ضرورة التدخل الجنائي لفعل معين لعدم وصوله حد خدش الضمير العام أو المساس بالمصالح الأساسية الأولية الجوهرية للمجتمع أو تلك الداعمة أو المعززة لها ، كما في العديد من الافعال المجرمة قانونيا ، الا ان تفعيل التجريم غير مستساغ اجتماعيا وغير ممكن قانونا كما في جريمة التخلف عن المشاركة في الاقتراع او الانتخاب و ذلك كما في المادة رقم (39) من قانون رقم 73 لسنة 1956 المصري .(51)وتجسيدا لما تقدم فقد نادى الفقيه بكاريا بحكمة شهيرة مفادها (( ان الرقي بالشعب وسيلة الحرية المقرونة بالتوعية والتعبيرلاالعبودية التي تتخذ من سيف العقاب اداة لها وتهدد باستخدامه في كل صغيرة و كبيرة)) .(52) و بهذا الصدد يرى العالم هانز و لزل ان التوسع في التجريم على سلوكيات تستهدف غاية تنظيمية أو اقتصادية أو سياسية يعتبر استخداما غير حكيما للقانون الجنائي ، ينال من الحدة القاطعة لسيف العقاب ويحول القانون الجنائي الى اداة للرعب.(53)وتطبيقا لذلك وللحد من ظاهرة التوسع في التجريم اتجه مؤتمر الامم المتحدة الرابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في كيوتو عام 1970،ان لا تتوسع الدول في تجريم افعالا مستحدثة ، فضلا عن ضرورة مراجعتها للجرائم التي تنطوي على افعالا خطرة وكذا الحال في المؤتمر العربي السابع للدفاع الاجتماعي المنعقد في القاهرة عام 1974 الذي دعى الى توخي الدقة والحذر في التجريم وعدم الاتجاه نحو التضخم والتوسع في التجريم طالما لايوجد مبررا لهذا التوسع تقتضيه الضرورات الاجتماعية .(54)
ثانيا // الحد من العقاب..
وكما عرفنا فكرة الحد من التجريم ، فانه حري بنا تعريف الحد من العقاب ، وقبل ذلك ندعو بشكل عام الى تبني سياسة اكثرتسامحا واكثر ملائمة وتناسبا مع مقتضيات العصر الحديث الذي يتسم بتشعب المصالح الجديرة بالحماية دون الوقوع في تشعب الحماية وتشابكها وأضعاف القانون الجنائي ، فانه يجدر بنا التمييز بين ثلاثة اتجاهات تشريعية وهي كالاتي:-
(( 1- الابقاء على تجريم الفعل جنائيا وتخفيف الجزاء الجنائي.
2-البقاء على تحريم الفعل جنائيا والتحول عن الجزاء الجنائي.
3-التحول عن التجريم الجنائي الى نظام قانوني اخر. )).(55)
وبناء على ماتقدم فان تعريف الحد من العقاب يعتمد على مناقشة الاتجاهات الثلاثة المتقدمة وتحديد المقصود بالحد من العقاب . ان الاتجاه الاول ، الابقاء على التجريم الجنائي وتخفيف الجزاء الجنائي يذهب الى اقرار سياسة جنائية وتتناسب مع مقتضيات العصر والتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من خلال تخفيف العقاب واقرار الظروف المخففة وبخاصة العقوبات السالبة للحرية طويلة المدة ، الامر الذي ادى الى تزايد وارتفاع منسوب العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة ، مانتج عنه الحاجة الى الاتجاه لبدائل عن العقوبة سالبة الحرية قصيرة المدة لاحقا واهمها عقوبة سحب الرخصة لمدة معينة والمصادرة في قضايا المرور عندما قضت المادة 43/الفقرة 3 من قانون رقم 11 لسنة 1975 الفرنسي ، ان ينطق القاضي بصفة اصلية بإحدى العقوبات المتعلقة بسحب رخصة القيادة او منع قيادة المركبة او مصادرتها او منع حيازة اوحمل السلاح او سحب الترخيص الممنوح للصيد او مصادرة السلاح ، اي الحكم بها بصفة اصلية لا تبعية او تكميلية .ان هذا لم يكن شأن القانونين الالماني والايطالي عندما ينطق القاضي بالعقوبات التبعية او التكميلية كعقوبة اصلية ولكن دون استحالة او تعذر الاتفاق بين المحكوم عليه والسلطة الادارية المختصة باللجوء الى بديل للعقوبة السالبة للحرية الى عقوبة اخرى كالغرامة او مراقبة الشرطة. اما الاتجاه الثاني الذي يذهب الى تجريم الفعل جنائيا والتحول الى الاجراء الاخر غير الجنائي، وهو ايضا اتجاها يذهب الى اقرار سياسة جنائية متسامحة من خلال التوقف عن المتابعة الجنائية واعتماد اجراءات غير جنائية تمهد وتساعد في سرعة اندماج المحكوم عليه مجددا في مجتمعه ، فضلا عن امكانية اللجوء الى حل النزاع الذي يسبب الجريمة دون اللجوء الى الاجراءات الجنائية .(56) اما الاتجاه الثالث المتمثل بالتحول التام عن القانون الجنائي الى نظام قانوني اخر، اي الغاء التجريم الجنائي عن الفعل ، وتكون عدم مشروعيته بالاستناد الى اخر اداري او مدني ، والجزاءات المقررة له غير جنائية وهو ما يطلق عليه قانون العقوبات الاداري او القانون الاداري العقابي ،كالقانون الالماني لعام 1952 والقانون اليوغوسلافي السابق لعام 1958 والقانون الروسي لعام 1960 وهذه القوانين اقتصرت على التجريم الاداري لذات الافعال الواقعة في ظل قوانين جزائية اخرى كالمخالفات ، اما القانون الايطالي لعام 1981 فقد مد التجريم الاداري لافعال تعد من عداد الجنح في قوانين جزائية اخرى .وبالاستناد الى ما تقدم فان ظاهرة الحد من العقاب يمكن ان تعرف بالاستناد الى الاتجاه الثالث انف الذكر هو التحول عن القانون الجنائي الى نظام قانوني اخر له خصوصيته عن القانون الجنائي . وخلاصة القول ان ظاهرة الحد من العقاب هو تجريد الصفة الجنائية عن الفعل وتجريمه على وفق معايير ادارية موضوعية وشكلية وتخصيص جزاءات تفرضها الادارة ولكن غير تلك التي تفرضها على الموظف العام عند ارتكابه جريمة وظيفية.
ثالثا // معيارية التجريم والعقاب..
وفضلا عن الملامح الرئيسة للسياسة الجنائية الحديثة المتمثلة بالحد من التجريم والعقاب والانتقال من الجزاءات الجنائية المغلظة كالعقوبات السالبة للحرية طويلة المدة الى العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة ، اي الانتقال الى الجزاءات الجنائية البديلة ، فان من صور السياسة الجنائية الحديثة هو معيارية التجريم والعقاب.
1- تعريف المعيار القانوني..
ونقصد بالمعيارية هو الاسس التي بموجبها تتم حماية المصالح الجديرة ، وان كان الدين والاخلاق يفصلان بين الخير والشر، فان القانون ليس كذلك ، فهو يحتاج الى معايير اكثر وضوحا ،خاصة وان المشكلة فيه لا تتعلق بما هو خيرو شر، بل تتعلق بما هو حق وما هو ليس حق ، فالمعاييرالقانونية هي ادوات معنوية وفكرية وعقلية توجه المشرع وهو بصدد اختيارالمصالح الجديرة بالحماية وصياغة القواعد القانونية.(57) و يعرف ( الاستاذ السنهوري ) المعيارالقانوني بأنه اتجاه عام لا يفيد القاضي ، يهتدي به عند الحكم ، ويعطيه فكرة عن غرض القانون وغايته .(58) و يعرفه ( شنوس ) بأنه إلهام المشرع بالقواعد القانونية المستمدة من المبادى الاخلاقية للمجتمع لان من واجب المشرع الا يجرم من الافعال الا تلك التي يستطيع كل شخص ان يتبين من تلقاء نفسه و بالحس العادي انها محظورة ، فالقواعد التي تحيا في نفوس المجتمع هي اساس النصوص القانونية وهي التي ترسم صور قواعد القانون التي لا يستطيع المشرع تجاهلها .(59) و يعرفه العميد (روسكوباوند) انه مقياس لنهج اجتماعي سليم ، غيرانه يعترف بصعوبة وضع تعريف دقيق للمعيار، لانه يرتكز على افكار عامة متعلقة بأصول التعامل المدني للإنسان ، و هذه المعاملات يصعب حصرها .(60) وأيا كان تعريف المعيار القانوني فنعتقد انه يراد به منهج منطقي وعملي يعتمد على اسس الاخلاق و الدين و المصالح الرئيسة و المتجددة في المجتمع يعتمده المشرع عند اختياره للمصالح الجديرة بالحماية من جهة ، وعند صياغته للنصوص من جهة اخرى ، فضلا عن نوع التجريم وكمه بالتناسب مع نوع الجزاء و مقداره ، و بما يحقق اقرارالحقوق و حمايتها و تنظيمها وصولا للعدالة و الرقي .
2 – خصائص المعاير القانوني..
و يجب ان يتميز المعيار القانوني بخصائص معينة تتحقق معها اغراض السياسة الجنائية و اهداف المشرع وهي كالاتي:-
أ- الاخلاق : لان المعيار له صلة وثيقة بسلوك الانسان ، اي ان المعيار يمثل الصلة بين القانون و الاخلاق.
ب- الخبرة و الدراية : اي يتوجب عند تطبيق المعيار ان يكون القائم به مدركا بشكل جيد للأمور العامة و حاذقا ومراعيا للقيم السائدة في المجتمع .
ج- النسبية و الملائمة : اي ان المعيار ليس مطلقا ، لأنه يتغير من شخص لأخر ومن حال لأخر ، اي ان معيار اليوم ليس بالضرورة يصلح للغد فالمعايير تتغير بتغير المحيط الاجتماعي لغرض التوفيق بين القانون الثابت و تطورات المجتمع المستمرة .(61)يتضح مما تقدم ان المعيار القانوني متغير و نسبي كما هي مفردات الحياة فحينا يأخذ شكل الاستقرار، وحينا يأخذ شكل التجديد و التطور وحينا يأخذ شكل الطاري ، الامر الذي يحتم ان تكون السياسة الجنائية الحديثة معتمدة على معايير قانونية لتلبي حاجات المجتمع بين المستقراخلاقا وعرفا و بين المصالح المتجددة و المستحدثة مراعية التوازن بين المصالح من جهة و بين نوع التجريم و مقدار العقاب و نوعه من جهة اخرى.
3-انـواع المـعايير القـانونية..
ولابد من معايير تعين الشارع في تقييم واختيار المصالح و من ثم تحديد نوع الجزاء و مقداره و هي كالاتي:- أ- المعيار التاريخي : اذ ان المشرع يقدر المصلحة من حيث نشأتها تاريخيا والاهداف التي يرمي اليها القانون عند فرض الحماية المقررة لها .
ب- معيار المثالية : و يستعين به المشرع عند التنازع بين المصالح الاجتماعية وتقدير ايهما اجدر بالحماية فالخير العام يعلو على المصالح الخاصة الفردية ويقتضي للأخيرة عدم تعارضها مع النفع او الخير العام .(62)
ج- المعيار المنطقي : وعلى اساسه تصاغ القوانين لغرض حماية المصالح وان القوانين لاتتضمن حلولا تفصيلية تعالج كل القيم والمصالح في المجال العملي ، والسياسة التشريعية تحمل نصوص القانون مبادى عامة ، وهناك تفصيلات تترك للقضاء عند التطبيق .(63)
د- المعيار العملي : ونقصد به وظيفة المشرع في البحث عن حلول عملية لتحديد معايير القيم والمصالح الاجتماعية ، وهذا الاتجاه نادى به روسكو باوند ، حيث يضع معيارا عمليا يتضمن اسباع اكبر قدر من المصالح بأقل تضحية ممكنة . وان هذا المعيار لايعني المساواة بين المصالح بقدر ما يعني التراتبية لها بحسب اهميتها فردية او مصالحا عامة .(64)
ه- معيار التضامن الاجتماعي : ونادى الفقيه ( ديجي ) صاحب فكرة التضامن الاجتماعي حينما اكد على حقيقتين هما طبيعة النسان وحاجته للجماعة ، فالانسان كائن لايمكن تحقيق حاجاته الا بعد انصهاره بالمجتمع ويضمن التضامن الاجتماعي صورتان:الاولى تضامن اشتراك.وثانيهما تضامن بتقسيم الاعباء .(65)وبالاستناد الى ما تقدم فلا يمكن ان تكون السياسة الجنائية الحديثة الا ان تكون مبنية على اساس معايير ثابتة ومتجددة تلبي حاجات المجتمع وتطوره ولا تكون عائقا او عبأ امام انسيابية حياة الافراد في المجتمع او ثقلا على كاهل السلطات في الدولة عن تطبيق او تنفيذ القانون ولا تفوت فرصة التمتع بكامل المصالح وعدم انتقاصها.
المطلب الثاني // تناسب التجريم والعقاب في ضوء المصلحة..
واستنادا الى مقتضيات السياسة الجنائية الحديثة انفة الذكر فأنها ولكي تكون فعالة ناجعة تتناغم مع اغراض القانون وضرورات العصر ، يجب ان تكون محققة للتناسب بين العقاب و التجريم بالاستناد الى المصلحة المحمية ، فضلا عن ان التناسب ضروري ايضا في مجال العقاب المخصص للشخص المعنوي مع السلوكيات المجرمة.
الفرع الاول // التناسب في ظل التضخم التشريعي..
يكتسب موضوع التناسب بين التجريم و العقاب اهمية خاصة في مجال السياسة الجنائية التي اضحت ترتكز على وظائف العقاب ، فضلا عن ان ضرورة كون التناسب نسبيا لا مطلقا . و في مجال العقوبات الادارية و خصوصية الجرائم المستحدثة التي تقابلها فان موضوع التناسب له ما يميزه بحسب طبيعة الجرائم و طبيعة الجزاءات الادارية المقررة لها وطبيعة الجهة التي تفرضها وطبيعة الغايات التي يتوخى تحقيقها.
اولا // تعريف التناسب..
ويعرف التناسب اصطلاحا بانه الاجراء المتخذ بالتوافق مع سبب القرار.(66) و في الاصطلاح القانوني يعرف التناسب بوجه عام بأنه تعبير عن الصلة التوافقية بين حالة معينة واخرى مناظرة لها نتيجة توازن مقبول بينهما .(67) اما في المجال العقابي فان التناسب يعني ان يكون العقاب متلائما مع الظروف الشخصية للجاني و الظروف الموضوعية للجريمة كي تأتي العقوبة ثمارها ووظائفها .(68) اذ انه ليس للمشرع ان يقرر عقوبة قاسية تجرح الشعور والضمير العام ، ولا عقوبة بسيطة لا تحقق اغراض القانون وتوفر الحماية كاملة ، و قد عبرت محكمة التمييز العراقية عن مضمون مبدأ التناسب في قرار لها انه ((لا ينبغي ان تكون العقوبة هينة بحيث لا يؤبه بها ، و لا تكن قاسية بغير مبرر ، اذ لا فائدة من عقوبة غير رادعة)) .(69) ومن مقتضيات مبدأ التناسب ان تكون العقوبة قابلة للتجزأة ، و قد عبر عنها البعض بالمرنة ، بحيث يمكن تحديد مقدارها بما يتناسب مع جسامة الجريمة و درجة خطورة الجاني.(70) ومبدأ التناسب يجعل العقوبة صالحة لتحقيق الاغراض المراد تحقيقها كالردع العام والردع الخاص ولتحقيق العدالة وتهدئة الشعور العام في المجتمع .(71)
ثانيا // معيار التناسب ..
ان وضع معيار محددا للتناسب يواجه صعوبات عديدة لان تحديده لا يخلو من الدقة نظرا لتعدد الامتيازات التي يجب مراعاتها للقول بالتناسب من عدمه ، لهذا السبب تعددت معايير التناسب فمنها المعيار الموضوعي والاخر المعيار الشخصي وهناك المعيار الوسط بينهما وهو المختلط . ووفقا للمعيار الموضوعي يجب ان يكون هناك تناسب بين جسامة الجريمة وجسامة العقاب ، اما المعيار الشخصي فيرتكز على ان يكون التناسب بين حافة السلوك المادي خطورة الاحترافية للجاني ، في حين ان المعيار المختلط الذي تبنته المدرسة التوفيقية التي حاولت التوفيق بين المعيارين السالفين من خلال السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي بحسب الواقعة المعروضة امامه ، وهذا الاخر هو اقرب للعدالة من خلال ملائمة العقوبة ومنح القاضي السلطة التقديرية لفرض العقوبة المناسبة في ظل ظروف الجريمة والجاني وخطورته الاجرامية. وفي مجال العقوبات الادارية وعلى سبيل المثال في الجرائم ذات الطبيعة المالية كالجرائم الضريبية والكمركية ، تبدو العقوبات سالبة الحرية لا تتناسب مع المصلحة المراد حمايتها والتي تخلص الى تغذية الخزانة العامة للمال ، وهذه الحماية تستوجب فرض عقوبات تتفق مع طبيعة تلك الجرائم التي تتسم بعدم السماح بهدر مصلحة الخزينة العامة والتسبب بضياع لأموال مستحقة سواء من خلال فعل التهرب او من خلال فرض عقوبة لا تسمح او تعرقل دخول اموال للخزينة العامة ، وخير دليل على ذلك عندما ذهب المشرع الى منح الادارة سلطة التسوية الصلحية كبديل عن العقوبات السالبة للحرية لان نتيجة التسوية هو دفع اموال مضاعفة للخزينة ، هذا من جهة ومن جهة اخرى عندما ذهب المشرع الى منح الادارة فرض عقوبات مالية كالغرامة لمواجهة هكذا جرائم ، فضلا عن العقوبات الادارية سالفة الذكر لجرائم مستحدثة اخرى ،كما في الغرامة الضريبية التي تفرضها الادارة بموجب المادة/56 الفقرة اولا / البند4 بنسبة 100%من الضريبة المتحققة على ان لا تزيد عن خمسائة الف دينارعلى المكلف الذي لم يقدم او يمتنع عن تقديم
تقرير ضريبة الدخل لغاية 31/5 من كل سنة .(72) الامر الذي يحد من التضخم التشريعي ويحقق اغراض القانون ويوفر حماية مثلى للمصلحة المستحدثة على وفق مرونة اسلوب الحماية ونجاعتها .(73)
الفرع الثاني // التناسب في ظل مسؤولية الشخص المعنوي ..
ان اقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي لم تزل تتجاذبها اراء الفقهاء بين القبول وعدها تطورا تشريعيا وبين الرفض كونها تراجعا خطيرا للفكر القانوني المعاصر ، وكل فريق يقدم ما يؤيد رأيه ويدحض الرأي المخالف ، ومن مؤيدي فكرة المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي الاستاذ donnedien ، بينما الرافض هو الاستاذ roux .(74) ومن اهم الافكار التي سيقت لاقرار المسؤولية ، أن الشخص المعنوي حقيقة واقعية وقانونية ولايمكن اعتباره فرضا قانونيا لا تتوافر فيه الشروط القانونية ، ذلك ان الشخص المعنوي كيان حقيقي قانوني اوجده المشرع ونظم نشاطه الذي يعد تجسيدا لإرادته التي هي ترجمة لارادات الاشخاص الطبيعيين الاعضاء في مجلس ادارته ، فضلا عن مساءلة الشخص المعنوي مدنيا وان كان الشخص المعنوي مسؤولا امام القضاء الجنائي . هذا من جانب ، ومن جانب اخر ان الشخص المعنوي وان كان من غير المتصور انطباق بعض العقوبات عليه لعدم تناسبها تماما مع طبيعته وغاية انشاءه كالعقوبات البدنية السالبة للحرية ، فان هناك عقوبات اخرى تتناسب مع طبيعة وغاية انشاءه كالغرامة والمصادرة وغلق المحل او سحب الترخيص..الخ.وهذه تتفق تماما مع الشخص المعنوي كيانا وطبيعة .(75) اما اقرار المسؤولية الادارية او مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم الادارية فهذا أيسر بكثير عن سابقتها المسؤولية الجنائية لاعتبارات عديدة منهاعدم تعارض العقوبات المفروضة عليه مع طبيعته ، فضلا عن ان اتيان الجريمة وقيام المسؤولية لا يحتاج كثيرا التحقق في الركن المعنوي للجريمة ، ذلك انها جرائم تتعلق بالإدارة العامة والمرفق العام ولا تمس عموم المجتمع وليست جريمة من الجرائم التي تمس الركائز الاساسية للمجتمع او دعاماته التي يقوم عليها ومن ثم التهديد بتقويض كيان المجتمع او الدولة. وغالبا ما تكون هذه الجزاءات الادارية ذات طبيعة مالية او جزاءات ادارية خاصة كسحب الترخيص او الغلق او وقف النشاط وهي جزاءات لاتخالف طبيعة الشخص المعنوي وتتطابق معها تنفيذيا .(76) اما ضرورة التمييز بين المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي والمسؤولية الادارية فهي هامة جدا ، لان الاخيرة يكون الخطأ فيها مفترضا وهو اساس المسؤولية وتكلف الادارة بتوقيع احدى العقوبات التي سبق وان ذكرناها وتتلائم معه تماما . اما ان تلازم الجرم الاداري بجرم جنائي ، فلا بد ان تحال الدعوى للقضاء لغرض البت بما هو جنائي وضمن الحق العام عما هو اداري يقع ضمن تكليف الادارة . وفي هذا السياق يشار الى مثال السيارة التي تقف ليلا في شارع مظلم ومفتقدة الى الانارة الامامية والخلفية فهذه جريمة ادارية ، اما ان تسببت هذه السيارة المظلمة الواقفة في شارع مظلم بحادث مع سيارة اخرى فتخضع الجريمة الى القضاء لان فيها جانب جنائي .نخلص الى القول ان المسؤولية الادارية للشخص المعنوي تنطلق من فكرة الخطأ المفترض كأساس للمسؤولية ، وهذا ما تقتضيه الحكمة من وجود الادارة والقانون الاداري وخاصة الاجراءات السريعة الفعالة الناجعة في فرض وايقاع الجزاء ، والا فوتت الكثير من المصالح او انتقصت بسبب ضعف او عدم وجود اساليب فرض الجزاءات الناجعة الفعالة .(77) وبناء على ماتقدم فان الشخص المعنوي ومسؤوليته الجنائية والادارية حقيقة قانونية قائمة لاغنى عنها بالنظر الى ما تتطلبه التطورات الاجتماعية والاقتصادية وتشعباتها ، بل ان التطور المذكور قد تطور الى ابعد من كونه تطورا ماديا محسوسا الى ان يكون تطورا الكتروبيا ورقميا دخل جميع مناحي الحياة وهذا مايعزز فكرة الشخص المعنوي ومسؤوليته عن كثير من الافعال والاعمال التي ينجزها على صعيد شبكة المعلومات العنكبوتية ومواقع التسوق الالكتروني وبطاقات الاعتماد والوفاء الالكترونية وغيرها.
المطلب الثالث // مبررات العقوبات الاداريـة..
تتميز السياسة الجنائية بأنها غائية ونسبية وسياسة متطورة ، وهذا التطور يكون بناء على تأثر السياسة الجنائية بعدة عوامل تتحكم في تحديدها وتوجيهها ، وفي مقدمة العوامل طبيعة النظام السياسي للدولة والمشكلات التي تواجه المجتمع فضلا عن التغيرات التي تعتريه ، والتي تدفع به الى التطور .(78)وبناء على ما تقدم فان المبررات التي دعت الى اعتماد العقوبات الادارية كنتيجة للتطور الذي اتسمت به السياسة الجنائية خاصة والتشريعية عامة ، وهي اما مبررات غائية تنطلق من اهداف التجريم والعقاب ، او مبررات اخرى موضوعية واجرائية سنأتي عليها تباعا.
الفرع الاول // المبررات الغائية..
فضلا عن الاسباب التي ادت الى نشوء العقوبات الادارية انفة الذكر ، فان مبررات اعتماد هذا النوع من العقوبات هي مبررات غائية اومبررات موضوعية او اجرائية ، وفي هذا الموضع من البحث سنتوقف عند المبررات الغائية والتي تتمثل بعدم كفاية الحماية الجنائية . ذلك ان الجزاءات الجنائية كما هي ضرورة تأريخية املتها طبيعة المصالح اللصيقة بالفرد من جهة وبالمجتمع من جهة اخرى ، ونقصد بذلك اي فرد ككائن بشري مجرد عن كنهه او وظيفته ، والمجتمع نقصد به اي مجتمع انساني بكل ما يحمله من المعاني الاجتماعية والانسانية التي تنسجم مع الطبيعة والفطرة السليمة فانها أي الجزاءات الجنائية تنسجم مع طبيعة المصالح التي هي ساندة للمصالح الاساسية التي يدعوها بعض الفقه ركائز وهي المصالح الداعمة لها ونقصد بها المصالح التي تتمثل بكمال المجتمع والفرد وارتقائهما .(79) ان هذه الجزاءات الجنائية بطبيعتها القضائية تحمي المصالح وتحقق الردع العام والردع الخاص من جهة ، ومن جهة اخرى اصلاح الجاني ، فضلا عن انها وكونها قضائية ولها سماتها الموضوعية والاجرائية المعروفة لا تتعارض مع ضمانات المتهم وبكل مراحل الدعوى ومرورا بصدور الحكم وانتهاء بتنفيذ العقوبة .وبناء على ما تقدم فان هذه الجزاءات وبحكم طبيعتها التي تتلائم وتتناسب مع المصالح انفة الذكر ، فانها لم ينظر اليها بذات القيمة عند حمايتها للمصالح المصطنعة او المستحدثة المتجددة التي ارتبطت بنشاط الدولة والادارة العامة سواء على صعيد النشاط المرفقي او الخدمي بكل انواعه المالية والمصرفية والتنظيمية والخدمية ، ذلك ان هذه المصالح اما ان ترتبط بتقديم خدمة من الادارة بمقابل نقدي او مالي يدفعه الفرد ، او ترتبط بممارسة نشاط اقتصادي او مالي له الاثر البالغ في التعاملات الفردية اليومية التي املتها الحياة المعاصرة ، او انها ترتبط بامور ونشاطات تنظيمية تمارسها الادارة ، وهذه المصالح المستحدثة ولغرض حمايتها لابد ان يضمن المشرع ديمومتها وأنتظام وإضطراد دون تأخير او إنتقاص ، لان في التأخير والانتقاص إعاقة للحياة العصرية على الصعيد الخدمي والتنظيمي والاقتصادي والمالي ، ومن ثم يترتب على ذلك فوات استحصال للمبالغ النقدية او المالية التي تدخل خزانة الدولة وهذا بحد ذاته مصلحة ايضا تعود للمجتمع اولا وللفرد ثانيا بعد تدويرها الى خدمات وتستحق الحماية القانونية . الامر الذي يترتب عليه عدم نجاعة الجزاءات الجنائية التي يصدرها القضاء وذلك لتناسبها مع المصالح الرئيسة للفرد والمجتمع – الركائز- وعدم تناسبها مع المصالح المستحدثة للفرد والمجتمع – الدعائم- من جهة ومن جهة اخرى ان اجراءات التقاضي لابد وان تحفظ للفرد ضمانات لحقوقه الاساسية وتحفظ للمجتمع حقه في سيادة القانون وهذا الامر يحتاج الوقت اللازم ، فضلا ان اغراض الجزاء الجنائي هي ليست ذات الاغراض التي يهدف اليها الجزاء الاداري بحسب طبيعة المصلحة المراد حمايتها. ومن ذلك ما نصت عليه المادة (482) الفقرة ثانيا من قانون العقوبات العراقي رقم111 لسنة1969 عندما يعاقب بالحبس وبالغرامة او باحداهما لكل من يتسبب بتسميم سمك في الحوض او النهراو غير ذلك بطريقة المتفجرات او المواد الكيميائية او غير ذلك بالوقت التي تعاقب فيه المادة (21) اولا /1 من قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم3 لسنة1997 بالغرامة لا تقل عن خمسين الف دينارولا تزيد عن مائتين وخمسين الف دينارـ شهريا ـ اي بتكرار المبلغ لكل شهر لحين ازالة المخالفة . ومنها ايضا ما ذكر بالمادة (19) من القانون المذكور التي تتعلق بتلويث البيئة والمياه والاحياء المائية ، فضلا عن العديد من الجزاءات الادارية في القوانين الخاصة التي تقيد قانون العقوبات من حيث التجريم والجزاء ، ذلك ان الجزاء الاداري المخصص لهذه المصلحة المستحدثة يكون اكثر تحقيقا للحماية القانونية من القانون العقابي العام .
الفرع الثاني // المبررات الموضوعيـة والاجرائيـة..
فضلا عما تقدم بيانه ، فان هناك مبررات موضوعية واخرى اجرائية تسهم في اعتماد هذه العقوبات.
اولا // إدامة المصلحة وتفادي الخسائر المالية..
مع تطور السياسة العقابية تطورت مفاهيم وظيفة العقوبة بحيث أصبحت لا تقتصر على الردع العام والخاص،بل تتعداه الى تحقيق العدالة وسيادة القانون في المجتمع ،(80) ولا يخفى ان العدالة مفهوم واسع وكذا الحال سيادة القانون ، اذ يمتد هذا المفهوم ليشمل ادامة وصيانة المصالح تحت ظل الدولة وحمايتها ، ذلك ان مفهوم الدولة الحديث وكما سبق وان اشرنا الى ذلك ، تطور ليشمل تقديم الخدمات اللازمة لتطور كماليات المجتمع ، فضلا عن التنظيم . ويذكر ان الاتجاه المعاصر في وظيفة العقوبة ذهب الى تحقيق سبل الوقاية من الجريمة ووسائل التكافل الاجتماعي ضد الجريمة ، فضلا عن تحقيق ديمومة تقديم الخدمات العامة للأفراد وتنظيم مرافق الحياة العصرية . وحيث ان الجزاءات المالية التي تفرضها الادارة تمتاز بسرعة الاجراءات حيث يحرر محضر بالمخالفة من قبل رجل الادارة المفوض قانونا بفرض العقوبة ومن ثم يكون تحرير المحضر بحدود الاصول الادارية القانونية التي تضمن سلامته من حيث صاحب الاختصاص المفوض بفرض العقوبة وصحة حصول الواقعة وانطباق العقوبة المقررة لها ، فانها اي العقوبة المالية او العقوبات الادارية الاخرى تتناسب مع طبيعة المصالح التي تنالها الجريمة ، فضلا عن ان هذه الجزاءات الادارية تقابل بالضد من الفائدة التي يرجو مرتكب الجريمة الحصول عليها ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر ان فرض العقوبة الادارية اجراء سريع لايمرباجراءات الدعوى الجزائية او غيرها ، الامر الذي يجنب تلكؤ تقديم الخدمات التي تتولى الادارة مباشرتها والذي يتسبب بفوات فرصة الحصول على اموال تدخل خزانة الدولة لإعادة تدويرها الى خدمات والتي ممكن ان تصاب بالخطر او الضررالمتمثل بالتلكؤ الذي يصيب المصلحة جراء المساس بها . ذلك ان اغراض العقوبة الادارية نفعية تتمثل بالدفاع عن المصالح المستحدثة . فضلا عما تقدم فان في بعض الجرائم الضريبية وعندما يتأخر المكلف بدفع الغرامة ، فان المشرع قد فرض فائدة مصرفية على مبلغ الضريبة المتأخر عن تسديده بالرغم من التبلغ بدفعها على ان يعادل مقدارها الفائدة الضريبية السائدة على تسهيلات السحب على المكشوف على مبلغ الضريبة من تاريخ تحقق تسديده وفقا لقانون ضريبة الدخل ولغاية التسديد من قبل المكلف. (81)
ثانيا // سرعـة الاجراءات وخفض التكاليف..
ويقصد بها اختصار الزمن الذي تستغرقه اجراءات التقاضي ، فضلا عن الزمن الذي تستغرقه العقوبات السالبة للحرية ، فضلا عن التكاليف والنفقات التي تلحق بالخزانة العامة جراء ما تستهلكه الادارة في سبيل تسييرخدمات السجون والاصلاحيات ، والتخفيف عن كاهل العدالة الجنائية عن طريق تحويل الاجراءات الى اساليب اخرى غير جنائية اقل تسببا بالاحتدام الاجتماعي واكثر فاعلية للمجتمع والدولة .(82) فضلا عن الحاجة الى الاتجاه الى العدول عن الجزاء الجنائي الناتج عن التضخم التشريعي والركون الى بدائل الجزاء الجنائي .(83)
ثالثا // رقابـة القضاء..
وفي حالة اعتراض الفرد على العقوبة المفروضة عليه بقرار اداري يمكنه اللجوء الى القضاء الاداري وهناك طريقان يحكمان هذه الحالة بحسب القانون وهما :ـ
1- اللجوء الى القضاء ويحاكم عن نفس السلوك الذي سبب الجريمة التي عوقب عليها اداريا كما في قانون العقوبات الالماني .
2- ان يعترض امام القضاء الاداري وعلى القاضي ان يمحص اجراءات فرض الجزاء ووجود المخالفة من عدمه وتناسب العقوبة . وللقاضي اما ان يلغي الجزاء او يعدله كما في قانون العقوبات الاداري الايطالي (84).وضمانات استقلال وحياد القضاء نص عليها بالمادة 6/1 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان وكذلك الاتفاقيات الحقوقية والاعلانات العالمية واخرها اعلان الحقوق والحريات الاساسية الصادرة عن البرلمان الاوروبي في12/4/1989 من حيث توفر ضمانات اللجوء الى القضاء في مجال العقوبات الادارية عند رفض قرار العقوبة من قبل الشخص المعترض امام المحكمة من الدرجة الاولى اوالاستئناف بحسب الاحوال (85).والمفاجئ ان محاكم الاستئناف في مقاطعة(ساسكاتشوان) لا تستعمل بشكل واسع مراجعة الجزاءات الادارية واحيانا تستعين محاكم الاستئناف بأماكن اخرى للمراجعة كما في كندا واستراليا فان استعمال حق المراجعة والنقض واسعا في الجزاءات الادارية. (86) وفي القانون الاداري الكندي لا يبدو واضحا في اي مستوى للقضاء يجب ان يسمع الاعتراض على القرارات الادارية (87) ان هذا الطريق الاداري يعد احد مبررات اعتماد العقوبات الادارية من حيث ضمان فاعلية العقوبة من حيث السرعة وخفض التكاليف والتناسب مع طبيعة المصلحة والجريمة المقترفة وكذلك غلق ابواب الاحتجاج بعدم شرعية العقوبات الادارية او عدم خضوعها للمبادئ العامة للتجريم والعقاب. والاعتراض يمكن ان يستند على القرار الحقيقي والذي يؤدي الى كثرة الاستئنافات والتأجيل والتأخير والتكاليف المالية. (88)
المبحث الثالث // الضمانات القانونيـة في ضوء اشكاليات العقوبات الاداريـة..
كان لفكرة المسؤولية المادية للجريمة الادارية اهمية خاصة ، حيث ان القوانين التي تأخذ بهذا النظام القانوني اي قانون العقوبات الاداري ،قد اضفت على بعض الجرائم الادارية الصفة المادية والتي تعني تحقق المسؤولية القانونية على مجرد تحقق الركن المادي للجريمة دون الحاجة للتثبت من وجود الركن المعنوي اواثبات الخطأ . لذا فان الطبيعة المادية للجريمة الادارية هي السمة المميزة لهذا النوع من الجرائم ، هذا من حيث الجريمة ، اما من حيث الجزاء الاداري فهو تدبير وقائي وهذا ما يحدد الطبيعة القانونية للعقوبات الادارية والذي سنسلط الضوء عليه في المطلب الاول ، اما اشكاليات وضمانات العقوبات الادارية فسنبحثه في المطلب الثاني .
المطلب الاول // الطبيعة القانونية للعقوبات الادارية..
ان الجرائم المادية عند بعض الفقه ينص عليها في القوانين الخاصة، التي يراد منها حماية المصالح المادية المستحدثة والتي لا يعد المساس بها دائما محلا للاثم او لاستهجان الضمير العام ، ولا يعاقب على تلك الطائفة من الجرائم الا لكونها تقع مخالفة لما نص عليه القانون ، بعكس الحال الجرائم التي نظمها قانون العقوبات العام التي تعد ماسة بالضمير العام ومستهجنة اجتماعيا . ويترتب على ذلك ان معيار تحديد الجريمة المادية ومعيار الجريمة الادارية يتأسس احيانا على جسامة العقوبة الجنائية ، بمعنى ان بعض الجرائم الادارية في اصلها كانت جرائم جنائية مقررا لها عقوبة غبر جسيمة او غير مناسبة تماما واغفل المشرع بشأنها بيان الركن المعنوي ، اي انها جريمة ذات طابعا ماديا .(89) فضلا عما تقدم فان محل التجريم يعد معيارا للجريمة المادية قريب الصلة ببعض الجرائم الادارية ، كما في الجرائم السلبية كجرائم الامتناع التي يكفي لوقوعها مجرد اتخاذ نشاط سلبي كما في عدم الاعلان عن الاسعار في جرائم التموين او عدم تقديم الاقرار الضريبي في الموعد المحدد إن إضفاء الصفة او الطبيعة المادية للجريمة الادارية كان ذلك نظرا للحاجة الى هذا النوع من الجرائم الى تحقيق الردع السريع والفعال الذي لا يمكن تحقيقه الا بالجزاء الاداري الذي لا يتطلب اثبات الخطأ.اما من ناحية الجزاء الاداري فهو تدبير وقائي يراد به اتقاء الاخلال بالنظام العام التي ظهرت بوادره وخفيت عواقبه ، فالغرض من فرض الجزاء الاداري هو وقاية النظام العام وهو اسلوب يختلط فيه التدبير بالتنفيذ وسمي جزاء كونه فيه مساسا خطيرا بحرية الافراد او مالهم اونشاطهم ، وهذا المعنى وان اشترك مع الجزاء الجنائي القامع ، الا ان الجزاء الاداري الوقائي ينطوي على امر اخر ، وهو ردع مصدر التهديد ، فلا يمكن الاضرار بالغير.(90) وحيث ان عمومية تطبيق القانون ونفاذه يعد دليلا على التقارب بين الجزاء الاداري والجزاء الجنائي وهذا يعني ان كليهما يفرض على المخالف بمجرد وقوع المخالفة القانونية ، بغض النظر عن وجود رابطة قانونية متميزة ،(91)أي مايربط الادارة بصاحب الشأن . وحقيقة الامر على الرغم من التقارب بين الجزائين الاداري والجنائي ، الا ان الفارق الاهم هو ان الجهة التي تفرضهما مختلفة ، فالإداري تفرضه الادارة والجنائي تفرضه المحكمة . الا ان ذلك لا يمنع ان تكون العلاقة بينهما تكاملية تستوجب وجودهما جنبا الى جنب ، دون الاستغناء عن احدهما ، ذلك لقدرة الجزاء الاداري تفادي مثالب الجزاء الجنائي في مواجهة الجرائم المستحدثة (92). فضلا عن تجنيب ما يسوء سمعة الفرد والاسرة عند فرض الجزاء الجنائي ولاسيما في المخالفات البسيطة التي لا تدل على خطورة اجرامية لدى مقترفها .(93) ان القوانين الخاصة ومنها القانون الضريبي وقانون المرور وغيرها تنظم العلاقات بين الادارة والافراد وهذه بطبيعتها تختلف عن تلك القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الافراد مع بعضهم اذ ان الاخيرة تؤسس على مبادئ المساواة و سلطان الارادة و احترام السلامة البدنية والخلقية واموال الغير ، اما العلاقة بين الادارة والافراد فتقوم على اساس القهر . ونتيجة لذلك يكون على الاشخاص الطبيعيين والمعنوية ان تخضع للقانون وتتجنب مخالفته ، وان القوانين التي تؤسس على عنصر القهر تؤدي الى اختلافها من حيث القيمة القانونية عن النصوص المطبقة في المجالات التي تنظم العلاقة بين المواطنين .(94) الامر الذي يعني ان العبرة في ما هو جنائي او اداري يجب ان يرتكز على الطبيعة القانونية الآمرة التي يخاطب بها الافراد بدون التركيز على طبيعة الجزاء الذي تقرره لمخالفتها ، ولا يهم ان يكون الجزاء جنائيا او غير جنائي ، اذ انه يجب التعويل على ما تكشف عنه طبيعة القاعدة القانونية ، فان كانت جنائية خضعت للقانون الجنائي ،اما ان كانت ادارية خضعت للقانون الاداري الامر الذي يترتب عليه ان من يخالف قاعدة قانونية ادارية يخضع الى القانون الاداري في مواجهة الادارة مباشرة وليس مجرما بالمعنى المفهوم في القانون الجنائي .(95) وعلى الرغم من ان الاتجاه المتقدم ذكره تعرض للنقد بزعامة الفقيه الايطالي rocco تتاسس على كون الادارة وان كانت تمارس نشاطا يتولى القانون حماية المصالح المترتبة عليه ، فان ذلك ليس من شأنه ان يسلبها الخضوع لقانون العقوبات الجنائي و تدخلها في نطاق قانون العقوبات الاداري .الا ان الحقيقة ان كلا الرأيين المتناقضين قد تعرضا للنقد ونقصد بذلك الراي الذي يذهب الى الجرائم الادارية هي من طبيعة جنائية ، او الراي الذي يذهب الى انها ذات طبيعة ادارية ، ونعتقد ان الجرائم الادارية ذات الطبيعة خاصة تتناسب مع طبيعة المصالح محل الحماية الادارية ، ولا نميل الى كونها جرائم جنائية ، ذلك انها على الرغم من خضوعها لمبادئ جنائية في التجريم والعقاب ،الا انها تنفرد بقواعد خاصة بها كما في عدم وجود الشروع والمساوة بين العمد والخطأ غير العمدي ، الامر الذي نعتقد هان الجرائم الذي تنظمها قوانين العقوبات الادارية هي جرائم ادارية تحمي مصالح تنظيمية اقتصادية خدمية.
المطلب الثاني // إشكاليات العقوبات الاداريـة ..
وبالاستناد الى طبيعة العقوبات الادارية وطبيعة المصالح التي تنظمها ، والجهة التي تفرضها ، فانها لا تخلو من اشكاليات تعتري فرضها وتنفيذها ، وتتمثل في مدى خضوعها لمبدأ الشرعية الجزائية ، فضلا عن كون الجهة التي تفرض العقوبة الادارية هي الادارة ، هل هناك اعتبار لمبدأ الفصل بين السلطات ؟ هذا ما سنتوقف عنده في ما يلي .
الفرع الاول // العقوبات الاداريـة ومبدأ الشرعية الجزائيـة..
لما كان مبدا الشرعية الجزائية يعني ان لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون ، وهو المبدأ الاهم لحماية حقوق وحريات الافراد ونصت عليه المواثيق الدولية والدساتير الوطنية وقوانين العقوبات الجنائية . بمعنى ان مبدا الشرعية الجزائية يتضمن مفهوم شكلي يتمثل بتحديد الجرائم والجزاءات المقررة لها ، ومفهوم موضوعي يتمثل بتحديد معايير التجريم ، وبالتالي يترتب على إعمال مبدا الشرعية التزامات تقع على عاتق كل من المشرع والقاضي والفرد وكالاتي :-
أولا // التزامات المشرع..
وتتمثل بواجب المشرع بالتحديد الدقيق لعناصر السلوك الاجرامي ، فضلا عن عدم السماح برجعية القوانين الى الماضي الا بنصوص استثنائية وبأضيق الحدود ، فضلا عن التحديد الدقيق للجزاء ووصفه ورسم حدوده العليا او الدنيا او بدائله ، وكل ما تقدم ذكره يكون ضمن اجراءات شكلية لسير الدعوى الجزائية واختصاصات اجهزة القضاء التي تكفل حماية حقوق وحريات الافراد بمحاكمة عادلة .وعلى اية حال ذكرت احدى المحاكم الكندية ان مزيد من القواعد الاساسية للقانون الاداري هي من مضمون قواعد العدالة الطبيعية التي تمنح وتفرض الاعلان الواضح المحدد للأطراف وفرصة العلم والسماع بالقرار. (96)
ثانيا // التزامات القاضي..
لما كان واجب المشرع ينصرف الى تحديد عناصر السلوك ، فان واجب القاضي يتمثل بتكييف الوقائع ومدى انطباقها على النصوص للتوصل الى وصف الجريمة ، فضلا عن تحديد الجزاء الذي يناسب الوصف القانوني استنادا للنص الجزائي ومن ثم التوصل وتفريد العقاب ومن ثم تحديد العقوبات التكميلية المناسبة استنادا للنص .
ثالثا // التزامات الافراد..
وتتمثل بعلم الافراد بالقانون الصادر اعتبارا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية بعد المصادقة عليه من رئاسة الدولة . ولا يعتد بالاعتذار بالجهل بالقانون إعمالا لمبدأ الشرعية الجزائية .(97)وبالاستناد الى ما تقدم وحيث ان العقوبات الادارية تمس حقوق وحريات الافراد ،فلابد من خضوعها لمبدأ الشرعية الجزائية ، والا فلا يمكن اعتماد مبدأ الشرعية الجزائية على الجرائم الجنائية واهمال المبدأ في الجرائم الادارية ، اذ لا عبرة بطبيعة الجريمة والجزاء طالما يمس الاخير بمصالح تتعلق بحقوق وحريات الافراد . بمعنى هل يكون القانون الاداري بالمعنى الشكلي انف الذكر ، اي تحديد الجرائم الادارية والجزاءات والمقررة لها بنص ، ام يكون الامر بالاستناد الى تعاون السلطتين ، التشريعية تضع قواعد التجريم وتترك للسلطة التنفيذية (الادارة) تحديد عناصر السلوك الاجرامي تحت مسمى السلطة الممنوحة بالتفويض التشريعي الذي يستند الى اساس دستوري . وكنموذج لقانون العقوبات الاداري فان القانون الالماني حرص على النص مبدأ الشرعية في المادة (1) من قانون owig الصادر في 2 يناير 1975 بنصها على الاتي (( كل عمل غير مشروع يتكون من فعل منصوص في قانون يعاقب على ارتكابه بغرامة ادارية )) . كما ان المادة (3) من القانون ذاته تنص على (( يعاقب عن فعل كونه غير مشروع اداريا ، اذا ما كان العقاب منصوصا عليه في قانون مطبق قبل وقوع الفعل )) .(98)ويقصد مما تقدم ان القانون المقصود بمفهومه المادي كونه صادر كمساعدة قانونية سواء شرع من السلطة التشريعية او التنفيذية ، وتحدد الجرائم بواسطة القوانين او الانظمة او اللوائح والتعليمات . الامر الذي كثيرا ما يؤدي الى انطباق اكثر من نص على السلوك الاجرامي سواء اكان جنائيا او اداريا.اما قانون العقوبات الاداري الايطالي وبالاستناد الى المادة 25/2 من الدستور الايطالي وقانون العقوبات الجنائي فقد اشار الى ان قانون العقوبات الاداري رقم 689 لسنة 1981 حريصا على النص على مبدأ الشرعية في المادة (1) بقوله (( لا يخضع احد لجزاءات ادارية الا طبقا لقانون معمول به قبل وقوع الخرق ولا تطبق القوانين التي تقرر جزاءات ادارية الا على الحالات التي تقع بعد صدورها ))(99) . ويسري هذا النص على القوانين الاتحادية وقوانين الاقاليم .واستنادا الى ما تقدم يتضح ان مبدأ الشرعية الجزائية لا يتحدد نطاقه على الجرائم الجنائية ، وانا يشمل العقوبات الادارية ، اما بشكل صريح على النص على الجرائم ضمن قواعد جنائية متضمنة عناصر السلوك والعقاب ، او النص على الجرم كقاعدة عامة وترك تفاصيل تحديد العناصرالمكونة للجريمة الى السلطة التنفيذية استنادا الى التفويض التشريعي .اما في الانظمة القانونية التي لا تتبنى نظام العقوبات الاداري بقانون خاص كمصر والعراق وفرنسا ، فان الامر لا يكاد يختلف عما هو عليه الحال في التشريع الالماني والايطالي ، حيث ان التشريعات الادارية الخاصة كالقانون الضريبي والكمركي والبيئي والمرور والبلدية وغيرها تستند بالتجريم الاداري والجزاء المترتب عليه الى قواعد قانونية بالنص عليها مباشرة او تستند على الادارة بوضع وتحديد عناصر التجريم لكونها تنال مصالح متغيرة او قابلة للتغيير فتكون الادارة اكثر دراية من غيرها بتحديدها وتعديلها بالاستناد الى التفويض التشريعي الذي هو احد المبادئ الدستورية المهمة التي تتبناها كافة الدساتير.
الفرع الثاني//العقوبات الادارية ومبدأ الفصل بين السلطات..
يثار كثيرا عندما تفرض الادارة عقوبات ادارية على مخالفة معينة في اطار القانون ان النشاط القانوني للإدارة المتمثل بفرض العقوبات الادارية يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ، ذلك ان الاصل هو ان القضاء يفرض العقوبة ضمن اجراءات قضائية محدودة ، لذا فان مجلس الدولة الفرنسي حسم الخلاف الذي نشب في هذا الشأن عندما اقر بأن مبدأ الفصل بين السلطات لايعد عقبة امام سلطة الادارة بفرض العقوبات الادارية بحكم القانون سواء من حيث ممارسة الاختصاص القانوني المتمثل بفرض العقوبة او من حيث فرض الجزاء وايقاعه وتنفيذه وذلك من ناحيتين:
الاولى // ان العقوبات التي تفرضها الادارة لا تتعلق بسلب الحرية..
الثانية // مراعاة الضمانات الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات..
الا ان هناك ناحية ثالثة وهي التي تتعلق بكون الادارة عند فرض الجزاء الاداري على المخالفة المرتكبة تراعي تناسب العقوبة مع المخالفة بحكم القانون وتحت رقابة القضاء ذلك الامريخفف الاعباء عن القضاء من ناحية ويحقق سرعة الانجاز من ناحية ثانية ونجاعة الردع ثالثا فضلا عن توفيرحماية امثل واكمل.(100)ويمكن تبرير ذلك ايضا من خلال ان المحكمة الادارية تستند في تبرير مسلكها ذاته على التفرقة بين الحق باعتباره الهدف الذي يسعى الفرد الى تحقيقه ونين المطالبة بالحق باعتباره الوسيلة . وخلصت الى ان الوسيلة قد تختلف طالما ان الحق مصان ، وعلى هذا الاساس قضت المحكمة الادارية العليا في حكم لها بتاريخ 8 يونيه 1957 بالاتي (( الغاء الوسيلة القضائية ليس معناه الغاء اصل الحق ذاته ، ذلك انه يجب عدم الخلط بين اصلين لا تعارض وهما :
اولا // الحق ووسيلة المطالبة شى اخر ، ثانيا : ان الحق هو الذي يحدد وسيلة المطالبة بالحق ويعين الجهة التي يلجأ اليها صاحب الحق لأقتضاء حقه ، قضائية كانت هذه الجهة او غير قضائية )) . هذا من جانب ، ومن جانب اخر قضت بالاتي (( من المسام كأصل دستوري ان القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويحدد نطاق ولايتها ويوزع الاختصاص بينها ، كما انه الذي يقرر الحقوق ويحدد وسائل المطالبة بها قضائية كانت او غير قضائية ولا يلزم ان تكون الوسيلة قضائية اوان تكون قضائية على وجه معين كطلب الالغاء او وقف التنفيذ دون وجه اخر كطلب التعويض . بل ان المراد في ذلك كله الى ما يؤتبه القانون ويحدده بالشروط والاوضاع التي يقررها لأنه الاداة الدستورية التي تملك ذلك كله في حدود الدستور وبغير خروج على مبادئه …)). (101)
المطلب الثالث // العقوبات الاداريـة والضمانات القانونيـة..
ولا بد للعقوبات الادارية ان تخضع للمشروعية ، الامر الذي يحقق ضمان حقوق وحريات الافراد عند فرض العقوبة ، وهذه الضمانات تنقسم الى ضمانات موضوعية واخرى اجرائية .
الفرع الاول //الضمانات الموضوعيـة..
وتتمثل الضمانات الموضوعية بالرقابة على الشرعية الجزائية للعقوبات الادارية من خلال الرقابة على التفويض التشريعي وتحقيق التناسب بين العقوبة الادارية والمخالفة.
أولا // الرقابـة على التفويض التشريعي في قانون العقوبات الاداري..
لما كان الاصل في التشريع اناطته بالسلطة التشريعية ، فان التفويض التشريعي يعد الاستثناء على ذلك والى ذلك اشار الدستور العراقي لعام 2005 في المادة ( 80/ثالثا ) وكذا الحال المادتان (108) و(147) من الدستور المصري السابق 1971 . ولما كان التفويض التشريعي يمنح السلطة التنفيذية سلطة تحديد عناصر التجريم دون انشاء جرائم ، فهل يجوز وتحت اطار التفويض التشريعي انشاء جرائما جديدة ؟ لقد حدد الدستور الفرنسي ذلك من خلال المادتين (34 ، 37 ) من دستورعام 1958وكذا الحال في المادة (380) من قانون العقوبات المصري حينما تسمح للسلطة الادارية بإنشاء المخالفات . اما الدستور العراقي النافذ فقد اشار صراحة الى التفويض التشريعي في المادة (80/ثالثا)، وعند الامعان في نص المادة (19/ثانيا ) منه عندما نصت بانه (( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص )) ولم يذكر بقانون وذكر بنص ، اما المادة الدستورية المشار ايها انفا فتنص على صلاحيات مجلس الوزراء باصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين ، اما قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 فلم يشرالى ما اشار اليه قانون العقوبات المصري عندما منح السلطة التنفيذية صلاحية انشاء مخالفات ، والثابت هو اختصاص الادارة بتحديد عناصر التجريم بالاستناد الى القوانين الخاصة التي تحدد الجرائم ونظرا للانتقادات التي تعرضت لها المادة (34) من دستور فرنسا المذكور لجأ المجلس الدستوري الفرنسي الى الافتاء بتحديد السلطة التنفيذية في الدولة باختصاص انشاء المخالفات فقط دون ان يكون العقاب سلبا للحرية .(102) ونعتقد ان اتجاه المشرع العراقي بتحديد المخالفات بشكل عام سواء بقانون البلديات او قانون المرور او القوانين الخاصة هو بحد ذاته التزاما بالشرعية الجزائية سواء تحت مظلة قانون العقوبات الجنائي اوقانون العقوبات الاداري ، وان كان المشرع العراقي لم ينظم العقوبات الادارية بنظام خاص كما هو عليه الحال في التشريع الالماني والايطالي ، فالمشرع العراقي في القوانين الذكورة وغيرها يحدد الجزاءات ويذكر الافعال او يترك تحديدها الى السلطة الادارية . الامر الذي يبين اهمية التفويض التشريعي في العقوبات الادارية منعا من تعسف الادارة في خلق جرائم وتصبح هي الاصل بينما هي استثناء وتبقى استثناء.اما التفويض بمعنى تحديد عناصر التجريم فهو يعد اختصاص اصيل للسلطة التنفيذية والادارة بعد النص عليه دستورا وقانونا .ويبدو ان سلطة الادارة العامة عندما تمارس مهمة التفويض التشريعي الممنوح لها هي اقدر على تحديد حاجات ممارسة النشاطات الادارية المختلفة وسبل حمايتها وبالتالي تمنع اشكال الافعال التي تنال منه .وتكون رقابة القضاء على التفويض التشريعي الممنوح للإدارة من خلال الشكل والموضوع .من خلال الشكل يراقب القضاء مشروعية اصدار اللوائح الانظمة والتعليمات من حيث خضوعها للقانون ومن حيث ممارسة الاختصاص في اصدارها .اما رقابة القضاء على الموضوع فيجب ان تصدر اللوائح والانظمة والتعليمات والقرارات دونما تعديل او تعطيل او تجاوز على احكام القانون .(103)
ثانيا // الرقابـة على مبدأ تناسب العقوبـة..
ومن الضمانات المهمة في مجال قانون العقوبات الاداري مبدأ تناسب العقوبة شأنه شأن القانون الجنائي ، فلا بد من مراعاة الجهة الادارية عند فرضها العقوبة تناسبها مع المخالفة المرتكبة ، وان كان الغلو في الجزاء ينافي العدالة الاجتماعية ، والى ذلك ذهبت المحاكم الادارية فية القضايا المرفوعة امامها لكبح جماح وغلو وتعسف الادارة بالجزاءات التي تفرضها.ويترتب على مبدأ تناسب العقوبة التزامان اساسيان هما ( المعقولية وعدم التعدد) اي المعقولية في اختيار الجزاء الاداري والتزام بعدم تعدد العقوبات الادارية المفروضة على مخالفة واحدة .ان التزام المعقولية يفرض ان يكون الجزاء على قدر خطورة الفعل الماس بالمصلحة المحمية وقدر المنفعة التي حققها المخالف .اما التزام بعدم تعدد العقوبات الادارية المفروضة على المخالفة الواحدة فلا يشمل تعدد العقوبات او جمعها على ذات الواقعة ان كان كل منهما ينتهي الى نظام قانوني مخالف للأخر كالجنائي والاداري فضلا عن ذلك ان كان الجزاء المزدوج لأكثر من نظام قانوني فيجب ان لا يزيد عن الحد الاقصى المقرر لاحدهما . كما يجب ان يقترن الجزاء الجزاء الاداري الاصلي بجزاء تكميليا او تبعيا طالما كانت الادارة مرخصة تشريعيا بذلك ، كما في ازالة البناء المخالف يقترن بجزاء مالي اخر كأن تكون الازالة على نفقة المخالف وكذلك سحب رخصة القيادة مع حجز المركبة في مخالفة مرورية .(104)
الفرع الثاني // الضمانات الاجرائيـة ..
وتتمثل الضمانات الاجرائية بالضبط والتحقيق وحق المواجهة والدفاع ، فضلا عن اعلان العقوبة واللجوء للقضاء.
أولا // الضبط والتحقيق في الجرائم الادارية..
ان ضبط الجريمة الادارية يختص فيها عضو الادارة المكلف بهذا الواجب والتحقيق فيها واعلان الجزاء وتنفيذه ، وان حصر هذا الاختصاص بالمقارنة مع الجرائم الادارية بيد شخص واحد يمثل الادارة تفرضه الحاجة الى سرعة الحسم وفعاليته التي تفرضه طبيعة المصالح المحمية والتي سبق وان اشرنا اليها . ان تحديد عضو الضبط الاداري واختصاصه يكون من خلال القانون الذي يحدد الجهة الادارية المختصة بالضبط والتحقيق وفرض وتنفيذ العقوبة الادارية وعضو الادارة بحسب منصبه ووظيفته ، كما في قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم 21 لسنة 2008 العراقي المعدل وكذلك قانون البلديات رقم 165 لسنة1969 المعدل وغيرها حينما يحددان الجهة الادارية المختصة بضبط الجرائم والمنصب الوظيفي للموظف المختص سواء أكان محافظا او مديرا للبلدية . وكذا الحال في قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم21 لسنة 1964 العراقي المعدل وقانون المرور وقانون الضريبة وقانون الكمارك وغيرها . اما قانوني العقوبات الاداري الالماني والايطالي بعدهما يمثلان نظامان مستقلان للعقوبات الادارية ، فلا يختلف الامر عنا ذكرنا ، فالمادة 35 من قانون العقوبات الاداري الالماني تقضي بأن ضبط الجريمة الادارية يتم بواسطة السلطات الادارية ، في حين المادة 36 تشير الى انه عندما يغفل القانون تحديد الجهة الادارية فيوكل الامر الى الوزير او السلطة المحلية . بينما تشير المادة37 الى ان الاختصاص المكاني للسلطات الادارية يكون للإدارة التي تقع الجريمة على اقليمها او مكان كشف الجريمة او محل اقامة مرتكب الجريمة او مكانه المعتاد التواجد فيه ان لم يكن له محل اقامة محدد.(105) ويذكر ان بعض التشريعات ومنها الفرنسي يقرر نظام لجان ومجالس خاصة للضبط والتحقيق وفرض وتنفيذ العقوبة كما في مجلس المنافسة او لجنة معاملات البورصة .الا ان بعض الجرائم ذات الطبيعة الفنية الخاصة يحتاج الى ضبطها من قبل مأموري ضبط متخصصين كما في الجرائم المتعلقة بالتنظيم الصناعي او الزراعي او التجاري .(106) وفي قانون العقوبات الاداري الالماني هناك طريقان للاجراءات المتعلقة بالضبط وفرض العقوبة ، الاول فرض العقوبة الادارية المالية من قبل الادارة ، اما الثاني وهوعند رفض المخالف تنفيذ العقوبة فيصار الى الاجراء القضائي الجنائي للنظر في الجريمة الادارية ولكن ليس من خلال مراجعة اجراءات الادارة في الضبط والفرض وانما يقوم القضاء الجنائي بالنظر من جديد وبشكل مستقل بالواقعة ، ويمكن لعضو الضبط الاداري الاستعانة بالشهود وغير ذلك من اجراءات التقاضي ، وذلك بالاستناد الى المادة 53 من القانون المذكور (owig).(107)
ثانيا // حق المواجهـة والدفاع..
لقد فرضت الدساتير وكفلت حق المواجهة والدفاع ، كما أكد القضاء ذلك بأحكام عديدة ، وهو حق مكفول في القانون الجنائي ،القانون الاداري ، اذ لا بد من احترام مبدأ المواجهة في توقيع العقوبات الادارية من خلال الاتي:
1- اخطار المتهم بالتهمة الادارية الموجهة اليه خطيا.
2- تمكينه بالطرق المتاحة من الدفاع عن نفسه.
3- منحه مهلة لأعداد الدفاع وتقديم لائحته ودفوعه.
واستقر مجلس الدولة الفرنسي على التأكيد على ضمانة حق المواجهة والدفاع سواء في مجال القضاء الجنائي او المدني او الضبطي او الاداري . ويكون الاخطار عادة بإعلان الوقائع المنسوبة الى المتهم بشكل واضح وجلي نافيا للجهالة ، ومن ثم فتح ومباشرة التحقيق حسب الاصول المرعية في مجال التحقيق من خلال بيان الواقعة ومكان وزمان وقوعها وطبيعتها بالتفصيل ، الامر الذي يفرض التزام المتهم بحدود حق الدفاع وعدم تجاوزه من خلال الزمن المطلوب لإعداده ، لان في ذلك فوات فرص الحماية القانونية للمصالح وفوات لاعتراض الجزاء الاداري .(108)
ثالثا // إعلان العقوبة الادارية..
ويثار الجدل في صلاحية الادارة بإعلان العقوبة وفرضها ومدى تعارض هذا الاجراء مع مبدأ الفصل بين السلطات ، الا ان مجلس الدولة الفرنسي حسم الامر عندما اقر بأن مبدأ الفصل بين السلطات لا يمثل عقبة امام السلطة الادارية عندما تمارس صلاحياتها وامتيازاتها كإدارة عامة وهي تتمتع بفرض الجزاء وذلك من ناحيتين:
الاولى // ان لا تؤدي العقوبات التي تفرضها الادارة الى سلب او تقييد الحرية.
والثانية//لن يكون فرض الجزاء غير السالب للحرية ضمن الحدود التي كفلها الدستور والتي يضمن الحقوق والحريات .(109)
الخاتمــة..
لما كان هدف البحث يتجه الى التأصيل القانوني للعقوبات الادارية من خلال بيان اساسها ، وحيث اننا بحاجة الى تأطير البحث من خلال عرض نتائجه وتحديدها تحديدا دقيقا ان لم يقطع الشك والجدل فيساعد في تخفيف حدته ، فان النتيجة الابرز كانت تتمثل بالكشف عن كون الجرائم الادارية هي ترجمة تشريعية لسياسة الحد من التجريم الجنائي والحد من العقاب ، والركون الى تجريم اقل احتداما واسرع ردعا وانجع حماية بحسب المصالح التي يتولاها بالحماية . بينا ان الجرائم الادارية لا تتخطى مبدأ الشرعية الجزائي من خلال النص التشريعي الذي يحدد الجريمة والعقاب او من خلال التفويض التشريعي الممنوح من السلطة التشريعية الى السلطة التنفيذية . فضلا عن بيان كون الحماية القانونية هي حماية تكاملية ولا مساس بمبدأ الفصل بين السلطات طالما كان الهدف هو حماية المصالح القانونية الجديرة وضمن الاطر القانونية المرسومة في الدستور والمترجمة قانونا ولا عبرة بالجهة التي تفرض الجزاء اذ ان العبرة بالهدف ولاعبرة بالوسيلة طالما كانت بحكم القانون وتحفظ وتصون الحقوق والحريات للإفراد وتضمنها . وتطرقنا الى ان هناك تشريعات تبنت نظاما قانونيا للعقوبات الادارية يقابلها في قانون العقوبات الجنائي المخالفات او الجنح فقط دون الجزاءات السالبة للحرية جزاءات مالية او شخصية ، كقانون العقوبات الاداري الالماني والايطالي ، وبالمقابل العديد من التشريعات كالفرنسي والمصري والعراقي تتبنى عقوبات ادارية تتولى الادارة فرضها ولكن دون ان تتبنى نظاما قانونيا خاصا ولكن بالاستناد الى قوانين خاصة تنظم المصالح الحديثة المصطنعة . وتوصلنا الى ان اجراءات الادارة محاطة بضمانات موضوعية واجرائية لا تنال من الشرعية الجزائية او الفصل بين السلطات ، ومن اهم الضمانات فضلا عما ذكرنا امكانية اللجوء الى القضاء للنظر في صحة التجريم او تناسب العقاب . وختاما فان العقوبات الادارية هي عقوبات خاصة تتناسب وطبيعة المصالح التي مصالح مستحدثة وليست جرائما طبيعية وان الجرائم المرتكبة هي غالبا لا تخدش الضمير العام لأنها منظمة للنشاطات الادارية والخدمات التي تتولاها ومن ضمنها المصالح الاقتصادية . الامر الذي يحتم ان تكون العقوبات المخصصة لها سريعة لا تنقص من مصلحة ديمومة واضطراد الخدمات والموارد المالية التي تدخل الخزانة العامة نظير تقديم الخدمات ، وبالتالي لا يمكن قياس هذه المصالح والعقوبات الادارية بالمصالح الطبيعية التي تنال من ضمير المجتمع ، الامر الذي يحتم ان تكون هذه العقوبات المخصصة للجرائم المستحدثة تتفق مع طبيعة نشاط الدولة واتساع نشاط الادارة وتخدمه ولا تعطله دون الاستهانة او اهمال ضمانات الافراد في حماية حقوقهم وحرياتهم.
الهوامـــش..
[1]– د سمير الجنزوري ، الغرامة الجنائية دراسة مقارنة ،المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، القاهرة ، 1967 ،ص 115
2– د .ايمن رمضان الزيني ، العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة وبدائلها ، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2003 ،ص351
3 – د.محمد سعد فودة،النظرية العامة للعقوبات الادارية دراسة فقهية قضائية مقارنة،دارالجامعة الجديدة،الاسكندرية،2010 ،ص13
4- د .امين محمد مصطفى ، النظرية العامة لقانون العقوبات الاداري ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، 2008 ، ص9
5- AmndaTait , the use of administrative monetary penalties in consumer protection , public interest advocacy center (PIAC), may, 2001, p13.
6- د .محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجنائي ، ظاهرة الحد من العقاب ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1996 ، ص42
7- د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص 79-83
8- كذلك ، المرجع السابق ، ص 96
9- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص 229
10- د. عادل السعيد محمد ابو الخير، البوليس الاداري ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ، 2014، ص 9
11- وبالاستناد الى غايات الضبط الاداري عرفه الفقيه الفرنسي riveroبانه (مجموعة تدخلات الادارة التي ترمي الى ان تفرض على التصرف الحر للافرادالنظام الذي تطالب به الحياة في المجتمع ) . نقلا عن د.عادل السعيد ، المرجع السابق ص 10
12– د. محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص 97 -99
13– د.عبدالقادرالشيخلي، النظام القا نوني للجزء التاديبي ، دار الفكر للنشر و التوزيع ، الاردن ، 1983، ص 135
14– د. محمد سعود فودة ، المرجع السابق ، ص 102
15– المادة 12 / ثالثا من تعليمات العقود الحكومية العراقية رقم10 لسنة 2007 المعدلة تنص على الاتي (( على الجهة المتعاقدة وبقرار مسبب فرض الغرامات التاخيرية او ايقافها عند سحب العمل من المقاولين او المتعاقدين ))
16– د . امين مصطفى ، المرجع السابق ، ص232
17-القرار رقم277/ك/2011 في 24/8/2011 ، سلمان عبيد عبد الله الزبيدي ، قرارات الهيئة التمييزية الخاصة بقضايا الكمارك ، الجزء الاول ، ط1 ، بغداد ، ص15
18-د محمد سعد فودة ، المرجع ، ص122
19-كذلك ، ص123
20– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص239
21– د جلال ثروت ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، نظرية القسم الخاص ، جرائم الاعتداء على الاشخاص ، مؤسسة الثقافة الجنائية ، الاسكندرية ،1979 ، ص241
22– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السايق ، ص241
23-القرار 216/ك/2011/في 21/7/2011 سلمان عبيد عبد الله ، المرجع السابق ، ص121
24-د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص133
25-كذلك ، ص132
26-د . محمد محمد مصباح ، التدابير الاحترازية في السياسة الجنائية الوضعية الوضعية والشرعية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص66
27-د . ايمن رمضان الزيني ، المرجع السابق ، ص372
28-د . سعد فودة ، المرجع السابق ، ص135
29-د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص245
30– د .ايمن رمضان الزيني ، المرجع السابق ، ص408
31– د . غنام محمد غنام ، القانون الاداري الجنائي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1996 ، ص48
32– د . ايمن الزيني ، المرجع السابق ، ص408
33– د. محمد محمد مصباح ، المرجع السابق ، ص64
34– كذلك ، ص60
35– د. ايمن الزيني ، المرجع السابق ، ص41
36– د. محمد سعد فودة ، المرحع السابق ، ص146-147
37– د. امين مصطفى ، المرجع السابق ، ص269
38– د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص150
39– د.اكرم نشأت ابراهيم,السياسة الجنائية ، دراسة مقارنة ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ط ,2, 2011, ص96
40– د. محمدانس جعفر, د. محمد احمد رفضت ,حقوق الانسان ، التعليم المفتوح , جامعة القاهرة 1999, ص61
– 41 د . أمين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص 8
42– د . طالب نور الشرع ، الجريمة الضريبية ، ط1 ، دار وائل للنشر ، عمان ، 2008 ، ص34
43– محمد قاسم حسين ، الجريمة الضريبية والقضاء المختص بها وفقا لاحكام ضريبة الدخل الاردني ، رسالة ماجستير ، جامعة النجاح الوطنية ، كلية الدراسات العليا ، ص46
44– د. رمسيس بهنام ، نظرية التجريم في القانون الجنائي ، معيار سلطة العقاب تشريعا وتطبيقا ، مركز الدلتا للطباعة ، مصر،1996، ص10
45– د رمسيس بهنام ، المرجع السابق ، ص15
46– كذلك ، ص 30-40
47– د . احمد محمد خليفة ، النظرية العامة للتجريم ، دراسة في فلسفة القانون ، دار المعارف ، مصر ،1958 ، ص104
48 – Robert. W. mcgee.the ethics of tax evasion ,2012, p 451
49– د طلال عبد حسين البدراني ، الشرعية الجزائية ، اطروحة دكتوراه ، كلية القانون جامعة بابل ، 2002 ، ص79
50– د. محمد علي سالم عياد الحلبي ، ضمانات الحرية الشخصية اثناء التحري والاستدلال ، جامعة الكويت ، 1981 ، ص41
51– د . امين مصطفى ، المرجع السابق ، ص 46
52 -د. احمد فتحي سرور ، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية ، القاهرة ، 1983 ، ص 7
53– ,11,aulfage,berlin,1969,p 6Esdevschestratrecht : Hans welzal52-
54– د- اكرم نشأت ابراهيم ، المرجع السابق ، ص44
55– د .امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ،ص 32 وما بعدها
56– كذلك ، ص38
57– د . حسن عبد الكريم ، فكرة القانون الطبيعي الكلاسيكي ومفهوم القانون ، دار النهضة العربية ، مصر ،1966 ، ص1
58 – فارس حامد عبد الكريم ، العيار القانوني ، بغداد ، 2009 ، ص 10
59 – د . محمد طه جلال ، أصول التجريم و العقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ، دار النهضة العربية ، مصر ، 2005 ، ص 133
– 60 فارس حامد عبد الكريم ، المرجع السابق ، ص 251
– 61فارس حامد عبد الكريم ، المرجع السابق ، ص20
62– د . السيد عبد الحميد فودة ، جوهر القانون ، دار الفكر العربي ، 2005، ص32
63– د. مصطفى ابراهيم الزلمي ، الضنة بين علم المنطق والقانون ، مطبعة بغداد ، بدون تاريخ ، ص19
64– د . دنيس لويد ، فكرة القانون ، ترجمة سليم الصويص ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، 1981، ص252
65– د . محمد طه جلال ، المرجع السابق ، ص80
66-مايا محمد نزار،الرقابة القضائية على التناسب في القرار الاداري، ط 1 المؤسسة الحديثة للكتاب،2001 ، ص 65
67-د. خليفة سالم الجهمي ، الرقابة القضائية على التناسب بين العقوبة و الجريمة في مجال التاديب ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2009 ، ص 95 -96
68-د. عمار عباس الحسيني ، التفريد العقابي في القانون العراقي و المقارن ، بحث منشور في مجلة الكلية الاسلامية الجامعة ، العراق ، 2009 ، ص 79
69-قرار محكمة التمييز رقم 1636 في 28/7 /1971 ، نقلا عن د . فخري الحديثي ، شرح قانون القسم العام ، ط1 ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص 373
70-د . فخري الحديثي ، شرح قانون القسم العام ، ط 1 ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص 373
71– د . حسن بن حمد التويجري ، مبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة في الشريعة الاسلامية ، القوانين الوضعية ، رسالة ماجستير، جامعة نايف العربية ، 2010 ، ص 102
72– المادة 56/اولا /4 من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم113 لسنة 1982
73– سلام عبيد عبد الله الزبيدي /مرجع السابق ، العدد 29 / ، قرار رقم 386 /ك / 2013 المعدل في 30 /10/2013
74– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص185
75– د .محمد زكي ابو عامر ، قانون العقوبات القسم العام ، دار المطبوعات الجامعية ، ط1 ، الاسكندرية ، 1986 ، ص197
76– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص199
77– د . امال عبد الرحيم عثمان ، شرح قانون العقوبات الاقتصادي ، جرائم التموين ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1987 ، ص76 وما بعدها
78– د . احمد فتحي سرور ، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية ، مطبعة جامعة القاهرة ،1973 ،ص3
79– د . رمسيس بهنام ، المرجع السابق ، ص9 وما بعدها
80 – د . فهد يوسف الكساسبة ، وظيفة العقوبة ودورها في الاصلاح والتأهيل ، دراسة مقارنة ، دار وائل ، ط1 ، الاردن ، 2010 ، ص9
81– قرار مجلس قيادة الثورة العراقي المنحل رقم307 المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد2986 في 26/3/1984 الذي نص على نفاذه منذ 1/1/1984
82-د . محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجزائي ، المرجع السابق ، ص20
83– د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص47
[1]كذلك ، ص195
80- د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص33
81-ALRC,PRINICIPLED REGULATION: FEDRAL CIVIL AND ADMINRESTRATIVE PENALTIES (FINALE REPORT), MARCH 2003,P6.
82-Jones and De Villars ,principles of administrative law (2nded), 1994,Carswell, Toronto, ch.13.
83– R Baldwin and M Cave , understanding regulation : theory strategy and practice (1999), Oxford University Press, Oxford, 295.
84- د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص154
85- د محمد حلمي ، نشاط الادارة ( الضبط الاداري والمرفق العام) دار الفكر العربي ، ط1 ، القاهرة ، 1967 ، ص23
86- د . محمد باهي ابو يونس ، الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات الادارية العامة ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ،2000 ، ص27
87- د . حلمي الدقدوقي ، رقابة القضاء عاى المشروعية الداخلية لاعمال الضبط الاداري ( دراسة مقارنة ) ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 1989 ، ص170
88- د . محمد باهي ابو يونس ، المرجع السابق ، ص29
89- د . احمد فتحي سرور ، الجرائم الضريبية ، ط 2 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1990 ، ص 43
90- د .طالب نورالشرع ، المرجع السابق ، ص 36
91-Canadian Transit co.v.Public service staff regulation boar (CAN),1989, 39 admn.L.R. 140
92– د . فخري عبد الرزاق الحديثي ، شرح قانون العقوبات القسم العام ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص23
93- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص115 وما بعدها
94- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص117
95- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص299
96- د. يس عمر يوسف ، استقلال السلطة القضائية في النظامين الوضعي والاسلامي ، دار ومكتبة الهلال ،لبنان ،1995 ، ص163-164
97- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص121
98- د. محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص227
99- د. محمد سعد فودة ، المرجع السابق ر، ص211-212
100- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص185 وما بعدها
101- د.محمود مصطفى العوجي،الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن،الجزء 2،مطبعة القاهرة ط2 ،1979 ،ص 226
102- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص288
103- د. محمد باهي ابو يونس ، المرجع السابق ، ص184
[1]104- د. محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجنلئي ، مرجع سابق ، ص184-185
قائمـة المراجع العربيـة..
1- د .احمد فتحي سرور ، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية ، القاهرة ، 1983
2- د .احمد محمد خليفة النظرية ، العامة للتجريم ، دراسة في فلسفة القانون ، دارالمعارف ، مصر ، 1958
3- د .اكرم نشأت ابراهيم ، السياسة الجنائية دراسة مقارنة ، دار الثقافة للنشر و التوزيع ، ط 2 ، الاردن ، 2011
4 – د . السيد عبد الحميد فودة ، جوهر القانون ، دار الفكر العربي ، 2005
5- د . امين مصطفى محمد ، النظرية العامة لقانون العقوبات الاداري ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2008
6- د . امال عبد الرحيم ، شرح قانون العقوبات الاقتصادي ، جرائم التموين ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1987
7- د . ايمن رمضان الزيني ، العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة و بدائلها ، ط1، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003
8- د . جلال ثروت ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، الاسكندرية ، بدون تاريخ
9- د . حسن بن محمد التويجري ، مبدا تناسب العقوبة مع الجريمة في الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية ، رسالة ماجستير ، جامعة نايف العربية ،2010
10- د . حسن عبد الحميد ، فكرة القانون الطبيعي الكلاسيكي و مفهوم القانون ، دارالنهضة العربية ، مصر، 1966
11-د . حلمي الدقدوقي , رقابة القضاء على المشروعية الداخلية لاعمال الضبط الاداري دراسة مقارنة ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 1989
12- د . خليفة سالم الجهمي ، الرقابة القضائية على التناسب بين العقوبة و الجريمة في مجال التاديب , دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2009
13-دنيس لويد ، فكرة القانون ، ترجمة سليم الصويص ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، 1981
14 – د. رمسيس بهنام ، نظرية التجريم في القانون الجنائي ، معيار سلطة العقاب تشريعا و تطبيقا ، مركز الدلتا للطباعة ، مصر ، 1996
15-د . سمير الجنزوري ، الغرامة الجنائية دراسة مقارنة , المركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية ، القاهرة ، 1967
16- د . طالب نور الشرع ، الجريمة الضريبية ، ط1 ، دار وائل للنشر ، عمان ، 2008
17- د . طلال عبد الحسين البدارني ، الشرعية الجزائية ، اطروحة دكتوراه ، كلية القانون ، جامعة بابل ، 2002
18 – فارس حامد عبد الكريم ، المعيار القانوني ، بغداد ، 2009
19 – د . فخري عبد الرزاق الحديثي ، شرح قانون العقوبات القسم العام ، مطبعة ، بغداد ، 1996
20- د . عادل السعيد محمد ابو الخير، البوليس الاداري ، دار الفكر العربي ،الاسكندرية ، 2014
21- د . عبد القادر الشيخلي ، النظام القانوني للجزاء التاديبي ، دار الفكر للنشر و التوزيع ،الاردن ، 1983
22- د . عمار الحسيني ، التفريد العقابي في القانون العقابي و المقارن ، البحث منشور في مجلة الكلية الاسلامية الجامعة ، العراق ، 2009 .
23- د . غنام محمد غنام ، القانون الاداري الجنائي ، دار النهضة العربية القاهرة ، 1996
24- مايا محمد نزار ، الرقابة الفضائية على التناسب في القرار الاداري ، ط1 ، المؤسسة الحديثة للكتاب2001
25- د . محمد انس جعفر ، د . احمد محمد رفعت ، حقوق الانسان ، التعليم المفتوح ، جامعة القاهرة،1999
26- د . محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجزائي – ظاهرة الحدة من العقاب ، دار النهضةالعربية،القاهرة،1996
27- د . محمد محمد مصباح ، التدابير الاحترازية في السياسة الجنائية الوضعية و الشرعية ، دارالنهضةالعربية،القاهرة،بدون تاريخ
28– محمد قاسم حسين ، الجريمة الضريبية و القضاء المختص بها وفقا لاحكام ضريبة الدخل الاردني ، رساـــــــــــــــلة مـــــــــــــــــــاجستير جاـــــــــــــــــــــــمعة النجاح الوطنية ، كلية الدراسات العليا 29- د . محمد علي سالم عياد الحلبي ، ضمانات الحريات الشخصية اثناء التحري و الاستدلال ،جامعةالكويت ،1981
30- د .محمود طه جلال ، اصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ، دار النهضةالعربية ،مصر،2005
31- د . مصطفى ابراهيم الزلمي ، الضنة بين العلم المنطق و القانون ، مطبعة بغداد ، 1991
32- د . محمد زكي ابو عامر ، قانون العقوبات القسم العام , دار المطبوعات الجامعية ، ط1 ، الاسكندرية ، 1986
33- د. محمد باهي ابو يونس ، الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات الادارية العامة ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2000 .
34- د . محمد حلمي ، نشاط الادارة ، ( الضبط الاداري – المرفق العام ) ، دار الفكر العربي ، ط1 ، القاهرة , 1967
35-د . محمود مصطفى العوجي , الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن ، الجزء 2 ، مطبعة القاهرة ، ط1 ، 1979
36- د . مهند يوسف الكساسبة , وظيفة العقوبة و دورها في الاصلاح و التأهيل , دراسة مقارنة ، دار وائل للنشر ، ط1 ، الاردن ، 2010
37- د. يس عمر يوسف ، استقلال السلطة القضائية في النظامين الوضعي والاسلامي ، دار و مكتبة الهلال ، لبنان ، 1995
قائمة المراجع الأجنبية..
1- Robert .w. MCgee . The ethics of tax evasion , 2012 .
2- Hans welzal : Esdevschestratrecht , 11 , Aulfage, Berlinn , 1969 .
3-Canadian transit co. v.public service staff regulation board (can),( 1989) , 39 , admin . l . r.140
4-Jones and de Villars , principles of administration law (2nd ed) , (1994) ,Carswell Torento , ch.13
5-Alrc , principled regulation : federal civil and administration penalties (final report) , march 2003
6- R Baldwin and m cave , understanding regulation : theory , strategy ,and practice (1999) oxford university press , oxford ,295
7- Amanda Tait , the use of administrative monetary penalties in consumer protection , public interest advocacy center (pIAC) , may 2001