القوة الإلزامية لقرارات المحكمة الاتحادية العليا وأثرها على الانتخابات النيابية المقبلة في العراق

بقلم الدكتور

علي سعد عمران

        تعد المحكمة الاتحادية العليا جهة القضاء الدستوري في العراق، وهي بهذا الوصف ، تستهدف دائماً صيانة النظام القانوني من وجود أي نص تشريعي غير متفق وأحكام الدستور سواء من الناحية الموضوعية أم الشكلية وفي ذلك تحقيق لمبدأ المشروعية في الدولة وسيادة حكم القانون بما يترتب عليه من حماية حقوق الأفراد وحرياتهم .

        إن الحكم الصادر من المحكمة الاتحادية العليا يكون باتاً بمعنى لا يقبل الطعن بأي طريق آخر، وملزماً ([1]) للجميع، الأفراد وسلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، سواء المركزية منها أم المحلية فإذا صدر أي تصرف بخلاف ما قضت به المحكمة المذكورة فانه يكون غير صحيح وباطل وذلك استناداً لنص المادة (13) من دستور العراق لعام 2005 التي قضت بأن ((أولاً- يعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزماً في أنحائه كافة وبدون استثناء. ثانياً- لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه )) وبالمضمون نفسه جاءت المادة (3/ أ و ب) من دستور العراق لعام 2004 (قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ) .

        هذا وقد تسنى للمحكمة الاتحادية العليا الحكم بعدم دستورية بعض النصوص القانونية المخالفة للدستور ومنها نص البند (ثانياً) من المادة (15) من قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 ، وقد جاء في حيثيات قرار المحكمة ([2]) (( …وجد أن المادة (49/أولاً) من الدستور نصت بأن (( يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق …)) وحيث أن المادة (49 / أولاً) اعتمدت معيار عدد نفوس العراق في الانتخابات بنسبة واحد لكل مائة ألف نسمة من سكان العراق بخلاف المعيار المعتمد في المادة (15/ثانياً) من قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 حيث اعتمدت معيار عدد الناخبين المسجلين في السجلات في كل محافظة ([3]) … لذا فان نص المادة (15/ ثانياً) من قانون الانتخابات أصبح متعارضاً مع نص المادة (49/ثانياً) من الدستور … لذا ولما تقدم أعلاه قررت المحكمة الحكم بعدم دستورية المادة (15/ثانياً) من قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 لتعارضها مع أحكام المادة (49/أولاً) من الدستور، وللسلطة التشريعية تشريع نص جديد يكون موافقاً لأحكام المادة (49/ أولاً) من الدستور على أن لا يمس الإجراءات التي جرت بموجبها انتخابات المجلس النيابي الحالي في ظل قانون إدارة الدولة العراقية … وصدر الحكم باتاً وملزماً لكافة السلطات … )) .

        وعلى ذلك فان السلطة التشريعية العراقية المتمثلة بمجلس النواب ملزمة بالتدخل لإزالة سبب عدم الدستورية من خلال تشريع نص جديد يحل محل النص المقضي بعدم دستوريته ، وما ذلك إلا تطبيقاً لحكم الدستور ذاته .

        غير أننا – وللأسف الشديد – نسمع بين الحين والآخر عدداً من أعضاء مجلس النواب يصرح بأنه بالإمكان إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في عام 2010 بقانون الانتخابات الحالي نفسه دون إجراء أي تعديل عليه وهذا الكلام يدل على عدم اكتراث بعض أعضاء مجلس النواب بحكم المحكمة الاتحادية العليا والذي يعني عدم اكتراثهم بحكم الدستور ذاته ، فإذا تمت الانتخابات المقبلة وفق هذا الكلام فهذا يعني إهدار أعلوية الدستور وأحكامه ونخرج بذلك عن حكم الدولة القانونية – التي طالما يهتف بها سياسيو العراق – لندخل في حومة الدولة الاستبدادية القائمة على حكم الشعب من قبل فرد أو جهة على وفق رغباتها دون الالتفات لحكم الدستور والقانون ([4]) ، فضلاً عن ذلك فان هذا الكلام يتعارض مع حقوق المواطنين السياسية التي اقرها الدستور وكشف عنها حكم المحكمة الاتحادية العليا .


الهوامش



([1]) وصفة البتات تقررت بموجب نص المادة (5/ثانياً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا والمادة (94) من دستور العراق لعام 2005، اما صفة الالزام فهي مقررة بنصوص دستورية وهي نص المادة (44/ب) من دستور العراق السابق لعام 2004 والمادة (94) من دستور العراق لعام 2005 النافذ .

([2]) صدر القرار بالعدد 15/اتحادية / 2006 بتاريخ 26/4/2007 .

([3]) لقد نصت المادة (15/ثانياً) من قانون الانتخابات على أن (( تكون كل محافظة وفقاً للحدود الإدارية الرسمية دائرة انتخابية تختص بعدد من المقاعد يتناسب مع عدد الناخبين المسجلين في المحافظة حسب انتخابات 30 كانون الثاني 2005 (المعتمد على نظام البطاقة التموينية ) ))  .

([4]) لتفاصيل أوفى حول الدولة الاستبدادية ينظر د. إبراهيم عبد العزيز شيحا : النظم السياسية ، الإسكندرية ، منشأة المعارف، 2003، ص242 – 243 .

     د. محمد السناري : القانون الدستوري (نظرية الدولة والحكومة) ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، بلا سنة طبع ، ص847 .