نظرة قانونية في البند (سادسا) من المادة (7) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم

       دراسة في رقابة مجلس المحافظة على أعمال المحاكم العراقية –

                                                                                        الدكتور

                                                                                علي سعد عمران

يتناول قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم بنيان الجهاز الإداري وكيفية ممارسة الوظيفة الإدارية في العراق , التي تقوم على مبدأ اللامركزية الإدارية , وذلك إعمالا لحكم المادة (122/ثانيا) من دستور العراق لعام 2005 التي تنص على أن (تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة . بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية . وينظم ذلك بقانون . ) . وعليه صدر القانون المذكور بالرقم 21 وذلك في عام 2008 ونشر في الجريدة الرسمية الوقائع بالعدد 4070 في 31/3/2008 وأصبح نافذاً من تاريخ نشره استناداً إلى المادة (55) منه . وفي عام 2010 صدر التعديل الأول لهذا القانون بالقانون ذي الرقم 15 ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 4147 في 9/3/2010 . كما جاء التعديل الثاني لقانون المحافظات بالقانون رقم 19 في عام 2013 والذي نشر في جريدة الوقائع بالعدد 4284بتاريخ 5/8/2013 والذي أصبح نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة المذكورة بحيث لا يعمل بأي نص يتعارض معه بحسب نص المادة (17) منه . 

وقد جاء قانون التعديل الثاني لمعالجة النواقص التي ظهرت من خلال تطبيق قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم وتوسيع صلاحيات السلطات المحلية . حسبما جاء في الأسباب الموجبة لتشريعه . ولعل من الجوانب الهامة التي عمل المشرع على من خلالها على توسعة صلاحيات السلطات المحلية , ماورد من توسعة لاختصاصات مجلس المحافظة المسَطرة في المادة (7) من القانون بموجب المادة الرابعة من قانون التعديل الثاني , حيث تم تعديل البنود (أولا , رابعا , سادسا , تاسعا/1 وحادي عشر) .

ومن البنود المومأ إليها في أعلاه , البند (سادسا) , الذي نعتقد بضرورة إلقاء نظرة فاحصة عليه لما نعتقده من تعارضه مع الدستور والقانون العراقي . وعلى ذلك سنوضح مضمون البند (سادساً) قبل وبعد التعديل , ثم نعرج بعد ذلك على بحث أوجه تعارض البند (سادساً) المعدل مع الدستور والقانون , وذلك في الفرعين الآتيين . 

الفرع الأول

مضمون البند (سادساً) من المادة (7) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم

يتحتم علينا بيان مضمون البند (سادساً) محل البحث وذلك قبل تعديله وبعد أن تم تعديله في عام 2013 , وذلك كالآتي : 

أولاً : مضمون البند (سادساً) من المادة (7) قبل تعديله : لقد بينت المادة السابعة إن من بين اختصاصات مجلس المحافظة , بوصفه أعلى سلطة تشريعية ورقابية ضمن حدود المحافظة , (سادساً : الرقابة على جميع أنشطة الهيئات التنفيذية المحلية باستثناء المحاكم والوحدات العسكرية والكليات والمعاهد لضمان حسن أداء أعمالها عدا الدوائر ذات الاختصاص الاتحادي). 

          وعلى ذلك فان النص واضح وضوح الشمس في كبد السماء بان المجلس يمارس رقابة على أعمال وتصرفات الدوائر التنفيذية في حدود المحافظة عدا تلك المستثناة بالنص والتي من بينها المحاكم التي تعد جزء من السلطة القضائية في المحافظة والتي ترتبط بمجلس القضاء الأعلى . 

ثانياً : مضمون البند (سادساً) من المادة (7) بعد تعديله : لقد أصبح النص محل البحث كالآتي , بعد تعديله عام 2013 , (سادساً : الرقابة على جميع أنشطة دوائر الدولة في المحافظة لضمان حسن أداء عملها . ) .

          وعلى ذلك فان المشرع جعل من سلطة مجلس المحافظة مطلقة في الرقابة على أنشطة دوائر الدولة جميعها الموجودة في المحافظة , وبذلك ألغى الاستثناء الذي كان قد أورده في النص قبل تعديله . وعليه ستخضع المحاكم , والتي هي جزء من السلطة القضائية العراقية , إلى رقابة مجلس المحافظة .  

الفرع الثاني

أوجه تعارض البند (سادساً) من المادة (7) المعدلة مع الدستور والقانون

سنبحث تعارض البند محل البحث مع كل من الدستور والقانون العراقي في النقطتين الآتيتين :

أولاً : تعارض البند (سادساً) من المادة (7) المعدلة مع الدستور : إن مسألة رقابة مجلس المحافظة على المحاكم الموجودة ضمن الحدود الإدارية للمحافظة أرى فيها مخالفة لنصوص الدستور العراقي مخالفة موضوعية صريحة . وذلك للأسانيد الدستورية الآتية :

1-    لقد نصت المادة (47) من الدستور على أن (تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية . تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات . ) .

2-    بينت المادة (87) من الدستور بأن (السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقا للقانون ) , وجاء في المادة (88) بأن (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون , ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة ) .

3-    ورد في المادة (89) من الدستور بان (تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية ….. ) .

4-    لقد حدد الدستور ذاته الجهة المسؤولة عن إدارة شؤون الهيئات القضائية في العراق بالنص في المادة (90) على أن (يتولى مجلس القضاء الأعلى إدارة شؤون الهيئات القضائية . وينظم القانون طريقة تكوينه واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه ) .

ويوجد في العراق الأمر التشريعي الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة –  المنحلة – بالرقم 35 في 18/9/2003 , الخاص بإعادة تشكيل مجلس القضاء الذي عهد في القسم الثالث منه إلى المجلس بمهمة الرقابة الإدارية على جميع القضاة , فضلا عن واجبات أخرى محددة في القسم المذكور . 

وانطلاقاً من النصوص الدستورية المذكورة في أعلاه فاني أرى عدم دستورية رقابة مجلس المحافظة على أنشطة المحاكم في حدود المحافظة , ذلك لان المجلس هو هيأة محلية منتخبة لإدارة شؤون المحافظة على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وبما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية , وكما هو معروف , فأن مبدأ اللامركزية الإدارية لايعني سوى توزيع ممارسة الاختصاصات الإدارية , التي هي واحدة من وظائف السلطة التنفيذية , بين الإدارة المركزية والوحدات المحلية المنتخبة لتحقيق مصالح أو تلبية حاجات خدمية محلية . فكيف يتسنى لمجلس منتخب من أجل إشباع حاجات محلية ذات طابع خدمي , أن يراقب عمل سلطة مستقلة عضوياً ووظيفياً وبنص الدستور كالسلطة القضائية .

          إن نص البند (سادساً) محل البحث , ما هو إلا معولاً يهدم مبدأ الفصل بين السلطات هدماً واضحاً . ذلك لان الدستور أوجد ثلاث سلطات تمارس مهامها واختصاصاتها على وفق المبدأ المذكور الذي يأبى أن تفتئت سلطة ما على اختصاصات سلطة أخرى أو على استقلالها بدون وجود سند دستوري , هذا السند الذي هو معدوم الوجود في فرضية البحث لما تقدم ذكره من نصوص .  

5-     إن نص البند (سادساً) يتعارض وأحكام المادة (13) من الدستور العراقي التي تقضي بان (أولاً – يعد هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق ويكون ملزماً في أنحائه كافة وبدون استثناء .

ثانياً – لايجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور . ويعد باطلاً كل نص ….. قانوني أخر يتعارض معه .) .

          ذلك لان رقابة مجلس محلي يمارس اختصاصاته على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية لأعمال السلطة القضائية يجعل من سمو الدستور وعلوه , بما يتضمنه من مبادئ دستورية أوردناها في النصوص المتقدمة , غير ذي اثر . فيكون قانون التعديل الثاني بخصوص المادة (7/سادساً) يتعارض مع الدستور تعارضاً بيناً .

ثانياً : تعارض البند (سادساً) من المادة (7) المعدلة مع نصوص القانون الأخرى : إن اختصاص مجلس المحافظة في الرقابة على أنشطة المحاكم يتعارض والقوانين العراقية الأخرى , ذلك لان عمل المحاكم ورقابته يخضع لنصوص قانونية ليس من بينها نص البند سادساً محل البحث , وآية ذلك الأتي :

1-     جاء في أمر إعادة تشكيل مجلس القضاء / القسم الثالث منه , تحديد واجبات المجلس في الرقابة على عمل القضاة بالنص على أن (1. تكون للمجلس الواجبات المحددة التالية : أ. التحقيق في الادعاءات الخاصة بسوء السلوك وعدم الكفاءة المهنية الواردة بحق أعضاء سلك القضاء والادعاء العام وكلما كان ذلك مناسبا , اتخاذ الإجراءات التأديبية أو الإدارية المناسبة بحقهم …) . وبذلك فان تصرفات القضاة تخضع لرقابة مجلس القضاء الأعلى بنص القانون.

2-    إن الرقابة على الأعمال والقرارات التي تتخذها المحاكم في العراق تخضع لرقابة محكمة التمييز الاتحادية للتأكد من التزام المحاكم الأدنى درجة بتطبيق أحكام القوانين عند نظرها للمنازعات المرفوعة أمامها . وهو ما أشار إليه قانون التنظيم القضائي رقم 160 لعام 1979 في المادة (12) منه بالقول أن (محكمة التمييز هي الهيأة القضائية العليا التي تمارس الرقابة القضائية على جميع المحاكم مالم ينص القانون على خلاف ذلك .) . والمقصود بالعبارة الأخيرة (مالم ينص القانون على خلاف ذلك) إن هناك بعض المحاكم التي لاتخضع لرقابة محكمة التمييز الاتحادية كالمحكمة الاتحادية العليا التي تكون أحكامها باتة بنص الدستور, والمحاكم المرتبطة بمجلس شورى الدولة وهي محاكم قضاء الموظفين – مجلس الانضباط العام سابقا – ومحاكم القضاء الإداري التي تميز أحكامها وقراراتها أمام المحكمة الإدارية العليا بحسب قانون مجلس شورى الدولة .

وبذلك نخلص إلى تعارض رقابة مجلس المحافظة لأنشطة وأعمال المحاكم ذلك لان مثل هكذا اختصاص ولد وهو غير ذي محل لأنه عقد مسبقاً إلى مجلس القضاء الأعلى والى محكمة التمييز الاتحادية وهو ما يتفق وطبيعة عمل هذه الجهات التي تمثل سلطة واحدة بحسب الدستور هي السلطة القضائية . وهو اختصاص يتفق والمنطق القانوني , بخلاف منح مجلس المحافظة هكذا اختصاص يكون متعارضاً مع نصوص الدستور والقوانين الاتحادية المشار إليها سلفاً ومع المنطق القانوني . 

وأخيراً فإننا نوجه دعوتنا إلى المشرع العراقي بتدارك العوار الدستوري والقانوني الذي لحق بنص المادة (7/سادساً) باستثناء المحاكم من الخضوع لرقابة مجلس المحافظة .

          والى حين قيام المشرع بتعديل النص المذكور فإننا نتوجه إلى السلطة القضائية في العراق والى ممثلها بالطعن بعدم دستورية الاختصاص , محل البحث , الممنوح لمجلس المحافظة والمطالبة بإلغاء النص المذكور إلغاءً جزئياً في حدود اختصاص مجلس المحافظة في رقابة أنشطة المحاكم ضمن الحدود الإدارية للمحافظة .