التكنولوجيا والشروط المقيدة لاستغلالها من قبل الدول النامية
أ.م.د. حسن علي كاظم
رئيس فرع القانون الخاص
إن موضوع التكنولوجيا بصفة عامة, هو موضوع الساعة دون جدال, فهو موضوع يهم جميع دول العالم بصفة عامة والدول النامية بصفة خاصة.
ولعل أهم الأسباب التي فرضت أهمية موضوع التكنولوجيا من الجانب القانوني, خاصة نقلها من الدول المتقدمة إلى الدول النامية, الفجوة العميقة الحالية في التقدم الاقتصادي والصناعي والفني بين الدول المتقدمة من جانب, والدول النامية من جانب آخر, ولا شك أن الرغبة في تحقيق نظام اقتصادي عالمي جديد من خلال ظاهرة العولمة, يعتمد بصفة اساسية على التدويل بوسائل المساعدات الفنية التي تملكها الدول المتقدمة والتي تسيطر على تصديرها فعلاً بواسطة شركاتها العملاقة ذات الجنسيات المتعددة.
وليس هناك من شك, إن عقد الترخيص, أصبح في الواقع المعاصر من أهم العقود التجارية وأخطرها في هذا المجال, وذلك نظراً لأحكامه الخاصة التي تجعل منه استثناء من حيث الخضوع للقواعد العامة. إذ القعد الذي يرد على براءات الاختراع والمعرفة الفنية Savoir- Faire وعلى عناصر الملكية الصناعية كافة. قد ينشئ عند قيامه ولاعتبارات عملية تحكم النشاط التجاري, مراكز ذات طبيعة خاصة. وأصبح حسب اعتقاد البعض الوسيلة الاعتيادية التي يتم من خلالها نقل التكنولوجيا على المستوى الدولي. وبذلك فإن تقنية براءات الاختراع تزيد من أهميته بزيادة عددها واعتماد المؤسسات الصناعية على استغلالها واستثمارها في الإنتاج وتطويره.
وغالباً ما يتضمن هذا العقد وعقود نقل التكنولوجيا عموماً, شروط تعسفية, تسمى بالشروط المقيدة Restrictive Practices وهي تلك التي يفرضها المرخص ( المصدر للتكنولوجيا ) على المرخص له (المتلقي) عند التعاقد في شأن نقل التكنولوجيا. بعبارة أخرى ما يمليه الطرف المتلقي إلى قبولها دون مناقشة كطرف متعاقد نتيجة حاجته الماسة للتكنولوجيا محل التعاقد وعدم توفرها بسوقه المحلي.
والأثر الاقتصادي لمثل هذه الشروط معروف مقدماً ألا وهو الاضرار بالمصالح الاقتصادية.
وتلاحظ الدول النامية ان هذه الشروط المقيدة تزداد يوماً بعد يوم وتتخذ أشكالاً متغيرة خاصة بطريقة الشركات متعددة الجنسية, المالكة والمسيطرة على التكنولوجيا العالمية. هذه الشركات تزرع وليداتها في قلب الدول النامية وتفرض ما يعنِ لها من شروط مقيدة, كما أنه عن طريق الوسائل المالية الهائلة التي تملكها هذه الشركات متعددة الجنسية التي غالباً ما تفوق ميزانيات الدول النامية ذاتها, فإن هذه الشركات تسيطر سيطرة شبه كاملة على السوق العالمي نتيجة مركزها الاحتكاري الكامل خاصة لأنواع من التكنولوجيا التي تعد أساسية لتحقيق التقدم الصناعي والفني والاقتصادي.
والشروط المقيدة, التي تنشر غالباً في عقد الترخيص وعقود نقل التكنولوجيا بين الدول المتقدمة والدول النامية, تتخذ أشكالاً وصوراً مختلفة. فمنها ما يتمثل في فرض الرقابة على الطرف المتلقي للتكنولوجيا ومنها ما يمنع أو يحد من حرية الطرف المتلقي من تطوير وأقلمة التكنولوجيا وفق احتياجات ومناخ دولته, كذلك منها ما يتعلق بحرمان المتلقي من بحث صلاحيات حقوق الملكية الصناعية في حالة كونها عنصراً من عناصر التكنولوجيا محل العقد.
وتكمن أهمية بحث موضوع الشروط المقيدة من خلال أثارها في حكم العقد, موضوع جدير في البحث لأهميته عملياً وتتجلى هذه الأهمية بما لا يحصى عدّه من تطبيقاتها على صعيد التجارة الدولية وعلى ما أثارته من جدل ساخن وتعارض حاد بين الشمال والجنوب بمناسبة وضع مشروع مدونة السلوك لنقل التكنولوجيا, هذه فضلاً عن انتشار هذه الشروط المقيدة في المجال العملي انتشارا كبيراً, يمكن أن يلحظه كل مهتم بالتجارة على الصعيد الداخلي والخارجي على حد سواء. كما أن أهميتها لا تقتصر على ميدان القانون الخاص فحسب, بل تمتد إلى نطاق القانون العام, إذ غالباً ما تكون العقود الإدارية والاتفاقات الدولية مقترنة بشرط مقيد أو أكثر. كما تعود أهمية البحث في هذا الموضوع إلى ما يعرفه الجزائر و العراق من انفتاحا اقتصادياً وتشجيعا للاستثمار الاجنبي خاصة بعد التغييرات الجذرية التي حصلت في العراق بعد عام 2003, هذا ما تولد عنه كثافة في المبادلات التجارية الدولية, الأمر الذي جعل المتعاملين الاقتصاديين العراقيين من اشخاص القانون العام أو الخواص منهم على وجه التحديد يبرمون شتى أنواع العقود الدولية التي كانت الى وقت قريب حكراً على الدولة أو مؤسساتها العامة. فالمعرفة الجيدة بفن التجارة وخباياها, لا تكفي لجني الأرباح من الصفقات المبرمة إذا لم يحسن المتعامل الاقتصادي التفاوض وصياغة العقود والفهم الجيد للاشتراطات التي تتضمنها قبل التوقيع.
كذلك يمكن بيان توجه العراق لعقد جولات تراخيص سواء في مجال الاستثمار بالحقول النفطية أو في مجال نقل التكنولوجيا، فالإشكالية هنا نحن بحاجة الى تحليل عقد الترخيص من زاوية قانونية باعتباره الوعاء الذي تنصب فيه عادةً الشروط المقيدة ومعرفة مدى نجاعته. باعتباره وسيلة فعالة لنقل التكنولوجيا من عدمه؟ وهل يحقق التمكن التكنولوجي للدول النامية, بصفتها متلقية أو مستهلكة للتكنولوجيا, أم هو رخصة للاستغلال فقط؟ وبعد ذلك نحاول معرفة حقيقة الشرط المقيد, ودوره في تقييد حكم العقد؟ وإذا كانت غالبية التشريعات المنظمة لعمليات نقل التكنولوجيا, سواء في الدول المتقدمة صناعياً أو المتخلفة على تباينها, تحاول تحريم هذه الشروط أو الحد منها, فهنا يثار التساؤل حول صحة هذه الشروط إذا ما اقترنت بالعقد, هل تعد باطلة؟ أم لاعتبارات معينة تعتبر صحيحة؟ ومتى يكون كذلك؟ هذه التساؤلات التي نحاول معالجتها من خلال اعطاء تصوّر للموضوع, وتسليط الضوء على الموقف في العراق ونقارنه ببعض الدول الأجنبية (دول أمريكا اللاتينية والهند ودول أخرى)، لكونها تمتلك تشريعات حديثة وقواعد قانونية تنظم عملية نقل التكنولوجيا ، لذا سنحاول وصف هذه القوانين وتحليلها لنبين فيما بعد مدى امكانية الاستفادة من تجارب هذه الدول من عدمه . سنحاول في المقالات اللاحقة الاجابة عن هذه التساؤلات ان شاء الله.