مراحل تطور إصلاح الإدارة الحكومية
يرجع الاهتمام المتزايد بإصلاح الإدارة الحكومية في الدول النامية إلى ثلاثة اتجاهات فكرية رئيسة:
أ – الإدارة الحكومية الجديدة: في أوائل الثمانينيات، بدأ عدد من الدول الأنجلوسكسونية (المملكة المتحدة، ونيوزيلندا، واستراليا،والولايات المتحدة، وكند ا) في تنفيذ برامج إصلاحية على نطاق واسع، وقدمت هذه البرامج النموذج والخبرة للذين يمكن تطبيقهمافي الدول النامية. وتسعي الإدارة الحكومية الجديدة إلى تقليص دور الدولة عن طريق تطبيق مبادئ إدارة القطاع الخاص علىالمنظمات الحكومية. وقد اعتبر البعض أن النشر المتحمس لهذا النموذج في الدول النامية ما هو إلا محاولة جديدة لربط إدارةالتنمية بمنهج غربي موحد نحو إصلاح الإدارة الحكومية. ومع ذلك، لا يزال الفكر الحالي حول إصلاح الإدارة الحكومية مستلهمامن لغة الإدارة الحكومية الجديدة، ومبادئ التركيز على، واللامركزية، والفصل بين وضع السياسة وبين تنفيذها،والاستعانة بالشركاء من القطاع الخاص في تقديم الخدمات.
ب – الإصلاحات الهيكلية التوفيقية: في منتصف فترة الثمانينات ركزت الجهود الرامية لإصلاح الإدارة الحكومية في الدول النامية،بمساعدة المؤسسات المالية الدولية، على تقليل مصروفات الحكومة الكلية، وبشكل أساسي من خلال خصخصة المشروعاتالمملوكة للدولة وتخفيض تكلفة الأجورلخفض الإنفاق الحكومي إلى مستويات مستدامة وتحرير الموارد لاستخدامها في مجالاتأخرى لتحقيق فائدة أكبر للاقتصاد ككل. وعلى الرغم من ذلك، واجهت معظم إصلاحات القطاع العام، التي دعمتها البرامجالهيكلية التوفيقية، مقاومة كبيرة (ويرجع هذا بشكل كبير إلى أن القطاع العام في الكثير من الدول هو المصدر الأساسي للتوظيفالرسمي)، ونادرا ما كان تنفيذ هذه البرامج ناجحا.
ج- الانتقال من التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق، والانتقال من حكومات الحزب الواحد إلى الحكومات الديمقراطية متعددةالأحزاب: أدى سقوط الاتحاد السوفيتي إلى إقناع الحكومات في الدول ذات النظام الاشتراكي سابقا بضرورة تحويل نظمهاالاقتصادية، بحيث تلتزم بشكل أكبر بمبادئ السوق التي غالبا ما ترتبط ببرامج الإصلاح السياسي . وفي فترة التسعينيات بدأ عدد
كبير من النظم الاقتصادية، لاسيما في وسط وشرق أوربا، (بل وأيضا في دول جنوب شرق آسيا) في هذا التحول، وتضمنذلك إعادة توجيه نظام الإدارة الحكومية.
أما الاتجاهات الحديثة في مجال إصلاح الإدارة الحكومية:
على الرغم من الجدل المثير الذي أثارته الاحزاب الليبرالية الجديدة في فترة الثمانينيات والتسعينيات التي سعت إلى تقليص دور الدولة،أثبتت الدراسات الميدانية الحديثة أن المواطنين يرغبون في وجود مؤسسات تابعة للدولة تتسم بالديمقراطية والكفاءة في استخدامالموارد العامة، كما تتسم بالفاعلية في توفير السلع العامة، لكنها تتسم أيضا بالقوة والقدرة على التصدي للقوى العالمية الكبرى. ويرغبالشعب في أن تتصرف الدولة وإدارتها العامة كعامل محفز اجتماعي واقتصادي قادر على كفالة توزيع الفرص بشكل عادل، وتحقيقإدارة مستدامة للموارد، والاستفادة من الفرص بشكل عادل (من الناحية السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية). ويرى البعضأن التاريخ قد أثبت أن وجود إدارة عامة مستقرة هو أمر أكثر أهمية للتنمية الاقتصادية من وجود برلمانات حرة أو إجراء انتخاباتحرة. وفي الدول الأقل تطورا، وبخاصة الدول المتضررة من فترة ما بعد الحروب، تطلب القطاعات الخاصة التي تسعى لتحقيقالتنمية من الإدارة الحكومية أن تلعب دورا ر ئيسا في تقديم الخدمات وتوفير البنية التحتية الاقتصادية المطلوبة. ولكن، الأهم من ذلك،يعد وجود خدمة مدنية مستقرة وغير مؤيدة لأي حزب من الأحزاب السياسية أمرا هاما للديمقراطية لأنها تجعل من الممكن وجود حكمسياسي يتمتع بالسلام والنظام ومن ثم وجود تعددية حزبية حقيقية.
وفي السنوات الأخيرة، يرى الكثيرون أن إدارة القطاع العام ليست فقط عبارة عن تحديث للمؤسسات التابعة للدولة وتقليل تكاليفالخدمة المدنية، ولكنها أيضا عبارة عن آلية لدعم الشراكات الفعالة مع المجتمع المدني والقطاع الخاص من أجل تحسين جودة تقديمالخدمة ودعم المسؤوليات الاجتماعية وضمان مشاركة أعداد كبيرة من المواطنين في عملية صنع القرار والاسهام بآرائهم بشأن أداء الخدمة العامة.
أ.م.د. حسن علي كاظم
رئيس الفرع الخاص/ كلية القانون
جامعة كربلاء