نظام الجملة العربية
الجملة
الجملة هي الصورة اللفظية الصغرى للكلام المفيد في أية لغة من اللغات ،وهي المركب الذي يبين المتكلم به إن صورة ذهنية كانت قد تألفت أجزاؤها في ذهنه ، ثم هي الوسيلة التي تنقل ماجال في ذهن المتكلم إلى ذهن السامع
والجملة التامة التي تعبر عن ابسط الصور الذهنية التامة التي يصح السكوت عليها ، تتألف من ثلاثة عناصر رئيسية ، هي : المسند إليه ، أو المتحدث عنه ، او المبنى عليه . و المسند الذي يبنى على المسند إليه ، ويتحدث به عنه . والاستناد ، أو ارتباط المسند بالمسند إليه .
فقولنا : (هب النسيم) جملة تامة ، تعبر عما تم في الذهن من صورة تامة قوامها : المسند إليه ، وهو (النسيم) ، والمسند، وهو (هب) ثم إسناد الهبوب إلى النسيم . والإسناد عملية ذهنية تعمل على ربط المسند بالمسند إليه ، كما عملت هنا على ربط الهبوب بالنسيم .
وليس في العربية غالبا من لفظ يدل على (الإسناد) ، كما في غيرها من اللغات الهندية الأوربية ، مثل (أست ) في الفارسية ، و( is) في الانكليزية ، و ((est في الفرنسية، و (ist) في الألمانية وغيرها ، ولكن الجملة العربية – فيما يبدو- كانت تتضمن في استعمالاتها القديمة شيئا من هذا ، معبرا عنه بفعل الكينونة ، ولكنه انقرض في الاستعمال الشائع ، وبقي له أثار احتفظت بها بعض الشواهد التي يستشهد بها النحاة على زيادة (كان) كقول الشاعرة :
أنت تكون ماجد نبيل إذا تهب شمأل بليل
فالكلمة (تكون) عند النحاة زائدة هنا ، لأنها لم تجر جريان (كان) في الاستعمال من رفع الاسم ونصب الخبر ، وهي – فيما ازعم – فعل الكينونة الذي يدل على الإسناد .
كقول الشاعر :
وما كل ما يبدي البشاشة كائنا أخاك إذا لم تلفه لك منجدا
فكائنا هنا-فيما ازعم-استعملت لتؤدي الغرض الذي أشرت إليه ،وليس لوجودها فائدة اخرى ،وان جرت مجرى (كان) في نصبها الخبر: (أخاك)، ولو قيل: وما كل من يبدي البشاشة أخوك أو أخ لك لما فقد الكلام شيئا من معناه أو دلالته.
وإذا أخذت العربية تستغني عن استخدام فعل الكينونة للدلالة على تحقيق الاسناد استعاضت عنه باستعمال الضمير : (هو) الذي يسميه البصريون فصلا ، ويسميه الكوفيون (عمادا)، وذلك في الجمل الاسمية غالبا، وفي الجمل الاسمية التي يكون المسند اليه والمسند فيها معرفة ، كقولهم : محمد الشاعر، وهاتان الجملتان تامتان ، مستوفيتان كل المتطلبات التي يقتضيها الاسناد ، ولكن الامر فيهما قد يكتنفه اللبس فيظن ان (الشاعر) و(الفقيه) نعتان لامسندان ، فاذا جيء بهذا الضمير زال اللبس ، وكان الكلام نصا في الاسناد.
وقد جاء الاستعمالان في القران الكريم ، في قوله تعالى : ( ياايها الناس انتم الفقراء الى الله ، والله هو الغني الحميد ) ، وفي قوله تعالى ( ومن يبخل فانما يبخل على نفسه ، والله الغني وانتم الفقراء ) .
ولكن الجملة العربية في اكثر حالاتها تتضمن شيئا اخر يشير الى الإسناد دائما ، شيئا الحق بالمسند اليه ، والصق به ، وهو صوت الضمة في ( النسيم) وفي (محمد وخالد) في المثالين الانفي الذكر ، وقد الحق به ليكون علما على كونه مسندا اليه وقد ثبت بالاستقراء ان الضمة دائما علم الإسناد ، تلحق المسند إليه ، او صفة المسند إليه التابعة له .
والجملة في اقصر صورها هي اقل قدر من الكلام يفيد السامع معنى مستقلا بنفسه ، وليس لازما ان تحتوي العناصر المطلوبة كلها ، قد تخلو الجملة من المسند إليه لفظا ، او من المسند ، لوضوحه وسهولة تقديره ، كخلوها من المسند إليه في نحو قول المستهل : (الهلال والله) ومن المسند في نحو قولك : خرجت فإذا السبع ونحو قولك : (زيد) في جواب من قال لك : من كان معك أمس ، ونحو قولهم : لولا علي لهلك عمر .
وقد تخلو من المسند اليه ، لان المتكلم لم يعن بذكره، او لان الكلام لايهدف إلى الإشارة إليه ، كما اذا قيل : جلس في الغرفة ، فالغرض من هذا الكلام الإخبار عن حدوث جلوس في الغرفة ، ولم يكن من اغراضه تعيين من جلس ، او بالإشارة إليه ، فالجملة هذه فعلية ، لأذكر للمسند اليه فيها ، ولا إشارة اليه.
الجملة العربية
داب النحاة القدماء على تقسيم الجملة الى جملة اسمية ،وجملة فعلية، وهو تقسيم صحيح يقره الواقع اللغوي ، ولكنهم بنوا دراساتهم اللغوية على غير منهجها ، فلم يوفقوا إلى تحديد الجملة الاسمية والجملة الفعلية تحديدا يتفق مع طبيعة اللغة، فالجملة الاسمية عندهم هي التي تبدأ بالاسم ،والجملة الفعلية هي التي تبدأ بالفعل، او كما قال ابن هشام : (الاسمية هي التي صدرها اسم ، كزيد قائم ، وهيهات العقيق ، وقائم الزيدان عند من جوزه، وهو الاخفش والكوفيون . والفعلية هي التي صدرها فعل كقام زيد ،وضرب اللص ،وكان زيد قائما ن ويقوم زيد ، وقم ).
وهو تحديد ساذج ، يقوم على أساس من التفريق اللفظي المحضن ، فجملة (طلع البدر) وجملة(البدر طلع) أو جملة (البدر الطالع) أو جملة (طالع البدر) جملة اسمية.
ويؤخذ بعد هذا على مقالة ابن هشام انه اعتبر الجملة الاسمية أساسا للجمل العربية،ولهذا قدم ذكرها على حد مأخذه ومأخذ غيره في معالجة مثل هذه الأمور ، وهو مبني على أساس أن الاسم الأصل ، والفعل فرع ، لان الاسم- كما يرى هو،وكما يرى البصريون – أصل المشتقات ، لان من المقرر عندهم أن المصدر – وهو اسم – أصل المشتقات جميعا.
ويؤخذ عليه أيضا هذا الارتباك في الأمثلة التي جاء بها نماذج للجمل الاسمية ، فهيهات عنده اسم ، لانه يسمى عنده : اسم فعل ، وهو بعيد عن الاسمية . ويؤخذ عليه شيء آخر لا ينبغي لمثله ان يقع فيه ، وهو ان ” هيهات ” في رأي مدرسة الكوفة فعل حقيقي كسائر الأفعال .
اما تمثيله للاسمية بقوله ” قائم الزيدان ” فغير موفق فيه ، لانها ليست بالجملة الاسمية في الواقع ، لان المسند إليه فيها فاعل لا مبتدأ ، وان قيل في إعرابه : انه فاعل سد مسد الخبر ، لان كونه فاعلا ينفي ان تكون الجملة اسمية .
وفي الحقيقة انه ليس صحيحا ما ذهب إليه ابن هشام ، وذهب إليه البصريون من قبل ، من ان الاسم أصل للفعل ، وان المصدر أصل المشتقات ، فالفعل في اللغات السامية ، ومنها العربية هو كل شيء ، فهو أساس التعبير ، واعتبار المصدر أصلا للمشتقات أو للاشتقاق مخالفا لأصله .
ومن اجل تصحيح ما وقع فيه القدماء من تعسف وارتباك ، وتمشيا مع ما يقتضه الأسلوب اللغوي يحسن بنا ان نعيد النظر في تحديد الفعلية والاسمية في الجمل ، وان نحاول الوصول إلى تفريق يُدخل في كلا القسمين ما هو منه ، ويخرج من كليهما ما ليس منه .
الجملة الفعلية هي الجملة التي يدل فيها المسند على التجدد ، أو التي يتصف فيها المسند إليه بالمسند اتصافا متجددا ، وبعبارة أوضح ، هي التي يكون فيها المسند فعلا لان الدلالة على التجدد إنما تستمد من الأفعال وحدها .
أما الجملة الاسمية فهي التي يدل فيها المسند على الدوام والثبوت ، أو التي يتصف فيها المسند إليه بالمسند اتصافا غير متجدد ، أو بعبارة أوضح : هي التي يكون فيها المسند اسما . ومعنى هذا ان كلا من قولنا : طلع البدر ، والبدر طلع ، جملة فعلية . أما الجملة الأولى فالأمر فيها واضح ، وليس لنا فيه خلاف مع القدماء ، وأما الجملة الثانية فاسمية في نظر القدماء ، وفعلية في نظرنا ، لانه لم يطرأ عيها جديد إلا تقديم المسند إليه ، وتقديم المسند إليه لا يغير من طبيعة الجملة ، لانه إنما قدم للاهتمام به . ان القول بان جملة ” البدر طلع ” فعلية ، يجنبنا الوقوع في كثير من المشكلات التي أوقع النحاة القدماء أنفسهم فيها ، أو أوقعهم فيها منهجهم الفلسفي .
ان طبيعة الجملة الاسمية إذن تختلف عن طبيعة الجملة الفعلية . وما دمنا نواجه جملتين ذواتي طبيعتين مختلفتين يحسن بنا ان نفرق بين المسند إليه في الأولى ، والمسند إليه في الثانية . فنسمي الأول مبتدأ ، ونسمي الثاني : فاعلا ، سواء أكان الفعل في الجملة الفعلية مبنيا للمعلوم ام مبنيا للمجهول . غير ان المسند إليه في الجملة الفعلية عند قدماء النحاة ، نوعان : فاعل………. ونائب عن الفاعل .
فالفاعل عندهم إنما يكون في الجملة الفعلية التي بني الفعل فيها للمعلوم ، والنائب عن الفاعل انما يكون في الجملة الفعلية التي بني الفعل فيها للمجهول . ولكننا نخالف القدماء فنزعم ان المسند اليه في كل منهما نوع واحد ، ذلك لان كلا منهما مرفوع ، لان كلا منهما مسند اليه ، ولان كلا منهما يستدعي تأنيث الفعل إذا كان مؤنثا ، وهم يصرحون في أثناء البحث في النائب عن الفاعل ان جميع ما يذكر للفاعل من أحكام تنطبق على النائب . والفرق بين الفاعل ونائبه إنما يكون في بناء فعله .
وخلاصة القول ان الجملة الفعلية هي ما كان المسند فيها فعلا ، سواء أتقدم المسند إليه أم تأخر ، تغيرت صورة الفعل فيها أم لم تتغير . فقولنا طلع البدر ، والبدر طلع ، وانكسر الزجاج ، وكسر الزجاج ، كلها من الجمل الفعلية ، والمسند إليه في كل منها فاعل إلا ان الفاعلين في الجملة الفعلية ضربان ، ضرب يفعل الفعل عن إرادة واختيار ، كقولنا سافر خالد ، وخالد سافر ، وضرب يتلبس بالفعل تلبسا ، وليس له في الفعل إرادة ولا اختيار ، كقولنا انكسر الزجاج وكسر الزجاج . وما دام الفاعلون ضربين فلا بد من تغيير صورة الفعل تغييرا يعبر عن الفرق بين هذين الضربين ، فالفعل الذي يسميه النحاة مبنيا للمعلوم هو في رأينا فعل الفاعل المختار ، والفعل الذي يسمونه مبنيا للمجهول هو في رأينا فعل الفاعل الذي لا اختيار له .
حروف الجر
حروف الجر في العربية عددها عشرون حرفا ، هي ” من ، الى ، حتى ، خلا ، حاشا ، عدا ، في ، عن ، على ، مذ ، منذ ، رب ، اللام ، كي ، او ، والتاء ، والكاف ، والباء ، لعل ، ومتى .
هذه الحروف العشرون كلها مختصة بالاسماء . وهي تعمل فيها الجر .
اولا : من حروف الجر ما لا يجر الا الاسم الظاهر ، أي انها لا تجر الضمير اطلاقا ، وهي سبعة حروف : منذ ، مذ ، حتى ، الكاف ، والواو ، ورب ، والتاء . نستثني منها الحرف ” حتى ” .
أ- منذ – مذ : هذان الحرفان لا يجران من الاسماء الظاهرة الا اسماء الزمان ، فان كان الزمان حاضر ” يدل على المضارعة ” فانها تكون بمعنى ” في ” نحو : ” ما رايته منذ يومنا ” أي في يومنا ، وان كان الزمان ماضيا كانت بمعنى ” من ” نحو ” ما رايته مذ يوم الجمعة ” أي : من يوم الجمعة .
ب- الواو- والتاء : وهما مختصتان بالقسم ، ولا يجوز كر فعل القسم معهما فلا تقول : ” اقسم والله ” ولا ” اقسم تالله ” . ولا تجر ” التاء ” إلا لفظ ” الله ” فتقول ” تالله لافعلن ” . وقد سمع جرها ل” رب ” مضافا إلى ” الكعبة ” فقالوا ” ترب الكعبة ” ، وسمع أيضا ” تالرحمن “
ت- رب : لا تجر ” رب ” إلا نكرة ، نحو : ” رب رجل عالم لقيتُ “
ث- الكاف : تاتي ” الكاف ” للتشبيه كثيرا ، كقولك ” زيد كالأسد ” . وتأتي أيضا للتعليل كقوله تعالى ” واذكروه كما هداكم ” ، أي : لهدايته إياكم ، وتأتي زائدة للتوكيد ، وجعل منه قوله تعالى ” ليس كمثله شيء ” ، أي : ليس مثله شيء .
ثانيا : ما يجر الاسم الظاهر والضمير . وهي :
أ- ” من ” : وتأتي ” من ” بمعانٍ عديدة ، هي :
1- التبعيض ، ومثالها قولنا : ” أخذت من الدراهم ” ، أي من بعض الدراهم ، ومنه قوله تعالى ” ومن الناس من يقول آمنا بالله ” .
2- لبيان الجنس ، ومثالها ” فاجتنبوا الرجس من الأوثان ” .
3- لابتداء الغاية في غير الزمان كثيرا ، وفي الزمان قليلا ، ومثالها لابتداء الغاية في المكان قوله تعالى ” سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ” ، ومثالها لابتداء الغاية في الزمان قوله تعالى ” لمسجدُ أسس على التقوى من أول يوم أحق ان تقوم فيه “
4- وزائدة ، ومثالها ” ما جاءني من احد ” . ولا تزاد ” من ” عند النحاة العرب إلا بشرطين ، الأول ان يكون المجرور بها نكرة ، والثاني ان يسبقها نفي او شبهه ، والمراد بشبه النفي : النهي ، نحو ” لا تضرب من احد ٍ ” ، والاستفهام نحو : هل جاءك من احدٍ ” .
5- تستعمل ” من ” بمعنى ” بدل ” ومنه قوله تعالى ” أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة ” ، أي بدل الآخرة .
ب- ” إلى ” والأصل فيها انها تفيد معنى انتهاء الغاية ، نحو ” سرت البارحة الى اخر الليل ، او إلى نصفه “
ب-” اللام ” ، وتأتي بمعانٍ عديدة ، هي :
1- تكون ” اللام ” للانتهاء ، وهو قليل ، ومنه قوله تعالى ” كل يجري لأجل مسمى ” .
2- تكون للملك ، نحو قوله تعالى ” لله ما في السموات وما في الأرض ” ، و ” المال لزيد ” . ولشبه الملك ، نحو ” الباب للدار ” .
3- تكون للتعليل ، نحو ” جئتك لإكرامك ” ، وقول الشاعر :
واني لتعروني لذكراكِ هزة كما انتفض العصفور بلله القطر
4- تكون زائدة قياسا ، نحو ” لزيدٍ ضربت ” ، ومنه قوله تعالى ” إن كنتم للرؤيا تعبرون ” ، وسماعا ، نحو ” ضربت لزيد ” .
ج– الباء ، تأتي بمعانٍ متعددة ، هي :
1- الظرفية ، ومثالها قوله تعالى ” وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل ” ، أي : وفي الليل .
2- السببية ، ومثالها قوله تعالى ” فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيباتٍ أحلت لهم ، وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ” .
3- الاستعانة ، نحو ” كتب بالقلم ، وقطعت بالسكين ” .
4- التعويض ، نحو ” اشتريت الفرس بألف درهم ” ومنه قوله تعالى ” أولئك الذين اشتروا الهدى الحياة الدنيا بالآخرة ” .
5- الإلصاق ، نحو ” مررت بزيد ” .
6- وتأتي بمعنى ” مع ” ، نحو ” بعتك الثوب بطرازه ” ، أي : مع طرازه .
7- وتأتي بمعنى ” عن ” ، نحو قوله تعالى ” سال سائل بعذاب ” ، أي : عن عذاب .
8- وتكون الباء للمصاحبة ، نحو قوله تعالى ” فسبح بحمد ربك ” ، أي : مصاحبا حمد ربك .
د– ” على ” وتاتي بمعانٍ عديدة ، هي :
1- الاستعلاء ، وهو الأكثر فيها ، نحو قولنا ” زيد على السطح ” . –
2- وتأتي بمعنى ” في ” ، نحو قوله تعالى ” ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها ” ، أي : في حين غفلة .
ه– ” في ” وتأتي بمعانٍ عديدة ، هي :
1- الظرفية ، وهو استعمال كثير فيها ، نحو قولنا ” زيد في المسجد ” .
2- السببية ، نحو قول الرسول الكريم ” ص ” : ” دخلت امرأة النار في هرةٍ حبستها ، فلا هي أطمعتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ” .
و– ” عن ” وتأتي بمعانٍ عديدة ، هي :
1- المجاوزة ، وهو الاستعمال الكثير فيها ، نحو قولنا ” رميت ألسهم عن القوس ” .
2- وتأتي بمعنى ” بعد ” نحو قوله تعالى ” لتركبن طبقا عن طبق ” ، أي : بعد طبق .
الإضافة
يعني الإضافة ، بصورة عامة ، إضافة شيء إلى شيء آخر . وفي النحو العربي تؤدي وظيفة رئيسة ، هي تعريف المضاف عن طريق المضاف إليه . إذن في عملية الإضافة لابد من توفر مضاف ، وهو دائما ، يأتي نكرة ، وهناك المضاف إليه الذي لا يخرج عن صيغتين ، الأولى ان يكون نكرة أيضا ، او معرفة والغالب فيه ان تأتي بصيغة العلم . وطبعا الإضافة تحدث بين الأسماء فقط ن ولا يمكن ان تتم الإضافة بين الأفعال .
واذا أردنا إضافة اسم إلى آخر فإننا نحذف ما في المضاف ” الاسم الأول ” من نون ، وهي هنا : نون الجمع ونون التثنية ، ونحذف كذلك التنوين من المضاف ن ثم نجر المضاف اليه ، نقول مثلا : هذان غلاما زيدٍ ، وهؤلاء بنوه ، وهذا صاحبه “
ففي الجملة الأولى تم حذف ” النون ” من كلمة ” غلامان ” ن وهو هنا نون التثنية ، بينما تم حذف التنوين من الجملة الثالثة ، والأصل ( هذا صاحبُ ) .
ولقد اختلف النحاة العرب في الجار للمضاف اليه ، فقيل انه مجرور بحرف مقدر وهو ” اللام ” او ” من ” او ” في ” ، وقيل انه مجرور بالمضاف ، وهو الراي الارجح .
معنى الاضافة :
تكون الاضافة بمعنى ” اللام ” عند الجميع النحويين ، وزعم بعضهم انها تكون ايضا بمعنى ” من ” ، وضابط هذا الامر انه يتعين تقدير ” من ” ان كان المضاف اليه جنسا للمضاف ، نحو ” هذا ثوب خز ، وخاتم حديد ” والتقدير : هذا ثوب من خز ، وخاتم من حديد . فان لم يتعين تقدير ” من ” فان الاضافة بمعنى ” اللام ” .
أقسام الإضافة
تكون الإضافة على قسمين : محضة ، وغير محضة .
الإضافة المحضة
وتعرف بانها غير إضافة الوصف المشابه للفعل المضارع إلى معموله . وتسمى بالإضافة المعنوية كذلك ؛ لانها تخص المعنى ، والإضافة المحضة تؤدي المعنى الأصل والحقيقي للإضافة ؛ كونها تؤدي وظيفتي الإضافة ، وهما : التعريف والتخصيص .
وبالإمكان تقسيم الإضافة المحضة حسب الوظيفتين السابقتين ، وهما :
إضافة بقصد التعريف ، وضابطها ان يكون المضاف إليه معرفة ، نحو قولنا ” هذا طفل هند ” .
إضافة بقصد التخصيص ، وضابطها ان يكون المضاف إليه نكرة ، نحو قولنا ” هذا طفل امرأةٍ ” .
الإضافة غير المحضة
وتمسى أيضا بالإضافة اللفظية ؛ لانها لا تفيد سوى اللفظ . وضابطها انه ان كان المضاف وصفا يشبه ” يفعل ” ، أي الفعل المضارع ، وهو كل اسم فاعل او مفعول ، بمعنى الحال والاستقبال ، او صفة مشبهة ولا تكون الصفة المشبهة الا بمعنى الحال .
فمثال اسم الفاعل ” هذا ضارب زيدٍ ألان أو غدا “
ومثال اسم المفعول ” هذا مضروب الأب “
ومثال الصفة المشبهة ” هذا حسن الوجهِ “
ففي المثال الاول يؤدي الاسم ” ضارب ” وظيفة المضاف ، وهو هنا اسم فاعل لانه عامل بدليل وجود القرينة الزمنية ” الان او غدا ” ، والقرينة تدل على الحال او المستقبل ، فان أردت الجملة في زمن الحاضر استخدمت كلمة ” الان ” ، بينما يتم استخدام ” غدا ” ان كانت الجملة في زمن المستقبل .
فان كان المضاف غير وصف ، او وصفا غير عامل كأن كانت الجملة في زمن الماضي او تمت إضافة قرينة زمنية تدل على الماضي مثل كلمة ” امس ” ، فان الإضافة محضة ، كالمصدر نحو : ” عجبت من ضربِ زيدٍ ” ، او اسم فاعل غير عامل نحو ” هذا ضارب زيدٍ امس ” .
وفي الحقيقة ان الإضافة غير المحضة لا تفيد الاسم ” المضاف ” تخصيصا ولا تعريفا ، بينما تفيد الاضافة الاولى ، وهي المحضة ، التخصيص او التعريف ، ولذلك سميت الإضافة فيها معنوية ، وسميت محضة لانها خالصة من نية الانفصال ، بخلاف غير محضة ، فانها على تقدير الانفصال ، تقول : ” هذا ضارب زيدٍ الان ” ، والتقدير ” هذا ضارب زيدا ” والمعنى واحد وإنما أضيف طلبا للخفة .
ملاحظات :
1- لا يجوز دخول الألف واللام على المضاف الي إضافته محضة ، فلا تقول ” هذا الغلام رجل ” ، لا ن الإضافة منافية للألف واللام ولا يجمع بينهما .
2- إن المضاف يتخصص بالمضاف اليه ، أو يتعرف به ، ولا بد ان يكون غيره ؛ اذ لا يتخصص الشيء أو يتعرف بنفسه ، ولا يضاف اسم لما به اتحد في المعنى : كالمترادفين وكالموصوف وصفته ، فلا يقال ” رجلُ قائمٍ ” ، وما ورد مُوهما لذلك مؤول ، كقولهم ” سعيد كرزٍ ” فظاهر هذا انه من اضافة الشيء الى نفسه ، لان المراد بسعيد وكرز فيه واحد ، فيؤول الاول بالمسمى ، والثاني بالاسم ، فكأنه قال : جاءني مسمى كرزٍ ، أي مسمى هذا الاسم ، وعلى ذلك يؤول ما اشبه هذا من اضافة المترادفين ، كيوم الخميس . وأما ما ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته ، فمؤول على حذف المضاف اليه الموصوف بتلك الصفة ، كقولهم ” صلاة الأولى ” ، والأصل صلاة الساعة الأولى ، فالأولى صفة للساعة ، لا للصلاة ، ثم حذف المضاف إليه فلم يضف الموصوف إلى صفته ، بل إلى صفة غيره .
الخبر والإنشاء
يعرف البلاغيون العرب الخبر بانه ” كل كلام يحتمل الصدق والكذب لذاته ، وهذا التعريف يصدق على كل كلام يؤخذ من غير النظر إلى قائله . والأخبار التي وردت في القران الكريم وأحاديث الرسول الكريم ” ص ” والحقائق العلمية والبديهيات التي لا يُشك فيها ، لا يمكن ان تحتمل الكذب مع انها إخبار عن شيء ؛ ولذلك تخرج من هذا التعريف ، أما غيرها من الأخبار ، فهي قابلة للتصديق والتكذيب من أي إنسان صدرت لانها ينظر إليها ، لا لذات القائلين . “
اضرب الخبر
للخبر ثلاثة اضرب :
الأول : ويسمى الابتدائي ، وهو الخبر الذي يكون خاليا من المؤكدات ؛ لان المخاطب خالي الذهن من الحكم الذي تضمنه . من ذلك قوله تعالى : ” قال بل فعله كبيرهم هذا ” . ومنه قول المتنبي :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
ففي هذه الأمثلة إلقاء للخبر إلى مخاطب خالي الذهن من حكمه ن ولذلك جاءت من غير توكيد .
الثاني : ويسمونه ألطلبي ، وهو الخبر الذي يتردد المخاطب فيه ولا يعرف مدى صحته . ومن ذلك قوله تهالى ” وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ، قال يا موسى ان الملاء يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين ” . وقوله أيضا ” اذ قالوا : ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ” ، ومثله قول جرير:
إنَ العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يُحيين قتلانا
في هذه الأمثلة أكد الخبر بإحدى أدوات التأكيد ، مثل ” انَ ” في الآية الأولى والبيت الشعري ، و” اللام ” في الاية الثانية .
الثالث : ويسمون الإنكاري ، وهو الخبر الذي ينكره المخاطب إنكارا يحتاج إلى ان يؤكد بأكثر من مؤكد ، ففي قوله تعالى : ” واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ، اذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا : انا إليكم مرسلون . قالوا ما انتم الا بشر مثلنا ن وما انزل الرحمن من شيء ان انتم الا تكذبون . قالوا : ربنا يعلم انا اليكم لمرسلون ” . حيث قال أولا ” انا إليكم مرسلون ” وقال ثانيا ” انا إليكم لمرسلون ” ، وحينما ازداد إنكارهم ولذلك اكده ب ” ان ” أولا ، وباللام ثانيا ليزيل عنهم ذلك الشك والإنكار . ومنه قوله أيضا ” انكم لذائقو العذاب الاليم ” .
أغرض الخبر
للخبر غرضان حقيقيان هما :
الأول : فائدة الخبر ، ومعناه إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة أو الكلام ، وهذا هو الأصل في كل خبر ؛ لان فائدته ( أي الخبر ) تقديم المعرفة أو العلم إلى الآخرين . ومن ذلك قوله تعالى ” الله نور السماوات والأرض ، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كانها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء ، ويضرب الله الأمثال للناس ، والله بكل شيء عليم ” .
الثاني : لازم الفائدة ، وهذا الغرض لا يقدم للمخاطب جديدا ، إنما يفيد ان المتكلم عالم بالحكم . ومن ذلك قولنا لصديق : زاركم محمد أمس ” فالمخاطب يعلم ذلك ولكن الغرض من هذه الجملة إخباره ان المتحدث عارف بذلك