/نشر الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي

أولا: التعريف الاصطلاحي للشائعة

عرف البعض الشائعة بأنها ( الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع أو تعمد المبالغة أو التهويل أو التشويه في سرد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة أو أضافة معلومة كاذبة أو مشوهة لخبر معظمه صحيح . أو تعبير غير صحيح والتعليق عليه بأسلوب مغاير للحقيقة والواقع وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العام المحلي أو الإقليمي أو العالمي أو القومي تحقيق لأهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية على نطاق دولة واحدة أو عدة دول أو على النطاق العالمي بأجمعه ) (1) . والشائعات هي الأقوال والأحاديث والروايات التي يتناقلها الناس دون التأكد من صحتها بل دون التحقق من صدقها والإشاعة هي رواية تتناقلها الأفواه دون أن ترتكز على مصدر موثوق به يؤكد صحتها) .لقد أصبح نشر الشائعات والأخبار الكاذبة من السمات المميزة لعالمنا المعاصر فلا يكاد يمر يوم دون أن نشهد أو نسمع عن أنتشار الشائعات في مكان ما من العالم ، وبغض النظر عما يكون وراء هذه الشائعات من أسباب اقتصادية أو مشكلات اجتماعية على مستوى المجتمع ككل .خلاصة الأمر أن الشائعة وسيلة تعبير تصدر عن أحد الأشخاص سواء كان شخصاً عادياً أم إعلاميا بمعلومة أو خبر قد يكون صادقاً وقد لا يكون كذلك . وتتداول هذه المعلومة بين أفراد المجتمع ويتناولها كل بأسلوبه ويتغير نقلها من فرد الى آخر عبر أي وسيلة تقليدية كانت الصحافة مكتوبة راديو أو مستحدثة الانترنت أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي .

ثانياً : خصائص الشائعة

يعد النشر من أهم خصائص الشائعة وخاصة أـذا ارتبطت بموضوعات مهمة وجاءت عملية نشرها في ظروف يصعب التيقن منها .

من السهل أن تطلق الشائعة ولكن ليس من السهل أبداً أن تتوقف فالشائعة تنشر بسرعة الصوت والضوء عن طريق الأقمار الصناعية والأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الحاضر لتصل الى جميع أطراف الكون حيث أصبح العالم قرية الكترونية واحدة.

تتسم بطابع الغموض والأهمية كما تستمد مضمونها من واقع المجتمع الذي يثبت فيه صعوبة معرفة مصدر الشائعات أثناء أنتشارها ، وتختلف الشائعات في مضمونها منها شائعات اليأس والخوف من المرض لنشر القلق والرعب كما حدث من بث شائعات كثيرة ومتنوعة خلال فترة انتشار جائحة كورونا لأول وهلة . وشائعات الأمل والترغيب كما يحدث في بعض الأحيان من بث شائعات حول زيادة في رواتب موظفي الدولة أو تخصيص قطع الأراضي وغيرها . وشائعات الحقد والكراهية يعد هذا النوع من أخطر الشائعات التي تستهدف التعايش السلمي والتفرقة بين الشعوب وخلق عداوة عن طريق تحشيد حدث فردي وتعميمه على أفراد الشعب وأثارة النزاعات الطائفية والمذهبية والقومية من أجل ضرب النسيج الوطني وصولاً الى تحطيم الروح المعنوية للشعب.

ثالثا : دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الشائعات

زاد انتشار الشائعة وسرعة تداولها بين أفراد  المجتمع وخاصة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أدي إلى تغير بنية الشائعة وطريقة أنتشارها ، وذلك بسبب اختلاف طبيعة وخصائص البيئة الحاضنة لتمك الشائعات، فقد سمحت الشبكات الاجتماعية لانتشارالشائعات التي ربما تؤدي إلى تهديد السلم الاجتماعي وتثير الفتن  في المجتمع وقد كان من المتوقع أن تقل الشائعات تدريجياً من الناحية النظرية وذلك مع تطور وانتشار الاتصال بشكل كبير، إذ لم يبق هناك الكثير من الأشياء الغامضة، إلا أن الشائعات في الواقع بدأت تتزايد وباستمرار ، بل وأصبحت تستفيد من وسائل الاتصال التقليدية والإلكترونية في نفس الوقت، ويبدو أن هذا عائد إلى أحد عاملين الأول : زيادة ميل البعض من مستخدمي وموردي محتوى مواقع التواصل الاجتماعي إلى تحريف بعض الحقائق أو حتى إخفاء جزء منها ، الامر الذي يؤدي إلى زيادة الضبابية والغموض، بالإضافة إلى ضعف المصداقية في الاخبار المعلنة والتصريحات الرسمية وتناقض بعضها مع الواقع.

الثاني : الرغبة الجامحة لدي الناس في معرفة الكثير من الأحداث المجهولة لديهم . ويعد نشر الشائعات من أشد مخاطر إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الشبكات تسهم في انتشار الشائعة وتضخيمها بشكل مبالغ \فيه في فترة قصيرة لا تستغرق ساعات وفي ظل مواقع التواصل الاجتماعي التي أوجدت مجتمعات افتراضية ذابت خلالها الحدود الجغرافية والقيود الاجتماعية فأن أي شخص يستلم رسالة إلكترونية أو منشور على صفحات التواصل الاجتماعي تحتوي على شائعة، فأنه  عندما يرسلها أو يشاركها مع أصدقائه، فان الشائعة تحتفظ بهيكلتها وجاذبيتها مدة أطول.كما إن الشائعة على مواقع التواصل الاجتماعي تنتقي مادتها وأدواتها من مصادر أثرى بكثير من حيث المحتوي عكس الشائعة التقليدية ، والشائعة على الشبكات الاجتماعية تعبر عن محتواها بالنص المكتوب والمنطوق والصوت والرسوم المتحركة والفيديو أحيان كما يوجد مجموعة عوامل يمكن أن تسهم في انتشار الشائعات عبر هذه المواقع، ومن بين هذه العوامل كثرة وجود هذه المواقع، وسرعة انتقال المعلومات بين المستخدمين سواء كانت صحيحة أم غير صحيحة، وعدم وجود رقابة فاعلة وقوانين تجرم نقل الاخبار غير الصحيحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصعوبة التعرف على شخصية مطلقي الشائعات على وجه التحديد، إذ أن انتشار الشائعات من أشد وأخطر سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما في أوقات الأزمات الأمنية أو السياسية أو الاقتصادية وفي ظل غياب دور وسائل الإعلام الأخرى في تغطية تمك الأزمات ورغبة الجمهور في معرفة التفاصيل والتطورات التي تحدث باستمرار

رابعا: مواجهة نشر الشائعات قانوناً

شكل الشائعة ضغطاً اجتماعيا مجهول المصدر يحيطه الغموض والإبهام، وتحظى من قطاعات عريضة بالاهتمام، ويتداولها الناس لا بهدف نقل المعلومات، وإنما بهدف التحريض والإثارة وبلبلة الأفكار وتستهدف القناعات الراهنة للرأي العام والمستقرة في ذهنية المتلقي بغية التهيئة لغايات معينة، يتوقف سريانها كما يرى عالم النفس (مونتغمري بلجيون) على الشك والغموض في الخبر أو الحدث، فحينما تعرف الحقيقة لا يبقى مجال للشائعة. وتتعامل السياسات الجنائية مع السلوك المجرم بكافة التدابير والإجراءات المستخدمة بما في ذلك الوقاية والمنع والتجريم والعقاب، واستجابة لمتطلبات التجريم والعقاب ولما تحدثه الشائعات من تأثير كبير في الرأي العام وانعكاساته على المجتمع والسلم الأهلي فقد جرم القانون الشائعات الكاذبة. والشائعة: هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتُتداول بين العامة ظناً منهم على صحتها. ودائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة ومثيرة لفضول المجتمع والباحثين وتفتقر هذه الشائعات عادةً إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحة الأخبار. وقد تعامل القضاء تطبيقا مع مرتكبي جرائم الشائعات بكل حزم نظرا لصرامة النصوص المجرمة والتي يرجع في اسباب تشريعها إلى عنصرين أساسيين : التأثير السلبي للشائعة على الرأي العام و تجاوزها لحدود ممارسة الحق المقرر بمقتضى القانون. وتؤسس الشائعة ركنها المادي المكون للجريمة على عنصري (الخطر والضرر ) والعلاقة السببية التي تجمعهما لتكوين النتيجة الضارة يرافق ذلك قصد جرمي لدى الفاعل  المروج للشائعة مفاده الادراك والعلم بما يقوم به. وبالاطلاع على النصوص العقابية الواردة في قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 المعدل المتعلقة بجريمة بث الشائعات الكاذبة باعتبارها من الجرائم الخطرة الماسة بأمن البلد نرى بانها حددت الشائعة المغرضة في زمن الحرب حيث نصت المادة 179_1(يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين من اذاع عمدا في زمن الحرب اخبارا او بيانات او شائعات كاذبة او مغرضة او عمد الى دعاية مثيرة و كان من شأن ذلك الحاق الضرر بالاستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد او بالعمليات الحربية للقوات المسلحة او اثارة الفزع بين الناس او اضعاف الروح المعنوية في الامة). ونصت الفقرة الثانية على ان تكون العقوبة السجن المؤقت اذا ارتكب الجريمة بنتيجة الاتصال مع دولة أجنبية فإذا كانت هذه الدولة معادية كانت العقوبة السجن المؤبد، و في المادة 180 من قانون العقوبات العراقي ( يعاقب بالحبس كل مواطن اذاع عمدا في الخارج اخبارا او بيانات او اشاعات كاذبة او مغرضة حول الاوضاع الداخلية للدولة و كان من شأن ذلك اضعاف الثقة المالية بالدولة او النيل من مركزها الدولي او باشر بأية  طريقة كانت نشاطا من شأنه الاضرار بالمصالح الوطنية، و تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات اذا وقعت الجريمة زمن الحرب )، كذلك المادة (304) من قانون العقوبات والتي جاءت تحت عنوان الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني والثقة المالية للدولة فنصت على ما يلي : (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من اذاع بطريقة من طرق العلانية وقائع ملفقة او مزاعم كاذبة وهو يعلم بتلفيقها او بكذبها وكان من شان ذلك إحداث هبوط في اوراق النقد الوطني او أضعاف الثقة في نقد الدولة او سنداتها او اية سندات أخرى ذات علاقة بالاقتصاد الوطني او الثقة المالية العامة).وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من اذاع بطريقة من طرق العلانية وقائع ملفقة او مزاعم كاذبة وهو يعلم بتلفيقها او بكذبها وكان من شان ذلك إحداث هبوط في اوراق النقد الوطني او أضعاف الثقة في نقد الدولة او سنداتها او اية سندات أخرى ذات علاقة بالاقتصاد الوطني او الثقة المالية العامة).

 والشائعات المجرمة ترتبط بتكديرها الرأي العام واعتدائها على الأمن العام للدولة وزعزعة الثقة بها وبمصالحها الحيوية التي تشكل مرتكزاتها الداعمة وأهمها الاقتصاد والعملة والأمن الداخلي. ويتداخل كثيرا مفهوم الشائعات الكاذبة مع جرائم القذف التي تقوم على إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى طرق العلانية وكانت الواقعة غير صحيحة وهو ما نجده تطبيقاً في الشكاوى التي تقام على الغير الذي يرتكب الجريمة بواسطة شبكة الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة ضد الأشخاص الذين يتولون مناصب في الحكومة او الدولة أو أشخاص معروفين كالفنانين والأدباء ورجال الدين وغيرهم والحاجة ملحة لوجود تشريعات ضابطة للسلوك المرتكب بواسطة وسائل الاتصال الحديثة ومواكبة التطورات التقنية في عالم الاتصالات ومشروع جرائم المعلوماتية إحدى التشريعات المهمة لردع السلوك المجرم والترويج للأخبار والشائعات الكاذبة و ما أكثرها اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي.

خامساً : الضبط الإداري الالكتروني

يعرف الضبط الإداري الإلكتروني ( بأنها مجموعة من الإجراءات الإلكترونية التي تقوم بها سلطات الضبط الإداري الإلكتروني لتقييد نشاط الأفراد أو مراقبتها من أجل الحفاظ على الأمن العام) أن سلطة الضبط الإداري الإلكتروني ناتجة عن المخاطر الإلكترونية التي أصبحت ظاهرة اجتماعية متوافقة مع انتقال المجتمع الرقمي ، حيث أنتقل الأفراد من الواقع المادي الى الواقع الإلكتروني والتي أجمع مشرعو القانون الوضعي في الدول المتقدمة على جسامة المخاطر الإلكترونية والتهديدات التي يمكن أن تنشئ على الحاسب الآلي (شبكات الحاسوب) ، وقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي عبر الأنترنت التي من خلالها أصبح الأفراد يعبرون عن أرادتهم وأفكارهم ومعتقداتهم ونشرها بحرية دون أي قيد . كون أن معظم المعلومات المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعية هي معلومات غير صحيحة ومغلوطة وأصبح متاح لأي فرد أن ينشر الشائعة من أجل أحداث البلبلة .

وجدير بالذكر بأن قرارات سلطة الضبط الإداري الإلكتروني كسابقتها التقليدية يجب أن تكون وفقاً للقانون. لأنها تمس نشاط وحقوق الأفراد فالرغم من أهمية هذه السلطة وضرورتها الا أن الرقابة القضائية عليها ضرورية حتى لا تتعسف الإدارة في استعمالها والإساءة في استخدامها . مثل لا يجوز للإدارة دون وجود ما يبرر أغلاق موقع الكتروني أن يقوم بأغلاقه ، وتتمثل وسائل الضبط الاداري الإلكتروني بالرقابة الإلكترونية لها وظيفة وقائية عامة تمارسها الإدارة في أطار سعيها للمحافظة على الأمن العام نظراً لدورها الكبير في منع وقوع الانحرافات والمخالفات التي تضر بالمصالح المحمية قانوناً وتؤثر سلباً على استقرار الأمن العام ، الترخيص الإلكتروني هي أحدى الوسائل الالكترونية الأمنية اللجوء اليها في سبيل مراقبة الأنشطة الإلكترونية وضبطها

                                                                                                                            المدرس    

                                                                                                                      م حوراء علي حسين      

كلية القانون جامعة كربلاء