((حرية التعبير عن الرأي في الصحافة وضماناتها))
حرية التعبير عن الرأي كفلها الدستور فقد نصت المادة نصت المادة (38 )من الدستور العراقي( تكفلالدولة،بمالايخلبالنظامالعاموالآداب: اولاً : حريةالتعبيرعنالرأيبكلالوسائل. ثانياً : حريةالصحافةوالطباعةوالإعلانوالإعلاموالنشر. 0000) وقد نصت المادة(2/ج)من الدستور العراقي(لايجوزسنقانونٍيتعارضمعالحقوقوالحرياتالاساسيةالواردةفيهذاالدستور)، ونصت المادة (46) من الدستور إلى انه (( لا يصار إلى تحديد أو تقييد أي من الحقوق أو الحريات الواردة في الدستور إلا بقانون أو بناءاً على قانون 000)) وكذلك نصت المادة(42)منالدستور العراقي عليه ، وتعد حرية الصحافة من المظاهر المعبرة عن مدى ديمقراطية الدولة وتعد من الدعامات الأساسية التي تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية الحرة ، إذ غدت من الأصول الدستورية الثابتة في كل دولة متحضرة ، وأصبحت واحدة من الحريات المهمة التي تحتمها طبيعة تلك الأنظمة .
وحرية الصحافة تعني ان لصحفي الحق في الحصول على المعلومة اللازمة وكذلك له الحق في حرية القول ونقل المعلومة واضافة لذلك فله الحق في حرية البحث ومناقشة الآراء والاتصال بالأخرين ، وللنظرة الاولى الى ما نص عليه الدستور العراقي مما ذكرناه سلفا نجد ان الحقوق والحريات مكفولة بالدستور ومنها حرية الصحافة ولكن ذلك مقيد بقيدين النظام العام والآداب0
والحقيقة ان وجود النصوص في الدستور أو في القوانين الكافلة لحرية الراي ، لا يعني بالضرورة وجود حرية للتعبير عن الراي عموما وحرية الصحافة خصوصا، فاكثر الدول العربية توجد بها نصوص تكفل حرية الصحافة ولكن على ارض الواقع تكون حرية الصحافة مقموعة ، فالأمر المهم هو توافر ضمانات تدعم حرية الصحافة وهذه الحرية تزدهر عندما يوجد مبدا الفصل بين السلطات وعندما يوجد نظام ديمقراطي يحكم الدولة وعدم وجود رقابة سابقة او رقابه ادارية على حرية التعبير عن الراي وعدم تأميم الصحف او دمج الصحف كذلك عدم وجود شروط معرقلة لإصدار الصحف وعدم التدخل في تعيين مدراء للصحف و وعدم ابلاغ رؤساء التحرير بما يجوز نشره من عدمه ،وخلاف ذلك يعني موت لحرية التعبير عن الرأي ولو وجد نص في الدستور او القانون، فالصحافة التي تسير في ركب الحكومة نجدها مزود بالمعلومات دون غيره ومتمتعة بامتيازات وسائل الاعلانات الحكومية لهم دون غيرهم من الصحافة ومنح الامتيازات المالية وغيرها للصحفيين الموالين للحكومة دون غيرها 0
فحرية الصحافة تسمح للصحفيين بنقد الحكومة وكشف اخطائها امام الراي العام، ولكن هذه الحرية حتى في الدول الديمقراطية تفرض بعض القيود فمثلا ان تكون القيود محددة بنص في القانون وان تكون ضرورية لحماية الامن القومي واحترام حقوق الاخرين وسمعتهم، فالحرية في سننها لا تتصورها انفلاتاً ولا تعني اعتداءاً على الحقوق العامة للمجتمع و الحقوق الخاصة للأفراد ، فلا بد من وجود توازناً بين حرية الصحافة من جهة والحقوق التي قد تتضرر منها من جهة أخرى ، ورسم الحدود بين ما هو مباح وما هو غير مباح يكون في إطار المصلحة العامة ، لذلك تضمنت القوانين قيود لا لوضع الاغلال على الحرية بل لجعلها مقبولة في منظومة فكر المجتمع 0
و في العراق هناك العديد من القيود اضافة لما ذكره الدستور ذكرته بعض القوانيين الاخرى مثل ما نص عليه قانون العقوبات النافذ في المواد فمثلا قيد عدم انتهاك أسرار الدفاع وهذا ما نصت عليه المادة(182)من قانون العقوبات العراقي وكذلك قيد عدم جواز التحريض على قلب نظام الحكم مثل ما نصت عليه المادة (201 )من قانون العقوبات العراقي ،وكذلك في عدم جواز نشر الأخبار والدعايات الكاذبة التي من شأنها تكدير السلم والأمن العامين وهذاما نصت عليه المادة (208) من ذلك القانون،وكذلك عدم جواز المساس بحسن سير العدالة ومثل مانصت عليه المادة( 226) من قانون العقوبات وعدم جواز المساس بالآداب العامة وحسن الأخلاق مثل ما نصت المادة (403 ) من القانون ذاته، والمحافظة على المصالح الخاصة للأفراد صيانة الحياة الشخصية والعائلية للإنسان بعيداً عن الانكشاف أو المفاجأة من الآخرين بغير رضاه …
ولكن نجد ان للصحفي حقوق تعد ضمانا للصحفي في ممارسة عمله وتتمثل تلك الحقوق بحق النقد و حق الطعن في أعمال الموظف أو من في حكمه و حق الإعلام ، ويعرفحق النقد بأنه ” تقييم أمر أو عمل معين لبيان مزاياه وعيوبه وأساس حق النقد نجده في المادة (38) من الدستور وكذلك نجده في الفقرة (ثانيا) من المادة (5) والمادة (8)من قانون حقوق الصحفيين رقم (28 ) لسنة (2011) ونجد تطبيقا عمليا للقضاء العراقيفي محكمة قضايا النشر والإعلام في رئاسة محكمة الرصافة الاتحادية بأن” موضوع المقال ليس فيه مساس لا بشخص المدعي ولا بشخص معين ولا يوجد فيه ما يشير إلى الإساءة والتشهير بالمدعي ، وإن ما ورد فيه لا يعدو أن يكون ضمن ممارسة حق النقد وحرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة” (1)،اماحق الاعلام بأنه” سرد الوقائع والحقائق دون ما تبديل أو تغيير أو تحريفنجد تأسيسه في الفقرة (أولا) من المادة (4) من قانون حقوق الصحفيين.
وقد وفر قانون حقوق الصحفيينحماية قانونية للصحفيين اثناء تأدية عملهم وضمان للحقوقهم واعتبار الاعتداء عليهم اثناء اداءهم لوظيفتهم اعتداء على موظف عام وكذلك عدم جواز طردهم بشكل تعسفي من العمل والزام الجهات الاعلامية بأبرام عقود مع الصحفيين وفق نموذج معد مسبقا من قبل نقابة الصحفيين ويتم ايداع نسخة منه لدى نقابة الصحفيين وكذلك توفير ضمان اجتماعي وصحي ومنح رواتب تقاعدية ومنح عيال من يستشهد من الصحفيين من غير الموظفين نتيجة عمل ارهابي ومنح حقوق للصحفيين الشهداء حقوقا وباثر رجعي وكذلك عدم جواز التحقيق عن جريمة منسوبة للصحفي تتعلق بعمله الصحفي الا بعد اخبار النقابة وهذا ما نصت عليه المادة ( 10) من قانون حقوق الصحفيين ، وقد كفل هذا القانون حق الحصول على المعلومة والاحتفاظ بسرية المعلومة وهذا ما نصت عليه المادة ( 4) وحق الصحفي بالاطلاع على التقارير والمعلومات الرسمية تمكنه من الاطلاع مالم يكن افشاءها مضرا بالمصلحة العامة ومخالف احكام القانون وهذا ما نصت عليه المادة (6) 0
وهناك ضمانات للصحافة منها ما يتعلق في مواجهة المؤسسة الصحفية فالعلاقة المنظمة بين الصحفي والمؤسسة الاعلامية في أن يعبر عن أرائه ، الأمر الذي من شانه أن يرسخ حريـة الصحافة ، أما إذا كان هذا التنظيم قائماً على التحكم والتسلط من جهة إدارة المؤسسة الإعلامية ، فان ذلك سيؤثر سلباً على حرية الصحفي ، و من ثم يؤدي إلى تراجع حرية الصحافة تلك الدولة، ولما كانت ملكية الصحف ووسائل الإعلام من شأنها أن تعطي المبرر في نشوء الرقابة الذاتية بصدد ما يتم نشره خاصة إذا كانت ملكيتها تعود للدولة ، مما يشكل انتقاصا من حرية الصحافة ومن أجل تفادي نشوء مثل تلك الرقابة يجب أن تنظم العلاقة بين الصحفي وإدارة الصحيفة بصورة صحيحة ، مما يجعل يد الإدارة في المؤسسة الصحفية أو الإعلامية غير مبسوطة من أن تضطهد الصحفي في عمله إذا ما اختلفت معه أو تميزه عن غيره إن هي اتفقت معه ، و من أهم تلك الضمانات التي يمكن أن تؤكد حرية الصحفي في مواجهة المؤسسة الصحفية ، حرية الصحفي في التعبير عن رأيه ، وعدم جواز نقل الصحفي أو تغيير عمله أو فصله تعسفا وبخلافه فله الحق في المطالبة بالتعويض وهذا ما نصت عليه المادة (14) من قانون حقوق الصحفيين النافذ ، و حق الضمير الصحفي، الذي جعل الحق للصحفي في فسخ عقده اذا تغيرت سياسة الصحيفة او تغيرت الظروف التي كان يعمل بها وهذا ما نصت الفقرة (سادساً) من المادة (7)من قانون العمل الصحفي في كردستان 0
وهناك ضمانات الصحفي مقابل السلطات العامة تتضمنها القوانين المنظمة للصحافة النص عليها في مجموعة من الحقوق التي يتمتع بها الصحفي عند ممارسته لعمله الصحفي ، ومن تلك الحقوق استقلال الصحفي وتعني( عدم خضوعه لأية توجهات أو مؤثرات حال أدائه لعمله ) وهذا ما نصت عليه الفقرة (أولاً) من المادة (5) من قانون حقوق الصحفيين، وقد نصت المادة (3) منه على ان تقدم للصحفي التسهيلات الي تقتضيها المحافظة على كرامة العمل الصحفي ، كما أكد في الفقرة (أولا) المادة (4) من القانون ذاته على إن ” أولا ـ للصحفي حق الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات غير المحظورة من مصادرها المختلفة وله الحق في نشرها بحدود القانون “.
كما أكد المشرع العراقي هذه الضمانة في الفقرة (أولاً) من المادة (6) من القانون ، والتي نصت على أن (( أولا ـ للصحفي حق الاطلاع على التقارير والمعلومات والبيانات الرسمية وعلى الجهة المعنية تمكينه من الاطلاع عليها والاستفادة منها ما لم يكن إفشاؤها يشكل ضرراً بالنظام العام ويخالف أحكام القانون )) ، وكذلك للصحفي الحصول على المعلومة وعلى الجهة الرسمية تمكينه من الحصول عليها مالم يعد ذلك مخالف للقانون اوضررا يصيب المصلحة العامة وهذا مانص عليه الفقرة (ثانياً) من المادة 06
كما قرر المشرع العراقي ذلك في الفقرة (ثانيا) من المادة (5) من قانون حقوق الصحفيين على حق الصحفي في إبداء رأيه باستقلالية وعلق ذلك بشرط أن يتم ممارسة هذا الحق في إطار القانون بما يضمن المحافظة على كيان المجتمع وحقوق أفراده .
والحرية التي يتمتع بها في الحصول على المعلومـــات وحقه في الوصل ما بين المعلومة التي يسعى للحصول عليها والكلمة المقروءة أو المسموعة التي تصل للجمهور، وهي نتاج عمل الصحفي بشان هذه المعلومة ، إذ يتأكد من صحتها ثم يحللها ويضعها بصياغة يمكن أن تصل بسهولة ويسر للقارئ أو المتلقي ، وحريته في إبداء الرأي ، والحق في الاحتفاظ بالسر الصحفي وعدم إفشائه فقد نصت المادة (4) من قانون حقوق الصحفيين النافذ ، والتي نصت على أن ((ثانيا ـ للصحفي حق الاحتفاظ بسرية مصادر معلوماته)) 0
وقد نتصور للوهلة الاولى تعارض القول بأن الصحافة حرة مع القول بأنها مسؤولة ، و الحقيقة لا تتعارض المسؤولية مع حرية الصحافة ، فلابد من وجود توازن بين حرية التعبير وما بين الاساءة في التعبير والتي قد توصل الى جرائم معينة ،وتختلف المسؤولية الجزائية في حالة الصحفي عن غيره ،اذ نجد في جرائم الصحافة إن المسؤولية تنسب بالدرجة الأساس إلى الناشر أو مدير النشر مع عدم الإخلال بمسؤولية المؤلف للكتابة إن كان معروفاً وأمكن الوصول إلى مساءلته0
ومن تطبيقات ضمانات الصحفي الجزائية الموضوعيةان الاعتداء على الصحفي يعد اعتداء على موظف عام 0
ومن ضمانات الصحفي الإجرائية الموضوعية في الدعوى الجزائية
الدفع بالحقيقة في التشريع العراقي فلم يجز المشرع العراقي في الفقرة (2) من المادة (433) من قانون العقوبات للقاذف إثبات صحة وقائع القذف من خلال إقامة الدليل على حقيقة ما أسنده إلى المقذوف كأصل عام ،إلا إنه منح المتهم حق إثبات حقيقة الأفعال والوقائع التي أسندها إلى الموظف أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة أو المكلف بخدمة عامة أو من كان يتولى عملا يتعلق بمصالح الجمهور وكان ما أسنده القاذف متصلا بوظيفة المقذوف أو عمله فإذا أقام الدليل على كل ما أسنده أنتفت الجريمة ، وكذلك عدم جواز توقيف الصحفي عن جرائمالصحافة وان كان المشرع العراقي لم يفرد لها أحكاما توفر ضمانا حقيقيا للصحفيين في مواجهة إجراء التوقيف أثناء التحقيق مع أحدهم بشأن جريمة من جرائم الصحافة ، إذ لم يتطرق قانون حقوق الصحفيين النافذ إلى إقرار هذا الضمان للصحفيين ، ولما كان التهديد بالتوقيف يلاحق الصحفيين بشأن كافة الجرائم الصحفية التي تقع منهم ، مما يشكل قيدا لحرية التعبير ويفرض خوفا عليهم ويجعلهم في حالة من التردد قبل تناولهم بالنقد مسلك أو تقييم تصرفات و أعمال الموظفين، بخلاف القانون الفرنسي لم يجز توقيف الصحفي عن جرائم الصحافة ،ونجد ان في العراق محكمة مختصة بقضايا النشر والإعلام في رئاسة إستئناف الرصافة تتولى النظر في الشكاوى والدعاوى المتعلقة بالإعلام والنشر بشقيها المدني والجزائي0
ولكي نحظى بحرية تعبير عن الراي في الصحافة لابد من وجود ضمانات اخرى تتعلق عدم ارتباط الصحافة بأجهزة الحكومة فمثلا في فرنسا يوجد مجلس اعلى للأعلام يتكون من9 اعضاء ويشترط عدم تعارض انتمائهم للمجلس مع الوظيفة العامة اوي نشاط مهني ولا يحق لهم الاحتفاظ بمصالح طوال مدة انتمائهم للمجلس من منفعة او مصلحة في السينما او الصحافة او الاعلام ويختص هذا المجلس بتعيين رئيس قنوات التلفاز في فرنسا واعطاء تراخيص لأنشاء محطات للإذاعة او التلفزيون واختصاصات اخرى ، ومن ضمانات الصحافة ان تحدد جرائم النشر على سبيل الحصر وفي اضيق نطاق ،وحظر التوقيف على جرائم الصحافة والغاء عقوبة الحبس في جرائم النشر ، فالخوف من الحبس قد يحجم الصحفي عن حرية التعبير ،ونجد ان استبدال عقوبة الحبس بالغرامة لها اثر كبير لدى اصحاب المؤسسات الاعلامية وخصوصا ان كانت مبالغ الغرامة كبيرة 0
د. علي شاكر البدري
(1) قرار محكمة قضايا النشر والإعلام العراقية بالعدد (6/نشرـ مدني /2010) في(15/3/2010) ، (غير منشور) .