أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري بشأن التبعات القانونية الناشئة عن
سياسات إسرائيل وممارساتها غير المشروعة في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس
الشرقية في 19 تموز/ يوليو 2024 ، إن اللبنة الأساسية للرأي بأكمله هي استنتاج المحكمة
بأن الكيان الإسرائيلي ضم الأراضي الفلسطينية بشكل غير قانوني وعليه من الأهمية بمكان
أن نوضح أن حظر الضم القسري للأراضي ليس نتيجة تكميلية لحظر استخدام القوة بل هو
قاعدة مميزة، تنظم على وجه التحديد ملكية الأراضي كأساس لإقامة سلطة الدولة، بشكل
منفصل عن استخدام القوة.
لقد خلص الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 2024 إلى أن إسرائيل تنتهك
حظر الضم القسري للأراضي، وتضع حظر ضم الأراضي كنتيجة لحظر استخدام القوة،
ولكن السلوك الذي يدل على انتهاك الأول لا ينتهك دائما الأخير، وتبدأ المحكمة بتعريف
مصطلح الضم بعدّه الاستيلاء القسري من جانب القوة المحتلة على الأراضي التي تحتلها،
أي دمجها في أراضي القوة المحتلة، وتضيف المحكمة أن الضم يفترض نية القوة المحتلة
ممارسة سيطرة دائمة على الأراضي المحتلة، وبهذا التعريف تتجاهل المحكمة التمييز بين
الضم بحكم القانون والضم بحكم الامر الواقع، لصالح معيار يركز على تأكيد نية الدولة
ممارسة السيطرة الدائمة على الأراضي، أن التركيز على نية ممارسة السيطرة الدائمة يميز
عمليات الضم القسري للأراضي عن انتهاكات المادة ) 2 / 4( من ميثاق الأمم المتحدة، لان
نية ممارسة السيطرة الدائمة قد تنطوي او لا تنطوي على استخدام القوة، ومن المؤكد أن
استخدام القوة لغرض ضم الأراضي ينتهك حظر استخدام القوة، لكن نية ممارسة السيطرة
الدائمة لا تنتهك وحدها حظر استخدام القوة، فقد تتجسد هذه النية في أفعال تنتهك حظر الضم
دون انتهاك حظر استخدام القوة.
كذلك تصف المحكمة الأفعال التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي والتي ترقى إلى مستوى ضم
الأراضي الفلسطينية، فإنها تناقش سلوك الكيان الإسرائيلي في تطبيق القانون الإسرائيلي
في الأراضي الفلسطينية، لا ترقى هذه الإجراءات في ظاهرها إلى استخدام القوة، بل أنها
تنطوي بدلاً من ذلك على جهود لترسيخ سلطة الكيان الإسرائيلي في أرض لا تنتمي اليه
بحق، عن طريق آليات بيروقراطية حكومية، إن كون هذه الاعمال بمثابة ضم للأراضي
يدل على أن حظر الضم يتعلق في جوهرة باكتساب الأراضي، على الرغم من أن هذا الحظر
ينتهك عن طريق الجهود المبذولة لاكتساب الأراضي باستخدام القوة، فانه يمكن أيضا انتهاكه
عن طريق الجهود المبذولة لاكتساب الأراضي باستخدام آليات أخرى، والتي لا ترقى في
حد ذاتها إلى استخدم القوة، بعبارة أخرى فإن حظر ضم الأراضي لا يندرج بالكامل ضمن
حظر استخدام القوة، فهما حظران منفصلان ومتداخلان والواقع أن تعريف الضم الذي تتبناه
المحكمة يسلط الضوء على ما يجعله مميزاً، مع لغة الاندماج في أراضي القوة المحتلة، في
الواقع أن الراي الاستشاري لعام 2024 لا يُقرأ على أنه رأي بشأن قانون الحرب فحسب،
وانما يتعلق بشكل أكثر وضوحا بالسلامة الإقليمية لدولة فلسطين، كجزء أساسي من حقها
في تقرير المصير، وتؤكد المحكمة في جميع أجزاء هذا الرأي على الصلة بين تقرير المصير
والأرض، وعلى هذا النحو، يدعم الرأي الاستشاري لعام 2024 فكرة بأن حظر الضم
القسري للأراضي ليس مجرد نتيجة تكميلية للقيود المفروضة على استخدام القوة بل أنه بدلاً
من ذلك قاعدة مميزة، وهي القاعدة التي تنظم الملكية السيادية للأراضي، وهو يدعم حظر
استخدام القوة عن طريق بي ان أن الدول لا يمكنها اكتساب الأراضي بالقوة، ويساهم ايضا حظر الضم القسري للأراضي في بناء مجموعة واسعة من القواعد القانونية الدولية الموجهة
نحو ترسيخ سلطة الدولة في وحدات إقليمية محددة، ولأسباب أكدتها بقوة الاحداث التي أدت
الى الرأي الاستشاري لعام 2024 ، فان الضم الإقليمي يشكل انتهاكا أساسيا لحق الشعوب
في تقرير المصير، وعليه فان بحث انتهاكات قانون الحرب لتكييف متى يحدث الض م
القسري للأراضي، قد لا نتمكن من التعامل بجدية مع جميع حالات الضم القسري للأراضي.
أ.م.د حازم فارس حبيب
كلية القانون / جامعة كربلاء