الأثر التشريعي لقانون مكافحة التدخين العراقي رقم (19) لسنة 2012 بقلم م.م. محمد مهدي محمد عبد
The legislative impact of the Anti-Smoking Law No. (19) of 2012
يُعد التدخين من العادات السيئة عند الكثير إذ اكتسبت إما من التقليد ( تقليد أحد الوالدين أو الأصدقاء أو زملاء العمل )، أو من دواعي الفضول أو التجربة، فأصبحت عادة اجتماعية خطيره عند اغلب المجتمعات تسبب الكثير من المشاكل الصحية والاجتماعية والاقتصادية إذ يحتوي التبغ على النيكوتين الذي يسبب الإدمان كما تعدّ العديد من المواد الكيميائية الموجودة في السجائر، مثل القطران والنيكوتين والسيانيد سمومًا يمكن أن تؤدي إلى إلحاق الضرر بالجسم مع مرور الوقت، والمدخنون هم أكثر عرضة للإصابة ببعض الأمراض الصحية، مثل أَمراض السكتات القلبية والدماغية وتلف الرئة وأنواع عديدة من السرطان بما في ذلك سرطان الرئة، والفم ، والمعدة، وهذه المشاكل كانت ومنذ زمن بعيد تشغل الكثير من المهتمين بالصحة العامة نتج عن ذلك بان لجأ َالمجتمع الدولي لاتخاذ قرار باعتماد اتفاقية دولية لمكافحة التدخين عام 2003 .
إن اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة التدخين (WHO FCTC) هي أول معاهدة للصحة العامة تم التفاوض عليها تحت رعاية منظمة الصحة العالمية ([1])وإعتمادها بالإجماع من قبل جمعية الصحة العالمية في (21آذار / مايو 2003) ودخلت حيز التنفيذ في 27( شباط / فبراير 2005 ) وصادقت عليها(180 ) دولة ([2]) ،وقد صادق العراق على الاتفاقية بموجب قانون تصديق اتفاقية منظمة الصحة العالمية الاطارية في شأن مكافحة التبغ رقم 17 لسنة2007 ، المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4040 بتأريخ 9/5/2007 ، وبعدها اعتمد مجلس النواب قانون مكافحة التدخين رقم 19 لسنة 2012 والذي يهدف إلى حماية الأشخاص من أخطار التدخين الصحية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية وتقليل نسبة المدخنين من خلال وضع معايير لمكافحة التدخين. ويحظر الترويج للتدخين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويمنع الصغير والحدث من التدخين أو ممارسة مهنة بيع وشراء التبغ ومشتقاته، ويمنع صنع وتداول واستيراد شعارات منتجات التبغ ومشتقاته على منتجات أخرى كالقبعات والقمصان والأكياس والمظلات والإشارات المرورية واللافتات الدعائية بمختلف أنواعها، ويمنع طلاء أي جزء من وسائط النقل أو الجدران أو الجسور بما يرمز لأي نوع من أنواع التدخين .
وقد تضمن القانون احكامًا موضوعية بالغة الأهمية تهدف الى التعريف بأخطار التدخين وأنواعه و احكامًا إجرائية تهدف الى تنفيذ ه من قبل الجهات المختصة ([3]) كما تضمن احكامًا عامة وختامية ، وهذا ما سنوضحه تباعًا :
أولًا : الاحكام الموضوعية : تضمن قانون مكافحة التدخين رقم ( 19 ) لسنة 2012 احكامًا موضوعية وفق المعايير التي اقرتها اتفاقية منظمة الصحة العالمية بشان مكافحة التدخين 2003 في الفصل الأول شملت المواد ( 1 ، 2 ، 3 ) ، إذ احتوت المادة الأولى تعريف التدخين وهو تعاطي منتجات التبغ بجميع انواعها كالسيجارة والشيشة والغليون وهو الأكثر شيوعًا لاستهلاك التبغ ، وتعريف التبغ: وهو نباتات التبغ بجميع انواعها وأجزائها من جذور و أوراق وثمار وبذور خضراء ومجففة كما استوعبت المادة الثانية اهداف القانون بنصها : يهدف هذا القانون الى حماية الأشخاص من أخطار التدخين الصحية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية وتقليل نسبة المدخنين من خلال وضع معايير لمكافحة التدخين ، أما المادة الثالثة فقد اشتملت على الوسائل التي من الممكن ان تسهل في الحد من التدخين أو التقليل منه من خلال تولي وزارة الصحة بالتنسيق مع الوزارات والجهات ذوات العلاقة تحقيق اهداف هذا القانون بالوسائل الاتية:
- تضمين المناهج الدراسية والبرامج التعليمية والتربوية بمواد تبين مجمل الأضرار المترتبة على التدخين وخطورته على المدخنين وغير المدخنين.
- اقامة البرامج التثقيفية وبرامج التوعية الدورية في المؤسسات التعليمية والتربوية و دور العبادة والمؤسسات الصحية والثقافية وفي وسائل الاعلام المختلفة عن اضرار التدخين في إطار خطة وطنية سنوية، وهناك احكام موضوعية أخرى تبنتها تعليمات تنفيذ القانون رقم ( 1 ) لسنة 2014 لتسهيل تنفيذ قانون مكافحة التدخين .
ثانيًا : الاحكام الإجرائية : وهي تلك الاليات والطرق التي يمكن من خلالها حماية الأشخاص من الاثار السلبية لوباء التدخين إذ احتوى الفصلان الأول والثاني احكامًا إجرائية شملت التدابير والمبادرات والممارسات التي من شأنها العمل على التقليل من استهلاك منتجات التبغ ، إذ نص الفصل الثاني على (حظر التدخين في الاماكن العامة) من المادة الرابعة صعودًا الى المادة الثامنة ، ونص الفصل الثالث على (حظر استيراد وتصنيع وبيع التبغ) من المواد ( 9 – 11 ) إذ منعت استيراد اوتصنيع التبغ الا بموافقة الجهات المعنية وبرخص تخضع لمعايير صحية وإدارية خاصة .
كما تضمن الفصل الرابع عقوبات تفرض على من يخالف احكام القانون كعقوبات اصلية ([4]) ، المواد ( 12 – 18 ) توزعت بين عقوبات مالية متمثلة بالغرامة ([5])بحدها الأدنى ( 10000) عشرة الاف دينار لمن يدخن في الأماكن العامة المنصوص عليها في القانون الى حدها الأعلى ( 100000000) مئة مليون دينار للمخالفات الأخرى ([6]) وبين العقوبات الإدارية المتمثلة بسحب إجازة الاستيراد او التصنيع او بيع منتجات التبغ من قبل الجهة مانحة الاجازة اومصادرة كميات التبغ المهربة الى العراق أو مصادرة اعداد الصحف والمجلات والكتب والنشرات الاجنبية المخالفة لأحكام هذا القانون ويمنع دخول الاعداد اللاحقة لمدة لا تزيد على (30) ثلاثين يوماً او غلق مكاتب وسائل الاعلام والثقافة ودور النشر والصحف والمجلات والمطابع ومكاتب الدعاية التي تروج للتدخين([7]) .
ثالثُا : الاحكام العامة والختامية : بجانب الاحكام الموضوعية لمكافحة التدخين الوارد في القانون والاحكام الإجرائية هناك احكام ٌ عامة تقدم بيانًا واسعًا عن أغراض القانون أو نطاقه أو تطبيقها او تلك التي تقدم إرشادات ٍ حول كيفية تنفيذه ومن الجهة التي تختص بذلك وتأريخ نفاذ القانون إذ نص على نشر القانون في الجريدة الرسمية وينفذ بعد مضي (90) تسعين يوماً من تاريخ نشره ([8]) ، وذلك لإتاحة الفرصة للمعنيين بالقانون بترتيب أوضاعهم لتنفيذه والعمل بموجبه .
ومن استقراء قانون مكافحة التدخين رقم (19 ) لسنة 2012 نستنتج الاتي :
اولًا : إن قانون مكافحة التدخين العراقي هو من القوانين العقابية الخاصة وذلك لان المشرع العراقي لم يحدد مدلولًا معينًا للقوانين الجنائية الخاصة فهو من القوانين العقابية التكميلية([9]) ، التي اطلق عليها القانون مصطلحات عدة منها ( القوانين العقابية ) كما في المادة ( 16 / 1 ) من قانون العقوبات العراقي اذ نصت على أن (يراعى احكام الكتاب الأول من هذا القانون في الجرائم المنصوص عليها في القوانين والأنظمة العقابية الأخرى ما لم يرد فيها نص خلاف ذلك) وكذلك المادة ( 19 ) من القانون نفسه التي تنص على (تطبيق احكام هذا القانون او أي قانون عقابي اخر تراعي التعاريف التالية ما لم يرد نص على خلاف ذلك ، كذلك يطلق عليها مصطلح ( القوانين الخاصة ) كما في المادة ( 137 / ب ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ( 23 ) لسنة 1971 المعدل ( يجوز منح الموظفين المدنيين من غير القضاة سلطة قاضي جنح بقرار من الوزير بناءً على اقتراح من الوزير المختص لممارسة السلطات الجزائية المنصوص عليها في القوانين الخاصة التي تخولهم منحهم ذلك ) .
ثانيًا : استنادا لما ورد فيه من عقوبات تكييّف على انها( جنح ) : إذ إن الجرائم من حيث جسامتها ثلاثة أنواع الجنايات والجنح والمخالفات ويحدد نوع الجريمة بنوع العقوبة الأشد المقررة لها في القانون ([10]) ، فإذا كانت العقوبة هي الغرامة فينظر الى مقدارها فإذ كان مقدار حدها الأقصى ثلاثين دينار او اقل فالجريمة مخالفة وان زاد على ذلك فالجريمة جنحة كل ذلك ملاحظ ٌ فيه العقوبة كما نص عليها القانون لا كما حكمت بها المحكمة ([11]) ، مع النظر في قانون تعديل الغرامات الواردة في قانون العقوبات العراقي والقوانين الخاصة الأخرى رقم (6) لسنة 2008 ،إذ نصت المادة (2/ب ) على مبلغ الجنح لا يقل عن (200001 مئتي الف وواحد دينار ولا يزيد عن 1000000 مليون دينار ) .
وان يكن من امر فان الاثار التشريعية لقانون مكافحة التدخين في العراق لم تكن بالمستوي المطلوب ولم يكن ناجعًا في المجتمع وذلك لعدم وجود أداة لتطبيقه إذ لم يحدد القانون جهة معينة خاصة لتطبيق القانون وايقاع الجزاءات على من يخالفه كما في القوانين الخاصة الأخرى مثل قانون مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية رقم ( 50 ) لسنة 2017 اذ نصت المادة ( 6) على تأسيس مديرية عامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية في وزارة الداخلي تتولى مكافحة الجرائم المعاقب عليها في هذا القانون وضبط المواد المخدرة ، لذا ندعو المشرع العراقي لتعديل قانون مكافحة التدخين رقم (19 ) لسنة 2012 من خلال تشكيل مديرية او قسم او شعبة في وزارة الداخلية مهمتها مكافحة التدخين بالأماكن المحظورة في القانون وتفعيل الغرامات المنصوصة فيه والتعاون مع الجهات المعنية بمكافحة التدخين فيما يخص ملاحقة الاتجار غير المشروع بمنتجات التبغ ومراقبة المكاتب الصحفية والاعلانات للحيلولة دون الترويج لمنتجات التبغ .
([1]) تعمل منظمة الصحة العالمية (WHO) على تعزيز الصحة العامة والوقاية من الأمراض والأوبئة في جميع أنحاء العالم. تأسست المنظمة في عام 1948 وتتخذ من جنيف، سويسرا، مقرًا لها. تعمل منظمة الصحة العالمية على تعزيز الصحة العامة والوقاية من الأمراض والأوبئة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مكافحة التدخين. وتعتبر منظمة الصحة العالمية الشريك الرئيسي للدول في مكافحة التدخين، وتعمل على تطوير السياسات والإرشادات والتدابير العملية لمكافحة التدخين. وتعمل منظمة الصحة العالمية على تعزيز الوعي بأضرار التدخين وتوفير الدعم للأفراد الذين يرغبون في الإقلاع عن التدخين.
([2])Dr,Matshidiso Moeti The WH0 Framework Convention On Tobacco Control 10: Years Of Implemental on In The African Region p.iv
([3]) للمزيد من التفصيل ينظر تعليمات رقم ( 1 ) لسنة 2014 تعليمات تسهيل تنفيذ قانون مكافحة التدخين رقم ( 19 ) لسنة 2012
([4]) تعرف العقوبة الاصلية بأنها الجزاء الأساسي الذي نص عليه المشرع وقدره للجريمة والذي يُحكم به عند ثبوت ادانة المتهم والتي يمكن ان يقتصر عليها الحكم لانها الجزاء المفرض في القانون للجرائم لتحقيق الأغراض المتوخاة من العقاب مثل الإعدام والسجن المؤبد والسجن المؤقت والحبس الشديد والبسيط والغرامة والحجز في مدرسة الفتيان الجنحين والحجز في مدرسة إصلاحية ، ينظر في ذلك د. علي حسين خلف ، د. سلطان عبد القادر الشاوي ، المباجدئ العامة في قانون العقوبات ، دون طبعة ، مكتبة السنهوري ، بغداد ، 2012 ، ص 414 .
([5]) الغرامة في قانون العقوبات العراقي هي الزام المحكوم عليه بدفع الى الخزينة العامة المبلغ المعين في الحكم ينظر في ذلك المادة ( 91 ) من قانون العقوبات رقم ( 111 ) لسنة 1969 المعدل .
([6]) ينظر المواد (16، 17 ، 18 ) من قانون مكافحة التدخين رقم ( 19 ) لسنة 2012 .
([7])المواد ( 12 ، 13 ، 14 ، 15 ، ) من القانون أعلاه.
([8])المادة ( 21 ) من القانون أعلاه
([9]) د. رؤوف عبيد ، شرح قانون العقوبات التكميلي في جرائم ( المخدرات ، الأسلحة التشرد ، الاشتباه ، التدليس والغش ، تهريب النقد ) ، ط 4 ، مطبعة نهضة مصر ، الفجالة ، 1968 ، ص 3 .
([10]) المادة ( 23 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل
([11]) د. علي حسين خلف ، د . سلطان عبد القادر الشاوي ، المصدر السابق ، ص 287 .