عمل المرأة في المراكز التسويقية

بقلم التدريسية جمانة جاسم

    لقد شرع الله للعباد العمل وامرهم به فقال تعالى: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” (سورة التوبة 105)، فيتضح من التفسير الظاهري للآية الكريمة ان العمل لا يخص فئة معينة وانما يخص الجميع رجالا ونساء، وأن الإسلام دين يتلائم مع الفطرة، فلا يكلف الله نفساً الا وسعها، وعليه يجب ان ينظر الى عمل المرأة من زاوية شرعية متساوية مع الرجل من حيث الأصول والثوابت والقيم والأخلاق في الإسلام.

  ولما للعمل من قيمة عليا في حياة الانسان الاسرية والاقتصادية وهو حتى يحدد مكانته الاجتماعية، ولما للتطورات التي قد أدت الى دخول المرأة للعمل والإنتاج بشكل اوسع من السابق، فخلقت هذه الاحداثيات انسانا جديدا له مميزاته وخصائصه ومتطلباته في الواقع العملي، يمكن تعريف عمل المرأة على انه: “الجهد الجسدي والعقلي الذي تقوم به المرأة في مكان ما تحت ادارة واشراف وتوجيه صاحب العمل بهدف تحقيق المصلحة والمنفعة لها وللمجتمع الذي تعيش فيه”.

  ومن جملة الاعمال غير المتناهية التي انخرطت في مزاولتها المرأة هو عملها في مراكز تجارية لبيع بعض السلع والبضائع، وبالخصوص تلك البضائع الخاصة بالنساء مما يؤدي الى القضاء على الكثير من سلبيات التعامل والتحرج فيما لو كانت تسوق وتباع من قبل الرجال، ومن المجالات التي يمكن للمرأة العمل فيها على سبيل المثال لا الحصر هي العمل في المراكز التسويقية، وهذا النوع من العمل يأتي نتيجة لحاجة او ضرورة لمساعدة نفسها او لمساعدة اسرتها، كما انه يساعد في رفع ميزانية الاسرة وتنمية الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع عامة، وبذلك تكون قدوة حسنة للصبر والكفاح فيما لو كانت متحلية بالخلق القويم والالتزام الشرعي المفروض عليها مع احترام العادات والتقاليد في بيئة العمل.

     كما ان عمل المرأة يجب أن لا يتنافى مع تكاليفها الدينية ومنها التزامها بالستر والعفاف والحجاب الذي ينشده الإسلام وهو ما يزيد المرأة وقارا، وعزة  وهيبة، فالحجاب الشرعي هو حصنها الذي يحميها من النظرات القبيحة، وعفافها في السلام والكلام هو صورتها التي تقابل بها الاخرين وتحفظ لها في ذاكرتهم طابعا عن شخصيتها وثقافتها، كما ان عليها ان تخرج للعمل غير متصنعة او متزينة او متكلفة بملبس معين لترضي قبول صاحب العمل وتستجذب له الزبائن، وهنا مصداقنا قوله تعالى: “غير متبرجات بزينة وان يستعففن خير لهن…” (سورة النور 60)، كما ويتحتم عليها التحلي بأخلاق الصادق الامين (عليه افضل الصلاة والسلام) واخلاق النساء من اهل بيته (عليهم السلام)، ومنها القوة والحياء وغض البصر والحلم والصبر على الاذى وطول البال وخفض الصوت وكثرة التبسم في وجه اخواتها المسلمات،  فالمرأة ومن منطلق كل ما اسلفت لها ان تعمل في أي عمل مباح يتناسب مع طاقتها وطبيعتها وامكانياتها ولكن فيما لو التزمت بالضوابط الانسانية والاخلاقية والشرعية.

   ومما تجدر الاشارة اليه ايضا في هذا السياق هو ان الإسلام يعالج عمل المرأة من منظور شمولي، يقوم على ركيزة أساسية تتعلق بإعطاء المرأة حق العمل وفقا لدورها في الحياة الإنسانية، ومسؤوليتها المباشرة لرعاية الاسرة، واحتراما لقرارها ورغبتها ووعيها الادراكي للحياة، وانسجاما مع ما منحها الله من ذكاء ومواهب واستعدادات فطرية واتجاهات نفسية يمكن ان تتيح لها العمل في أنشطة اقتصادية متعددة، من ابسطها هو عملها في المراكز التسويقية.

    ويمكن لنا ان نستعين بمعالم النظرية القرآنية في مجال عمل المرأة من خلال النظرة الى الدعائم الجوهرية التي يكمل احدها الأخر، ومنها: (الإصلاح، الايمان، الثواب)، ويمكن عدها شروطا واضحة ومنهاجا قويما وطريقة حياة، كما ان عمل المرأة يجب ان يكون منضبطا بالأوامر والنواهي والتعاليم الانسانية والشرعية، والتي منها ما هو ثابت لا يتغير مهما تغيرت الازمان والأماكن، ومهما تغير الناس في طرائق معيشتهم او أساليب حياتهم، ومهما ارتقت مفاهيم تفكيرهم في العلم والحياة.

   اما موقف المنظومة التشريعية القانونية في العراق من عمل المرأة، فنذهب الى استعراض ما وضعنا يدا عليه في الدستور اولا، والذي نص في ديباجته على انه: “وتحقيق العدل والمساواة ونبذ العدوان والاهتمام بالمرأة وحقوقها…”، وفي المادة 14 منه على انه: “العراقيون متساوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس…”، وفي المادة 30 منه ايضا على انه: “تكفل الدولة للفرد وللأسرة، وبخاصة الطفل والمرأة، الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الاساسية للعيش في حياة حرة كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم”.

    كما وأشار قانون العمل النافذ رقم 37 لسنة 2015م في عدة مواضع منه الى انعدام التمييز العنصري او الجنسي ومنها المواد: (1-4-6-8-11-42-48)، كما انه سعى في اطار تفعيل التمييز الإيجابي الذي يستوجبه الاخذ بخصوصية المرأة العاملة من الناحية الاجتماعية والبيولوجية ومنح المرأة العاملة حماية ملائمة خصص لها الفصل العاشر من القانون والمواد (84-94)، لتنظم جميع صور الحماية من اجازات الحمل والرضاع، الى الاجازات الاعتيادية، والى تقييد تشغيلها في الاعمال الليلية والضارة والمرهقة، والى توفير احتياجاتها الخاصة في اماكن العمل وغيرها من الاحكام، فبتحول نظرة المجتمع الذي اصبح يرى في عمل المرأة ضرورة من الضروريات، لتنهض بنفسها وتقف الى جانب عائلتها في مواجهة متطلبات الحياة الصعبة، وبذلك يتماشى قانون العمل بواقعية عملية هذه التطورات، التي جعلت من عمل المرأة خارج البيت ضرورة ولزاما، لاسيما اذا كانت هناك ظروف صعبة تحتم عملها في القطاع الخاص في ظل حالة عدم وجود فرصة عمل وتوظيف في القطاعات الحكومية.

    ولتحقيق اعلى درجات الحماية للمرأة من الاستغلال المالي والجسدي، فقد نص القانون في المواد: (10-11-42)، الى حظر التحرش الجنسي ومنعه، واعطى العاملة الحق في العمل ببيئة خالية منه تماما، ووجه باللجوء الى المحكمة المختصة للتقدم بشكوى حال تعرضها الى اي شكل من اشكاله المادية او اللفظية حتى.

    ولكن المشكلة تثور من حيث انتهى المشرع، فلم تكمل السلطة التنفيذية التي تلتها اداء مهامها بالشكل المأمول ولم تتابع سير العمل بالقانون النافذ، ولم تفعل الرقابة التفتيشية على اماكن العمل في القطاعات الخاصة، ولم تجرى من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التحركات الفعلية المستندة للقانون اعلاه، للتغير من الواقع المضني والمتعسف بحق المرأة العاملة، فعلى مضض نشاهد استغلال المرأة العاملة في المراكز التسويقية وغيرها، بشكل فرض اجور ادنى من المستحق لا تتناسب مع ساعات العمل، او حرمانها من الاجازات مدفوعة التكاليف، او بخسها واستغلالها عبر الطعن بالكيان الانساني الوقور لها من حيث تخييرها بين ترك العمل او الالتزام بملابس اقل تحفظا للعفة وزينة معينة لغاية في نفس يعقوب!، فهنا تقف العاملة متخيرة ما بين الحاجة الماسة للعمل وظروفها الصعبة، وبين مبادئها وواجباتها الدينية المفروضة عليها.

   وما بين هذا وذاك ندعو المعنيين في السلطة التنفيذية الى متابعة سير وتنفيذ القانون، من خلال لجان ومديريات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ونرجو ان يأخذ الاعلام دوره المنشود في تسليط الضوء على هذه الحالات عله يكون رادعا لمن يعتبر.