الالزام التشريعي بالإتمتة الإلكترونية – قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال إنموذجًا

الالزام التشريعي بالإتمتة الإلكترونية –قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال إنموذجًا

بقلم م.م. جمانة جاسم

————————

    في بادئ قبل كل ذي بدء نعرج على وصف الإتمتة الإلكترونية وبيان معناها التقني لتتضح الصورة للقارئ الكريم والمطلع، فالإتمتة مصطلح شاع استعماله في الآونة الاخيرة للدلالة على استخدام الحاسوب والاجهزة الإلكترونية المبنية على المعالجات أو المتحكمات الذكية والبرمجيات في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية وحتى الادارية منها، من أجل تأمين سير الإجراءات والإعمال بشكل آلي دقيق وسليم وبأقل خطأ ممكن، فالإتمتة هي فن جعل الاجراءات والآلات تسير وتعمل معًا وبشكل تلقائي.

   وهي شكل من أشكال الحوكمة الادارية، والحوكمة بحسب مفهوم مجمع اللغة العربية فهي المرادف لمصطلح الإدارة الرشيدة ويعود أصلها إلى كلمة اغريقية قديمة Governance  والتي تعبر عن قدرة ربان السفينة في قيادتها إلى بر الأمان نتيجة ما يملكه من حسّ ومهارة في المحافظة على أرواح وممتلكات الركّاب، وتردد هذا المفهوم في القطاع العام مؤخرًا لأثرها الكبير في تحسين واستدامة أعمال أي منشأة أو مرفق، وعليه يمكن القول بأنها مجموعة من الأنظمة والضوابط التي تنظم العلاقات بين أصحاب المصلحة وتحقق مجموعة من المبادئ كالمساواة والشفافية.

    ولا يخفى على القارئ الكريم أن تجسيد هكذا أسلوب من شأنه تحقيق كفاءة في الاداء المؤسسي والقدرة على اتخاذ القرارات بالتزام عالٍ وقدر كافٍ من المسؤولية والشفافية، كما وتعتمد ممارسات الحوكمة الادارية على الضوابط الرسمية والانظمة والقوانين، مما يجعل الحكومات والمؤسسات توظف هذا الدور من أجل انتاج نمطٍ فعال يحقق نتائج جيدة ويستبعد الانماط غير الجيدة.

   عليه نستشف مما سبق ان الإتمتة الإلكترونية في الحوكمة الادارية ما هي إلا وسيلة تكنولوجية مبتكرة، تقوم بتحويل الاجراءات والاعمال والآليات المكتبية الورقية والتقليدية إلى عمليات إلكترونية متطورة، تسهم في أداء العمل بوقت قياسي وطرق سهلة ميسرة تحسن من الإنتاج والإداء قياسًا مع العمليات المعتادة في إدارة المرافق العامة والمنظمات والمشاريع والشركات والمؤسسات العامة والخاصة، حيث تهدف هذه الوسيلة بشكل خاص إلى أنشاء مكتب بلا أوراق.

    كما أنها الأداة الأكثر جدية في المساءلة والمتابعة والتدقيق، نتيجةً لمساهمتها في تتبع العمليات الحسابية والإدارية بصورة تكنولوجية ورقمية دقيقة، لا يحتمل معها فرضية الخطأ والسهو التي تبدر من الموظف العادي الطبيعي الباذل لعناية الشخص المعتاد، ولكن الأمر لا يخلو من التهديدات الأمنية وتطلبها التكاليف العالية في توفير الأجهزة الحديثة والذكية، صحيح أن الإتمتة الإلكترونية هي نظام فعال لكنها محدودة الذكاء تعتمد بالدرجة الأولى والأساس على المبرمج البشري أو الموظف المتحكم بها وكفائته التقنية.   

وفي الوقت الذي تبحث فيه المؤسسات الحكومية عن أفضل السبل والطرق الممكنة لخدمة المواطنين وتقديم خدماتها وأهدافها بأساليب محسنة ومبتكرة، فسنجد إنّ الحوكمة الادارية بمساعدة الإتمتة الإلكترونية ستكون هي الأمثل أمامها لتحقيق هذه الغايات المنشودة للوفاء بمسؤولياتها أمام المواطنين، وخلق الطرق الكفيلة بالتواصل معهم بشكل مباشر وسريع، سواء أكان ذلك لأغراض جمع المعلومات ونشرها، أو أجراء المعاملات وترويجها، أو بث الخطابات والقرارات وضمان وصولها للجمهور، وبذلك تكون المؤسسة قد حققت ما تبتغيه لتنهض بالواقع العملي والإنتاجي للبلد في القطاعات المختلفة (القطاع العام والخاص والتعاوني والمختلط على حدً سواء)، والمؤسسة تنماز كلما أنماز نظامها الإداري والقانوني بالتطور والحداثة وأبتعد عن الروتين والرتابة.   

ومصداق قولنا هذا نرجو تحققه في دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال والهيئة الخاصة بالضمان الاجتماعي وصندوق تقاعد العمال، على اعتبار أن القانون الجديد قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم 18 لسنة 2023 والذي دخل حيز التنفيذ في 20 اب 2023 بعد نشره في جريدة الوقائع العراقية في العدد 4734، قد دعى إلى أنشاءها وتشكيلها بارتباط مباشر مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وألزم هذه الدائرة إلزاما تشريعيًا صريحًا في المادة 104 منه بإكمال جميع متطلبات الاتمتة الإلكترونية لجميع مفاصلها وعلى أن لا تتجاوز نهاية السنة الحالية.

    يتضح من النص أعلاه توجه الدولة العراقية نحو تطوير المرافق العامة بما يخدم وييسر اجراءات ومعاملات المواطنين العراقيين والاجانب المتعاملين مع هذه الدائرة، كما نلاحظ الالزام التشريعي جليًا في المدة الزمنية التي أوردها المشرع في القانون استشعارا منه بضرورة العمل على سرعة ودقة وسلامة اداء هذه الدائرة وتحقيق الاهداف التي أنشئت لأجلها، كما ونأمل عند انشاء الدائرة المعنية أن تُرفد بالكفاءات البشرية المتمتعة بالحنكة والخبرة التقنية اللازمة أو ادخال الموظفين الحاليين في دورات تدريبية لأجل هذا الشأن.