مقال بعنوان/ بين مطرقة كورونا وسندان النفط اقتصاد العراق الى اين ؟

         العراق من البلدان التي تعتمد في سياستها الاقتصادية وبنسبة كبيرة على الاقتصاد الريعي وهو استخراج النفط وبيعه في الاسواق العالمية واعتماده هذا يشكل نسبة 92% من موازنة العراق مما يجعل اقتصادنا معرض الى ازمات وهزات كبيرة نتيجة اي طارئ أو حدث عالمي يحصل ، توقع الكثير من الاقتصاديين ان سنة 2020 ستسير على ما يرام وسيكون هنالك نمو اقتصادي حسب تقرير افاق الاقتصاد العالمي (world Economic outlook) الصادر من صندوق النقد الدولي في يناير / كانون الثاني 2020 حيث كان الاقتصاد العالمي في تعافي وتوقع ان يرتفع معدل النمو الاقتصادي العالمي من 2،9% في عام 2019 الى ما يعادل 3،3%  في 2020 ليصل الى 3،4 في 2021 ان هذه التقديرات لم تكن محض صدفة  أو تكهنات وانما بنيت على دلائل واضحة بعد تحسن وضع التجارة العالمية عندما لاحت في الافق بوادر احراز بعض التقدم على صعيد نزع فتيل ازمة الحرب التجارية بين عملاقي الاقتصاد العالمي الصين والولايات المتحدة الاميركية

لكن مع تفشي فيروس كورونا العالمي ذهبت هذه التوقعات ادراج الريح وحلت محلها موجة تشاؤمية تنذر بوقوع كساد عالمي كبير ربما يكون اكبر من الذي حصل في القرن السابق بين عامي 1929-1933 وطبقا لمنظمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة (  UNICTAD) فأن من المتوقع ان يخسر الاقتصاد العالمي قرابة الترليون دولار امريكي على اقل تقدير كنتيجة لانتشار فايروس كورونا وأن يتراجع النمو العالمي الى 2،3 وان تدخل موجة كبيرة من الدول في حالة كساد حقيقي

طبعا هي ليست الاولى ؛ المرة الاولى التي حدث فيها الوباء وصاحبها خسائر بشرية واقتصادية ففي عام 2003 انتشر فايروس سارس SARS ايضا في الصين وكانت ايضا خسائر لكن حسب توقع الاقتصاديين ان الخسائر هذه المرة ستكون اكبر بسبب تنامي الدور الصيني  في الاقتصاد العالمي وتأثيره الشديد حيث كانت الصين سابقا تصنف سادسا على العالم لكن الان اصبحت في المركز الثاني عالميا وهذا يعني ان الصين قوة عظمى ومسيطرة على الاقتصاد في العالم وربما تأخذ الزعامة من الولايات المتحدة في السنوات القليلة القادمة حيث انها ساهمت بحوالي 39% من النمو الاقتصادي العالمي عام 2019 ففي المرات السابقة كان الاثر الاقتصادي محدودا مقارنة بالأثار الاقتصادية السلبية المتوقعة جراء انتشار فايروس كورونا لان الدول المتأثرة كانت ضعيفة آنذاك في الاقتصاد العالمي اذ ان الفايروس الجديد قد ضرب وبشدة العديد من الاقتصادات المتقدمة ومنها الدول السبع والصين فالدول المتأثرة بالوباء تساهم بحوالي 60% من اجمالي الناتج العالمي و65% من الناتج الصناعي و41% من اجمالي الصادرات المصنعة وهذا ينذر بكارثة اقتصادية كبرى على دول العالم اجمع ومن ضمنها العراق البلد المعتمد كليا على تجارة النفط فقط

ويتزامن انهيار النفط الخام وازمة كورونا مع ازمة فراغ سياسي واقتصادي رهيب يعيشه البلد منذ استقالة الحكومة السابقة واصبحت حكومة تصريف اعمال ليس باستطاعتها تمرير الموازنة  ولا تستطيع اتخاذ قرارات استراتيجية تنقذ البلد من محنته ولو بنسبة ضئيلة لان العراق الان يعاني من ازمة قلة السيولة النقدية والمالية بسبب الفساد وهدر المال العام من قبل الحكومات السابقة والحكومة الحالية وستظهر للعلن في الايام او الاشهر المقبلة ان استمرت جائحة كورونا وانخفاض اسعار النفط  معا لذلك من الضروري وجود تخصيصات مالية تكفي لتوفير رصيد مالي استراتيجي يكون على الاقل للثلاثة اشهر المقبلة لمواجهة هذه المشكلة

ان اهمال العراق لقطاعات مهمة كالزراعة والصناعة والسياحة ادخل العراق في نفق مظلم وجعل اقتصاده معرض لأي ازمة تطرأ حتى وان كانت ازمة قراصنة الصومال في المحيط الهندي ولو استمر هذان العارضان لفترة اطول سيصاب البلد بأزمة اقتصادية قد تؤدي في البلد الى عدم قدرته على دفع رواتب موظفيه وربما تؤدي الى احتجاجات اكثر من التي حصلت في نهاية السنة الماضية لذلك على الحكومة القيام بإجراءات سريعة ومنها :

اولا : عدم نجاح اي سياسة او اجراءات دون معلومات واضحة ومصارحة بالمخاطر مع جماهير الشعب والجهات المحلية والدولية المعنية ، وبشكل يعزز التعاون والمشاركة في المواجهة وتنفيذ الحلول ، فليست الحكومة لاعبا منفردا في مواجهة تحدي بهذه الخطورة والشمول والذي يتطلب الاستفادة من المبادرات الاجتماعية والشعبية وتفعيل نظم التكافل والتعاضد الاجتماعي وافساح المجال للامركزية في بعض المجالات لخفض تكاليف واعباء التنظيم والادارة في هذا الوضع المعقد ثقيل الاعباء

ثانيا / خفض النشاط : وهو البديل المنطقي لسياسة الحظر الشامل عالي التكلفة ، الذي يحفظ استمرار الحياة وعدم انهيار الاقتصاد وخصوصا في حالة اقتصاد العراق الهش حيث يحفظ التوازن ما بين استمرار الحياة وتدفقات السلع الاساسية في حدها الادنى ، وخفض  وتيرة الاصابات لأدنى مستويات ممكنة

ثالثا / هندسة التكاليف : وذلك بصياغة وتوزيع تكاليف خفض النشاط المباشر وغير المباشر بالشكل الذي يخفض مستواها الكلي لأدنى درجة اعباء ممكنة  ، بتوزيعها بشكل عادل اجتماعيا بين الفئات والطبقات الاجتماعية المختلفة وفقا لقدرتها المادية وبشكل متوازن زمنيا بين المرحلة الحالية ومرحلة ما بعد الازمة وبشكل منضبط تمويليا بين الادوات المالية الاكثر كفاءة والاقل تكلفة .

                                                                 م.م مرتضى طه عيسى العبادي

                                                                   مدرس مادة المالية العامة