مجلة رسالة الحقوق

 

 

                       

                                                                       1

 

             مجلــة قانونيــة فصلية علمية محكمة تصدر

عن كليــة القانون جامعــة كربــلاء

(( وأما حق خصمك الذي تدعي عليه ، إن كنت محقاً في دعواك أجملت مقاولته ولم تجحد حقه ، وإن كنت مبطلاً في دعواك أتقيت الله عز وجل وتبت إليه وتركت الدعوى ))

الإمام زين العابدين(ع( – رسالة الحقوق ( ص299/ج2)

                                                                                     

 

             الهيـأة الاستشاريـــة

  1. أ.د.عباس علي محمد الحسيني
  2. أ.م.د.ميري كاظم عبيد
  3. أ.م.د. علي حمزة عسل
  4. أ.م.د.ضمير حسين ناصر
  5. أ.م.د.ضياء عبد الله عبود
  6. أ.م.د.حسن محمد كاظم
  7. أ.م.د.احمد شاكر سلمان

          هيـأة التحريــر

.1أ. د. فائق محمود الشماع

.2أ. د. طالب حسن موسى

.3أ. د. عزيـــز كاظــم جبر

.4أ. د. منصور حاتم محسن

.5أ.د. صلاح جبيـــر صدام

.6أ.م.د. عـلاء عزيز حميد

.7أ.م.د.حسن علــــي كاظم

                                                                                      

                                                 

 

مقوم اللغة العربية // م.د.حمزة عبد الحمزة عليوي

مقوم اللغة الانكليزية // أ.د.حكمت عبد الرزاقالدباغ

الإدارة الفنية والتصميم والتنفيذ الألكتروني

هيفـاء عبـد الله محمد

سحـر أحـمد عبد – إيمان عبد الرضا الصائغ

 

                                                                                       1

 

1

السنة السابعة                                    العدد الثالث                                  2015م

                                                                                         

                              الأسـاس القانـوني للعقوبات الإداريـة

Legal foundation for Adminstratine sanctions

                       بحث مقدم من قبل

الاستاذ المساعد الدكتور محمد علي عبد الرضا عفلوك

              جامعــة البصرة // كليــة القانون

                

الخلاصـــة..

   بالنظر الى التضخم التشريعي الحاصل نتيجة اتساع حماية المصالح المستحدثة التي تتمثل بالمصالح المالية والاقتصادية والخدمية التي تلامس حياة الفرد العصرية ولغرض ضمان ادامة المصالح المذكورة كان لابد من منح الادارة صلاحية فرض العقوبات دون الرجوع الى القضاء على ان لا تكون العقوبات السالبة للحرية من بينها فتارة تكون عقوبات ادارية مالية كالغرامة والمصادرة الادارية وتارة تكون عقوبات شخصية كغلق المحل وسحب الترخيص وحظر النشاط ونشر العقوبة الادارية على ان لا يكون فرض الجزاء الاداري ماسا بمبدأ الفصل بين السلطات او مبدا الشرعية الجزائية ولا يحرم المدان اداريا من فرصة الاعتراض امام الادارة او المحاكم . وهناك تشريعات تأخذ هذه العقوبات بنظام قانوني خاص كالتشريع الالماني والايطالي واخرى كالعراق تتبناها دون ان يكون قانونا خاصا بها .

الكلمات المفتاحية: الاساس القانوني ، العقوبات ، الادارية ،مالية ،القضاء.

Abstract..      

In according to enlarge legislation that’s happing as a result to the breadth of the protection developed interested which represented by financial ,economic and serving interests that related with modern individual life. In order to ensuring perpetuation of the above interests, must be given the administrator the authority of imposition of punishment without returning to the judiciary , but the imprisonment and prison must not be among of them. These punishments may be financial administration punishments such as fine and administrative confiscation or personal punishments such as close place , withdraw the license , prohibition of act and declare the administrative punishment.The imposing of the administrative punishment must not effect of the separation of powers or the penal legality and must not prevent the convicted administratively from the chance of appeal before of administrator or courts. There are some laws regulate the above system in special laws such as Germany and Italian laws or regulate that in general without special laws such as Iraq.

    

key words:legal foundation , sanction , Administrative , Tinancial , Judiciary.

المقدمـــة..

لما كان القانون هو مرآة المجتمع وانعكاس لحاجاته ومتطلباته المختلفة ، فأن وسيلته لتحقيق أغراضه ووظائفه التنظيمية والضبطية والوقائية العقوبة . وهذه الأخيرة تتناسب منطقا وعقلا مع طبيعة الجريمة نوعا وموضوعا وإلا فلا يتحقق التوازن المرسوم بين التجريم والعقاب والذي بدوره إن تحقق تتحقق معه أغراض القانون وأهدافه. ولما كان الإنسان متطور بطبيعته ، فلا بد من تطور أساليب التجريم والعقاب وهذا ما حصل فعلا عند تتبع منهجية التطور القانوني على مر التاريخ , أي تطور أساليب التجريم وأنماط العقاب وأنواعه , إلاان التطور التاريخي حاليا قد وصل إلى مراحل استقرت فيه السياسات القانونية المتعلقة بالتجريم والعقاب ، فضلا عن استقرار القدر الكبير من المبادئ القانونية والقواعد التي أصبحت راسخة فقها وتشريعا وقضاء وتنفيذا . ومن هذه المبادئ مبدأ الشرعية الجزائية , ومبدأ عدم رجعية القانون ومبدأ عدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الجرم مرتين , ومبدأ شخصية العقوبة , ومبادئ أخرى متعلقة بإقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وأخرى تتعلق بأنواع الجرائم إن كانت جنائية أو مدنية أو إدارية أو انضباطية تأديبية ومبادئ أخرى عديدة.إلا ان اللافت للنظرهو انه على الرغم من استقرار المبادئ القانونية دستورا وتشريعا , فان هناك تطورا حصل في الاتجاه نحو جعل القانون الجنائي هو الحل الأخير لحماية المصالح الجديرة , واللجوء إلى حلول قانونية جديدة تعتمد العقوبات الجنائية المالية كالغرامة والمصادرة وعقوبات أخرى شخصية غير مالية كسحب الترخيص وغلق المنشاة وغيرها ولكن بطريق إداري تنزله الإدارة العامة بما تمتلكه من وسائل تحقيق أغراضها , أي بإجراءات إدارية ولكن تحت رقابة القضاء , ويطلق على هذا الأسلوب الجديد قانون العقوبات الإداري , أو القانون الجنائي الإداري .ويذكر ان جميع التشريعات عملت بهذا الأسلوب الحديث ولكن الفارق ان بعضها كالقانون الألماني والقانون الايطالي والقانون السوفييتي قد اعتمدته كنظام قانوني مستقل تتولى الإدارة وتشعباتها تطبيقه وتنفيذه على الانتهاكات التي تمس مصالح تعد في قانون الجزاء الجنائي من قبيل المخالفات البسيطة او الجنح ، أي تلك التي تخرج عن نطاق الجنايات , في حين إن تشريعات عديدة ومنها التشريع الفرنسي والمصري والعراقي , قد اعتمدته ولكن دون أن يكون نظاما قانونيا مستقلا ، إلا ان الواقع يشير إلى تطبيقه وتنفيذه من الإدارة مباشرة دون الرجوع إلى القضاء ولكن تحت رقابته . وتعد هذه العقوبات قرارات إدارية تخضع لرقابة القضاء باعتماد الأساليب الإدارية المستقرة . ويلاحظ ذلك في العديد من التشريعات الخاصة بالتعاملات المالية والبيئية والخدمية وغيرها من الأمور التي تتولى الإدارة مباشرتها أوالإشراف عليها .هذا القانون أي القانون العقابي الإداري اخذ مداه وتطبيقه في العديد من النشاطات كالنشاط الاقتصادي والكمركي والضريبي والبيئي والشركات وقانون أسواق المال وغيرها الكثير وعقوباته المقررة في مواجهة الجريمة هي بعد استبعاد العقوبات البدنية والسالبة للحرية عقوبة الغرامة والمصادرة كما ذكرنا انفا ، فضلا عن عقوبة سحب الترخيص وإغلاق المنشأة والوقف المؤقت للنشاط وإزالة المخالفة وكذلك الحرمان من بعض الحقوق والامتيازات ونشر قرار العقوبة ، وحقيقة الأمر لو امعنا في هذه العقوبات نجد أغلبها هي اما عقوبات جنائية أصلية أوتكميلية أو تبعية أو تدابير احترازية أو وقائية ،إلا إن الفارق هو ان فرضها لايكون بالطريق الجنائي بالاستناد إلى قانون العقوبات العام وقوانين الجزاء الخاصة والقوانين الإجرائية وإنما دائما يكون بناء على سلطة الإدارة المباشرة وبإجراءات إدارية محضة وان كانت تحت القضاء .هذا الأمر دعت إليه ضرورات التطورالاجتماعي والاقتصادي والثقافي وتشعب مجالات الحياة واتساعها وتطورها الكبير وحققت الإدارة من خلال اعتماده اغراض القانون ،إلاإن الأمرلايسلم من إشكالات أثارت جدلا فقهيا يتعلق بتعارض هذا الأسلوب الجديد من التجريم والعقاب مع بعض المبادئ المستقرة التي سبق وانه اشرنا إليها انفا مما يستدعي التوقف عند هذا الأمر والبحث فيه مستعينين بتجارب بعض التشريعات السباقة في هذه المجال ولغرض التوصل إلى استقراء منطقي يحقق الطموح في تحقيق غايات القانون وأغراضه بالشكل المخطط له من جهة ، ومن جهة أخرى لا يتعارض مع المبادئ القانونية المستقرة و الذي إن حصل فانه يمس حقوق الأفراد وحرياتهم و الضمانات القانونية المستقرة في التشريعات الجزائية الوطنية. وبناء على ما تقدم سوف نعتمد اسلوب الوصف والتحليل مستهدفين الوصول الى التأصيل القانوني لهذا النمط المستحدث من العقوبات على وفق مباحث ثلاث نتناول في اولها مفهوم العقوبات الادارية وفي المبحث الثاني نستعرض اسباب نشأة العقوبات الادارية ومبرراتها ، اما المبحث الثالث فنفرده الى الضمانات القانونية في ضوء اشكاليات العقوبات الادارية .

المبحث الأول//مفهوم العقوبات الإداريــة..

إن رد العقوبات الإدارية إلى نظام قانوني محدد يحكمها وينظمها يتطلب التوقف عند تحديد المفهوم القانوني لهذه العقوبات الحديثة ، أو ربما يصح لنا تسميتها بالعقوبات الهجينة التي حملت صفات الإداري من جهة وصفات الجنائي من جهة أخرى وذلك بحسب طبيعة العقوبة أو بحسب طريقة تنفيذها أو الجهة التي تتولى فرضها أو بحسب المصالح التي تطالها ، فضلا عن إن تحديد المفهوم القانوني للعقوبات الإدارية يقتضي تحديد تعريف هذه العقوبات وخصائصها في مطلب، وفي مطلب آخر تسليط الضوء على تميزها عن غيرها من العقوبات ، أما أنواع هذه العقوبات فنخصص المطلب الثالث لها تباعا.

المطلب الأول// التعريف بالعقوبات الإدارية وخصائصها..

سنقسم هذا المطلب إلى فرعين أولهما نحدد من خلاله تعريف العقوبات الإدارية وثانيهما نفرده لبيان الخصائص المميزة لهذه العقوبات.

الفرع الأول // تعريف العقوبات الإدارية..

   لما كانت الغرامة التي توقعها الإدارة هي العقوبة الإدارية الأكثر تعبيرا وتجسيدا لهذا النمط من العقوبات فأنه نلاحظ بعض التشريعات الرائدة في هذا المجال و منها التشريع السوفيتي السابق واليوغوسلافي السابق و كذلك التشريع الايطالي و الألماني ، قد اتجهت إلى تخصيص عقوبة الغرامة أو المصادرة أو الإنذار أو العمل لصالح المجتمع أو تحديد الإقامة أو منع الإقامة في مكان معين أو غيرها من العقوبات للجرائم التي تعد من قبيل المخالفات حيث تتولى الإدارة سلطة فرض العقوبة على المخالف، و على الرغم من الايجابيات التي تتحقق من جراء تطبيق هذه السياسة العقابية ، إلا انها لا تخلو من النقد الموجه لها، حيث ينظر بعض الفقه إن الأمر يتعارض مع مبدأ قضائية العقوبة ، فضلا عن فتح باب تعسف الإدارة في إيقاع تلك العقوبات.(1) فضلا عن ان المشرع اليوغسلافي قد حذا حذو المشرع السوفيتي في هذا المجال ، بل انه قد افرد عقوبة الحبس البسيط لا يزيد عن شهر، فضلا عن عقوبة الغرامة لبعض الجرائم التي تعد من قبيل المخلفات .(2) كما إن التشريع الجزائي الايطالي القديم (روكو) ذهب إلى الحبس أو الغرامة كعقوبات تقرر على المخالفات ، اما المشرع الألماني الذي اتخذ صورا عديدة للغرامة منها اليومية كبديل لسلب الحرية . و بالاستناد الى ما تقدم يمكن وصف العقوبة الإدارية بأنها :جزاءات ذات خصائص عقابية توقعها السلطات الإدارية بعدّها سلطة إدارية عامة تجاه كل من يخالف بعض القوانين و التعليمات الخاصة ذات الطابع الفني بإحدى العقوبات التي لها طابع جنائي كالغرامة أو المصادرة أو ذات طابع إداري صرف كغلق المحل أو إيقاف النشاط المؤقت أو سحب الرخصة الدائم أو المؤقت اوغيرها سواء أكانت الدولة تتبنى نظام قانون العقوبات الإداري كما في ألمانيا أوايطاليا أو تخضع المخالفات لقانون العقوبات الجنائية كما في فرنسا(3) ومصروالعراق و يمكن تعريف العقوبات الإدارية بأنها العقوبات ذات الطابع الجنائي غير البدنية و غير السالبة للحرية أو ذات الطابع الإداري التي توقعها الإدارة بمناسبة اقتراف سلوك رفع عنه صفة التجريم الجنائي و اخضع لنظام قانوني آخر كالقانون الإداري بإجراءات إدارية و تحت سلطة رقابة القضاء الإداري .(4)

الفرع الثاني // خصائص العقوبات الإدارية..                                                                                                        

تمتاز العقوبات الإدارية بخصائص تميزها و تضفي عليها طابع خاص مزيج من الجنائي ومن الإداري ومن أهمها الآتي:-

أولا // انها عقوبات ذات طابع غير بدني و لا مقيد للحرية و غالبا ما تكون عقوبات مالية أو وقائية .                        

ثانيا // ان العقوبات الإدارية تخضع لمبدأ الشرعية الجزائية بشكل مباشر أو بناء على تفويض تشريعي للسلطة التنفيذية.                                                                                                                                                                    ثالثا // انها عقوبات خصصت لسلوكيات مجرمة تقع على مصالح لا تخدش الضمير العام و مصالح حديثة اقتضتها تطورات المجتمع الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و نعني بها مصالح هامة ، إلا انها غير جوهرية أساسية ولا تقوض كيان المجتمع الأساسية.

رابعا // و لعل أهم خصيصة إن هذه العقوبات تفرضها الإدارة و لكن برقابة القضاء .

والمراجعة الحديثة للجزاءات الادارية في كندا راقبت ولاحظت ان اكثر الجزاءات الادارية تشترط حق المراجعة بشكل اساسي ليس قبل فرض الجزاء اي بعد فرض الجزاء. (5)

خامسا // إن العقوبات الإدارية اما تنظم بنظام قانوني خاص بها و يخضع الجرائم الجنائية المندرجة بعنوان المخالفات وبعض الجنح إلى هذا النظام القانوني الإداري كما في ايطاليا و ألمانيا ، أو يتاح للإدارة أن تمارس هذا النشاط الجزائي و لكن بدون وجود نظام قانوني خاص بالمخالفات على غرار فرنسا و مصروالعراق و غيرها.                                                                                          

سادسا // تصدر العقوبة الإدارية بشكل قرار إداري أحادي الجانب (6) و ذلك بمناسبة مزاولة نشاطها الإداري                                                      

سابعا // العقوبات الإدارية جزاءات ردعية و عامة ، بمعنى انها عقوبات رادعة لكل سلوك ايجابي أو سلبي ماسا بمصلحة معينة سواء مست الإدارة نفسها أو كانت الإدارة مسؤولة عن تنظيمها ، و عقوبات عامة تطال كل شرائح المجتمع سواء أكانوا موظفون أو أشخاص عاديون ولا يشترط أن توجد علاقة قانونية أوتعاقدية بين مقترف الجريمة و الإدارة . (7)

المطلب الثاني // تمييز العقوبات الإدارية..

لما كان للعقوبات الإدارية خصائص معينة تميزها عن غيرها من العقوبات ، فلابد من تسليط الضوء على تمييزها عن العقوبات الضبطية من جهة ، و من جهة أخرى تمييزها عن العقوبات الأخرى في الفرعين الآتيين :            

الفرع الأول // تمييز العقوبات الإدارية عن العقوبات الضبطية..

للتمييز بينهما لابد من أن ننطلق من غاية كل مهما ، و حيث إن غاية العقوبات الإدارية تكمن في مواجهة الخطأ المخالف للقوانين الإدارية بالعقاب ، في حين ان غاية العقوبات التي تفرضها أجهزة الضبط الإداري هي الوقاية و المنع من خلال تدابير احترازية تسخر لحماية الأمن العام أو السكينة العامة أو الصحة العامة.(8)                                                                                                                                                                        وتبدو أهمية التمييز بين العقوبات الإدارية التي تفرضها الإدارة و بين عقوبات الضبط الإداري التي تفرضها أجهزة الشرطة وبنص القانون صراحة ، الأمر الذي تجسد برفض مجلس الدولة الفرنسي إضفاء صفة العقوبة الإدارية على العقوبة الضبطية و ذلك لإبعاد الأخيرة أي العقوبات الضبطية التي تتكفل بحماية الأمن العام و السكينة العامة والصحة العامة عن الاقتران بنفس الضمانات التي أضفيت على العقوبات الإدارية التي سنتوقف عندها لاحقا .(9) و لا يفهم من ذلك تقييد الحريات بقدر ما يقصد به الموائمة و التوازن بين المصالح العليا للجماعة و فسحة المجال المتروكة للحريات الفردية و النشاط الخاص ، أي بين مطالب الحرية و مقتضيات حفظ النظام العام .(10) و تجدر الإشارة إلى انه لا يوجد تعريف تشريعي لأغلب التشريعات كما في مصر أو فرنسا أو العراق بقدر ما عرفه الفقه بالاستناد إلى أغراضه وغاياته المذكورة آنفا .(11) و يفهم من ذلك ان مجلس الدولة الفرنسي يبعد العقوبات الضبطية عن التمتع بمبدأ المواجهة ، وبعكس الحال على الإدارة احترامه قبل اتخاذ أي جزاء إداريا ، بحيث يتوجب على الإدارة اخطار المتهم بما اتهم به لتمكينه من ضمانات الدفاع عن نفسه ضمن السياقات الإدارية كالتظلم وغيره. فضلا عما تقدم فان تدابير الضبط الإداري تتخذ بمناسبة انتهاك النظام العام و الحريات ، بعكس العقوبات الإدارية في نطاق قانون العقوبات الإداري ، فإنها تكون بمناسبة مخالفة نصوص القوانين التي تندرج تحت إطار القانون الإداري . و بمعنى آخر عندما يكون الجزاء كسحب الترخيص أو سحب إجازة ممارسة نشاط جزاء طبيعيا ان كان لغرض الحفاظ على النظام العام ، بينما يكون إداريا ان كان قد اتخذ على إثر ارتكاب جريمة مخالفة لشروط الصحة أو البيئة ، الأمر الذي يراد منه ان الضبط الإداري مؤقتا لأنه يواجه ظروفا استثنائية ، بينما العقوبات الإدارية مستمرة لأنها تهدف إلى الحفاظ على الوظيفة العامة و انتظام سير المرافق العامة بانتظام واضطراد.(12)                                                                                                                

الفـرع الثـاني // تمييز العقوبات الإدارية عن العقوبات التأديبية و التعاقدية ..

أولا // يراد بالعقوبات التأديبية الانضباطية تأثيم الموظف العام في الإدارات العامة او النقابات او الشركات لغرض احترام و انتظام سير تلك الإدارات ، بمعنى انها عقوبات تطال شريحة الموظفين العموميين ، و تلتزم السلطات التي تتولى فرض العقوبات التأديبية الانضباطية باحترام مبدأ المواجهة و حقوق الدفاع التي تنص على تنظيمها قوانين شرعت لهذا الغرض مثل قانون انضباط موظفي الدولة و القطاع العام رقم /14 لسنة 1991 العراقي . و بالتالي فان خصائص الجزاء التأديبي الانضباطي الذي يفرض على الموظف المخالف ترتبط ارتباطا وثيقا بغايات الجزاء التأديبي التي تدور حول ضمان انتظام و احترام سير المرافق العامة ، و ان الخصائص المميزة بالجزاء التأديبي تدور حول المجال الشخصي للفاعل و مجال السبب أي المخالفة الإدارية والمجال الذاتي أي المحل الذي وقعت عليه المخالفة .(13)    

ثانيا // اما الجزاءات التعاقدية الخاصة التي تمارس الإدارة فرضها بحق المتعاقدين معها نتيجة لعدم او للإخلال بالتزاماتهم التعاقدية مع الادارة فقط دون ان يمتد اثرها على غيرهم ، في حين ان العقوبات الادارية التي تفرضها الادارة على الجميع بمناسبة خرقهم للقوانين و الانظمة و التعليمات .(14) كما في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية العراقية رقم (1) لسنة 2007 المعدل . و يلاحظ إن الجزاء الإداري تنفذه الإدارة بحق كل مخالف باعتباره قرارا يتصف بالعمومية ، في حين إن الجزاء التعاقدي تتخذه الإدارة المتعاقدة بحق المتعاقد معها غير الملتزم بتعهداته العقدية و التزاماته فانه قرار فردي زجري نص عليه بالرابطة العقدية(15) .

المطلب الثالث // أنواع العقوبات الإدارية..

للعقوبات الإدارية تصنيفات عديدة بحسب الأساس الذي يقوم عليه التصنيف ، إلا ان أهمها التصنيف الذي يرتكز على مضمونها و تصنف إلى عقوبات إدارية مالية وعقوبات إدارية شخصية غير مالية ، اما التصنيف

الآخر فيصنفها بحسب أهميتها و جسامتها إلى عقوبات إدارية أصلية أو تبعية أو تكميلية ، اما التصنيف الأخير فيستند إلى المحل الذي تقع عليه العقوبة الإدارية وهي عقوبات إدارية شخصية كالغرامة الإدارية وعقوبات عينية كالإزالة . وسنتبع التصنيف الأول الذي يقسمها إلى عقوبات إدارية جنائية مالية وأخرى شخصية غير مالية .                                                                                                                                                                                                              

الفرع الأول// العقوبات الإدارية المالية..

تهدف العقوبات المالية تشكل عام إلى الردع العام أو الردع الخاص أسوة بالجزاءات الجنائية ، وتقرر الإدارة هذا النوع من العقوبات في حالة مخالفة أي فرد ينتهك بسلوكه الخاطئ نص القانون أوالأنظمة أوالتعليمات أواللوائح ، وخير مثال على تلك العقوبات المالية ما تفرضه الإدارة المالية في حالة انتهاك قانون الضريبة أو مخالفات المرور أو المخالفات البلدية أو البيئية أو الكمركية أوالإدارات المشرفة على الانتخابات او المخالفات التي تتعلق بتراخيص مزاولة النشاطات المختلفة …الخ .

أولا // الغرامـة الإداريـة..

عندما تكون الغرامة هي العقوبة الوحيدة للفعل المرتكب يجوز للمتهم الطعن امام القضاء ضمن المدة القانونية وفي هذه الحالة فانه المشرع يتبنى الجزاء الإداري (الغرامة) بديلا عن التجريم الجنائي استنادا إلى نظام إلغاء التجريم انف الذكر، وبناء عليه يمكن التمييز بين الغرامة الإدارية والغرامة الجنائية من خلال الآتي :-

1ـ الإدارة تحدد مقدار الغرامة الإدارية وتفرضها ، بينما الغرامة الجنائية يقررها و ويفرضه القضاء جنائي.(16)

2ـ في بعض الأحيان تجيز تشريعات معينة كالقانون الايطالي وقف تنفيذ عقوبة الغرامة الجنائية بشروط معينة يحددها القانون المذكور .

3ـ الغرامة الإدارية ثابتة المقدار ، في حين الغرامة الجنائية تتفاوت بين الحد الأدنى والحد الأعلى .(17)

4ـ الغرامة الإدارية لا ينظر عند فرضها الظروف المتعلقة بالمتهم ، بعكس الغرامة الجنائية ، بمعنى ان الغرامـــــــــــــــة الإدارية تـــــــــــــهدف إلى الــــــــــــــردع دون الالتفات إلى تفريد العقاب(18).                                                                                                                         5- في الغرامة الإدارية لا يطبق وفق تنفيذ العقوبة الا في حاله الطعن بالقرار الإداري القاضي بفرضها في حالة الجدية و الاستعجال ، بعكس الحال في الغرامة الجنائية فانه ممكن وقفها أسوة بباقي العقوبات الجنائية .                                                                                                                          6- بعض التشريعات الإدارية تجيز تحول الغرامة الإدارية إلى عقوبة الحبس بعد إحالة الأوراق إلى القضاء الجنائي عند الامتناع عن الدفع من باب الإكراه البدني على غرار الغرامة الجنائية ، بمعنى انه في الغرامة الإدارية لا تتحول العقوبة تلقائيا إلى الحبس عند عدم الدفع كما هو الحال في الغرامة الجنائية . حيث يخير النص القانوني الغرامة أو الحبس و عند عدم الدفع يؤول الجزاء إلى الحبس تلقائيا .(19) و بالاستناد إلى ما تقدم فان العقوبة الإدارية المالية المتمثلة بالغرامة تفرض من قبل الإدارة بالاستناد إلى الإجراءات الآتية :-

1- ضبط المخالفة مـن قبل الإدارة .

2- تحرير محضرا رسميا مستوفيا الشكل و المضمون و يعلم بها المخالف على ان يدفعها فور فرضها او خلال ثلاثون يوما من تاريخ فرضها .                                                                    

3- عند عدم الرغبة في الدفع يجوز للمتهم الاعتراض أمام جهة الإدارة و من ثم على الإدارة إحالة الاعتراض امام القضاء للنظر فيه ، أي القضاء الإداري عند ممارسته رقابة الملائمة لتقرر مدى ملائمة العقوبة المعروضة أو عدمها بكل الأحوال .(20)

ثانيا//المصادرةالإدارية..                                                                                                                  لما كانت المصادرة في أصلها جزاء جنائيا ذي طبيعة مالية وعينية تقع على مال معين متمثلا بنقل ملكية مال معين إلى خزينة الدولة .(21) فإنها قد تكون عقوبة تكميلية يحكم بها في أوضاع معينة وجوبيا ، و في أحيان أخرى تعد تدبيرا احترازيا ، و في أحيان أخرى يحكم بها القضاء جوازا لما لها من خصائص العقوبة.(22)                                                                                                                             وإذا كان الأمر كما ذكرنا عند الحكم بالمصادرة جنائيا ، فان الحكم لها في نطاق قانون العقوبات الإداري بعدها عقوبة إدارية أصلية  أوتبعية أوتكميلية       بواسطةالإدارة  ودون الرجوع إلى القضاء. وعند الحديث عن طبيعة المصادرة يذهب رأي إلى التمييز بين المصادرة الإدارية والمصادرة الجنائية بالاستناد إلى طبيعة الجزاء لا بالاستناد إلى الجهة التي أصدرت الحكم بها ، إلا انه في رأي أخرى يذهب إلى ان طبيعة الجزاء لا يكفي للاستدلال لكون الجزاء جنائيا أو لا ، إذ انه يمكن ان تكون المصادرة عقوبة جنائية أو إدارية أو تدبيرا احترازيا أو تعويضا ، ينصب على الدفعة المالية التي تقع مباشرة على شخص المخالف فضلا عن الجزاءات الأخرى التي تمس شخصيته بغض النظر عن طبيعتها أو الجهة التي أصدرتها جنائية كانت أو إدارية (23).ويـــــشترط في     المـــــــــصــادرة         الآتي:-                                                                                                                           1- ان يكون محل المصادرة مال          مملوكأو بذمة الشخص المخالف.     

2- ان يشكل المالالمصادر خطراً على المجتمع.(24)  

3- ان يكون المال المصادر محلا للمخالفة أو تحصل بسببها أو في سبيل اقترافها و حسب ما تنص عليه القوانيــــــن والتعليمات.                                                                                                                                                                4- ويمكن ان يكون في بعض التشريعات كقانون العقوبات الإدارية الايطالي المصادرة العينية بديلا الغرامة النقدية عند عدم مقدرة المتهم على اداءها .(25) وبالاستنــــــاد الى ما تقدم فان من التشريعات ما يعد المصادرة تدبيرا احترازيا عندما يقــــــــع على اموال محرمة كقانون العقوبات الايطالي في المادة 36 وكذلك القانون الأردني و العراقي واللبناني ومن التشريعات ما يميز بين المصادرة على الاموال المباحة وعدهاعقوبة تكميلية.(26 ) ولا يخفى ما للمصادرة من أهميـة عند إيقاعها كجـزاء إداري يكمـن في رفـد الاقتصـاد القـومي                                                                                                                                                  

والتعويض عن المتضررمتمثلا بالدولة ، فضلا عن كونها بديلا عن عقوبات إدارية أصلية كالغرامة كما أسلفنا فضلا عن مزايا أخرى .(27)

الفرع الثاني // العقوبات الادارية الشخصية ..

   وهي عقوبات (غير مالية) وتتمثل هذه العقوبات الادارية غير المالية بكونها تقع على شخص المخالف الا انها لا تنال من حياته ، اي تستبعد من هذه العقوبات الادارية العقوبات السالبة للحرية ، ولكنها تنال من الحقوق والحريات غير الاساسية لتسلبها او تقيدها ، وبطبيعة الحال تكون هذه العقوبات الادارية غير المالية امضى وقعا على الشخص من العقوبات المالية سالفة الذكر ، الامر الذي دعى بعض التشريعات ومنها قانوني العقوبات الادارية الالماني والايطالي الى تبني نظام قانوني يقيد عن سلطة الادارة واحاطتها بضمانات عدة لتفادي تعسف الادارة وامتداد هذه القيود الى ابعد مما تقرره القوانين ، واهم هذه العقوبات الادارية سحب الترخيص او الغاءه اوغلق المنشاة او حظر مزاولة النشاط وغيرها .(28) ،ان تبرير فرض هذة العقوبات الادارية الشخصية تنطلق من رفع صفة التجريم ( الحد من التجريم ) عن بعض السلوكيات التي تطال مصالح محمية ، الا ان هذه الجرائم قليلة الاهمية و بالتالي فان فاعلية هذه العقوبات المتمثلة بالردع العام او الخاص وسهولة فرضها دعت الى حماية فعالة لهذه المصالح بعيدا عنه التجريم الجنائي ومع توفر الضمانات القانونية من خلال عقوبات ادارية لها طابع التدبيرالاداري لا الجزاء الجنائي .(29) واهم هذه العقوبات الشخصية الاتي :

اولا // سحب الترخيص..

   ولما كانت هذه العقوبة لدى بعض التشريعات عقوبة جنائية كا في سحب ترخيص قيادة السيارة او حمل الاسلحة ، فان بعض التشريعات تعدها عقوبة ادارية كما في قانون المرور الفرنسي في مادة (266) . وقد يكون سحب الترخيص جزاء دائمياً او موقتا ، ذلك انه سحب الترخيص لا يولد حقوقا اصلية وانما قرارا اداريا مولدا لحقوق مكتسبة تعلق او تقيد اوتلغي في حالة عدم التزام بشروط الترخيص(30) ، ولا اشكال لسحب الترخيص الوقتي ، بعكس الحال عند سحب الترخيص الدائم فانه يثير اشكالية مخالف الدستور بعدها عقوبة فيها الاعتداء على الحقوق والحريات العامة التي كفلها الدستور واضفى عليها ضمانات في حالة فرضها قضائيا فكيف الحال عند فرضها اداريا .(31)

ثانيا // غـلق المـنشاة ..

يراد بغلق المنشاة منعها من الاستمرار بنشاطها التي انشأت من اجله بسبب اقتراف نشاط غير مشروع يهدد او يصيب مصلحة محمية قانونيا ، و هو اي الغلق من الجزاءات الجنائية التي نصت عليها كثير من التشريعات العقابية ، الا انه في الوقت تعد عقوبة ادارية في تشريعات عديدة اخرى كقانون تداول الخمور الفرنسي في المادة / 62 منه .(32) وبرأينا ايا كانت العقوبة او الجزاء جنائيا او اداريا فانه يتحد في حماية المصلحة المحمية ولكنه يتفاوت بجدارة الحماية و كفايتها بحسب وجهة الحماية ان كانت لصالح مراقبة انتظام و حسن سير النشاط تكون ادارية او كانت حماية لصالح مصالح الاقتصاد تكون جنائية هذا جانب ، و من جانب اخر ينظر الى مركز العقوبة من حيث كونها اصلية او تكميلية او تبعية او تدبير احترازي ، فقد تكون هنا عقوبة ادارية اصلية او تكون جزاء جنائيا من جهة اخرى سواء اكان تبعيا او تدبيرا او احترازيا .و بناء على ما تقدم فانه و في جميع الأحوال ليس من المقصود في إغلاق المشاة إغلاق المحل لذاته ، بل لمنع الفرد من اقتراف جريمة .(33)

   و تجدر الإشارة إلى التمييز بين غلق المنشاة و عقوبة سحب الترخيص هو ان الاخير يمنع ممارسة النشاط كليا وفي جميع المنشات ، في حين غلق المنشاة لا ينصرف أثره الا على المنشاة ذاتها .

ثالثا // حظر مزاولة النشاط..

وهذه العقوبة تعد جزاء تكميليا يلحق سحب الترخيص ، و حكمة هذه العقوبة ان كانت ادارية تكميلية او ان كانت جزاء جنائيا وقائيا كتدبير احترازي هو حماية المجتمع من طائفة من الافراد لا تتوفر فيهم الضمانات الاخلاقية او العلمية او الفنية لممارسة النشاط او المهنة ، او من جهة اخرى حماية مصلحة صيانة المهنة و الحرفة من الدخلاء على امتهانها .(34) و قد نص عليها قانون العقوبات الاداري الايطالي اكثر مما عليه الحال في التشريع الالماني المقارن له و تقررت لكل من يخالف شروط مزاولة النشاط حسب القوانين و التعليمات و اللوائح .(35) وعقوبة حظر ممارسة النشاط كعقوبة ادارية قد تعد عقوبة أصلية او تكميلية بحسب الاحوال. فتعد عقوبة اصلية ان كانت مدة العقوبة الجنائية من عداد الجنح فيكون الحظر اداريا مدة لا تزيد عن خمس سنوات كما في المادة43 /2 من قانون العقوبات الفرنسي ، و تكون عقوبة تبعية كما في قانون مؤسسات الانتخاب لسنة 1984 الفرنسي بالمادة رقم 13 منه ، و كذلك المادة 1775 من القانون العام للضرائب الفرنسي ، و تكوين عقوبة تكميلية وجوبية عندما تقرر المادة 187 من قانون العقوبات الفرنسي عندما يفتح موظف البريد خطابات مودعة بمكاتب البريد و ذلك بمنعه من التعيين مدة لا تقل عن خمس سنوات ، و تكون جوازية في المادة 90 من قانون الصحة العامة بمنع مؤقت من مزاولة وظائف الخدمات العامة و الأمن لكل من يدان جنائيا من وقع منه فعل وهو بحالة سكر .(36)

رابعا // النشـر..

ان نشر العقوبة الادارية التي تصدر من الادارة بقانون اداري طالما كان هو اجراء يخضع لسلطة القضاء و يتمتع بنفس الاجراءات التي تضفي الضمانات للحقوق و الحريات و يتقرر لمدة محدودة و قصيرة . و النشر في الصحف و المجلات او واجهات المحلات او المصانع و يتحمل كل من ينزع او يخفي الاعلان غرامة مالية.ويعد النشر من العقوبات التي سمحت بها المادة (13) من مجلس المنافسة التي تأمر بالامتناع عن المــمارسات غيـــر المشـــروعية في فترة محددة. (37) فضلا عن قرارات مضاربات البورصة و المجلس الاعلى للاعلام .(38)

                                                                                                                                                                                                                                

المبحث الثاني // أسباب نشأة العقوبات الادارية و مبرراتها..

   كان لنشوء قانون العقوبات الاداري اسباب بعضها يرجع الى ما تقتضيه السياسة الجنائية الحديثة ، و بعضها يعود الى تناسب التجريم و العقاب بحسب ما تقتضيه المصلحة القانونية ، اما مبررات اعتماد هذا الاسلوب القانوني في العقاب فيعود الى مبررات املتها غايات العقوبات الادارية و اخرى مبررات موضوعية و اجرائية سنتناولها تباعا .

المطلب الأول // مقتضيات تطور السياسة الجنائية ..

   لقد تطورت سياسة التجريم و العقاب في العصر الحديث بتأثير عوامل عديدة اجتماعية و سياسية و فكرية و كانت لا فكار مونت سكيو و فولتير الاثر البارز في تلك النهضة ، فضلا عن افكار حركة الدفاع الاجتماعي الحديث و روادها كراماتيكا و أنسل الذين كان لهما الاثر البارز في سياسة التجريم و العقاب حديثا.وكان لرؤية مونتسكيو الاثر الابلغ عندما انتقد قوة العقاب و تحكم القضاء في مقدار العقوبات ونوعها ، ودعى الى ضمان حرية المواطنين ومساواتهم امام القانون واعتدال العقوبات وتناسبها مع السلوك الاجرامي بموجب نصوص واضحة محددة تصدرها السلطة التشريعية المستقلة عن السلطتين القضائية والتنفيذية ، الامر الذي انتهى الى اقرار مبدأين اساسيين في مجال قانون العقوبات اولهما مبدأ الشرعية الجزائية و ثانيهما مبدأ الفصل بين السلطات .(39)، و يذكر ان الجهد الاممي ممثلا بالجمعية العامة للأمم المتحدة كان لها دور مهم في الاصلاحات العقابية ، و اتخذت بذلك منهجا لهدم ما توارثته الانسانية من اساليب تعسفية و ظالمة وافكار تقليدية ضمن السياسة العقابية ، واعتمدت منهجا يصون حقوق الانسان و كرامته وخير وسيلة لذلك كانت المؤتمرات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تروج لإرساء دعائم سياسة تجريم وعقاب حديثة .(40) وبناء على ما تقدم فان هناك عوامل ادت الى تطور سياسة التجريم و العقاب تطورا أدى الى حد منح الادارة العامة في الدولة سلطة فرض العقوبات ذات الطابع الجنائي كالغرامة و المصادرة دون الرجوع الى القضاء وبدون محاكمة وخاصة في الانتهاكات الواقعة على المصالح التي تمارس الادارة مباشرتها و منها و اهمها ذات الطابع الاقتصادي او المرفقي او الحرفي ، الامر الذي يعرض المبدأين السالف ذكرهما و الذين هما العمود الفقري لمبادئ قانون العقوبات الى خطر المساس بهما.

الفرع الاول // عوامل تطور السياسة الجنائية..

   سوف نستعرض اهم العوامل التي ساهمت في تطور السياسة الجنائية وهي كالاتي :

اولا // تطور مفهوم الدولة واتساع نشاط الادارة ..

   بعد النهضة الصناعية التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية ، اتجهت الدول المتقدمة الى الاصلاحات التشريعية التي تضفي الحماية للمصالح الجديدة التي تمخضت عن التطور الحاصل في المجال الصناعي و ما صاحبه من تطور في مجال الفكر والثقافة التي املت على المشرع ايضا الحفاظ على القيم الانسانية ، الامر الذي ادى الى تضخم قانون العقوبات ، حتى وصل الامر الى ان اصبح الاخير يشكل عب على الفرد لكي يكون ملما بكل سلوك مجرم ، دون ان يكون متمثلا باي خطورة اجرامية كما هو الحال في كثير من السلوكيات المجرمة في مجال المصالح التي تنظمها القوانين الجزائية الخاصة في المجالات الاقتصادية و الخدمية و المرور وغيرها     وحيث ان الجرائم الحديثة الماسة بتلك المصالح التي تتمثل بفكرة الضرر او الخطر على المجتمع بات لا ينظر اليها بنفس فكرة الضرر او الخطر الذي ينظر اليه سابقا بصدد الجرائم التي تمس المصالح التقليدية وعلى سبيل المثال لا ينظر الى جريمة التهريب الكمركي او الضريبي على انهما جريمتان تمسان شرف الانسان بقدر ما هما سلوكان يتمثلان بالتخلص من عب مالي ثقيل او غير عادل يفرض على الفرد ، و هذا الامر في الكثير من المجتمعات بحسب ثقافتها او نظامها الاقتصادي . و لهذا فان التوجه التشريعي للحلول البديلة عن الجزاء الجنائي التقليدي اصبحت ملاذا للابتعاد عن الجزاء الجنائي الذي كثيرا ما ثبت عدم فاعليته المثلى بمثل هكذا جرائم و ذلك من خلال عدم فاعلية القسوة في الجزاء ، فضلا عن ان الجزاء البديل ينعكس ايجابيا على المجتمع سواء من الجوانب المالية او المعنوية المتمثلة بعدم استفحال الغل و السخط المجتمعي تجاه السلطة بعدها الجهة التي تنفذ العقوبات المقترنة بالجرائم المقترفة .(41)

ثانيا // التطور الاجتماعي والاقتصادي..

ان اتساع نشاط الادارة كان نتيجة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والفكري فتحولت الدولة من راعية للأمن ومحافظة على السيادة الى كونها ادارة عامة واسعة الموارد متشعبة التنظيم تمارس الاشراف على حسن سير المرافق وتقديم الخدمات وتحدد اوجه الانفاق ، ووصل الامر الى حد احتكار تقديم بعض الخدمات الرئيسة في مجال الطاقة والمياه وغير ذلك . وعندما تزايدت اعباء الادارة بأتساع حاجات المجتمع المختلفة ، كان لزاما عليها استعمال سلطاتها بما تمتلكه من وسائل سياسية وقانونية لغرض تنظيم مواردها المالية وايصال الخدمات وجباية الموارد واعادة تدويرها الى خدمات وسلع ، مما دعى الى زيادة وتضخم المصالح الجديدة التي اصبحت جديرة بالحماية القانونية . وحقيقة الامر ان هذه المصالح المالية والخدمية اصبحت عصب الحياة في المجتمعات الحديثة ولايمكن لأي فرد في اي وقت الاستغناء عنها ، فضلا عن كونها مصالح للأفراد جديرة بالحماية ، فهي ايضا تشكل اعباء مالية على المستفيد منها ، وكذا الحال فهي اعباء مالية وفنية على كاهل الادارة في سبيل توفيرها وصيانتها وديمومتها واعادة تدويرها ، مما يستدعي الحفاظ عليها من المساس والانتهاك بكل الوسائل التشريعية الناجعة التي لا تفوت الوقت عند حمايتها ، لأن في ذلك فوات ديمومة المصالح سواء اكانت خدمية للفرد وللمجتمع اوان كانت ايرادا ماليا يجبى بالمقابل من الفرد لصالح الدولة ومن ثم يدور للفرد وللمجتمع فضلا عن ان فوات تقديم الخدمات فيه فوات تحقيق موارد مالية تدخل الخزانة العامة للدولة . ان هذا التزايد المضطرد في جميع القطاعات اقتضى البحث في سبيل جديدة ناجعة تحقق الهدف من توفيرهذه المصالح تحميها بالطريقة التي تناسب مع طبيعتها وهذه السبل عديدة وياتي في مقدمتها الجزاءات الادارية ذات الطبيعة الجنائية كالغرامة والمصادرة وغلق المحل وايقاف النشاط او حظره وغيرها ، فان هذه الجزاءات هي عقوبات جنائية في طبيعتها وبعضها تدابير وقائية احترازية ، الا ان الفارق المهم هو ان جهة فرضها ليس القضاء وانما الادارة بما تمتلكه من سلطة عامة . ان مرد هذا الاجراء هو ان اغلب او جميع هذه الجرائم الحديثة هي جرائم مصطنعة لا طبيعية ، اي انها جرائم غير مستنكرة اجتماعيا بطبيعتها ولا تأثر في مشاعر الشفقة الغريزية او الامانة الفطرية الا انها جرائم اصطنعها الانسان لرغبته في تطوير احتياجاته واستيعابها ، وهي تختلف من حيث النطاق او المضمون من مجتمع لأخر ومن وقت لأخر ، فهي جرائم تنظيمية لا تتعارض مع القيم الانسانية الرئيسة السائدة والهدف منها الحفاظ على مصالح الدولة الحديثة التي تمكنها من اداء واجباتها الحديثة المتمثلة في تقديم الخدمات والسلع ، فضلا عن الأمن والسكينة والصحة العامة.(42)وفي حقيقة الامر ان هذه الجرائم لا تعدو ان تكون محصلة لانتهاك علاقة تنظيمية لقطاع خدمي معين تديره الدولة او تشرف عليه او توجهه ، وذلك بحسب النهج الاقتصادي او الخدمي السائد فيها ، وهذه العلاقة الادارية نشأت بين ادارة الدولة في ذلك القطاع وبين المكلف بالعلاقة القانونية التنظيمية وهو الفرد الطبيعي او الشخص المعنوي ، وان مخالفته ونقصد بها الجريمة المرتكبة هي مخالفة لأوامر الادارة الحكومية المعنية ، وهذه الاوامر هي قرارات ادارية يفترض ان تتولى الادارة بنفسها المعاقبة على من يخالفها وبما يتناسب مع حجم وطبيعة السلوك الماس بالمصلحة المنتهكة ، والادارة الاكثر دراية من غيرها والاكثر حرصا على ادامة هذه المصالح .(43)

ثالثا // تكامل الحماية القانونية للمصالح..

عندما يقترف سلوك ما انتهاكا لمصلحة قانونية ينظر الى اهمية المصلحة ان كانت مصلحة اساسية او تكليمية فحينما يكون الانتهاك لمصحة اساسية يزداد الجزاء شدة وصرامة ، اما ان كان الانتهاك لمصلحة فرعية او تكليمية يخفف الجزاء ،ومن هنا اصبح التميز واضحا بين التأثيم القانوني وبين التجريم ،ذلك ان التجريم صورة خاصة وتمثل اقصى درجات التأثيم وذلك الاخير هو مهمة القانون عموما ، اما التجريم فهو من اختصاص القانون الجنائي .(44) وبذات الصدد يذكر ان القانون الجنائي يصون الركائز الاساسية للمجتمع التي تضمن سلامته وبقاءه ، ويقصد بها المصالح الركائز الاولية الاساسية ، اما فروع القانون الاخرى فأنها تتصدى بالحماية لمصالح اقل اهمية ، وهي تلك المصالح التي يقال عنها انها تضمن وتصون مقومات كمال الحياة الاجتماعية وبعبارة ادق ان القاعدة القانونية الجنائية المنظمة للسلوك والتي تحمي مصالح اساسية تتقاسم وتشترك معها في الحماية قواعد اخرى غير جنائية تنتمي الى فروع القانون الاخرى كالقانون الاداري او الدستوري او المدني وهو ما يطلق عليه ب ((ثنائية حكم القاعدة الجنائية )).(45) او التلازم الحتمي بين الحظر الجنائي والحظر غير الجنائي . ويمكن القول ان القانون الجنائي يتولى حماية المصالح الاساسية للمجتمع ، بينما القوانين الاخرى تتولى حماية المصالح التي تعنى برقي المجتمع ، وان تجاوز القانون الجنائي ذلك ، اي حدود المصالح الاساسية فانه يفتح الابواب لأعباء وصعوبات تقع على كاهل الدولة ، والاولى ان لا يتجاوزحدود التجريم ويترك تلك المصالح الاقل اهمية من تلك التي يطلق عليها الركائز الاولية الاساسية للمجتمع لتتولاها فروع القانون الاخرى بالتنظيم . ومتى ما كان السلوك المجرم لا يطال الضميرالانساني العام فيوكل أمر التأثيم الى قانون اخر لإيقاع وفرض جزاءات اكثر فاعلية كالغرامة الادارية والمصادرة وغيرها .(46) ولما كانت المصلحة تعني الموافقة بين المنفعة والهدف ، فهي أي المصلحة توجد بتوافرعناصرها الثلاثة ،المنفعة والهدف والموافقة بينهما ، ولما كانت المصلحة جلب المنفعة ودرء المفسدة او الضرر ، فلا مناص من اتباع سبل الحماية القانونية بما يحقق المصلحة ولا ينتقص منها ولا يفوت تحقيقها بالكامل وبما يدفع الاضرار ويدرء المفاسد ، لأن في ذلك تفويت او انتقاص من المصلحة محل الاقامة .(47) ونعتقد وبلا شك ان سبل حماية المصالح المهمة تحددها السياسة الجنائية في الدولة ، في حين ان تحديد المصالح الجديرة بالحماية يكون على اساس فلسفة الدولة ، وطبيعة الايديولوجيا التي تنتهجها . وان كانت السبل المؤدية الى تحقيق الحماية القانونية غير ناجعة فلا جدوى من الحماية ولا مصلحة تتحقق منها .

الفرع الثاني // ملامح السياسة الجنائية الحديثة..

ان من اهم مظاهر السياسة الجنائية الحديثة التي دعت اليها حاجات المجتمع الاجتماعية والاقتصادية وتوسع نشاط الادارة العامة هو فكرة الحد من التجريم والحد من العقاب واعتماد معايير حديثة للتجريم والعقاب ، فضلا عن الحاجة الى الانتقال من الجزاء الجنائي الى الجزاء الوقائي او اعتماد الجزاءات البديلة عن الجزاءات الجنائية التقليدية وهذا ما سنبحثه تباعا .

اولا // الحد من التجريم..      

لابد من بيان مفهوم الحد من التجريم ومفهوم الحد من العقاب وعوامل ظهور هاتين الفكرتين وتحديدهما وعرض النتائج المترتبة عليهما.

1-   تعريف الحد من التجريم..

   ويقصد به إلغاء التجريم لأفعال معينة والاعتراف القانوني بمشروعيتها واخراجها من طائلة اي نوع من العقاب .ان الغاء تجريم اي سلوك لا يستتبعه حتمية عدم استهجانه اجتماعيا او قبوله او عدم رفض الضمير العام له عند مجموعة او طائفة او عموم المجتمع ، وهذا الامر تجده جليا عند بعض السلوكيات التي الغي تجريمها في العقود الاخيرة في بعض المجتمعات الغربية كفعل الاجهاض المتعمد او ممارسة الانحراف الجنسي ، اذ انه على الرغم من كونها غير مجرمة في مجتمعات معينة ، الا انها غير مقبولة اجتماعيا عند فئات مجتمعية واسعة ، وبعكس الحال هناك بعض الافعال المجرمة قانونا ، الا انها غير مستهجنة ولا تجرح الضمير العام ومنها تجريم التهرب الضريبي او الكمركي وغيرها ، وجدير بالذكران الحد من التجريم فكرة نسبية ، اذ انه ما يمكن قبوله او استهجانه في زمان ومكان معينين لا يكون الامر ذاته في زمان او مكان اخر ، الامر الذي يترتب عليه ان قبول فكرة الحد من التجريم يتوقف على امكانية تطور الفكر الاجتماعي ومدى استساغة الضمير العام لهذا السلوك او ذاك ، وبالتالي فهي وان كانت فكرة نسبية وتعتمد على مدى توغلها في ضمير المجتمع ، فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالآداب العامة والنظام العام بعدهما يختلفان بحسب المكان والزمان . وبالتالي فان فكرة الحد من التجريم ومن حيث نطاق تطبيقها تتلائم مع بعض السلوكيات ذات الطابع الاخلاقي او الاعتقادي او في بعض التعاملات اليومية البسيطة على صعيد التعاملات الاقتصادية البسيطة او غيرها ولا ينسحب اثرها على المصالح الرئيسة او المعززة لها . وبهذا الصدد نجد ان تجريم الافعال المتعلقة بالتهرب الضريبي اصبحت راسخة في الضمير العام للشعوب المتطورة التي تعتمد حكوماتها اقتصاد السوق ، وتعد مخدشة لسمعة وشرف مقترفها ، في حين ان الامر لا يعد كذلك عند شعوب اخرى ذلت ثقافة او نمط اقتصادي اخر .(48) وجدير بالقول ان فكرة الحد من التجريم وان كانت فكرة حديثة املتها ضرورة التطور الاجتماعي والتوسع في نشاط الدولة ، فأنها تنطلق من فكرة اوسع وهي ان القيم والمصالح التي تساهم في حفظ كيان المجتمع واستقراره واستمراره ، فأنها تبرر لوجود القاعدة الجنائية المجرمة لسلوك ما ، وان انتفى التهديد الحقيقي او المساس بالمصالح المهمة الجديرة بالحماية فلا داعي لتدخل القانون الجنائي .(49) اذن ان حماية المصالح توكل الى المشرع بعده ممثل المجتمع بكل فئاته واطيافه والاجدر بقياس الحاجة الى التجريم ومن ثم وحده من يستطيع الموازنة بين المصالح العامة والمصالح الخاصة ومن ثم اقرار الحاجة الى التجريم من عدمه ، عندما تكون المصالح الفردية يتسبب عند المساس بالمصلحة العامة .(50)

1- عوامل فكرة الحد من التجريم..

وتتمثل العوامل التي دعت إلى الحاجة إلى الحدمن التجريم إضافة إلى ما ذكرناه آنفا المتعلق بتوسيع نشاط الدولة و الإدارة تبعا للتطور والتوسع الاقتصادي و الاجتماعي و الإداري و تطور فكرة القناعة الاجتماعية و التشريعية و الإدارية بعدم ضرورة التدخل الجنائي لفعل معين لعدم وصوله حد خدش الضمير العام أو المساس بالمصالح الأساسية الأولية الجوهرية للمجتمع أو تلك الداعمة أو المعززة لها ، كما في العديد من الافعال المجرمة قانونيا ، الا ان تفعيل التجريم غير مستساغ اجتماعيا وغير ممكن قانونا كما في جريمة التخلف عن المشاركة في الاقتراع او الانتخاب و ذلك كما في المادة رقم (39) من قانون رقم 73 لسنة 1956 المصري .(51)وتجسيدا لما تقدم فقد نادى الفقيه بكاريا بحكمة شهيرة مفادها (( ان الرقي بالشعب وسيلة الحرية المقرونة بالتوعية والتعبيرلاالعبودية التي تتخذ من سيف العقاب اداة لها وتهدد باستخدامه في كل صغيرة و كبيرة)) .(52) و بهذا الصدد يرى العالم هانز و لزل ان التوسع في التجريم على سلوكيات تستهدف غاية تنظيمية أو اقتصادية أو سياسية يعتبر استخداما غير حكيما للقانون الجنائي ، ينال من الحدة القاطعة لسيف العقاب ويحول القانون الجنائي الى اداة للرعب.(53)وتطبيقا لذلك وللحد من ظاهرة التوسع في التجريم اتجه مؤتمر الامم المتحدة الرابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في كيوتو عام 1970،ان لا تتوسع الدول في تجريم افعالا مستحدثة ، فضلا عن ضرورة مراجعتها للجرائم التي تنطوي على افعالا خطرة وكذا الحال في المؤتمر العربي السابع للدفاع الاجتماعي المنعقد في القاهرة عام 1974 الذي دعى الى توخي الدقة والحذر في التجريم وعدم الاتجاه نحو التضخم والتوسع في التجريم طالما لايوجد مبررا لهذا التوسع تقتضيه الضرورات الاجتماعية .(54)

ثانيا // الحد من العقاب..

وكما عرفنا فكرة الحد من التجريم ، فانه حري بنا تعريف الحد من العقاب ، وقبل ذلك ندعو بشكل عام الى تبني سياسة اكثرتسامحا واكثر ملائمة وتناسبا مع مقتضيات العصر الحديث الذي يتسم بتشعب المصالح الجديرة بالحماية دون الوقوع في تشعب الحماية وتشابكها وأضعاف القانون الجنائي ، فانه يجدر بنا التمييز بين ثلاثة اتجاهات تشريعية وهي كالاتي:-

(( 1- الابقاء على تجريم الفعل جنائيا وتخفيف الجزاء الجنائي.

2-البقاء على تحريم الفعل جنائيا والتحول عن الجزاء الجنائي.

3-التحول عن التجريم الجنائي الى نظام قانوني اخر. )).(55)

   وبناء على ماتقدم فان تعريف الحد من العقاب يعتمد على مناقشة الاتجاهات الثلاثة المتقدمة وتحديد المقصود بالحد من العقاب . ان الاتجاه الاول ، الابقاء على التجريم الجنائي وتخفيف الجزاء الجنائي يذهب الى اقرار سياسة جنائية وتتناسب مع مقتضيات العصر والتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من خلال تخفيف العقاب واقرار الظروف المخففة وبخاصة العقوبات السالبة للحرية طويلة المدة ، الامر الذي ادى الى تزايد وارتفاع منسوب العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة ، مانتج عنه الحاجة الى الاتجاه لبدائل عن العقوبة سالبة الحرية قصيرة المدة لاحقا واهمها عقوبة سحب الرخصة لمدة معينة والمصادرة في قضايا المرور عندما قضت المادة 43/الفقرة 3 من قانون رقم 11 لسنة 1975 الفرنسي ، ان ينطق القاضي بصفة اصلية بإحدى العقوبات المتعلقة بسحب رخصة القيادة او منع قيادة المركبة او مصادرتها او منع حيازة اوحمل السلاح او سحب الترخيص الممنوح للصيد او مصادرة السلاح ، اي الحكم بها بصفة اصلية لا تبعية او تكميلية .ان هذا لم يكن شأن القانونين الالماني والايطالي عندما ينطق القاضي بالعقوبات التبعية او التكميلية كعقوبة اصلية ولكن دون استحالة او تعذر الاتفاق بين المحكوم عليه والسلطة الادارية المختصة باللجوء الى بديل للعقوبة السالبة للحرية الى عقوبة اخرى كالغرامة او مراقبة الشرطة. اما الاتجاه الثاني الذي يذهب الى تجريم الفعل جنائيا والتحول الى الاجراء الاخر غير الجنائي، وهو ايضا اتجاها يذهب الى اقرار سياسة جنائية متسامحة من خلال التوقف عن المتابعة الجنائية واعتماد اجراءات غير جنائية تمهد وتساعد في سرعة اندماج المحكوم عليه مجددا في مجتمعه ، فضلا عن امكانية اللجوء الى حل النزاع الذي يسبب الجريمة دون اللجوء الى الاجراءات الجنائية .(56) اما الاتجاه الثالث المتمثل بالتحول التام عن القانون الجنائي الى نظام قانوني اخر، اي الغاء التجريم الجنائي عن الفعل ، وتكون عدم مشروعيته بالاستناد الى اخر اداري او مدني ، والجزاءات المقررة له غير جنائية وهو ما يطلق عليه قانون العقوبات الاداري او القانون الاداري العقابي ،كالقانون الالماني لعام 1952 والقانون اليوغوسلافي السابق لعام 1958 والقانون الروسي لعام 1960 وهذه القوانين اقتصرت على التجريم الاداري لذات الافعال الواقعة في ظل قوانين جزائية اخرى كالمخالفات ، اما القانون الايطالي لعام 1981 فقد مد التجريم الاداري لافعال تعد من عداد الجنح في قوانين جزائية اخرى .وبالاستناد الى ما تقدم فان ظاهرة الحد من العقاب يمكن ان تعرف بالاستناد الى الاتجاه الثالث انف الذكر هو التحول عن القانون الجنائي الى نظام قانوني اخر له خصوصيته عن القانون الجنائي . وخلاصة القول ان ظاهرة الحد من العقاب هو تجريد الصفة الجنائية عن الفعل وتجريمه على وفق معايير ادارية موضوعية وشكلية وتخصيص جزاءات تفرضها الادارة ولكن غير تلك التي تفرضها على الموظف العام عند ارتكابه جريمة وظيفية.

ثالثا // معيارية التجريم والعقاب..

   وفضلا عن الملامح الرئيسة للسياسة الجنائية الحديثة المتمثلة بالحد من التجريم والعقاب والانتقال من الجزاءات الجنائية المغلظة كالعقوبات السالبة للحرية طويلة المدة الى العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة ، اي الانتقال الى الجزاءات الجنائية البديلة ، فان من صور السياسة الجنائية الحديثة هو معيارية التجريم والعقاب.

1- تعريف المعيار القانوني..

ونقصد بالمعيارية هو الاسس التي بموجبها تتم حماية المصالح الجديرة ، وان كان الدين والاخلاق يفصلان بين الخير والشر، فان القانون ليس كذلك ، فهو يحتاج الى معايير اكثر وضوحا ،خاصة وان المشكلة فيه لا تتعلق بما هو خيرو شر، بل تتعلق بما هو حق وما هو ليس حق ، فالمعاييرالقانونية هي ادوات معنوية وفكرية وعقلية توجه المشرع وهو بصدد اختيارالمصالح الجديرة بالحماية وصياغة القواعد القانونية.(57) و يعرف ( الاستاذ السنهوري ) المعيارالقانوني بأنه اتجاه عام لا يفيد القاضي ، يهتدي به عند الحكم ، ويعطيه فكرة عن غرض القانون وغايته .(58) و يعرفه ( شنوس ) بأنه إلهام المشرع بالقواعد القانونية المستمدة من المبادى الاخلاقية للمجتمع لان من واجب المشرع الا يجرم من الافعال الا تلك التي يستطيع كل شخص ان يتبين من تلقاء نفسه و بالحس العادي انها محظورة ، فالقواعد التي تحيا في نفوس المجتمع هي اساس النصوص القانونية وهي التي ترسم صور قواعد القانون التي لا يستطيع المشرع تجاهلها .(59) و يعرفه العميد (روسكوباوند) انه مقياس لنهج اجتماعي سليم ، غيرانه يعترف بصعوبة وضع تعريف دقيق للمعيار، لانه يرتكز على افكار عامة متعلقة بأصول التعامل المدني للإنسان ، و هذه المعاملات يصعب حصرها .(60) وأيا كان تعريف المعيار القانوني فنعتقد انه يراد به منهج منطقي وعملي يعتمد على اسس الاخلاق و الدين و المصالح الرئيسة و المتجددة في المجتمع يعتمده المشرع عند اختياره للمصالح الجديرة بالحماية من جهة ، وعند صياغته للنصوص من جهة اخرى ، فضلا عن نوع التجريم وكمه بالتناسب مع نوع الجزاء و مقداره ، و بما يحقق اقرارالحقوق و حمايتها و تنظيمها وصولا للعدالة و الرقي .

2 – خصائص المعاير القانوني..

و يجب ان يتميز المعيار القانوني بخصائص معينة تتحقق معها اغراض السياسة الجنائية و اهداف المشرع وهي كالاتي:-                                                

أ- الاخلاق : لان المعيار له صلة وثيقة بسلوك الانسان ، اي ان المعيار يمثل الصلة بين القانون و الاخلاق.

ب- الخبرة و الدراية : اي يتوجب عند تطبيق المعيار ان يكون القائم به مدركا بشكل جيد للأمور العامة و حاذقا ومراعيا للقيم السائدة في المجتمع .

ج- النسبية و الملائمة : اي ان المعيار ليس مطلقا ، لأنه يتغير من شخص لأخر ومن حال لأخر ، اي ان معيار اليوم ليس بالضرورة يصلح للغد فالمعايير تتغير بتغير المحيط الاجتماعي لغرض التوفيق بين القانون الثابت و تطورات المجتمع المستمرة .(61)يتضح مما تقدم ان المعيار القانوني متغير و نسبي كما هي مفردات الحياة فحينا يأخذ شكل الاستقرار، وحينا يأخذ شكل التجديد و التطور وحينا يأخذ شكل الطاري ، الامر الذي يحتم ان تكون السياسة الجنائية الحديثة معتمدة على معايير قانونية لتلبي حاجات المجتمع بين المستقراخلاقا وعرفا و بين المصالح المتجددة و المستحدثة مراعية التوازن بين المصالح من جهة و بين نوع التجريم و مقدار العقاب و نوعه من جهة اخرى.

3-انـواع المـعايير القـانونية..

ولابد من معايير تعين الشارع في تقييم واختيار المصالح و من ثم تحديد نوع الجزاء و مقداره و هي كالاتي:-                                                                                                                                                       أ- المعيار التاريخي : اذ ان المشرع يقدر المصلحة من حيث نشأتها تاريخيا والاهداف التي يرمي اليها القانون عند فرض الحماية المقررة لها .                                                                          

ب- معيار المثالية : و يستعين به المشرع عند التنازع بين المصالح الاجتماعية وتقدير ايهما اجدر بالحماية فالخير العام يعلو على المصالح الخاصة الفردية ويقتضي للأخيرة عدم تعارضها مع النفع او الخير العام .(62)

ج- المعيار المنطقي : وعلى اساسه تصاغ القوانين لغرض حماية المصالح وان القوانين لاتتضمن حلولا تفصيلية تعالج كل القيم والمصالح في المجال العملي ، والسياسة التشريعية تحمل نصوص القانون مبادى عامة ، وهناك تفصيلات تترك للقضاء عند التطبيق .(63)

د- المعيار العملي : ونقصد به وظيفة المشرع في البحث عن حلول عملية لتحديد معايير القيم والمصالح الاجتماعية ، وهذا الاتجاه نادى به روسكو باوند ، حيث يضع معيارا عمليا يتضمن اسباع اكبر قدر من المصالح بأقل تضحية ممكنة . وان هذا المعيار لايعني المساواة بين المصالح بقدر ما يعني التراتبية لها بحسب اهميتها فردية او مصالحا عامة .(64)  

ه- معيار التضامن الاجتماعي : ونادى الفقيه ( ديجي ) صاحب فكرة التضامن الاجتماعي حينما اكد على حقيقتين هما طبيعة النسان وحاجته للجماعة ، فالانسان كائن لايمكن تحقيق حاجاته الا بعد انصهاره بالمجتمع ويضمن التضامن الاجتماعي صورتان:الاولى تضامن اشتراك.وثانيهما تضامن بتقسيم الاعباء .(65)وبالاستناد الى ما تقدم فلا يمكن ان تكون السياسة الجنائية الحديثة الا ان تكون مبنية على اساس معايير ثابتة ومتجددة تلبي حاجات المجتمع وتطوره ولا تكون عائقا او عبأ امام انسيابية حياة الافراد في المجتمع او ثقلا على كاهل السلطات في الدولة عن تطبيق او تنفيذ القانون ولا تفوت فرصة التمتع بكامل المصالح وعدم انتقاصها.

المطلب الثاني // تناسب التجريم والعقاب في ضوء المصلحة..

   واستنادا الى مقتضيات السياسة الجنائية الحديثة انفة الذكر فأنها ولكي تكون فعالة ناجعة تتناغم مع اغراض القانون وضرورات العصر ، يجب ان تكون محققة للتناسب بين العقاب و التجريم بالاستناد الى المصلحة المحمية ، فضلا عن ان التناسب ضروري ايضا في مجال العقاب المخصص للشخص المعنوي مع السلوكيات المجرمة.

                                           

الفرع الاول // التناسب في ظل التضخم التشريعي..

يكتسب موضوع التناسب بين التجريم و العقاب اهمية خاصة في مجال السياسة الجنائية التي اضحت ترتكز على وظائف العقاب ، فضلا عن ان ضرورة كون التناسب نسبيا لا مطلقا . و في مجال العقوبات الادارية و خصوصية الجرائم المستحدثة التي تقابلها فان موضوع التناسب له ما يميزه بحسب طبيعة الجرائم و طبيعة الجزاءات الادارية المقررة لها وطبيعة الجهة التي تفرضها وطبيعة الغايات التي يتوخى تحقيقها.

                              

اولا // تعريف التناسب..

ويعرف التناسب اصطلاحا بانه الاجراء المتخذ بالتوافق مع سبب القرار.(66) و في الاصطلاح القانوني يعرف التناسب بوجه عام بأنه تعبير عن الصلة التوافقية بين حالة معينة واخرى مناظرة لها نتيجة توازن مقبول بينهما .(67) اما في المجال العقابي فان التناسب يعني ان يكون العقاب متلائما مع الظروف الشخصية للجاني و الظروف الموضوعية للجريمة كي تأتي العقوبة ثمارها ووظائفها .(68) اذ انه ليس للمشرع ان يقرر عقوبة قاسية تجرح الشعور والضمير العام ، ولا عقوبة بسيطة لا تحقق اغراض القانون وتوفر الحماية كاملة ، و قد عبرت محكمة التمييز العراقية عن مضمون مبدأ التناسب في قرار لها انه ((لا ينبغي ان تكون العقوبة هينة بحيث لا يؤبه بها ، و لا تكن قاسية بغير مبرر ، اذ لا فائدة من عقوبة غير رادعة)) .(69) ومن مقتضيات مبدأ التناسب ان تكون العقوبة قابلة للتجزأة ، و قد عبر عنها البعض بالمرنة ، بحيث يمكن تحديد مقدارها بما يتناسب مع جسامة الجريمة و درجة خطورة الجاني.(70) ومبدأ التناسب يجعل العقوبة صالحة لتحقيق الاغراض المراد تحقيقها كالردع العام والردع الخاص ولتحقيق العدالة وتهدئة الشعور العام في المجتمع .(71)

ثانيا // معيار التناسب ..

ان وضع معيار محددا للتناسب يواجه صعوبات عديدة لان تحديده لا يخلو من الدقة نظرا لتعدد الامتيازات التي يجب مراعاتها للقول بالتناسب من عدمه ، لهذا السبب تعددت معايير التناسب فمنها المعيار الموضوعي والاخر المعيار الشخصي وهناك المعيار الوسط بينهما وهو المختلط . ووفقا للمعيار الموضوعي يجب ان يكون هناك تناسب بين جسامة الجريمة وجسامة العقاب ، اما المعيار الشخصي فيرتكز على ان يكون التناسب بين حافة السلوك المادي خطورة الاحترافية للجاني ، في حين ان المعيار المختلط الذي تبنته المدرسة التوفيقية التي حاولت التوفيق بين المعيارين السالفين من خلال السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي بحسب الواقعة المعروضة امامه ، وهذا الاخر هو اقرب للعدالة من خلال ملائمة العقوبة ومنح القاضي السلطة التقديرية لفرض العقوبة المناسبة في ظل ظروف الجريمة والجاني وخطورته الاجرامية. وفي مجال العقوبات الادارية وعلى سبيل المثال في الجرائم ذات الطبيعة المالية كالجرائم الضريبية والكمركية ، تبدو العقوبات سالبة الحرية لا تتناسب مع المصلحة المراد حمايتها والتي تخلص الى تغذية الخزانة العامة للمال ، وهذه الحماية تستوجب فرض عقوبات تتفق مع طبيعة تلك الجرائم التي تتسم بعدم السماح بهدر مصلحة الخزينة العامة والتسبب بضياع لأموال مستحقة سواء من خلال فعل التهرب او من خلال فرض عقوبة لا تسمح او تعرقل دخول اموال للخزينة العامة ، وخير دليل على ذلك عندما ذهب المشرع الى منح الادارة سلطة التسوية الصلحية كبديل عن العقوبات السالبة للحرية لان نتيجة التسوية هو دفع اموال مضاعفة للخزينة ، هذا من جهة ومن جهة اخرى عندما ذهب المشرع الى منح الادارة فرض عقوبات مالية كالغرامة لمواجهة هكذا جرائم ، فضلا عن العقوبات الادارية سالفة الذكر لجرائم مستحدثة اخرى ،كما في الغرامة الضريبية التي تفرضها الادارة بموجب المادة/56 الفقرة اولا / البند4 بنسبة 100%من الضريبة المتحققة على ان لا تزيد عن خمسائة الف دينارعلى المكلف الذي لم يقدم او يمتنع عن تقديم

تقرير ضريبة الدخل لغاية 31/5 من كل سنة .(72) الامر الذي يحد من التضخم التشريعي ويحقق اغراض القانون ويوفر حماية مثلى للمصلحة المستحدثة على وفق مرونة اسلوب الحماية ونجاعتها .(73)

الفرع الثاني // التناسب في ظل مسؤولية الشخص المعنوي ..

ان اقرار المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي لم تزل تتجاذبها اراء الفقهاء بين القبول وعدها تطورا تشريعيا وبين الرفض كونها تراجعا خطيرا للفكر القانوني المعاصر ، وكل فريق يقدم ما يؤيد رأيه ويدحض الرأي المخالف ، ومن مؤيدي فكرة المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي الاستاذ donnedien ، بينما الرافض هو الاستاذ roux .(74) ومن اهم الافكار التي سيقت لاقرار المسؤولية ، أن الشخص المعنوي حقيقة واقعية وقانونية ولايمكن اعتباره فرضا قانونيا لا تتوافر فيه الشروط القانونية ، ذلك ان الشخص المعنوي كيان حقيقي قانوني اوجده المشرع ونظم نشاطه الذي يعد تجسيدا لإرادته التي هي ترجمة لارادات الاشخاص الطبيعيين الاعضاء في مجلس ادارته ، فضلا عن مساءلة الشخص المعنوي مدنيا وان كان الشخص المعنوي مسؤولا امام القضاء الجنائي . هذا من جانب ، ومن جانب اخر ان الشخص المعنوي وان كان من غير المتصور انطباق بعض العقوبات عليه لعدم تناسبها تماما مع طبيعته وغاية انشاءه كالعقوبات البدنية السالبة للحرية ، فان هناك عقوبات اخرى تتناسب مع طبيعة وغاية انشاءه كالغرامة والمصادرة وغلق المحل او سحب الترخيص..الخ.وهذه تتفق تماما مع الشخص المعنوي كيانا وطبيعة .(75) اما اقرار المسؤولية الادارية او مسؤولية الشخص المعنوي عن الجرائم الادارية فهذا أيسر بكثير عن سابقتها المسؤولية الجنائية لاعتبارات عديدة منهاعدم تعارض العقوبات المفروضة عليه مع طبيعته ، فضلا عن ان اتيان الجريمة وقيام المسؤولية لا يحتاج كثيرا التحقق في الركن المعنوي للجريمة ، ذلك انها جرائم تتعلق بالإدارة العامة والمرفق العام ولا تمس عموم المجتمع وليست جريمة من الجرائم التي تمس الركائز الاساسية للمجتمع او دعاماته التي يقوم عليها ومن ثم التهديد بتقويض كيان المجتمع او الدولة. وغالبا ما تكون هذه الجزاءات الادارية ذات طبيعة مالية او جزاءات ادارية خاصة كسحب الترخيص او الغلق او وقف النشاط وهي جزاءات لاتخالف طبيعة الشخص المعنوي وتتطابق معها تنفيذيا .(76) اما ضرورة التمييز بين المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي والمسؤولية الادارية فهي هامة جدا ، لان الاخيرة يكون الخطأ فيها مفترضا وهو اساس المسؤولية وتكلف الادارة بتوقيع احدى العقوبات التي سبق وان ذكرناها وتتلائم معه تماما . اما ان تلازم الجرم الاداري بجرم جنائي ، فلا بد ان تحال الدعوى للقضاء لغرض البت بما هو جنائي وضمن الحق العام عما هو اداري يقع ضمن تكليف الادارة . وفي هذا السياق يشار الى مثال السيارة التي تقف ليلا في شارع مظلم ومفتقدة الى الانارة الامامية والخلفية فهذه جريمة ادارية ، اما ان تسببت هذه السيارة المظلمة الواقفة في شارع مظلم بحادث مع سيارة اخرى فتخضع الجريمة الى القضاء لان فيها جانب جنائي .نخلص الى القول ان المسؤولية الادارية للشخص المعنوي تنطلق من فكرة الخطأ المفترض كأساس للمسؤولية ، وهذا ما تقتضيه الحكمة من وجود الادارة والقانون الاداري وخاصة الاجراءات السريعة الفعالة الناجعة في فرض وايقاع الجزاء ، والا فوتت الكثير من المصالح او انتقصت بسبب ضعف او عدم وجود اساليب فرض الجزاءات الناجعة الفعالة .(77) وبناء على ماتقدم فان الشخص المعنوي ومسؤوليته الجنائية والادارية حقيقة قانونية قائمة لاغنى عنها بالنظر الى ما تتطلبه التطورات الاجتماعية والاقتصادية وتشعباتها ، بل ان التطور المذكور قد تطور الى ابعد من كونه تطورا ماديا محسوسا الى ان يكون تطورا الكتروبيا ورقميا دخل جميع مناحي الحياة وهذا مايعزز فكرة الشخص المعنوي ومسؤوليته عن كثير من الافعال والاعمال التي ينجزها على صعيد شبكة المعلومات العنكبوتية ومواقع التسوق الالكتروني وبطاقات الاعتماد والوفاء الالكترونية وغيرها.

المطلب الثالث // مبررات العقوبات الاداريـة..

تتميز السياسة الجنائية بأنها غائية ونسبية وسياسة متطورة ، وهذا التطور يكون بناء على تأثر السياسة الجنائية بعدة عوامل تتحكم في تحديدها وتوجيهها ، وفي مقدمة العوامل طبيعة النظام السياسي للدولة والمشكلات التي تواجه المجتمع فضلا عن التغيرات التي تعتريه ، والتي تدفع به الى التطور .(78)وبناء على ما تقدم فان المبررات التي دعت الى اعتماد العقوبات الادارية كنتيجة للتطور الذي اتسمت به السياسة الجنائية خاصة والتشريعية عامة ، وهي اما مبررات غائية تنطلق من اهداف التجريم والعقاب ، او مبررات اخرى موضوعية واجرائية سنأتي عليها تباعا.

الفرع الاول // المبررات الغائية..

فضلا عن الاسباب التي ادت الى نشوء العقوبات الادارية انفة الذكر ، فان مبررات اعتماد هذا النوع من العقوبات هي مبررات غائية اومبررات موضوعية او اجرائية ، وفي هذا الموضع من البحث سنتوقف عند المبررات الغائية والتي تتمثل بعدم كفاية الحماية الجنائية . ذلك ان الجزاءات الجنائية كما هي ضرورة تأريخية املتها طبيعة المصالح اللصيقة بالفرد من جهة وبالمجتمع من جهة اخرى ، ونقصد بذلك اي فرد ككائن بشري مجرد عن كنهه او وظيفته ، والمجتمع نقصد به اي مجتمع انساني بكل ما يحمله من المعاني الاجتماعية والانسانية التي تنسجم مع الطبيعة والفطرة السليمة فانها أي الجزاءات الجنائية تنسجم مع طبيعة المصالح التي هي ساندة للمصالح الاساسية التي يدعوها بعض الفقه ركائز وهي المصالح الداعمة لها ونقصد بها المصالح التي تتمثل بكمال المجتمع والفرد وارتقائهما .(79) ان هذه الجزاءات الجنائية بطبيعتها القضائية تحمي المصالح وتحقق الردع العام والردع الخاص من جهة ، ومن جهة اخرى اصلاح الجاني ، فضلا عن انها وكونها قضائية ولها سماتها الموضوعية والاجرائية المعروفة لا تتعارض مع ضمانات المتهم وبكل مراحل الدعوى ومرورا بصدور الحكم وانتهاء بتنفيذ العقوبة .وبناء على ما تقدم فان هذه الجزاءات وبحكم طبيعتها التي تتلائم وتتناسب مع المصالح انفة الذكر ، فانها لم ينظر اليها بذات القيمة عند حمايتها للمصالح المصطنعة او المستحدثة المتجددة التي ارتبطت بنشاط الدولة والادارة العامة سواء على صعيد النشاط المرفقي او الخدمي بكل انواعه المالية والمصرفية والتنظيمية والخدمية ، ذلك ان هذه المصالح اما ان ترتبط بتقديم خدمة من الادارة بمقابل نقدي او مالي يدفعه الفرد ، او ترتبط بممارسة نشاط اقتصادي او مالي له الاثر البالغ في التعاملات الفردية اليومية التي املتها الحياة المعاصرة ، او انها ترتبط بامور ونشاطات تنظيمية تمارسها الادارة ، وهذه المصالح المستحدثة ولغرض حمايتها لابد ان يضمن المشرع ديمومتها وأنتظام وإضطراد دون تأخير او إنتقاص ، لان في التأخير والانتقاص إعاقة للحياة العصرية على الصعيد الخدمي والتنظيمي والاقتصادي والمالي ، ومن ثم يترتب على ذلك فوات استحصال للمبالغ النقدية او المالية التي تدخل خزانة الدولة وهذا بحد ذاته مصلحة ايضا تعود للمجتمع اولا وللفرد ثانيا بعد تدويرها الى خدمات وتستحق الحماية القانونية . الامر الذي يترتب عليه عدم نجاعة الجزاءات الجنائية التي يصدرها القضاء وذلك لتناسبها مع المصالح الرئيسة للفرد والمجتمع – الركائز- وعدم تناسبها مع المصالح المستحدثة للفرد والمجتمع – الدعائم- من جهة ومن جهة اخرى ان اجراءات التقاضي لابد وان تحفظ للفرد ضمانات لحقوقه الاساسية وتحفظ للمجتمع حقه في سيادة القانون وهذا الامر يحتاج الوقت اللازم ، فضلا ان اغراض الجزاء الجنائي هي ليست ذات الاغراض التي يهدف اليها الجزاء الاداري بحسب طبيعة المصلحة المراد حمايتها. ومن ذلك ما نصت عليه المادة (482) الفقرة ثانيا من قانون العقوبات العراقي رقم111 لسنة1969 عندما يعاقب بالحبس وبالغرامة او باحداهما لكل من يتسبب بتسميم سمك في الحوض او النهراو غير ذلك بطريقة المتفجرات او المواد الكيميائية او غير ذلك بالوقت التي تعاقب فيه المادة (21) اولا /1 من قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم3 لسنة1997 بالغرامة لا تقل عن خمسين الف دينارولا تزيد عن مائتين وخمسين الف دينارـ شهريا ـ اي بتكرار المبلغ لكل شهر لحين ازالة المخالفة . ومنها ايضا ما ذكر بالمادة (19) من القانون المذكور التي تتعلق بتلويث البيئة والمياه والاحياء المائية ، فضلا عن العديد من الجزاءات الادارية في القوانين الخاصة التي تقيد قانون العقوبات من حيث التجريم والجزاء ، ذلك ان الجزاء الاداري المخصص لهذه المصلحة المستحدثة يكون اكثر تحقيقا للحماية القانونية من القانون العقابي العام .

الفرع الثاني // المبررات الموضوعيـة والاجرائيـة..

   فضلا عما تقدم بيانه ، فان هناك مبررات موضوعية واخرى اجرائية تسهم في اعتماد هذه العقوبات.

اولا // إدامة المصلحة وتفادي الخسائر المالية..

   مع تطور السياسة العقابية تطورت مفاهيم وظيفة العقوبة بحيث أصبحت لا تقتصر على الردع العام والخاص،بل تتعداه الى تحقيق العدالة وسيادة القانون في المجتمع ،(80) ولا يخفى ان العدالة مفهوم واسع وكذا الحال سيادة القانون ، اذ يمتد هذا المفهوم ليشمل ادامة وصيانة المصالح تحت ظل الدولة وحمايتها ، ذلك ان مفهوم الدولة الحديث وكما سبق وان اشرنا الى ذلك ، تطور ليشمل تقديم الخدمات اللازمة لتطور كماليات المجتمع ، فضلا عن التنظيم . ويذكر ان الاتجاه المعاصر في وظيفة العقوبة ذهب الى تحقيق سبل الوقاية من الجريمة ووسائل التكافل الاجتماعي ضد الجريمة ، فضلا عن تحقيق ديمومة تقديم الخدمات العامة للأفراد وتنظيم مرافق الحياة العصرية . وحيث ان الجزاءات المالية التي تفرضها الادارة تمتاز بسرعة الاجراءات حيث يحرر محضر بالمخالفة من قبل رجل الادارة المفوض قانونا بفرض العقوبة ومن ثم يكون تحرير المحضر بحدود الاصول الادارية القانونية التي تضمن سلامته من حيث صاحب الاختصاص المفوض بفرض العقوبة وصحة حصول الواقعة وانطباق العقوبة المقررة لها ، فانها اي العقوبة المالية او العقوبات الادارية الاخرى تتناسب مع طبيعة المصالح التي تنالها الجريمة ، فضلا عن ان هذه الجزاءات الادارية تقابل بالضد من الفائدة التي يرجو مرتكب الجريمة الحصول عليها ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر ان فرض العقوبة الادارية اجراء سريع لايمرباجراءات الدعوى الجزائية او غيرها ، الامر الذي يجنب تلكؤ تقديم الخدمات التي تتولى الادارة مباشرتها والذي يتسبب بفوات فرصة الحصول على اموال تدخل خزانة الدولة لإعادة تدويرها الى خدمات والتي ممكن ان تصاب بالخطر او الضررالمتمثل بالتلكؤ الذي يصيب المصلحة جراء المساس بها . ذلك ان اغراض العقوبة الادارية نفعية تتمثل بالدفاع عن المصالح المستحدثة . فضلا عما تقدم فان في بعض الجرائم الضريبية وعندما يتأخر المكلف بدفع الغرامة ، فان المشرع قد فرض فائدة مصرفية على مبلغ الضريبة المتأخر عن تسديده بالرغم من التبلغ بدفعها على ان يعادل مقدارها الفائدة الضريبية السائدة على تسهيلات السحب على المكشوف على مبلغ الضريبة من تاريخ تحقق تسديده وفقا لقانون ضريبة الدخل ولغاية التسديد من قبل المكلف. (81)

ثانيا // سرعـة الاجراءات وخفض التكاليف..

ويقصد بها اختصار الزمن الذي تستغرقه اجراءات التقاضي ، فضلا عن الزمن الذي تستغرقه العقوبات السالبة للحرية ، فضلا عن التكاليف والنفقات التي تلحق بالخزانة العامة جراء ما تستهلكه الادارة في سبيل تسييرخدمات السجون والاصلاحيات ، والتخفيف عن كاهل العدالة الجنائية عن طريق تحويل الاجراءات الى اساليب اخرى غير جنائية اقل تسببا بالاحتدام الاجتماعي واكثر فاعلية للمجتمع والدولة .(82) فضلا عن الحاجة الى الاتجاه الى العدول عن الجزاء الجنائي الناتج عن التضخم التشريعي والركون الى بدائل الجزاء الجنائي .(83)

ثالثا // رقابـة القضاء..

   وفي حالة اعتراض الفرد على العقوبة المفروضة عليه بقرار اداري يمكنه اللجوء الى القضاء الاداري وهناك طريقان يحكمان هذه الحالة بحسب القانون وهما :ـ

1- اللجوء الى القضاء ويحاكم عن نفس السلوك الذي سبب الجريمة التي عوقب عليها اداريا كما في قانون العقوبات الالماني .

2- ان يعترض امام القضاء الاداري وعلى القاضي ان يمحص اجراءات فرض الجزاء ووجود المخالفة من عدمه وتناسب العقوبة . وللقاضي اما ان يلغي الجزاء او يعدله كما في قانون العقوبات الاداري الايطالي (84).وضمانات استقلال وحياد القضاء نص عليها بالمادة 6/1 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان وكذلك الاتفاقيات الحقوقية والاعلانات العالمية واخرها اعلان الحقوق والحريات الاساسية الصادرة عن البرلمان الاوروبي في12/4/1989 من حيث توفر ضمانات اللجوء الى القضاء في مجال العقوبات الادارية عند رفض قرار العقوبة من قبل الشخص المعترض امام المحكمة من الدرجة الاولى اوالاستئناف بحسب الاحوال (85).والمفاجئ ان محاكم الاستئناف في مقاطعة(ساسكاتشوان) لا تستعمل بشكل واسع مراجعة الجزاءات الادارية واحيانا تستعين محاكم الاستئناف بأماكن اخرى للمراجعة كما في كندا واستراليا فان استعمال حق المراجعة والنقض واسعا في الجزاءات الادارية. (86) وفي القانون الاداري الكندي لا يبدو واضحا في اي مستوى للقضاء يجب ان يسمع الاعتراض على القرارات الادارية (87) ان هذا الطريق الاداري يعد احد مبررات اعتماد العقوبات الادارية من حيث ضمان فاعلية العقوبة من حيث السرعة وخفض التكاليف والتناسب مع طبيعة المصلحة والجريمة المقترفة وكذلك غلق ابواب الاحتجاج بعدم شرعية العقوبات الادارية او عدم خضوعها للمبادئ العامة للتجريم والعقاب. والاعتراض يمكن ان يستند على القرار الحقيقي والذي يؤدي الى كثرة الاستئنافات والتأجيل والتأخير والتكاليف المالية. (88)

المبحث الثالث // الضمانات القانونيـة في ضوء اشكاليات العقوبات الاداريـة..

   كان لفكرة المسؤولية المادية للجريمة الادارية اهمية خاصة ، حيث ان القوانين التي تأخذ بهذا النظام القانوني اي قانون العقوبات الاداري ،قد اضفت على بعض الجرائم الادارية الصفة المادية والتي تعني تحقق المسؤولية القانونية على مجرد تحقق الركن المادي للجريمة دون الحاجة للتثبت من وجود الركن المعنوي اواثبات الخطأ . لذا فان الطبيعة المادية للجريمة الادارية هي السمة المميزة لهذا النوع من الجرائم ، هذا من حيث الجريمة ، اما من حيث الجزاء الاداري فهو تدبير وقائي وهذا ما يحدد الطبيعة القانونية للعقوبات الادارية والذي سنسلط الضوء عليه في المطلب الاول ، اما اشكاليات وضمانات العقوبات الادارية فسنبحثه في المطلب الثاني .

المطلب الاول // الطبيعة القانونية للعقوبات الادارية..

ان الجرائم المادية عند بعض الفقه ينص عليها في القوانين الخاصة، التي يراد منها حماية المصالح المادية المستحدثة والتي لا يعد المساس بها دائما محلا للاثم او لاستهجان الضمير العام ، ولا يعاقب على تلك الطائفة من الجرائم الا لكونها تقع مخالفة لما نص عليه القانون ، بعكس الحال الجرائم التي نظمها قانون العقوبات العام التي تعد ماسة بالضمير العام ومستهجنة اجتماعيا . ويترتب على ذلك ان معيار تحديد الجريمة المادية ومعيار الجريمة الادارية يتأسس احيانا على جسامة العقوبة الجنائية ، بمعنى ان بعض الجرائم الادارية في اصلها كانت جرائم جنائية مقررا لها عقوبة غبر جسيمة او غير مناسبة تماما واغفل المشرع بشأنها بيان الركن المعنوي ، اي انها جريمة ذات طابعا ماديا .(89) فضلا عما تقدم فان محل التجريم يعد معيارا للجريمة المادية قريب الصلة ببعض الجرائم الادارية ، كما في الجرائم السلبية كجرائم الامتناع التي يكفي لوقوعها مجرد اتخاذ نشاط سلبي كما في عدم الاعلان عن الاسعار في جرائم التموين او عدم تقديم الاقرار الضريبي في الموعد المحدد إن إضفاء الصفة او الطبيعة المادية للجريمة الادارية كان ذلك نظرا للحاجة الى هذا النوع من الجرائم الى تحقيق الردع السريع والفعال الذي لا يمكن تحقيقه الا بالجزاء الاداري الذي لا يتطلب اثبات الخطأ.اما من ناحية الجزاء الاداري فهو تدبير وقائي يراد به اتقاء الاخلال بالنظام العام التي ظهرت بوادره وخفيت عواقبه ، فالغرض من فرض الجزاء الاداري هو وقاية النظام العام وهو اسلوب يختلط فيه التدبير بالتنفيذ وسمي جزاء كونه فيه مساسا خطيرا بحرية الافراد او مالهم اونشاطهم ، وهذا المعنى وان اشترك مع الجزاء الجنائي القامع ، الا ان الجزاء الاداري الوقائي ينطوي على امر اخر ، وهو ردع مصدر التهديد ، فلا يمكن الاضرار بالغير.(90) وحيث ان عمومية تطبيق القانون ونفاذه يعد دليلا على التقارب بين الجزاء الاداري والجزاء الجنائي وهذا يعني ان كليهما يفرض على المخالف بمجرد وقوع المخالفة القانونية ، بغض النظر عن وجود رابطة قانونية متميزة ،(91)أي مايربط الادارة بصاحب الشأن . وحقيقة الامر على الرغم من التقارب بين الجزائين الاداري والجنائي ، الا ان الفارق الاهم هو ان الجهة التي تفرضهما مختلفة ، فالإداري تفرضه الادارة والجنائي تفرضه المحكمة . الا ان ذلك لا يمنع ان تكون العلاقة بينهما تكاملية تستوجب وجودهما جنبا الى جنب ، دون الاستغناء عن احدهما ، ذلك لقدرة الجزاء الاداري تفادي مثالب الجزاء الجنائي في مواجهة الجرائم المستحدثة (92). فضلا عن تجنيب ما يسوء سمعة الفرد والاسرة عند فرض الجزاء الجنائي ولاسيما في المخالفات البسيطة التي لا تدل على خطورة اجرامية لدى مقترفها .(93) ان القوانين الخاصة ومنها القانون الضريبي وقانون المرور وغيرها تنظم العلاقات بين الادارة والافراد وهذه بطبيعتها تختلف عن تلك القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الافراد مع بعضهم اذ ان الاخيرة تؤسس على مبادئ المساواة و سلطان الارادة و احترام السلامة البدنية والخلقية واموال الغير ، اما العلاقة بين الادارة والافراد فتقوم على اساس القهر . ونتيجة لذلك يكون على الاشخاص الطبيعيين والمعنوية ان تخضع للقانون وتتجنب مخالفته ، وان القوانين التي تؤسس على عنصر القهر تؤدي الى اختلافها من حيث القيمة القانونية عن النصوص المطبقة في المجالات التي تنظم العلاقة بين المواطنين .(94) الامر الذي يعني ان العبرة في ما هو جنائي او اداري يجب ان يرتكز على الطبيعة القانونية الآمرة التي يخاطب بها الافراد بدون التركيز على طبيعة الجزاء الذي تقرره لمخالفتها ، ولا يهم ان يكون الجزاء جنائيا او غير جنائي ، اذ انه يجب التعويل على ما تكشف عنه طبيعة القاعدة القانونية ، فان كانت جنائية خضعت للقانون الجنائي ،اما ان كانت ادارية خضعت للقانون الاداري الامر الذي يترتب عليه ان من يخالف قاعدة قانونية ادارية يخضع الى القانون الاداري في مواجهة الادارة مباشرة وليس مجرما بالمعنى المفهوم في القانون الجنائي .(95) وعلى الرغم من ان الاتجاه المتقدم ذكره تعرض للنقد بزعامة الفقيه الايطالي rocco تتاسس على كون الادارة وان كانت تمارس نشاطا يتولى القانون حماية المصالح المترتبة عليه ، فان ذلك ليس من شأنه ان يسلبها الخضوع لقانون العقوبات الجنائي و تدخلها في نطاق قانون العقوبات الاداري .الا ان الحقيقة ان كلا الرأيين المتناقضين قد تعرضا للنقد ونقصد بذلك الراي الذي يذهب الى الجرائم الادارية هي من طبيعة جنائية ، او الراي الذي يذهب الى انها ذات طبيعة ادارية ، ونعتقد ان الجرائم الادارية ذات الطبيعة خاصة تتناسب مع طبيعة المصالح محل الحماية الادارية ، ولا نميل الى كونها جرائم جنائية ، ذلك انها على الرغم من خضوعها لمبادئ جنائية في التجريم والعقاب ،الا انها تنفرد بقواعد خاصة بها كما في عدم وجود الشروع والمساوة بين العمد والخطأ غير العمدي ، الامر الذي نعتقد هان الجرائم الذي تنظمها قوانين العقوبات الادارية هي جرائم ادارية تحمي مصالح تنظيمية اقتصادية خدمية.

المطلب الثاني // إشكاليات العقوبات الاداريـة ..

   وبالاستناد الى طبيعة العقوبات الادارية وطبيعة المصالح التي تنظمها ، والجهة التي تفرضها ، فانها لا تخلو من اشكاليات تعتري فرضها وتنفيذها ، وتتمثل في مدى خضوعها لمبدأ الشرعية الجزائية ، فضلا عن كون الجهة التي تفرض العقوبة الادارية هي الادارة ، هل هناك اعتبار لمبدأ الفصل بين السلطات ؟ هذا ما سنتوقف عنده في ما يلي .

الفرع الاول // العقوبات الاداريـة ومبدأ الشرعية الجزائيـة..

   لما كان مبدا الشرعية الجزائية يعني ان لا جريمة ولا عقوبة الا بقانون ، وهو المبدأ الاهم لحماية حقوق وحريات الافراد ونصت عليه المواثيق الدولية والدساتير الوطنية وقوانين العقوبات الجنائية . بمعنى ان مبدا الشرعية الجزائية يتضمن مفهوم شكلي يتمثل بتحديد الجرائم والجزاءات المقررة لها ، ومفهوم موضوعي يتمثل بتحديد معايير التجريم ، وبالتالي يترتب على إعمال مبدا الشرعية التزامات تقع على عاتق كل من المشرع والقاضي والفرد وكالاتي :-

أولا // التزامات المشرع..

   وتتمثل بواجب المشرع بالتحديد الدقيق لعناصر السلوك الاجرامي ، فضلا عن عدم السماح برجعية القوانين الى الماضي الا بنصوص استثنائية وبأضيق الحدود ، فضلا عن التحديد الدقيق للجزاء ووصفه ورسم حدوده العليا او الدنيا او بدائله ، وكل ما تقدم ذكره يكون ضمن اجراءات شكلية لسير الدعوى الجزائية واختصاصات اجهزة القضاء التي تكفل حماية حقوق وحريات الافراد بمحاكمة عادلة .وعلى اية حال ذكرت احدى المحاكم الكندية ان مزيد من القواعد الاساسية للقانون الاداري هي من مضمون قواعد العدالة الطبيعية التي تمنح وتفرض الاعلان الواضح المحدد للأطراف وفرصة العلم والسماع بالقرار. (96)

ثانيا // التزامات القاضي..

   لما كان واجب المشرع ينصرف الى تحديد عناصر السلوك ، فان واجب القاضي يتمثل بتكييف الوقائع ومدى انطباقها على النصوص للتوصل الى وصف الجريمة ، فضلا عن تحديد الجزاء الذي يناسب الوصف القانوني استنادا للنص الجزائي ومن ثم التوصل وتفريد العقاب ومن ثم تحديد العقوبات التكميلية المناسبة استنادا للنص .

ثالثا // التزامات الافراد..

   وتتمثل بعلم الافراد بالقانون الصادر اعتبارا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية بعد المصادقة عليه من رئاسة الدولة . ولا يعتد بالاعتذار بالجهل بالقانون إعمالا لمبدأ الشرعية الجزائية .(97)وبالاستناد الى ما تقدم وحيث ان العقوبات الادارية تمس حقوق وحريات الافراد ،فلابد من خضوعها لمبدأ الشرعية الجزائية ، والا فلا يمكن اعتماد مبدأ الشرعية الجزائية على الجرائم الجنائية واهمال المبدأ في الجرائم الادارية ، اذ لا عبرة بطبيعة الجريمة والجزاء طالما يمس الاخير بمصالح تتعلق بحقوق وحريات الافراد . بمعنى هل يكون القانون الاداري بالمعنى الشكلي انف الذكر ، اي تحديد الجرائم الادارية والجزاءات والمقررة لها بنص ، ام يكون الامر بالاستناد الى تعاون السلطتين ، التشريعية تضع قواعد التجريم وتترك للسلطة التنفيذية (الادارة) تحديد عناصر السلوك الاجرامي تحت مسمى السلطة الممنوحة بالتفويض التشريعي الذي يستند الى اساس دستوري . وكنموذج لقانون العقوبات الاداري فان القانون الالماني حرص على النص مبدأ الشرعية في المادة (1) من قانون owig الصادر في 2 يناير 1975 بنصها على الاتي (( كل عمل غير مشروع يتكون من فعل منصوص في قانون يعاقب على ارتكابه بغرامة ادارية )) . كما ان المادة (3) من القانون ذاته تنص على (( يعاقب عن فعل كونه غير مشروع اداريا ، اذا ما كان العقاب منصوصا عليه في قانون مطبق قبل وقوع الفعل )) .(98)ويقصد مما تقدم ان القانون المقصود بمفهومه المادي كونه صادر كمساعدة قانونية سواء شرع من السلطة التشريعية او التنفيذية ، وتحدد الجرائم بواسطة القوانين او الانظمة او اللوائح والتعليمات . الامر الذي كثيرا ما يؤدي الى انطباق اكثر من نص على السلوك الاجرامي سواء اكان جنائيا او اداريا.اما قانون العقوبات الاداري الايطالي وبالاستناد الى المادة 25/2 من الدستور الايطالي وقانون العقوبات الجنائي فقد اشار الى ان قانون العقوبات الاداري رقم 689 لسنة 1981 حريصا على النص على مبدأ الشرعية في المادة (1) بقوله (( لا يخضع احد لجزاءات ادارية الا طبقا لقانون معمول به قبل وقوع الخرق ولا تطبق القوانين التي تقرر جزاءات ادارية الا على الحالات التي تقع بعد صدورها ))(99) . ويسري هذا النص على القوانين الاتحادية وقوانين الاقاليم .واستنادا الى ما تقدم يتضح ان مبدأ الشرعية الجزائية لا يتحدد نطاقه على الجرائم الجنائية ، وانا يشمل العقوبات الادارية ، اما بشكل صريح على النص على الجرائم ضمن قواعد جنائية متضمنة عناصر السلوك والعقاب ، او النص على الجرم كقاعدة عامة وترك تفاصيل تحديد العناصرالمكونة للجريمة الى السلطة التنفيذية استنادا الى التفويض التشريعي .اما في الانظمة القانونية التي لا تتبنى نظام العقوبات الاداري بقانون خاص كمصر والعراق وفرنسا ، فان الامر لا يكاد يختلف عما هو عليه الحال في التشريع الالماني والايطالي ، حيث ان التشريعات الادارية الخاصة كالقانون الضريبي والكمركي والبيئي والمرور والبلدية وغيرها تستند بالتجريم الاداري والجزاء المترتب عليه الى قواعد قانونية بالنص عليها مباشرة او تستند على الادارة بوضع وتحديد عناصر التجريم لكونها تنال مصالح متغيرة او قابلة للتغيير فتكون الادارة اكثر دراية من غيرها بتحديدها وتعديلها بالاستناد الى التفويض التشريعي الذي هو احد المبادئ الدستورية المهمة التي تتبناها كافة الدساتير.

الفرع الثاني//العقوبات الادارية ومبدأ الفصل بين السلطات..

   يثار كثيرا عندما تفرض الادارة عقوبات ادارية على مخالفة معينة في اطار القانون ان النشاط القانوني للإدارة المتمثل بفرض العقوبات الادارية يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات ، ذلك ان الاصل هو ان القضاء يفرض العقوبة ضمن اجراءات قضائية محدودة ، لذا فان مجلس الدولة الفرنسي حسم الخلاف الذي نشب في هذا الشأن عندما اقر بأن مبدأ الفصل بين السلطات لايعد عقبة امام سلطة الادارة بفرض العقوبات الادارية بحكم القانون سواء من حيث ممارسة الاختصاص القانوني المتمثل بفرض العقوبة او من حيث فرض الجزاء وايقاعه وتنفيذه وذلك من ناحيتين:

الاولى // ان العقوبات التي تفرضها الادارة لا تتعلق بسلب الحرية..

الثانية // مراعاة الضمانات الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات..

   الا ان هناك ناحية ثالثة وهي التي تتعلق بكون الادارة عند فرض الجزاء الاداري على المخالفة المرتكبة تراعي تناسب العقوبة مع المخالفة بحكم القانون وتحت رقابة القضاء ذلك الامريخفف الاعباء عن القضاء من ناحية ويحقق سرعة الانجاز من ناحية ثانية ونجاعة الردع ثالثا فضلا عن توفيرحماية امثل واكمل.(100)ويمكن تبرير ذلك ايضا من خلال ان المحكمة الادارية تستند في تبرير مسلكها ذاته على التفرقة بين الحق باعتباره الهدف الذي يسعى الفرد الى تحقيقه ونين المطالبة بالحق باعتباره الوسيلة . وخلصت الى ان الوسيلة قد تختلف طالما ان الحق مصان ، وعلى هذا الاساس قضت المحكمة الادارية العليا في حكم لها بتاريخ 8 يونيه 1957 بالاتي (( الغاء الوسيلة القضائية ليس معناه الغاء اصل الحق ذاته ، ذلك انه يجب عدم الخلط بين اصلين لا تعارض وهما :

اولا // الحق ووسيلة المطالبة شى اخر ، ثانيا : ان الحق هو الذي يحدد وسيلة المطالبة بالحق ويعين الجهة التي يلجأ اليها صاحب الحق لأقتضاء حقه ، قضائية كانت هذه الجهة او غير قضائية )) . هذا من جانب ، ومن جانب اخر قضت بالاتي (( من المسام كأصل دستوري ان القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويحدد نطاق ولايتها ويوزع الاختصاص بينها ، كما انه الذي يقرر الحقوق ويحدد وسائل المطالبة بها قضائية كانت او غير قضائية ولا يلزم ان تكون الوسيلة قضائية اوان تكون قضائية على وجه معين كطلب الالغاء او وقف التنفيذ دون وجه اخر كطلب التعويض . بل ان المراد في ذلك كله الى ما يؤتبه القانون ويحدده بالشروط والاوضاع التي يقررها لأنه الاداة الدستورية التي تملك ذلك كله في حدود الدستور وبغير خروج على مبادئه …)). (101)

المطلب الثالث // العقوبات الاداريـة والضمانات القانونيـة..

   ولا بد للعقوبات الادارية ان تخضع للمشروعية ، الامر الذي يحقق ضمان حقوق وحريات الافراد عند فرض العقوبة ، وهذه الضمانات تنقسم الى ضمانات موضوعية واخرى اجرائية .

الفرع الاول //الضمانات الموضوعيـة..

   وتتمثل الضمانات الموضوعية بالرقابة على الشرعية الجزائية للعقوبات الادارية من خلال الرقابة على التفويض التشريعي وتحقيق التناسب بين العقوبة الادارية والمخالفة.

أولا // الرقابـة على التفويض التشريعي في قانون العقوبات الاداري..

   لما كان الاصل في التشريع اناطته بالسلطة التشريعية ، فان التفويض التشريعي يعد الاستثناء على ذلك والى ذلك اشار الدستور العراقي لعام 2005 في المادة ( 80/ثالثا ) وكذا الحال المادتان (108) و(147) من الدستور المصري السابق 1971 . ولما كان التفويض التشريعي يمنح السلطة التنفيذية سلطة تحديد عناصر التجريم دون انشاء جرائم ، فهل يجوز وتحت اطار التفويض التشريعي انشاء جرائما جديدة ؟ لقد حدد الدستور الفرنسي ذلك من خلال المادتين (34 ، 37 ) من دستورعام 1958وكذا الحال في المادة (380) من قانون العقوبات المصري حينما تسمح للسلطة الادارية بإنشاء المخالفات . اما الدستور العراقي النافذ فقد اشار صراحة الى التفويض التشريعي في المادة (80/ثالثا)، وعند الامعان في نص المادة (19/ثانيا ) منه عندما نصت بانه (( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص )) ولم يذكر بقانون وذكر بنص ، اما المادة الدستورية المشار ايها انفا فتنص على صلاحيات مجلس الوزراء باصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين ، اما قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 فلم يشرالى ما اشار اليه قانون العقوبات المصري عندما منح السلطة التنفيذية صلاحية انشاء مخالفات ، والثابت هو اختصاص الادارة بتحديد عناصر التجريم بالاستناد الى القوانين الخاصة التي تحدد الجرائم ونظرا للانتقادات التي تعرضت لها المادة (34) من دستور فرنسا المذكور لجأ المجلس الدستوري الفرنسي الى الافتاء بتحديد السلطة التنفيذية في الدولة باختصاص انشاء المخالفات فقط دون ان يكون العقاب سلبا للحرية .(102) ونعتقد ان اتجاه المشرع العراقي بتحديد المخالفات بشكل عام سواء بقانون البلديات او قانون المرور او القوانين الخاصة هو بحد ذاته التزاما بالشرعية الجزائية سواء تحت مظلة قانون العقوبات الجنائي اوقانون العقوبات الاداري ، وان كان المشرع العراقي لم ينظم العقوبات الادارية بنظام خاص كما هو عليه الحال في التشريع الالماني والايطالي ، فالمشرع العراقي في القوانين الذكورة وغيرها يحدد الجزاءات ويذكر الافعال او يترك تحديدها الى السلطة الادارية . الامر الذي يبين اهمية التفويض التشريعي في العقوبات الادارية منعا من تعسف الادارة في خلق جرائم وتصبح هي الاصل بينما هي استثناء وتبقى استثناء.اما التفويض بمعنى تحديد عناصر التجريم فهو يعد اختصاص اصيل للسلطة التنفيذية والادارة بعد النص عليه دستورا وقانونا .ويبدو ان سلطة الادارة العامة عندما تمارس مهمة التفويض التشريعي الممنوح لها هي اقدر على تحديد حاجات ممارسة النشاطات الادارية المختلفة وسبل حمايتها وبالتالي تمنع اشكال الافعال التي تنال منه .وتكون رقابة القضاء على التفويض التشريعي الممنوح للإدارة من خلال الشكل والموضوع .من خلال الشكل يراقب القضاء مشروعية اصدار اللوائح الانظمة والتعليمات من حيث خضوعها للقانون ومن حيث ممارسة الاختصاص في اصدارها .اما رقابة القضاء على الموضوع فيجب ان تصدر اللوائح والانظمة والتعليمات والقرارات دونما تعديل او تعطيل او تجاوز على احكام القانون .(103)

ثانيا // الرقابـة على مبدأ تناسب العقوبـة..

ومن الضمانات المهمة في مجال قانون العقوبات الاداري مبدأ تناسب العقوبة شأنه شأن القانون الجنائي ، فلا بد من مراعاة الجهة الادارية عند فرضها العقوبة تناسبها مع المخالفة المرتكبة ، وان كان الغلو في الجزاء ينافي العدالة الاجتماعية ، والى ذلك ذهبت المحاكم الادارية فية القضايا المرفوعة امامها لكبح جماح وغلو وتعسف الادارة بالجزاءات التي تفرضها.ويترتب على مبدأ تناسب العقوبة التزامان اساسيان هما ( المعقولية وعدم التعدد) اي المعقولية في اختيار الجزاء الاداري والتزام بعدم تعدد العقوبات الادارية المفروضة على مخالفة واحدة .ان التزام المعقولية يفرض ان يكون الجزاء على قدر خطورة الفعل الماس بالمصلحة المحمية وقدر المنفعة التي حققها المخالف .اما التزام بعدم تعدد العقوبات الادارية المفروضة على المخالفة الواحدة فلا يشمل تعدد العقوبات او جمعها على ذات الواقعة ان كان كل منهما ينتهي الى نظام قانوني مخالف للأخر كالجنائي والاداري فضلا عن ذلك ان كان الجزاء المزدوج لأكثر من نظام قانوني فيجب ان لا يزيد عن الحد الاقصى المقرر لاحدهما . كما يجب ان يقترن الجزاء الجزاء الاداري الاصلي بجزاء تكميليا او تبعيا طالما كانت الادارة مرخصة تشريعيا بذلك ، كما في ازالة البناء المخالف يقترن بجزاء مالي اخر كأن تكون الازالة على نفقة المخالف وكذلك سحب رخصة القيادة مع حجز المركبة في مخالفة مرورية .(104)

الفرع الثاني // الضمانات الاجرائيـة ..

وتتمثل الضمانات الاجرائية بالضبط والتحقيق وحق المواجهة والدفاع ، فضلا عن اعلان العقوبة واللجوء للقضاء.

أولا // الضبط والتحقيق في الجرائم الادارية..

   ان ضبط الجريمة الادارية يختص فيها عضو الادارة المكلف بهذا الواجب والتحقيق فيها واعلان الجزاء وتنفيذه ، وان حصر هذا الاختصاص بالمقارنة مع الجرائم الادارية بيد شخص واحد يمثل الادارة تفرضه الحاجة الى سرعة الحسم وفعاليته التي تفرضه طبيعة المصالح المحمية والتي سبق وان اشرنا اليها . ان تحديد عضو الضبط الاداري واختصاصه يكون من خلال القانون الذي يحدد الجهة الادارية المختصة بالضبط والتحقيق وفرض وتنفيذ العقوبة الادارية وعضو الادارة بحسب منصبه ووظيفته ، كما في قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم 21 لسنة 2008 العراقي المعدل وكذلك قانون البلديات رقم 165 لسنة1969 المعدل وغيرها حينما يحددان الجهة الادارية المختصة بضبط الجرائم والمنصب الوظيفي للموظف المختص سواء أكان محافظا او مديرا للبلدية . وكذا الحال في قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم21 لسنة 1964 العراقي المعدل وقانون المرور وقانون الضريبة وقانون الكمارك وغيرها . اما قانوني العقوبات الاداري الالماني والايطالي بعدهما يمثلان نظامان مستقلان للعقوبات الادارية ، فلا يختلف الامر عنا ذكرنا ، فالمادة 35 من قانون العقوبات الاداري الالماني تقضي بأن ضبط الجريمة الادارية يتم بواسطة السلطات الادارية ، في حين المادة 36 تشير الى انه عندما يغفل القانون تحديد الجهة الادارية فيوكل الامر الى الوزير او السلطة المحلية . بينما تشير المادة37 الى ان الاختصاص المكاني للسلطات الادارية يكون للإدارة التي تقع الجريمة على اقليمها او مكان كشف الجريمة او محل اقامة مرتكب الجريمة او مكانه المعتاد التواجد فيه ان لم يكن له محل اقامة محدد.(105) ويذكر ان بعض التشريعات ومنها الفرنسي يقرر نظام لجان ومجالس خاصة للضبط والتحقيق وفرض وتنفيذ العقوبة كما في مجلس المنافسة او لجنة معاملات البورصة .الا ان بعض الجرائم ذات الطبيعة الفنية الخاصة يحتاج الى ضبطها من قبل مأموري ضبط متخصصين كما في الجرائم المتعلقة بالتنظيم الصناعي او الزراعي او التجاري .(106) وفي قانون العقوبات الاداري الالماني هناك طريقان للاجراءات المتعلقة بالضبط وفرض العقوبة ، الاول فرض العقوبة الادارية المالية من قبل الادارة ، اما الثاني وهوعند رفض المخالف تنفيذ العقوبة فيصار الى الاجراء القضائي الجنائي للنظر في الجريمة الادارية ولكن ليس من خلال مراجعة اجراءات الادارة في الضبط والفرض وانما يقوم القضاء الجنائي بالنظر من جديد وبشكل مستقل بالواقعة ، ويمكن لعضو الضبط الاداري الاستعانة بالشهود وغير ذلك من اجراءات التقاضي ، وذلك بالاستناد الى المادة 53 من القانون المذكور (owig).(107)

ثانيا // حق المواجهـة والدفاع..

لقد فرضت الدساتير وكفلت حق المواجهة والدفاع ، كما أكد القضاء ذلك بأحكام عديدة ، وهو حق مكفول في القانون الجنائي ،القانون الاداري ، اذ لا بد من احترام مبدأ المواجهة في توقيع العقوبات الادارية من خلال الاتي:

1- اخطار المتهم بالتهمة الادارية الموجهة اليه خطيا.

2- تمكينه بالطرق المتاحة من الدفاع عن نفسه.

3- منحه مهلة لأعداد الدفاع وتقديم لائحته ودفوعه.

واستقر مجلس الدولة الفرنسي على التأكيد على ضمانة حق المواجهة والدفاع سواء في مجال القضاء الجنائي او المدني او الضبطي او الاداري . ويكون الاخطار عادة بإعلان الوقائع المنسوبة الى المتهم بشكل واضح وجلي نافيا للجهالة ، ومن ثم فتح ومباشرة التحقيق حسب الاصول المرعية في مجال التحقيق من خلال بيان الواقعة ومكان وزمان وقوعها وطبيعتها بالتفصيل ، الامر الذي يفرض التزام المتهم بحدود حق الدفاع وعدم تجاوزه من خلال الزمن المطلوب لإعداده ، لان في ذلك فوات فرص الحماية القانونية للمصالح وفوات لاعتراض الجزاء الاداري .(108)

ثالثا // إعلان العقوبة الادارية..

ويثار الجدل في صلاحية الادارة بإعلان العقوبة وفرضها ومدى تعارض هذا الاجراء مع مبدأ الفصل بين السلطات ، الا ان مجلس الدولة الفرنسي حسم الامر عندما اقر بأن مبدأ الفصل بين السلطات لا يمثل عقبة امام السلطة الادارية عندما تمارس صلاحياتها وامتيازاتها كإدارة عامة وهي تتمتع بفرض الجزاء وذلك من ناحيتين:

الاولى // ان لا تؤدي العقوبات التي تفرضها الادارة الى سلب او تقييد الحرية.

والثانية//لن يكون فرض الجزاء غير السالب للحرية ضمن الحدود التي كفلها الدستور والتي يضمن الحقوق والحريات .(109)

الخاتمــة..

   لما كان هدف البحث يتجه الى التأصيل القانوني للعقوبات الادارية من خلال بيان اساسها ، وحيث اننا بحاجة الى تأطير البحث من خلال عرض نتائجه وتحديدها تحديدا دقيقا ان لم يقطع الشك والجدل فيساعد في تخفيف حدته ، فان النتيجة الابرز كانت تتمثل بالكشف عن كون الجرائم الادارية هي ترجمة تشريعية لسياسة الحد من التجريم الجنائي والحد من العقاب ، والركون الى تجريم اقل احتداما واسرع ردعا وانجع حماية بحسب المصالح التي يتولاها بالحماية . بينا ان الجرائم الادارية لا تتخطى مبدأ الشرعية الجزائي من خلال النص التشريعي الذي يحدد الجريمة والعقاب او من خلال التفويض التشريعي الممنوح من السلطة التشريعية الى السلطة التنفيذية . فضلا عن بيان كون الحماية القانونية هي حماية تكاملية ولا مساس بمبدأ الفصل بين السلطات طالما كان الهدف هو حماية المصالح القانونية الجديرة وضمن الاطر القانونية المرسومة في الدستور والمترجمة قانونا ولا عبرة بالجهة التي تفرض الجزاء اذ ان العبرة بالهدف ولاعبرة بالوسيلة طالما كانت بحكم القانون وتحفظ وتصون الحقوق والحريات للإفراد وتضمنها . وتطرقنا الى ان هناك تشريعات تبنت نظاما قانونيا للعقوبات الادارية يقابلها في قانون العقوبات الجنائي المخالفات او الجنح فقط دون الجزاءات السالبة للحرية جزاءات مالية او شخصية ، كقانون العقوبات الاداري الالماني والايطالي ، وبالمقابل العديد من التشريعات كالفرنسي والمصري والعراقي تتبنى عقوبات ادارية تتولى الادارة فرضها ولكن دون ان تتبنى نظاما قانونيا خاصا ولكن بالاستناد الى قوانين خاصة تنظم المصالح الحديثة المصطنعة . وتوصلنا الى ان اجراءات الادارة محاطة بضمانات موضوعية واجرائية لا تنال من الشرعية الجزائية او الفصل بين السلطات ، ومن اهم الضمانات فضلا عما ذكرنا امكانية اللجوء الى القضاء للنظر في صحة التجريم او تناسب العقاب . وختاما فان العقوبات الادارية هي عقوبات خاصة تتناسب وطبيعة المصالح التي مصالح مستحدثة وليست جرائما طبيعية وان الجرائم المرتكبة هي غالبا لا تخدش الضمير العام لأنها منظمة للنشاطات الادارية والخدمات التي تتولاها ومن ضمنها المصالح الاقتصادية . الامر الذي يحتم ان تكون العقوبات المخصصة لها سريعة لا تنقص من مصلحة ديمومة واضطراد الخدمات والموارد المالية التي تدخل الخزانة العامة نظير تقديم الخدمات ، وبالتالي لا يمكن قياس هذه المصالح والعقوبات الادارية بالمصالح الطبيعية التي تنال من ضمير المجتمع ، الامر الذي يحتم ان تكون هذه العقوبات المخصصة للجرائم المستحدثة تتفق مع طبيعة نشاط الدولة واتساع نشاط الادارة وتخدمه ولا تعطله دون الاستهانة او اهمال ضمانات الافراد في حماية حقوقهم وحرياتهم.

الهوامـــش..

[1]– د سمير الجنزوري ، الغرامة الجنائية دراسة مقارنة ،المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، القاهرة ، 1967 ،ص 115

2– د .ايمن رمضان الزيني ، العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة وبدائلها ، ط1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2003 ،ص351

3 – د.محمد سعد فودة،النظرية العامة للعقوبات الادارية دراسة فقهية قضائية مقارنة،دارالجامعة الجديدة،الاسكندرية،2010 ،ص13

4- د .امين محمد مصطفى ، النظرية العامة لقانون العقوبات الاداري ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، 2008 ، ص9

5- AmndaTait , the use of administrative monetary penalties in consumer protection , public interest advocacy center (PIAC), may, 2001, p13.

6- د .محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجنائي ، ظاهرة الحد من العقاب ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1996 ، ص42

7- د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص 79-83

8- كذلك ، المرجع السابق ، ص 96

9- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص 229

10- د. عادل السعيد محمد ابو الخير، البوليس الاداري ، دار الفكر الجامعي ، الاسكندرية ، 2014، ص 9

11- وبالاستناد الى غايات الضبط الاداري عرفه الفقيه الفرنسي riveroبانه (مجموعة تدخلات الادارة التي ترمي الى ان تفرض على التصرف الحر للافرادالنظام الذي تطالب به الحياة في المجتمع ) . نقلا عن د.عادل السعيد ، المرجع السابق ص 10

12– د. محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص 97 -99

13– د.عبدالقادرالشيخلي، النظام القا نوني للجزء التاديبي ، دار الفكر للنشر و التوزيع ، الاردن ، 1983، ص 135

14– د. محمد سعود فودة ، المرجع السابق ، ص 102

15– المادة 12 / ثالثا من تعليمات العقود الحكومية العراقية رقم10 لسنة 2007 المعدلة تنص على الاتي (( على الجهة المتعاقدة وبقرار مسبب فرض الغرامات التاخيرية او ايقافها عند سحب العمل من المقاولين او المتعاقدين ))

16– د . امين مصطفى ، المرجع السابق ، ص232

17-القرار رقم277/ك/2011 في 24/8/2011 ، سلمان عبيد عبد الله الزبيدي ، قرارات الهيئة التمييزية الخاصة بقضايا الكمارك ، الجزء الاول ، ط1 ، بغداد ، ص15

18-د محمد سعد فودة ، المرجع ، ص122

19-كذلك ، ص123

20– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص239

21– د جلال ثروت ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، نظرية القسم الخاص ، جرائم الاعتداء على الاشخاص ، مؤسسة الثقافة الجنائية ، الاسكندرية ،1979 ، ص241

22– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السايق ، ص241

23-القرار 216/ك/2011/في 21/7/2011 سلمان عبيد عبد الله ، المرجع السابق ، ص121

24-د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص133

25-كذلك ، ص132

26-د . محمد محمد مصباح ، التدابير الاحترازية في السياسة الجنائية الوضعية الوضعية والشرعية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص66

27-د . ايمن رمضان الزيني ، المرجع السابق ، ص372

28-د . سعد فودة ، المرجع السابق ، ص135

29-د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص245

30– د .ايمن رمضان الزيني ، المرجع السابق ، ص408

31– د . غنام محمد غنام ، القانون الاداري الجنائي ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1996 ، ص48

32– د . ايمن الزيني ، المرجع السابق ، ص408

33– د. محمد محمد مصباح ، المرجع السابق ، ص64

34– كذلك ، ص60

35– د. ايمن الزيني ، المرجع السابق ، ص41

36– د. محمد سعد فودة ، المرحع السابق ، ص146-147

37– د. امين مصطفى ، المرجع السابق ، ص269

38– د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص150

39– د.اكرم نشأت ابراهيم,السياسة الجنائية ، دراسة مقارنة ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ط ,2, 2011, ص96

40– د. محمدانس جعفر, د. محمد احمد رفضت ,حقوق الانسان ، التعليم المفتوح , جامعة القاهرة 1999, ص61

– 41 د . أمين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص 8

42– د . طالب نور الشرع ، الجريمة الضريبية ، ط1 ، دار وائل للنشر ، عمان ، 2008 ، ص34

43– محمد قاسم حسين ، الجريمة الضريبية والقضاء المختص بها وفقا لاحكام ضريبة الدخل الاردني ، رسالة ماجستير ، جامعة النجاح الوطنية ، كلية الدراسات العليا ، ص46

44– د. رمسيس بهنام ، نظرية التجريم في القانون الجنائي ، معيار سلطة العقاب تشريعا وتطبيقا ، مركز الدلتا للطباعة ، مصر،1996، ص10

45– د رمسيس بهنام ، المرجع السابق ، ص15

46– كذلك ، ص 30-40

47– د . احمد محمد خليفة ، النظرية العامة للتجريم ، دراسة في فلسفة القانون ، دار المعارف ، مصر ،1958 ، ص104

48   – Robert. W. mcgee.the ethics of tax evasion ,2012, p 451

49– د طلال عبد حسين البدراني ، الشرعية الجزائية ، اطروحة دكتوراه ، كلية القانون جامعة بابل ، 2002 ، ص79

50– د. محمد علي سالم عياد الحلبي ، ضمانات الحرية الشخصية اثناء التحري والاستدلال ، جامعة الكويت ، 1981 ، ص41

51– د . امين مصطفى ، المرجع السابق ، ص 46

52 -د. احمد فتحي سرور ، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية ، القاهرة ، 1983 ، ص 7

53–   ,11,aulfage,berlin,1969,p 6Esdevschestratrecht : Hans welzal52-

54– د- اكرم نشأت ابراهيم ، المرجع السابق ، ص44

55– د .امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ،ص 32 وما بعدها

56– كذلك ، ص38

57– د . حسن عبد الكريم ، فكرة القانون الطبيعي الكلاسيكي ومفهوم القانون ، دار النهضة العربية ، مصر ،1966 ، ص1

58 – فارس حامد عبد الكريم ، العيار القانوني ، بغداد ، 2009 ، ص 10

59 – د . محمد طه جلال ، أصول التجريم و العقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ، دار النهضة العربية ، مصر ، 2005 ، ص 133

– 60 فارس حامد عبد الكريم ، المرجع السابق ، ص 251

– 61فارس حامد عبد الكريم ، المرجع السابق ، ص20

62– د . السيد عبد الحميد فودة ، جوهر القانون ، دار الفكر العربي ، 2005، ص32

63– د. مصطفى ابراهيم الزلمي ، الضنة بين علم المنطق والقانون ، مطبعة بغداد ، بدون تاريخ ، ص19

64– د . دنيس لويد ، فكرة القانون ، ترجمة سليم الصويص ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، 1981، ص252

65– د . محمد طه جلال ، المرجع السابق ، ص80

66-مايا محمد نزار،الرقابة القضائية على التناسب في القرار الاداري، ط 1 المؤسسة الحديثة للكتاب،2001 ، ص 65

67-د. خليفة سالم الجهمي ، الرقابة القضائية على التناسب بين العقوبة و الجريمة في مجال التاديب ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2009 ، ص 95 -96

68-د. عمار عباس الحسيني ، التفريد العقابي في القانون العراقي و المقارن ، بحث منشور في مجلة الكلية الاسلامية الجامعة ، العراق ، 2009 ، ص 79

69-قرار محكمة التمييز رقم 1636 في 28/7 /1971 ، نقلا عن د . فخري الحديثي ، شرح قانون القسم العام ، ط1 ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص 373

70-د . فخري الحديثي ، شرح قانون القسم العام ، ط 1 ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص 373

71– د . حسن بن حمد التويجري ، مبدأ تناسب العقوبة مع الجريمة في الشريعة الاسلامية ، القوانين الوضعية ، رسالة ماجستير، جامعة نايف العربية ، 2010 ، ص 102

72–   المادة 56/اولا /4 من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم113 لسنة 1982

73–   سلام عبيد عبد الله الزبيدي /مرجع السابق ، العدد 29 / ، قرار رقم 386 /ك / 2013 المعدل في 30 /10/2013

74– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص185

75– د .محمد زكي ابو عامر ، قانون العقوبات القسم العام ، دار المطبوعات الجامعية ، ط1 ، الاسكندرية ، 1986 ، ص197

76– د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص199

77– د . امال عبد الرحيم عثمان ، شرح قانون العقوبات الاقتصادي ، جرائم التموين ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1987 ، ص76 وما بعدها

78– د . احمد فتحي سرور ، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية ، مطبعة جامعة القاهرة ،1973 ،ص3

79– د . رمسيس بهنام ، المرجع السابق ، ص9 وما بعدها

80 – د . فهد يوسف الكساسبة ، وظيفة العقوبة ودورها في الاصلاح والتأهيل ، دراسة مقارنة ، دار وائل ، ط1 ، الاردن ، 2010 ، ص9

81– قرار مجلس قيادة الثورة العراقي المنحل رقم307 المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد2986 في 26/3/1984 الذي نص على نفاذه منذ 1/1/1984

82-د . محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجزائي ، المرجع السابق ، ص20

83– د . محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص47

[1]كذلك ، ص195

80- د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص33

81-ALRC,PRINICIPLED REGULATION: FEDRAL CIVIL AND ADMINRESTRATIVE PENALTIES (FINALE REPORT), MARCH 2003,P6.

82-Jones and De Villars ,principles of administrative law (2nded), 1994,Carswell, Toronto, ch.13.

83– R Baldwin and M Cave , understanding regulation : theory strategy and practice (1999), Oxford University Press, Oxford, 295.

84- د . امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص154

85- د محمد حلمي ، نشاط الادارة ( الضبط الاداري والمرفق العام) دار الفكر العربي ، ط1 ، القاهرة ، 1967 ، ص23

86- د . محمد باهي ابو يونس ، الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات الادارية العامة ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ،2000 ، ص27

87- د . حلمي الدقدوقي ، رقابة القضاء عاى المشروعية الداخلية لاعمال الضبط الاداري ( دراسة مقارنة ) ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 1989 ، ص170

88- د . محمد باهي ابو يونس ، المرجع السابق ، ص29

89- د . احمد فتحي سرور ، الجرائم الضريبية ، ط 2 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1990 ، ص 43

90- د .طالب نورالشرع ، المرجع السابق ، ص 36

91-Canadian Transit co.v.Public service staff regulation boar (CAN),1989, 39 admn.L.R. 140

92– د . فخري عبد الرزاق الحديثي ، شرح قانون العقوبات القسم العام ، مطبعة الزمان ، بغداد ، 1996 ، ص23

93- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص115 وما بعدها

94- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص117

95- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص299

96- د. يس عمر يوسف ، استقلال السلطة القضائية في النظامين الوضعي والاسلامي ، دار ومكتبة الهلال ،لبنان ،1995 ، ص163-164

97- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص121

98- د. محمد سعد فودة ، المرجع السابق ، ص227

99- د. محمد سعد فودة ، المرجع السابق ر، ص211-212

100- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص185 وما بعدها

101- د.محمود مصطفى العوجي،الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن،الجزء 2،مطبعة القاهرة ط2 ،1979 ،ص 226

102- د. امين مصطفى محمد ، المرجع السابق ، ص288

103- د. محمد باهي ابو يونس ، المرجع السابق ، ص184

[1]104- د. محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجنلئي ، مرجع سابق ، ص184-185

قائمـة المراجع العربيـة..

1- د .احمد فتحي سرور ، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية ، القاهرة ، 1983

2- د .احمد محمد خليفة النظرية ، العامة للتجريم ، دراسة في فلسفة القانون ، دارالمعارف ، مصر ، 1958

3- د .اكرم نشأت ابراهيم ، السياسة الجنائية دراسة مقارنة ، دار الثقافة للنشر و التوزيع ، ط 2 ، الاردن ، 2011

4 – د . السيد عبد الحميد فودة ، جوهر القانون ، دار الفكر العربي ، 2005

5- د . امين مصطفى محمد ، النظرية العامة لقانون العقوبات الاداري ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2008

6- د . امال عبد الرحيم ، شرح قانون العقوبات الاقتصادي ، جرائم التموين ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1987

7- د . ايمن رمضان الزيني ، العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة و بدائلها ، ط1، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003

8- د . جلال ثروت ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، مؤسسة الثقافة الجامعية ،                                                             الاسكندرية ، بدون تاريخ

9- د . حسن بن محمد التويجري ، مبدا تناسب العقوبة مع الجريمة في الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية ، رسالة ماجستير ، جامعة نايف العربية ،2010

10- د . حسن عبد الحميد ، فكرة القانون الطبيعي الكلاسيكي و مفهوم القانون ، دارالنهضة                        العربية ، مصر، 1966

11-د . حلمي الدقدوقي , رقابة القضاء على المشروعية الداخلية لاعمال الضبط الاداري دراسة مقارنة ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 1989

12- د . خليفة سالم الجهمي ، الرقابة القضائية على التناسب بين العقوبة و الجريمة في مجال التاديب , دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2009

13-دنيس لويد ، فكرة القانون ، ترجمة سليم الصويص ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت ، 1981

14 – د. رمسيس بهنام ، نظرية التجريم في القانون الجنائي ، معيار سلطة العقاب تشريعا و تطبيقا ، مركز الدلتا للطباعة ، مصر ، 1996

15-د . سمير الجنزوري ، الغرامة الجنائية دراسة مقارنة , المركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية ، القاهرة ، 1967

16- د . طالب نور الشرع ، الجريمة الضريبية ، ط1 ، دار وائل للنشر ، عمان ، 2008

17- د . طلال عبد الحسين البدارني ، الشرعية الجزائية ، اطروحة دكتوراه ، كلية القانون ، جامعة بابل ، 2002

18 – فارس حامد عبد الكريم ، المعيار القانوني ، بغداد ، 2009

19 – د . فخري عبد الرزاق الحديثي ، شرح قانون العقوبات القسم العام ، مطبعة ، بغداد         ، 1996

20- د . عادل السعيد محمد ابو الخير، البوليس الاداري ، دار الفكر العربي ،الاسكندرية ، 2014

21- د . عبد القادر الشيخلي ، النظام القانوني للجزاء التاديبي ، دار الفكر للنشر و التوزيع ،الاردن ، 1983

22- د . عمار الحسيني ، التفريد العقابي في القانون العقابي و المقارن ، البحث منشور في مجلة الكلية الاسلامية الجامعة ، العراق ، 2009 .                                                

23- د . غنام محمد غنام ، القانون الاداري الجنائي ، دار النهضة العربية القاهرة ، 1996

24- مايا محمد نزار ، الرقابة الفضائية على التناسب في القرار الاداري ، ط1 ، المؤسسة الحديثة للكتاب2001

25- د . محمد انس جعفر ، د . احمد محمد رفعت ، حقوق الانسان ، التعليم المفتوح ، جامعة القاهرة،1999

26- د . محمد سامي الشوا ، القانون الاداري الجزائي – ظاهرة الحدة من العقاب ، دار النهضةالعربية،القاهرة،1996

27- د . محمد محمد مصباح ، التدابير الاحترازية في السياسة الجنائية الوضعية و الشرعية ، دارالنهضةالعربية،القاهرة،بدون تاريخ

28– محمد قاسم حسين ، الجريمة الضريبية و القضاء المختص بها وفقا لاحكام ضريبة الدخل الاردني ، رساـــــــــــــــلة مـــــــــــــــــــاجستير جاـــــــــــــــــــــــمعة النجاح الوطنية ، كلية الدراسات العليا                                                                                                                                                        29- د . محمد علي سالم عياد الحلبي ، ضمانات الحريات الشخصية اثناء التحري و الاستدلال ،جامعةالكويت ،1981

30- د .محمود طه جلال ، اصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ، دار النهضةالعربية ،مصر،2005

31- د . مصطفى ابراهيم الزلمي ، الضنة بين العلم المنطق و القانون ، مطبعة بغداد ، 1991  

32- د . محمد زكي ابو عامر ، قانون العقوبات القسم العام , دار المطبوعات الجامعية ، ط1 ، الاسكندرية ، 1986

33- د. محمد باهي ابو يونس ، الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات الادارية العامة ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2000 .                

34- د . محمد حلمي ، نشاط الادارة ، ( الضبط الاداري – المرفق العام ) ، دار الفكر العربي ، ط1 ، القاهرة , 1967        

35-د . محمود مصطفى العوجي , الجرائم الاقتصادية في القانون المقارن ، الجزء 2 ، مطبعة القاهرة ، ط1 ، 1979

36- د . مهند يوسف الكساسبة , وظيفة العقوبة و دورها في الاصلاح و التأهيل , دراسة مقارنة   ، دار وائل للنشر ، ط1 ، الاردن ، 2010

37- د. يس عمر يوسف ، استقلال السلطة القضائية في النظامين الوضعي والاسلامي ، دار و مكتبة الهلال ، لبنان ، 1995

قائمة المراجع الأجنبية..

1- Robert .w. MCgee . The ethics of tax evasion , 2012 .                  

2- Hans welzal : Esdevschestratrecht , 11 , Aulfage, Berlinn , 1969 .

3-Canadian transit co. v.public service staff regulation board (can),( 1989) , 39 , admin . l . r.140                                                          

4-Jones and de Villars , principles of administration law (2nd ed) , (1994) ,Carswell Torento , ch.13                                                        

5-Alrc , principled regulation : federal civil and administration penalties (final report) , march 2003                                                

6- R Baldwin and m cave , understanding regulation : theory , strategy ,and practice (1999) oxford university press , oxford ,295

7- Amanda Tait , the use of administrative monetary penalties in consumer protection , public

             المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن

                                              (دراسـة مقارنـة)

Civil liability created by pollution damage of ships – fuel oil

(comparative study)

                                                 بحث مقدم من قبل

                                 الأستاذ المساعد الدكتور حسن علي كاظم

                                       الباحثة رجاء حسين عبد الأمير

                                       جامعـة كربلاء // كليـة القانون

الخلاصـــة..

   تٌعدٌ المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن من الموضوعات المهمة التي يرى الباحث انها جديرة بالدراسة, كونها تتناول مسألة مهمة وهي حماية المتضررين من التلوث بالوقود الزيتي للسفن, ومع التطور الذي شهده العالم في ظل الثورة الصناعية الحديثة, ظهرت هناك بعض القضايا التي لم تكن معروفة من قبل ومنها التلوث بالوقود الزيتي للسفن والمسؤولية المدنية الناشئة عنها, ومن هنا جاءت أهمية البحث, وفي هذه الدراسة تناولنا خصوصية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن وأركان تلك المسؤولية, وقد بحثنا هذا الموضوع في مبحثين, تناولنا في المبحث الأول خصوصية المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, وتناولنا في المبحث الثاني أركان المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث, ثم استعرضنا أهم النتائج والمقترحات التي توصلنا إليها في هذا البحث.

الكلمات المفتاحية: المسؤولية المدنية , تلوث ,           ضرر , وقود زيتية.

Abstract ..      

   The civil liability for pollution damage fuel oil for ships of the important issues that the researcher believes it is worthy of consideration, as dealing with an important issue of the protection of those affected by the contamination of fuel oil for ships, and with the development witnessed by the world in the light of the Industrial Revolution, modern, appeared there were some issues that were not known before, including the contamination of fuel oil for ships and civil liability arising therefrom, hence the importance of research, and in this study we addressed the privacy of civil liability for pollution damage fuel oil for ships and the pillars of that responsibility, we have discussed this subject in two sections, we dealt with in the first section the privacy of civic responsibility pollution damage arising from fuel oil for ships, and we dealt with in the second section pillars of civil liability for pollution damage, and then we review the most important findings and proposals that we have reached in this research

key words:Civil liability , pollution , damage , fuel oil.

                     

المقدمـــة ..

   تٌعدٌ المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن من الموضوعات القانونية المهمة التي يرى الباحث انها الجديرة بالدراسة والبحث والتحليل, إذ أن المسؤولية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن ذات ارتباط وثيق بحياة الأشخاص, وما ينشئ عنها من خصومات ومنازعات, لذلك أن الاهتمام بالمسؤولية المدنية الناشئة عن التلوث بوقود السفن الزيتي, تتطلب وضع تشريعات قانونية خاصة تنسجم مع متطلبات الإتفاقيات الدولية, ولاسيما الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن لسنة 2001.فالوقود الزيتي الذي يستخدم كطاقة مشغلة للسفن تنتج عنه أضرار جسمية تصيب الأشخاص وكذلك الأموال داخل إقليم الدولة, ولاسيما أن النقل البحري أصبح من أهم أنواع النقل المتعددة, وعلى الرغم من أهميته وكثرة الفوائد التي يحققها للبشرية, إلا انه يلحق أضرار كبيرة بالبيئة البحرية والأشخاص والممتلكات, مما ينشئ عن ذلك مسؤولية مالك السفينة عن الأضرار الناجمة عن حادثة التلوث بوقود السفن الزيتي.فلو نظرنا إلى المسؤولية المدنية بصورة عامة لوجدناها تنطوي على التزام للشخص الطبيعي أو المعنوي بتعويض الضرر الذي يسببه لشخص أخر بفعله الشخصي أو بفعل الأشخاص الذين هم تحت رقابته أو بفعل الأشياء التي تحت حراسته, ويمكن القول أن المسؤولية التي عرفتها الإنسانية منذ نشوء المجتمعات البشرية, صورتها وطريقة التعويض عن الضرر تطورت بتطور المجتمع, إذ أنها كانت في الواقع مرآة لذلك المجتمع فكانت الفكرة بدائية عندما كان المجتمع بدائي يفتقر للسلطة والى الحد الأدنى للتنظيم, وأصبحت متقدمة بعد أن أخذ المجتمع الشكل المتحضر وأصبحت قواعدها راسخة ثابتة, إذ أنها تمتاز بمفهومها المتطور الذي يواكب حركة التقدم وما تفرزه من المشكلات والحاجات الجديدة, ويمكن حصر المسؤولية المدنية في نوعين هما:-

أولا // المسؤولية العقدية التي تنشئ من الإخلال بتنفيذ التزامات ناشئة عن عقد, ولا يتعلق هذا النوع من المسؤولية بموضوع التلوث الناشئ عن وقود السفن الزيتي إلا استثناء.

ثانيا // المسؤولية التقصيرية, وهي التي تنشئ عند الإخلال بالواجب القانوني العام القاضي بعدم الأضرار بالغير, وهذا النوع من المسؤولية يتعلق بالمسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن.

أولاً // أهمية البحث..

1-   أن موضوع المسؤولية المنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن مهم وحساس, إلا أن الدراسات القانونية في ذلك المجال لم تلقي أهتماماً واسعاً إلا من خلال دراسات لوضع التلوث البحري بشكل عام, الأمر الذي دعا إلى البحث في هذا الموضوع لعله يشكل إضافة إلى الجانب القانوني الذي لم يحظ بالدراسة والاهتمام بشكل كافي.

2-   كما أن الملاحة البحرية الدولية في تطور مستمر ولا غنى عنها لجميع دول العالم, وقوام النقل البحري هو نقل الإنسان والبضائع مع ما يكتنف السفينة إثناء الرحلة البحرية, من مخاطر التلوث بالوقود الزيتي للسفن, وهي في عرض البحر مسببه أضرار بالبيئة البحرية وبممتلكات الأشخاص الطبيعية والمعنوية, ومن ثم فأن أهم المواضيع التي تثار هي مسؤولية مالك السفينة عن تلك الأضرار, والقانون الواجب التطبيق على تلك المنازعات.

3-   وجود اتفاقية دولية تناولت موضوع المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, فضلاً عن الإتفاقيات الدولية التي تعني بالتلوث البحري بالنفط وانضمام وتصديق العديد من الدول العربية والأجنبية لها، وعدم انضمام العراق إلى هذه الاتفاقيات على الرغم من أهميتها, لأنها أوجدت قواعد دولية موضوعية لمسألة التلوث البحرية، وحققت نوعاً من التوازن بين مصالح ذوي الشأن، كما هو الحال في اتفاقية المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بوقود السفن لسنة 2001, التي حققت توازنا ملموسا بين مصلحة المضرور ومصلحة المسؤول عن الضرر.

4-   محاولة إيجاد قاعدة إسناد خاصة بالمسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بوقود السفن تنسجم وطبيعة هذه المسؤولية وبصياغة مرنة, تساعد القضاء العراقي على اختيار القوانين المناسبة لها.

  

ثانياً // مشكلة البحث..

   إن مشكلة تنبع من أن خطر التلوث بالوقود الزيتي للسفن خطر ذو خصوصية معقدة, يترتب عليها عدم إمكانية تطبيق القواعد العامة الواردة في القانون المدني أو قانون حماية وتحسين البيئة أو القواعد القانونية الواردة في القانون الدولي الخاص, كون المسؤولية الناشئة عن تلك الأضرار لا تقوم على أساس الخطأ, وإنما على أساس الضرر وخصوصا إذا كان النشاط الذي تمارسه السفن في البحار ونتج عنه التلوث مشروعا, لذلك فأن هذا البحث يطرح مشكلة تتعلق بمدى إمكانية البحث عن قواعد خاصة للمسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن لتتواءم مع خصوصية تلك المسؤولية.

ثالثاً // منهجية البحث..

ستكون دراسة البحث وفق المنهج الوصفي التحليلي, وصف القواعد الواردة في الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن لسنة 2001 والإتفاقيات ذات العلاقة بهذه المسألة, وكذلك وصف القواعد القانونية الواردة في القوانين الوطنية الخاصة بالتلوث بوقود السفن الزيتي, ومنها القانون الأمريكي للتلوث بالوقود الزيتي للسفن لسنة 1990 المعدل والقانون الكندي للمسؤولية البحرية لسنة 2001 المعدل, ومدى ملائمة سلوك الاتفاقيات والقوانين مع ما يمكن الأخذ به في القانون العراقي, مع بيان مدى النجاح الذي حققته الاتفاقية الدولية بخصوص المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن.

رابعاً // خطة البحث..

من اجل معالجة الإشكاليات المعروضة في البحث سوف نعالجه في الخطة الأتية, إذ تحتاج                 الدراسة تقسيم البحث, إلى مبحثين.

المبحث الأول // خصوصية المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن

المطلب الأول // المسؤول عن التلوث

الفرع الأول // مسؤولية مالك السفينة

الفرع الثاني // مسؤولية الغير

المطلب الثاني // اساس المسؤولية عن التلوث

الفرع ا الأول // المسؤولية القائمة على اساس الخطأ

الفرع الثاني // المسؤولية القائمة على اساس الضرر

المطلب الثالث // التغطية الاجبارية

الفرع الأول // التأمين الاجباري او الضمان المالي

الفرع الثاني // تحديد المسؤولية

المبحث الثاني // أركان المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن

المطلب الأول // حادثة التلوث

الفرع الأول // السفينة مصد التلوث

الفرع الثاني // الوقود الزيتي للسفينة

الفرع الثالث // الواقعة المسببة للتلوث

المطلب الثاني // ضرر التلوث بوقود السفن الزيتي

الفرع الأول // أنواع الضرر

الفرع الثاني // شروط الضرر

المطلب الثالث // العلاقة السببية

الفرع الأول // الصور التقليدية للسبب الاجنبي

الفرع الثاني // الصور المستحدثة للسبب الاجنبي

المبحث الأول // خصوصية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن..

   إذا توفرت أركان المسؤولية المدنية عن التلوث بالوقود الزيتي للسفن فمن البديهي التساؤل حول المسؤول عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, فهل يتحملها المالك المسجل للسفينة, أم من الممكن أن يتحملها الغير؟ وهل ركزت المسؤولية على المالك المسجل أم أنها امتدت إلى غير المالك المسجل؟ وما هو أساس تلك المسؤولية فهل هي قائمة على أساس الضرر أم الخطأ؟ وما هي الاتجاهات الفقهية التي قيلت في شأن طبيعة تلك المسؤولية؟ وان ثبوت المسؤولية المدنية عن التلوث بوقود السفن الزيتي, لا يحقق أثرا ايجابيا فعالا في حماية المضرورين من التلوث, إذا كان المسؤول عن أضرار التلوث غير قادر على سداد مبالغ التعويضات المحكوم بها عليه, فأن احتمالية تعرض المسؤول عن الضرر للإعسار أمراً وارداً, فمن اللازم توفير حماية للمضرور تكون أكثر فعالية لحصوله على المبالغ المحكوم بها, ولعل التغطية الإجبارية التي تتمثل بالتأمين الذي يعد إجراءً أساسياً لتكملة نظام المسؤولية عن التلوث بالوقود الزيتي للسفن, لأنه من الضروري ضمان تعويض المضرورين من التلوث بوقود السفن تعويضا عادلا, أو تكون هذه الضمانة ذات طبيعة مالية من مؤسسة مالية, ولبيان ذلك سوف نقسم المبحث على ثلاثة مطالب: نتناول في المطلب الأول المسؤول عن التلوث, ونتناول في المطلب الثاني أساس المسؤولية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي, ونتناول في المطلب الثالث التغطية الإجبارية.  

المطلب الأول // المسؤول عن التلوث ..

عندما تقع حادثة التلوث بالوقود الزيتي للسفن, وينتج عن تلك الحادثة أضرار تلوث, فأن ما يشغل بال المضرورين هو معرفة المسؤول عن حادثة التلوث لإقامة الدعوى ضده بهدف الحصول على التعويض عن الأضرار التي أصابته من جراء ذلك التلوث, فمن هو المسؤول عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي؟ هل هو مالك السفينة فقط, أم يمتد إلى مجهز السفينة ومستأجرها؟ وما مدى مسؤولية الغير الذي لا تربطه علاقة بمالك السفينة ؟ ولغرض بيان ذلك نقسم هذا المطلب على فرعين نتناول في الفرع الأول مسؤولية مالك السفينة, ونتناول في الفرع الثاني مسؤولية الغير.

الفرع الأول // مسؤولية مالك السفينة..

أن المسؤول عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن هو مالك السفينة وقت وقوع حادثة التلوث, وقد عرفت المادة (1/3) من الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 مالك السفينة بقولها (يعني مالك السفينة وتشمل هذه الصفة المالك المسجل ومستأجر السفينة غير المطقمة والقائم على إدارة السفينة ومشغلها ), يبدو أن الإتفاقية تبنت مفهوما واسعا للمسؤول عن التلوث, فلم تقتصر على مالك السفينة المسجل فقط بل امتد نطاق الاتفاقية إلى من لا يمتلك السفينة وان كان له دور في إدارة الرحلة كالمستأجر والمشغل والقائم على إدارة السفينة, وهذا يعني أن الإتفاقية لم تتبنى مبدأ تركيز المسؤولية الذي يقضي بمسؤولية مالك السفينة المسجل دون غيره, من مستأجر أو مستغل للسفينة, وإنما تركت إمكانية الرجوع على المستغل والمستأجر والقائم بالإدارة عند إعسار المالك([1]).ويكون تملك السفن إما عن طريق الشراء أو عن طريق البناء, أو تملك السفن عن طريق الشيوع, فمالك السفينة إما أن يكون شخصاً طبيعياً واحداً سواء كان عن طريق البيع أو البناء أو يكون مالك السفينة مجموعة من الأشخاص, كما هو تملك السفينة عن طريق الشيوع, إذ أن كل شريك في السفينة تسجل حصته الشائعة باسمه في سجل السفن([2]),فالمالك المسجل هو الشخص أو الأشخاص الذين سجلت السفينة بأسمائهم, وفي حالة عدم تسجيل السفينة، المالك هو الشخص أو الأشخاص الذين يملكون السفينة([3]),وقد تكون السفينة مملوكة للدولة وتستخدمها في أغراض تجارية فهنا يكون المالك هو الدولة لكن بوصفها شخصاً عادياً, تكون خاضعة للمقاضاة وتتخلى عن جميع الدفوع المستندة إلى مركزها كدولة صاحبة سيادة، هذا ما أكدته الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 في المادة (4/4). وقد تكون السفينة محلا للإيجار([4]), فقد يقع الإيجار على سفينة غير مجهزة ليتولى المستأجر تجهيزها, أو قد تؤجر السفينة مجهزة ليقوم المستأجر بنقل البضاعة عليها, فإيجار السفن عادة يكون في صورتين([5]):الصورة الأولى الإيجار الأعتيادي، وهو أن يقوم مالك السفينة بتأجيرها مجهزة ويلتزم بتقديم الخدمات المتعلقة بالتموين والبحارة, وهذه الصورة تكون في حالتين:

الحالة الاولى // مشارطة بالرحلة أي إيجار السفينة لرحلة معينة، وفي هذه الحالة لا يكون للمستأجر أي دور إيجابي في السيطرة على السفينة أو كيفية الإنتفاع بها, والحالة الثانية هي المشارطة الزمنية تقضي بإيجار السفينة لمدة زمنية محددة, ويختلف مركز المستأجر في هذه الحالة من ناحية سلطته على السفينة فقد تكون له السلطة في إدارتها من ناحية الإدارة البحرية([6]) أو من الناحيتين الإدارة البحرية والإدارة التجارية([7]) وهذا متروك لاتفاق الطرفين, أما الصورة الثانية الإيجار العاري أي أن مالك السفينة يقوم بتأجيرها عارية غير مجهزة بتموين أو بحارة, بشرط أن تكون مجهزة بحد أدنى من الأدوات والأجهزة اللازمة لتسييرها في البحر بصورة أمنة ويكون للمستأجر السلطتين الإدارة البحرية والإدارة التجارية([8]), ولما كان عقد الإيجار في الصورة الثانية ينقل للمستأجر السلطة الإدارية والتجارية فأن المستأجر يكون مسؤولا في مواجهة الغير عما يحدثه من أضرار تنجم عن التلوث بالوقود الزيتي للسفن, وهذا ما أكدته الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 في المادة (1/3) عندما أعطت مفهوما لمالك السفينة فقد نصت على, (ويعني مالك السفينة وتشمل هذه الصفة …..ومستأجر السفينة غير المطقمة …..) والمقصود بالسفينة غير المطقمة هي السفينة غير المجهزة ويطلق عليها بالعارية([9]), أما القائم على إدارة السفينة فهو مستأجر السفينة عندما يكون للمستأجر سلطة الإدارة البحرية, وهذه الصورة تدخل ضمن الإيجار الاعتيادي عندما يقوم مالك السفينة بتأجير السفينة مجهزة، ويلتزم بتقديم الخدمات المتعلقة بالتموين والبحارة, وهذه الصورة هي المشارطة الزمنية([10]). وهناك من يرى([11]) أن تطبيق مبدأ عدم تركيز المسؤولية سوف يواجه مشاكل عملية وخاصة إذا ما اخذ بنظر الاعتبار تعدد مؤمني الأشخاص الذين يجوز مساءلتهم عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, ولاسيما إذا كان احد الأشخاص المسؤولين قد أرتكب خطأ إرادياً مما يترتب عليه سقوط حقه في التمسك بتحديد المسؤولية, في حين وهناك من يرى ([12]) على الرغم من أن مبدأ عدم تركيز المسؤولية سوف يقود إلى تعدد المسؤولين عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن , إلا أن ذلك لا يعني سوف يلتزمون جميعا بالتأمين الإجباري للمسؤولية, وبالتالي فهم غير ملزمين بأن يكون لديهم شهادات استيفاء التامين الإجباري, فالأمر سوف يقتصر على مالك السفينة المسجل([13]), وبذلك تختلف الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001عن إتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969 التي تبنت مبدأ تركيز المسؤولية في مواجهة مالك السفينة.وفقا للقواعد العامة في القانون المدني العراقي, ومن خلال النص الخاص بالمسؤولية عن الآلات الميكانيكية والاشياء الاخرى([14]), يمكن لنا ان تستنتج ان مالك السفينة: ( هو كل شخص له سيطرة فعلية على السفينة كمالك المسجل او المستعير او المستأجر او المنتفع, فكل شخص تكون السفينة تحت تصرفه يكون هو المسؤول عما تحدثه من ضرر).أما قانون التلوث بالزيت الأمريكي لسنة 1990, فقد جاء بمفهوم واسع لمالك السفينة, إذ شمل المالك المسجل والمستأجر والمستغل والمجهز, فقد نص في المادة (2702/أ) على أن (كل شخص مسؤول عن سفينة يتسرب منها الزيت أو تنشئ تهديداً جسيماً بالتسرب في أو على المياه البحرية أو السواحل المجاورة أو المنطقة الأقتصادية الخالصة يٌعدٌ مسؤولاً عن تكاليف الإزالة والأضرار التي تنتج عن هذا الحادث), وأن مفهوم المسؤول عن التلوث وفقا لنص الفقرة يعطي معنى واسعاً فقد يكون المسؤول مالك السفينة، وقد يكون المستأجر لأنه عندئذ يكون هو مسؤولا عن إدارتها, أو القائم باستغلالها, وقد بيت المادة (2701/32) من القانون ذاته مفهوم الشخص المسؤول بقولها (…أي شخص يمتلك السفينة أو يستغل أو يستأجر السفينة).أما قانون المسؤولية البحرية الكندي لسنة 2001 فقد عرف مالك السفينة في المادة (91/1/ب), بالتعريف ذاته الذي نصت عليه الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 في المادة (3/1) وهذا يعني أنه أخذ بالمفهوم الواسع لمالك السفينة, أي لم يتبنى مبدأ تركيز المسؤولية على المالك المسجل, وإنما مد نطاقها إلى المستأجر والمستغل.

الفرع الثاني // مسؤولية الغير ..

وفقا للقواعد العامة في القانون المدني العراقي, يعد الغير مسؤولاً على اساس الخطأ الذي ارتكبه, فإذا اتثبت المسؤول أن الضرر نشأ بفعل الغير([15]), فيكون الغير مسؤولاً عن اضرار التلوث وعلى المضرور ان يثبت خطأ الغير, فإذا ما عرضت على القاضي العراقي دعاوى المطالبة بالتعويض عن اضرار التلوث سوف يلجأ الى القواعد العامة في القانون المدني, وبالتالي يكلف المضرور بأثبات خطأ الغير، إلا اننا نرى قيام مسؤولية الغير على اساس الخطأ تثير مشاكل في مسألة اثباته، او معرفة السلوك الخاطئ من عدمه, وهذا ما عليه الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن اضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, اذ تعد الغير مسؤولا على اساس الخطأ وطبقا للقواعد العامة.وندعو المشرع العراقي بعد الانضمام الى الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن اضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, تعديل مسؤولية الغير عن اضرار التلوث بوقود السفن بما جاء به قانون التلوث بالزيت الامريكي لسنة 1990، الذي انفرد بفكرة مسؤولية الغير عن اضرار التلوث بالزيت عن الإتفاقيات الدولية وكذلك القوانين الوطنية التي عالجت مسألة التلوث البحري بالزيت.إذ حدد المقصود بالغير تحديداً واضحا, فالغير طبقا لهذا القانون, ( هو اي شخص غير تابعي او وكلاء الشخص المسؤول عن السفينة الملوثة، وأي شخص ليست له علاقة تعاقدية مع الشخص المسؤول)([16]), كما نص على مسؤولية الغير عن اضرار التلوث الى جانب مالك السفينة المسجل، أو المستأجر المجهز أو المستغل طبقا لأحكام هذا القانون دون حاجة لإثبات خطئه, فيكفي لنشأة مسؤوليته عن اضرار التلوث بالزيت أن يثبت الشخص المسؤول (مالك السفينة المسجل أو المستأجر المجهز أو المستغل), أن تسرب الوقود الزيتي أو التهديد به حدث كلياً بسبب القيام بعمل أو متناع من جانب الغير([17])، إذ يعد الغير مسؤولاً طبقا لأحكام هذا القانون إذا كان فعله هو السبب الوحيد لحادثة التلوث, وبالتالي إذا ما ساهم بفعله في وقوع حادثة التلوث فلا يعد مسؤولاً طبقاً لهذا القانون بل طبقاً للقواعد العامة على أساس الخطأ الذي ارتكبه.فإذا صدمت سفينة (أ) سفينة (ب) وتسبب ذلك التصادم بتسرب وقود السفينة (ب), فإن المسؤول عن السفينة (ا) يعد من الغير طبقاً لأحكام هذا القانون, فإذا أثبت المسؤول عن السفينة مصدر التلوث (ب), أن تسرب الوقود الزيتي او التهديد به يرجع كليا الى فعل أو إهمال من جانب المسؤول عن السفينة المصادمة, فإن هذا الأخير يعد مسؤولاً عن اضرار التلوث دون حاجة لإثبات خطئه.

المطلب الثاني // أساس المسؤوليــة عن التلوث..

المسؤولية المدنية تعني الإلتزام بالتعويض عن الأضرار التي تلحق بالأشخاص والممتلكات, نتيجة الإخلال بالواجب العام الذي يفرضه القانون والذي يقضي بعدم الأضرار بالغير([18]), والتساؤل الذي يثار حول أساس هذه المسؤولية؟ وبعبارة أخرى ما هو المبرر الذي من أجله يضع القانون عبء التعويض عن ذلك الضرر على عاتق الشخص المسؤول؟ ولبيان ذلك الأساس سوف نقسم هذا المطلب على فرعين: نتناول في الفرع الأول المسؤولية القائمة على أساس الخطأ, ونتناول في الفرع الثاني المسؤولية القائمة على أساس الضرر.

الفرع الأول // المسؤولية القائمة على أساس الخطأ..

ينبغي الرجوع إلى القوانين المدنية والبيئية رغم أن هناك قوانين ومنها القانون العراقي, لم يشير إلى أساس المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, إلا انه يمكن الاهتداء بأحكام المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي أو عن فعل الأشياء([19]), فتكون المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن قائمة على أساس الخطأ, إي أن ركن الخطأ هو عماد تلك المسؤولية, فإذا انتفى الخطأ لا يمكننا الحديث عن المسؤولية, لكن تطبيق هذه النظرية يؤدي إلى نتائج غير عادلة, لأن من المستحيل على المضرور إثبات الخطأ من جانب المسؤول لان في الغالب الأنشطة التي تقوم فيها السفن أثناء تواجدها في البحار مشروعة.لذلك تبنى القانون المسؤولية القائمة على أساس الخطأ المفترض سواء كان قابلا لإثبات العكس أم لا, فبالرجوع للقانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 وتعديلاته لا نجد نصا قانونيا ينظم المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, وان الاعتماد على المادة (231) من هذا القانون، نجدها تقف عند حد الخطأ المفروض القابل لإثبات العكس, إذ يستطيع من يوجد تحت تصرفه أشياء تحتاج إلى عناية خاصة أو أشياء ميكانيكية أن يتخلص من مسؤوليته عن الأضرار التي تنشأ منها متى ما اثبت انه اتخذ الحيطة الكافية لمنع وقوع الضرر, كما أن المشرع العراقي في قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009, عدّ كل شخص مسؤولا عن الضرر البيئي سواء كان الفعل المسبب للضرر ناشئا عن فعله الشخصي أو إهماله، أو تقصيره, أو بفعل من هم تحت رعايته أو رقابته أو تحت سيطرته من الأشياء([20]) وجعل هذه المسؤولية قائمة على أساس الخطأ المفترض([21]).إلا إننا نرى أن هذه المسؤولية القائمة على أساس الخطأ المفترض غير كافية لتغطية الأضرار الناجمة عن التلوث بالوقود الزيتي للسفن, لأن اعتماد هذا الأساس يسمح للمسؤول عن الضرر إثبات السبب الأجنبي للتخلص من المسؤولية حتى لو نجح المضرور في إثبات الضرر الذي وقع عليه, ومن جانب أخر يكون من الصعوبة على المضرور إثبات الخطأ ولا سيما النشاط الذي تقوم به السفن نشاطاً مشروعاً, وبالتالي سوف يجد المضرور نفسه مجردا من الحماية, لذلك نرى ضرورة إقامة المسؤولية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن على أساس الضرر دون الخطأ, والابتعاد عن المشاكل التي يثيرها مسألة إثبات الخطأ من جانب المسؤول عنه وخاصة في الأحوال التي يكون فيها النشاط مشروعاً, فالذي يستغل سفينة ويمارس نشاطا في مياه البحر يكون ملزما بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن التلوث بوقود السفن دون حاجة إلى البحث عن وجود أو عدم وجود خطأ, وهذا القول تدعمه الاتفاقية الدولية للمسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, إذ يكون مالك السفينة مسؤولا عن أضرار التلوث الذي يسببه الوقود الزيتي الصادر من السفينة([22]).

الفرع الثاني // المسؤولية القائمة على أساس الضرر..

تبنت الدول مبدأ المسؤولية القائمة على الضرر دون الخطأ في أطار المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, ومنها الولايات المتحدة الأمريكية, التي كانت قبل صدور قانون التلوث بالزيت لسنة 1990 تقيم مسؤولية مالك السفينة على ثلاث نظريات يستطيع المضرور الرجوع بموجبها للمطالبة بالتعويض عن أضرار التلوث بالزيت التي تصيب ملكيته([23]). فالنظرية الأولى هي نظرية الإزعاج ومقتضى هذه النظرية أن على المضرور إثبات حدوث اعتداء جوهري على ملكيته, وترتكز هذه النظرية على أن الشخص يكون مسؤولا لما يولده بقيامة من النشاطات الخطرة من إمكانية إصابة الآخرين بأضرار نتيجة مباشرته هذه النشاطات. وقد انتقدت هذه النظرية كونها لا تقدم للمضرور حماية كافية, لان تطبيقها يرتهن بعوامل خارجية عن التسرب الزيتي ذاته, وبالتالي تنشئ تفرقة بين المضرورين اعتمادا على عوامل خارجية عن الفعل المؤدي لحصول التلوث ذاته, فمثلا وقوع تلوث في منطقة ما يمكن أن يكون داخل نطاق الإزعاج المبرر للتعويض كما انه حدوث حادثة تلوث في منطقة أخرى قد لا يعد إزعاج غير عادي أو جوهري([24]).النظرية الثانية نظرية التعدي ومقتضاها أن يحصل تعدي مباشر على ملكية المضرور ويتطلب من المضرور أن يثبت ذلك التعدي وتنتقد هذه النظرية لان الركون إليها يؤدي إلى ضياع الفرص على الكثير من المضرورين في المطالبة بالتعويض, لان أضرار التلوث بالزيت لا تقتصر على إحداث أضرار مباشرة بملكية المضرور, فمثلا محترفي صيد الأسماك لا يستطيعون المطالبة بالتعويض عما أصابهم من خسارة نتيجة لفوات الكسب, لان نظرية التعدي تتطلب حصول تعدي مباشر على ملكية المضرور, وبما أن محصول صيد السمك لا يكون ملك لهم إلا بعد تمام الحصول عليه, وبالتالي يخفقوا في دعواهم في الحصول على التعويض([25]). النظرية الثالثة هي نظرية الإهمال وهي من أهم النظريات التي يعتمد عليها المضرور للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بملكيته الخاصة, ولكي يستطيع المضرور الاستناد في دعواه المؤسسة على الإهمال يجب عليه أن يثبت وجود التزام ملقى على عاتق الشخص المسؤول عن السفينة ببذل العناية اللازمة لمنع تسرب الزيت وإخفاق هذا الشخص في تنفيذ هذا الالتزام هو السبب في وقوع الأضرار, هذه النظرية لا يمكن الاستناد عليها لحصول المضرور على التعويض لصعوبة إثبات تقاعس الشخص المسؤول عن اتخاذ العناية الواجبة لمنع تسرب الزيت, وكذلك صعوبة إثبات الرابطة السببية([26]). وبصدور قانون التلوث بالزيت لسنة 1990 المشرع الأمريكي , رفض الأخذ بالنظريات السابقة, فقد تبنى نظرية المسؤولية القائمة على أساس الضرر, فبمقتضى هذه النظرية يكون مالك السفينة مسؤولا عن أضرار التلوث دون حاجة لإثبات الإهمال أو الخطأ, ولاشك أن في ذلك حماية أكبر للمضرورين من التلوث فالمضرور لا يطالب بإثبات الخطأ من جانب المسؤول، وإنما يكفي حصول الضرر([27]), فقد نص قانون التلوث بالزيت الأمريكي على (….كل طرف مسؤول عن سفينة يتسرب منها أو ينشئ تهديداً جدياً بالتسرب في مياه البحر أو السواحل المتاخمة أو المنطقة الاقتصادية الخالصة يٌعدٌ مسؤولاً عن تكاليف الإزالة والأضرار التي تنتج عن حادثة التلوث)([28]), وبذلك النهج ساير قانون التلوث بالزيت الأمريكي لعام 1990 الإتفاقيات الدولية التي عالجت التلوث بالزيت في الأخذ بنظام المسؤولية بدون خطأ, وان لم تكن أمريكا من الدول التي انضمت إلي تلك الإتفاقيات. وتبنت كندا بموجب قانون المسؤولية البحري لسنة 2001, المسؤولية القائمة على الضرر دون الخطأ, إذ أن مالك السفينة مسؤول عن أضرار التلوث وتكاليف النفقات والتدابير الوقائية وما ينتج عنها من خسائر وأضرار دون الحاجة إلى إثبات وقوع خطأ أو إهمال([29]).

المطلب الثالث // التغطيـة الإجباريـة..

من المعالم الذاتية التي يتمتع بها القانون البحري, إنه يتضمن الكثير من الأنظمة الخاصة التي تساعد على إيجاد توازن بين الحاجة الجماعية إلى الإستثمار أو الإستغلال البحري والحاجة الفردية إلى دعم المستثمر البحري, والذي يتحمل جميع مخاطر الملاحة البحرية, ومن الوسائل الفنية لتحقيق ذلك التوازن هو اللجوء إلى التأمين البحري وهذا ما يطلق عليه بالتغطية الإجبارية، أو التأمين الإجباري, أو الضمان المالي, الذي بموجبه يتم تخفيف عبء المخاطر التي يتحملها المستثمر، أو المسؤول عن الضرر من خلال توزيعه على أكبر عدد من الأشخاص ومن أسس التأمين كما هو معلوم أن يكون الخطر قابلاً للقياس الفني([30]), وهذا ما يتحقق بلا شك من خلال وجود حدود قصوى للتعويض يتحملها المسؤول عن الضرر وهذا ما يحقق التوازن بين مصلحة المضرور والمسؤول عن الضرر، ويقصد بذلك تحديد مسؤولية المسؤول عن الضرر([31]).وسوف نحاول بيان كلا من التامين الإجباري أو الضمان المالي وتحديد المسؤولية في فرعين, نتناول في الفرع الاول التأمين أو الضمان المالي, ونتناول في الفرع الثاني تحديد المسؤولية.

الفرع الأول // التأمين الإجباري أو الضمان المالي ..

   أن ما أحدثه التطور الصناعي والتكنولوجي وما صاحب ذلك من توسع للآلات في شتى مظاهر الحياة, ومع هذا التوسع التكنولوجي وظهور الإنتاج الكبير, أزدادت المخاطر والحوادث الناجمة عنه وبدأت أعداد المضرورين من تلك المخاطر تتسع, ولذلك بدأت الأنظار تتجه صوب التخفيف عن المضرورين وتوفير حماية أكبر الأمر الذي جعل أصحاب النشاطات الصناعية والتجارية وأصحاب رؤوس الأموال التفكير في وسيلة لتخفيف هذا العبء عن عاتقهم تخفيفا لمسؤوليتهم ورعاية وحماية لمصلحة المضرور وبذلك عرف نظام التأمين, الذي بدأ على شكل جمعيات تعاونية تبادلية للتأمين، ثم بعد ذلك تطور الأمر وظهرت شركات التأمين التي عرفت بتنظيمها المتطور والمتقدم وبذلك أخذت أعباء التعويضات تنتقل من عاتق المسؤول إلى عاتق المؤمن([32]). فالتأمين ضد أخطار تلوث البيئة البحرية هو من أساليب حماية المضرور والبيئة على حد سواء لان المؤمن لديه شركة تامين تكون مليئة مالياً, إذ لها القدرة على تغطية المبالغ التي يحكم بها للمضرور(المؤمن له), ومن جهة أخرى التأمين ضد أخطار التلوث يبعث في نفس مالك السفينة الأمان والاطمئنان لوجود شخص مليء يحل محله في حالة تعرضه للإعسار وبذلك يحقق التأمين منفعة مزدوجة لكل من المضرور والمسؤول عن الضرر([33])، كما أن مالك السفينة يمكنه أن يستعيض عن التأمين الإجباري بأي ضمان مالي سواء كفالة مصرفية، أو شهادة ممنوحة من صندوق تعويض دولي([34]). ويثار التساؤل حول ما إذا كان التلوث بوقود السفن الزيتي من الحوادث التي يكون لمالك السفينة القيام بتغطية الأضرار الناجمة عنها؟ حوادث التلوث بالوقود الزيتي للسفن من الحوادث التي يغلب أن تكون جسيمة, وهذا ما ينعكس على مبالغ التعويض التي يحكم بها كما أن إعسار مالك السفينة أمر محتمل الوقوع الأمر الذي يؤدي إلى ضياع حق المضرور في الحصول على التعويض, فالتغطية الإجبارية في مجال التلوث بالوقود الزيتي لها أهمية كبيرة في إسترداد تكاليف إزالة الوقود الزيتي والإجراءات الوقائية التي تتخذ لمنع وقوع الأضرار نتيجة تسرب الوقود الزيتي وفي هذا الشأن واجهت وزارة النقل وهيئة الميناء الإسكتلندية صعوبات في استرجاع تعويضات تلك الإجراءات, وذلك لعدم تمتع السفينة بتغطية تأمينية من نوادي الحماية والتأمين, عندما جنحت السفينة الروسية(poinersk)والتي كانت مخصصة لنقل السمك في (13/ أكتوبر/ 1994) بالقرب من “Lerwick” في اسكتلندا على اثر عاصفة, وقد أدت الحادثة إلى تسرب وقودها الزيتي والذي يبلغ(1100) طن([35]).ويستطيع المسؤول عن التلوث بالوقود الزيتي أن يقوم بالتأمين الإجباري إما عن طريق التأمين بالقسط الثابت من خلال اللجوء إلى شركات التأمين التجاري التي تقوم بخدمة التغطية مقابل إقساط ثابتة, أو يكون التأمين تعاونياً من خلال اللجوء إلى نوادي الحماية والتعويض التي ينشئها مشغلي السفن فيما بينهم لتغطية بعضهم بعض تبادليا, للتغلب على رفض شركات التامين التجارية تغطية ما يتعرض له مالك السفينة من أخطار([36]).فقد أوجبت الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة   2001في المادة (7/1) على المالك المسجل لسفينة مسجلة في دولة طرف في الإتفاقية إذا كانت حمولة السفينة تزيد على (1000) طن أن يكتتب في تأمين أو ضمان مالي أخر, فالاتفاقية من جهة لم تنشئ صندوقاً جديداً للتعويضات, رغم أن عددا من الدول كان يميل لإنشاء صندوق خاص بالمسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, يتم تمويله من قبل ملاك السفن, وقد عارض هذا الاتجاه قطاعات ملاك السفن, كما أن الاتفاقية من جهة أخرى حددت السفن التي تلزم بالتغطية الإجبارية من خلال تحديد حمولتها البالغة 1000طن([37]).كما أن الإتفاقية سمحت لمالك السفينة أن يقدم ضمانا ماليا بدل التامين وهذا يفهم من المادة (7/1) عندما أوجبت على مالك السفينة المسجل التامين أو الضمان المالي, والضمان المالي ممكن أن يكون شهادة من صندوق تعويض دولي وهذا يفهم من عبارة (….أو من مؤسسة مالية….), كما أن إلزام مالك السفينة التي تزيد حمولتها عن (1000) طن فقط خضوعه للتغطية الإجبارية, هذا يعني استبعاد السفن التي تكون حمولتها (1000) طن والسفن التي تكون حمولتها اقل من (1000) طن, وننتقد الإتفاقية في تبنيها لسقف التغطية الإجبارية, لان التلوث الصادر من السفن التي تقل حمولتها عن الحد الذي قررته, لا تقل خطورة عن السفن التي تزيد حمولتها الإجمالية عن (1000) طن. أما فيما يتعلق بالقوانين الوطنية وإلزامية التغطية الإجبارية ضد مخاطر التلوث بالوقود الزيتي للسفن, لم ينص المشرع العراقي في قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009 على إلزامية التامين أو الضمان المالي ضد أخطار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, ويعد موقف المشرع العراقي في هذا الشأن موقفا سلبياً, ونقترح ان ينص على انه (يجب على مالك السفينة التي تبلغ حمولتها (300) طن فأكثر والمسجلة في الجمهورية العراقية, أن يكتتب في تأمين أو ضمان مالي اخر, لتغطية مسؤوليته عن أضرار التلوث بمبلغ يعادل مبلغ الحد الاقصى لمسؤوليته طبقاً للقانون) أما قانون التلوث بالزيت الأمريكي لسنة 1990 فرض وبموجب المادة (2716/أ/1) على مالك السفينة أن يقدم ضماناً مالياً كافياً يضمن الوفاء بمبلغ التأمين المحكوم به, سواء كان عن طريق التأمين، أو كفالة مصرفية، أو خطاب ضمان بالنسبة للسفن التي تزيد حمولتها عن (300) طن, لتغطية تكاليف الإزالة والأضرار, واشترط هذا القانون الاحتفاظ بشهادة الضمان التي تعد شرطاً أساسياً لدخول الموانئ الأمريكية([38]). المشرع الكندي في قانون المسؤولية البحرية لسنة 2001 اتبع نهج الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتيلسنة 2001, فقد نص في المادة (48) على إلزامية التامين أو الضمان المالي, وبذلك يكون القانون الأمريكي وفر حماية أكثر مما توفره .

الفرع الثاني // تحديد المسؤولية..

إذا كنا قد توصلنا إلى أن مسؤولية مالك السفينة هي مسؤولية قائمة على أساس الضرر, إذ أن المضرور لا يكلف بإثبات خطأ المسؤول عن حادث التلوث ووجود مبدأ تحديد مسؤولية المسؤول عن الضرر يحقق التوازن بين مصلحة المضرور والمسؤول عن الضرر, فمن حق المسؤول الذي يوفر تامين أو ضمان مالي أن يحدد من مسؤوليته بموجب نظام وطني أو دولي واجب الإنطباق .وقد تبنت الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتيلسنة 2001, مبدأ تحديد مسؤولية المالك في المادة (6), فقد أشارت إلى حق المسؤول الذي يوفر تأمين أو ضمان مالي من تحديد مسؤوليته بموجب نظام وطني أو دولي واجب الانطباق, كما أن المجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض وجمعية القانون البحري الإنكليزية قد تنبهت إلى افتراض التطابق بين تحديد المسؤولية عن التلوث بوقود السفن الزيتي وتحديد المسؤولية عن الديون البحرية بموجب اتفاقية تحديد المسؤولية لسنة 1976، وليس صحيح في كل الأحوال، لأن اتفاقية تحديد المسؤولية نصت على تحديد المسؤولية عن الهلاك والتلف, أما التلوث بالوقود الزيتي للسفن لا يتعلق بهلاك أو تلف الأموال ([39]), وهناك من يرى انه من الممكن التغلب على هذه المشكلة([40]) من خلال تبني تفسير آخر للإحالة, وذلك من خلال قصر الإحالة على تحديد رقم الحد الأقصى للتعويض دون أن تكون لبقية النصوص الواردة في إتفاقية تحديد المسؤولية دخل في شأن مدى الأضرار التي تخضع للتعويض, التي يرجع في شأنها إلى الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي.ونرى انه على الرغم من أن إتفاقية حدود المسؤولية استبعدت من نطاق تطبيقها أضرار التلوث بالمحروقات بموجب نص المادة (3) التي حظرت تحديد المسؤولية عن الديون الناشئة عن أضرار التلوث بالمحروقات, بالمعنى الوارد في إتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969 وبروتوكول 1992 المعدل لها, إلا أنها لم تنص على استبعاد أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن وإزاء سكوت الإتفاقية يمكن التسليم بالإحالة الواردة في الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتيلسنة 2001 لتحديد مسؤولية مالك السفينة. أما فيما يتعلق بالقوانين الوطنية فالمشرع العراقي لم ينظم مبدأ تحديد مسؤولية مالك السفينة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن.أما قانون التلوث بالزيت الأمريكي فقد وضع حدودا قصوى للتعويض المالي الذي يلزم به المسؤول عن التلوث بالزيت, فقد حدد في المادة (2704/1) مبلغ التعويض عن مصروفات وتعويضات إزالة التلوث بمبلغ (950) دولار عن الطن الواحد من الحمولة الإجمالية للسفن العادية أو بمبلغ (800000) دولار أيهما اكبر وبذلك يكون القانون الأمريكي تفوق على الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي في تحديد الحد الأقصى لتحديد مسؤولية المالك بدلا من تركها بلا تحديد, مما يؤدي إلى تعدد حدود المسؤولية ولاسيما أن الإتفاقية احالة مسألة تحديد المسؤولية إلى القوانين الوطنية أو وفقاً للإتفاقية تحديد المسؤولية.أما قانون المسؤولية البحرية الكندي لسنة 2001, فقد اتبع النهج الذي سارت عليه الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتيفيما يتعلق بتحديد مسؤولية مالك السفينة دون أن يحدد مبلغ الحد الأقصى للتعويض, وإنما أحال الأمر إلى إتفاقية حدود المسؤولية لسنة 1976وتعديلاتها.

المبحث الثاني // أركان المسؤوليـة المدنيـة الناشئـة عن أضرار التلوث..

   المسؤولية المدنية طبقا للقواعد العامة, تتألف من ثلاثة أركان هي الخطأ والضرر والعلاقة السببية وفي مجال المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن يختفي عنصر الخطأ نهائيا عند انعقادها, فالمسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن تخرج عن الأصل العام في تكوين أركانها, وهي حادثة التلوث والضرر والعلاقة السببية بين حادثة التلوث والضرر الذي ينشئ عن الحادثة, وسوف نتناول هذه أركان في ثلاثة مطالب, نتناول في المطلب الأول حادثة التلوث, ونتناول في المطلب الثاني الضرر الناشئ عن الحادثة ونتناول في المطلب الثالث العلاقة السببية.

المطلب الأول// حادثة التلوث بالوقود الزيتي ..

المسؤولية المدنية طبقا للقواعد العامة, تتألف من ثلاثة أركان هي الخطأ والضرر والعلاقة السببية, وفي مجال المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي يختفي عنصر الخطأ نهائيا عند انعقادها([41]) فالمسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن تخرج عن الأصل العام في تكوين أركانها, وهي حادثة التلوث والضرر والعلاقة السببية بين حادثة التلوث والضرر الذي ينشئ عن الحادثة, وسوف نتناول تلك الشروط في ثلاث فروع.

الفرع الأول // السفينـة مصدر التلوث ..

للقول بوجود حادثة تلوث بحري نجم عن تسرب أو تصريف للوقود الزيتي يقتضي وجود سفينة, فما المقصود بالسفينة؟ ومتى تكتسب هذا الوصف, وهل يندرج الحطام البحري تحت وصف السفينة؟للسفينة مفهومان المفهوم الضيق الذي جاءت به إتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969(بأنها منشأه أو أداة بحرية أياً ما كانت تنقل فعلا المحروقات سائبة كبضاعة)([42]), يبدو الإتفاقية جعلت الضابط حمولة السفينة وليس هيكلها في وصف السفينة, فقد اتجهت لناقلات البترول دون غيرها([43]), وبعبارة أخرى أن الإتفاقية تنطبق على التلوث الناشئ من السفن التي تحمل فعلا شحنة بترول لحظة وقوع الحادث, فوصف السفينة يضفى على المنشأة البحرية المخصصة لنقل البترول فقط, وقد عرف بروتوكول 1992المعدل لاتفاقية المسؤولية المدنية عن التلوث بالنفط لسنة 1969 السفينة بأنها, ( أي منشأه أو أداة بحرية من أي نوع كانت تبنى أو تهيئ لنقل المحروقات سائبة كبضاعة)([44]), البروتوكول نص أيضا على ناقلات البترول فقط, إلا انه توسع قليلا فلم يشترط أن تحمل الأداة البحرية البترول كشحنة وقت وقوع الحادث أي امتد إلى ناقلات البترول الفارغة عند عودتها فارغة.وهذا يعيد إلى الأذهان أن واضعي بروتوكول 1992 قد تأثروا بحادثة (Olympic. Bravery) في (13/ مارس/ 1976), التي كشفت من خلالها عيوب نظام إتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969, وتتلخص وقائع حادثة (Olympic. Bravery) حيث أن الناقلة كانت تحمل علماً ليبيرياً وكانت تبحر فارغة عندما انطلق نظام صمام الأمان الشامل لها ليوقف جميع أجهزة الدفع والتسيير, وعلى الرغم من تدخل المهندسين الميكانيكيين لم تفقد الناقلة سرعتها وبسبب الرياح تحول مجراها واتجهت نحو الساحل, مما أدى إلى جنوحها وتحطم السفينة وتسرب وقودها الزيتي إلى البحر بالكامل والذي كان يبلغ 1200طن, وقد طلبت السلطات الفرنسية من شركة الإنقاذ الهولندية التدخل, إلا أنها لم تتمكن من التدخل، لان عمل الغواصين كان محفوفا بالمخاطر نتيجة حالة البحر, وقد تبين من وقائع تلك الحادثة وجود تباطء من السلطات الفرنسية, فقد كان بإمكانها أن تتدخل وتمنع تسرب الوقود الزيتي للسفينة من خزانات الوقود, إلا أن السلطات الفرنسية تباطأت، لأنها خشية من عدم استرداد تكاليف الإجراءات التي تتخذ لمنع تسرب الوقود, كما أن المجهز لم يشعر بالمسؤولية القانونية الحقيقية، لأن إتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالزيت لسنة 1969 لا تنطبق على التعويضات الناشئة عن الحادثة, لان الناقلة كانت تبحر فارغة دون حمولة في حين الإتفاقية تتطلب لانطباقها على حادثة التلوث أن تحمل السفينة البترول كشحنة على متنها وقت وقوع الحادث([45]), وإزاء هذا النقص التشريعي قامت المنظمة البحرية الدولية بتعديل الإتفاقية بموجب بروتوكول 1992 الذي يقضي بتغطية أضرار التلوث التي تنشئ من وقود ناقلات البترول عندما تبحر فارغة أثناء عودتها من الرحلة.من ذلك يمكننا القول أن إتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969 وبروتوكول1992 المعدل لها, لا تنطبق إلا على ناقلات البترول سواء كانت تحمل الشحنة وقت وقوع الحادث، أو كانت فارغة دون السفن الأخرى, مثل سفن نقل الركاب، والسفن السياحية، وسفن نقل البضائع.أما المفهوم الواسع للسفينة فقد جاءت به الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, فقد نصت المادة (1/1) بأنها (أي مركب صالح للملاحة البحرية وأية مركبة عائمة في البحر من أي نوع كان), هذا ما جاء به النص العربي للاتفاقية, في حين النص الانكليزي للإتفاقية فقد كانت ترجمته (أي منشأه بحرية أو أداة بحرية أيا ما كانت)([46]), ومن خلال التدقيق في النصين العربي والإنكليزي نجد أن النص الانكليزي هو الأقرب لوصف الأداة البحرية, بأنها سفينة، لأن لفظ مركب يطلق على الأداة الملاحة النهرية الداخلية(([47], في حين الأداة البحرية تكتسب وصف السفينة عندما تكون معدة للعمل في الملاحة البحرية بصرف النظر عن شكلها وحمولتها([48]), فالإتفاقية تبنت مفهوماً واسعاً للسفينة، فلا تقتصر الأداة البحرية على ناقلات البترول, وإنما شملت جميع أنواع السفن وآيا كان الأمر أن هذه الاتفاقية جاءت لتسد فراغاً تشريعياً دام ثلاثون عاماً في معالجة المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود التشغيلي للسفن, وحصول المضرور على التعويض دون أن يكلف بإثبات الضرر كما هو الحال في القواعد العامة للمسؤولية المدنية وبالرجوع إلى القوانين الوطنية نجد أن قانون التجارة البحري العثماني لسنة 1863 لم يورد تعريفا للسفينة([49]),أما قانون الموانئ العراقي رقم (21) لسنة 1995في المادة (1/10) عرف السفينة, بأنها (الوحدة العائمة التي تعد أولا أو تخصص للملاحة البحرية على وجه الخصوص)([50]), أما في قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009 لا نجد في الفرع الخاص بحماية المياه تعريفا للسفينة.أما قانون التلوث بالزيت الأمريكي لسنة 1990 المعدل, فقد تبنى تعريفا واسعا للسفينة, فقد نص على أن السفينة هي (أي نوع من المنشأة البحرية أو أداة صناعية تستخدم أو يمكن أن تستخدم كوسيلة نقل في المياه وغيرها من السفن العامة)([51]), طبقاً لهذا النص أن تعريف السفينة يتسع ليشمل كافة أنواع السفن بما فيها السفن العامة([52]), فيدخل في نطاق التعريف ناقلات البترول المحملة والفارغة وسفن نقل البضائع بأنواعها وسفن نقل الركاب والسفن السياحية فكل هذه السفن, إذا ما نشأ تلوث بسبب تسرب وقودها الزيتي أو بسبب تسرب أو تصريف شحنتها تخضع للمسؤولية والتعويض عن الأضرار لقانون التلوث بالزيت الأمريكي.أما قانون المسؤولية البحرية الكندي لسنة 2001 المعدل, فقد عرف السفينة (بأنها أي سفينة مصممة يمكن استخدامها كليا أو جزئيا في الملاحة البحرية دون النظر إلى أسلوبها في الدفع, وتشمل أي سفينة صالحة للملاحة والسفن التي دمرت وغرقت)([53]), ونحن نرجح التعرف الذي نص عليه القانون الكندي إذ شمل جميع أنواع السفن بما فيها السفن غير الصالحة للملاحة والتي تعرف بالحطام البحري([54]), في حين الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي, لم تنص على السفن التي غير صالحة للملاحة ويمكن تفسير عدم النص عن الحطام البحري باحتمالين, إما أن الإتفاقية استبعدت الحطام البحري من نطاقها كونه لا ينطبق عليه وصف السفينة التي نصت عليه الإتفاقية, كون الحطام البحري فقد صلاحيته للملاحة البحرية فلا يعد سفينة لأغراض الإتفاقية, والاحتمال الأخر هو الاستناد إلى تعريف الحادثة التي سببت التلوث وبالتالي تنطبق الإتفاقية على ضرر التلوث الناجم من تسرب الوقود من الحطام على اعتبار أن التسرب مصدره الواقعة التي تسببت بغرق السفينة, وهناك من يرى([55]) أن الإتفاقية اشترطت لكي تكون الأداة البحرية سفينة أن تكون صالحة للملاحة البحرية, بغض النظر عما ستؤول إليه عند تعرضها إلى حادث يؤدي إلى غرقها فيجب أن يؤخذ ينظر الاعتبار العلاقة السببية بين الحادث الذي أدى إلى صيرورة السفينة حطام وضرر التلوث الذي نشأ نتيجة تسرب الوقود فإذا كانت العلاقة السببية مباشرة فلا مناص من أن تنطبق أحكام الإتفاقية على الضرر الناشئ, أما إذا انقطعت العلاقة السببية بين الحادث وصيرورة السفينة حطام وضرر التلوث الذي نشأ عن تسرب وقودها الزيتي فلا تنطبق عليه الإتفاقية, كأن تتعرض السفينة إلى حادث تصادم أو جنوح وتغرق في قاع البحر وتتحول إلى حطام دون أن يتسرب وقودها الزيتي, وتبقى السفينة في قاع البحر لمدة عشر سنوات أو أكثر وبفعل عوامل التعرية والصدأ تتآكل خزانات الوقود ويتسرب وقودها الزيتي, ففي مثل هذه الحالة لا يمكن القول أن الحادثة التي تعرضت لها السفينة للغرق وأدت إلى صيرورتها حطام هي التي تسببت في حدوث ضرر التلوث, وبالتالي لا يمكن للمضرور المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابته, لأن السفينة تحولت إلى حطام بفقدها وصف صلاحيتها للملاحة.ونرى أن الأداة البحرية عندما تحولت إلى حطام خرجت من كونها سفينة بالمعنى التي نصت عليه الإتفاقية فقد أشترطت الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 أن تكون الأداة البحرية صالحة للملاحة لكي تكتسب وصف السفينة[56], وكذلك القوانين الوطنية ومن هذه القوانين, القانون العراقي والأمريكي, اشترطت في الأداة البحرية لكي تكتسب وصف السفينة أن تكون مخصصة وصالحة للملاحة البحرية.

الفرع الثاني // الوقود الزيتي للسفينة ..

يعد الوقود الزيتي للسفينة هو الشرط الثاني من شروط حادثة التلوث البحري, فما المقصود بالوقود الزيتي؟ وما هي أنواع الوقود؟ وأي الأنواع التي نصت عليها الإتفاقية والقوانين الوطنية؟ وهل يختلف موقف القوانين الوطنية عن ما جاءت به الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة2001, وما هي الخصائص التي يتميز بها الوقود الزيتي لجعله أكثر خطورة من بقية أنواع الوقود؟ ويعد الوقود الزيتي للسفن هو الجزء الذي يتم الحصول عليه من بقايا عملية التقطير, وهو احد المنتجات البترولية السائلة, ويتكون من عنصرين هما الكربون والهدروجين والجمع بين هذين العنصرين يطلق عليه الهيدروكربونية, وهو أثقل أنواع الوقود ويستخدم كوقود للسفن ويعرف بالديزل([57]), وقد عرفته الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 بأنه (أي زيت معدني هيدروكربوني يشمل زيت التزيق المستخدم أو المنوي إستخدامه لتشغيل السفينة أو دفعها و أي مخلفات من هذه الزيوت)[58], مما يلاحظ أن الإتفاقية استبعدت بقية أنواع الوقود كالغاز المسال والنفط والبنزين والطاقة النووية من نطاقها واقتصرت على الوقود الزيتي الصادر من خزانات الوقود.ويبدو طبيعيا التساؤل عن أنواع الوقود التي تبنتها الإتفاقية, إذ أنها فرقت بين نوعين من أنواع الوقود, هما نواتج التقطير والتي تكون أخف وزناً كالغاز والبنزين والوقود المتبقي من عملية التقطير والذي يمتاز بكونه أكثر كثافةً وأثقل من النوع الأول للوقود فالإتفاقية أخضعت النوع الثاني لأحكامها دون النوع الأول, كما أنها من جهة أخرى استبعد أنواع الوقود التي تشغل السفن كالغاز والطاقة النووية والبنزين, بوصفها طاقة محركة للسفن, وهناك من يرى أن استبعاد هذه الأنواع من الوقود كان في محلة([59]) لان أضرار التلوث الناتجة عن بقايا عملية التقطير تمتاز بسمية سريعة وفورية إضافة إلى الآثار الخطرة التي تظهر على المدى البعيد.ونرى إن الخطورة التي يسببها الوقود الزيتي وزيوت التشحيم ومخلفاتها هي بسبب ما يتمتع به الوقود الزيتي من خصائص تكسبه تلك الخطورة سواء على المدى القريب، أو المدى البعيد, ومن هذه الخصائص قابليته على الإنتشار على سطح البحر بصورة سريعة على كيلومترات عدة خلال ساعات قليلة, ومئات الكيلومترات في غضون أيام قليلة نتيجة الرياح وحركة الأمواج وأضطراب المياه ملوثا أكبر مساحة ممكنة, إضافة إلى تفاعله مع المياه مكونا طبقة على سطح الماء تمنع دخول الأوكسجين إلى الكائنات البحرية, مما يؤدي إلى هلاكها وفي حالة نجاتها من الهلاك, فأنها تصبح غير صالحة للإستهلاك البشري، كونها تصبح سامه في أفضل الأحوال وتؤدي إلى إصابة الإنسان بالأمراض السرطانية, وأمراض الربو, وألتهاب الكليتان, وبمرور الوقت تتحول هذه الطبقة إلى مستحلب يطفو فوق سطح الماء ومما يزيد الخطورة التصاق القاذورات به, مما يؤدي إلى هبوط المستحلب إلى قاع البحر محملاً بالمواد السامة التي تؤثر على الكائنات البحرية, كما أن الوقود الزيتي تكون درجة لزوجته عالية مما يصعب إزالته من المياه, كما أنه وبسبب لزوجته العالية يتعارض مع المشتتات المستخدمة لتفريق بقع الزيت ولا يختلف زيت التشحيم عن زيت الوقود التشغيلي من حيث الخطورة والآثار السلبية التي تسببها للبيئة والكائنات الحية والإنسان([60]), إضافة إلى أَنبعاث الغازات من الوقود الزيتي من عوادم السفن التي تسبب أمراض الجهاز التنفسي وتدهور البيئة البحرية والأمطار الحمضية([61]).أما قانون التلوث بالزيت الأمريكي لسنة1990 لم يفرق بين أنواع الوقود, وإنما وضع تعريفا عاما للنفط في المادة (2701/23), شمل به كافة أنواع الوقود سواء الوقود الخفيف والوقود الثقيل وزيوت التشحيم ومخلفات، هذه الزيوت وهذه نقطة أختلاف بين الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001والقانون الأمريكي فالإتفاقية أخضعت الوقود الزيتي التشغيلي لأحكامها دون بقية أنواع الوقود الخفيفة, بينما القانون الأمريكي اخضع كافة أنواع الوقود لأحكامه, إلا انه اشترط شرطا واحداً وهو إلا تكون أحد أنواع الزيوت مما يشكل مادة خطرة وذلك منعا من حدوث تنازع بين قانون التلوث بالزيت والقانون الذي يحكم التلوث بالمواد الخطرة([62]), أما قانون المسؤولية البحرية الكندي لعام 2001 مطابق لما جاءت به الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, إذ أقتصر على الوقود التشغيلي وزيت التشحيم ومخلفاتها دون بقية أنواع الوقود([63]).

الفرع الثالث // الواقعة المسببة للتلوث ..

   لكي تكتمل شروط الحادثة البحرية بوقود السفن الزيتي يلزم أن تتعرض السفينة إلى واقعة مادية, فما المقصود بالواقعة المادية؟ الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 عبرت عن الواقعة المسببة للتلوث بأنها, (أي واقعة أو سلسلة وقائع ذات منشأ واحد تسبب أضرار التلوث أو تسفر عن تهديد جسيم وداهم بتسبب هذه الأضرار)[64], مما يلاحظ على نص الإتفاقية أنها أخذت بمبدأ وحدة الواقعة, فقد أشترط وحدة المصدر عندما تقع سلسلة من الأحداث التي تؤدي إلى حادثة التلوث, كأن تتعرض السفينة إلى حادث جنوح مما يؤدي إلى تسرب جزء من وقودها الزيتي, وبسبب جنوحها تصطدم بسفينة أخرى أو بأحد الحواجز مما يتسرب وقودها الزيتي وتتسبب بحادثة تلوث أخرى فنكون أمام سلسلة من التسربات منشئها مصدر واحد هو جنوح السفينة الذي أدى إلى التصادم فنكون أمام حادث واحد, من جهة أخرى أمتد نطاق الإتفاقية إلى حالات التهديد بالتلوث بالوقود الزيتي للسفن فأن الاتفاقية تغطي الإجراءات التي تسبق حدوث تسرب أو تفريغ فعلي لوقود السفينة بشرط أن يكون هناك تهديد جسيم بحصول أضرار فقد أوردت الإتفاقية عبارة (تهديد جسيم وداهم), ويبدو لنا أن المقصود بذلك أن يكون هناك تهديد جسيم بحدوث تلوث, وبالتالي التسبب بالأضرار أن تكون الفترة الزمنية بحدوث التلوث ليست طويلة, وبعبارة أخرى أن يكون على وشك الحصول. ونرى أن ترجمة النص الانكليزي الرسمي أكثر وضوحا ودقة من النص العربي الرسمي وكانت ترجمة النص الانكليزي كالآتي (……والذي يسبب الضرر الناجم عن التلوث أو يخلق تهديد خطير وشيك بتسبب هذا الضرر)([65]). ومما يلاحظ أن الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001([66]), توسعت عن ما جاءت به إتفاقية المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالنفط لسنة1969([67]), إذ أن الأخيرة اقتصرت على حالة التسرب أو الإلقاء الفعلي للزيت والذي ينجم عنه تلوث, فلا تسري الاتفاقية على حالة التهديد بتسرب الزيت من أحواض ناقلات البترول, فأن تكاليف الإجراءات التي يمكن إتخاذها لمنع تسرب الزيت غير قابلة للتعويض طبقا للإتفاقية, فهذه الأخيرة تشترط لتعويض هذه التكاليف أن تكون الإجراءات الوقائية قد إتخذت بعد حدوث الواقعة المادية, أي بعد وقوع التسرب الفعلي الذي ينتج عنه التلوث, وقد بدأ ذلك واضحاً من الناحية العملية عند وقوع حادثة ناقلة البترول (تاربن باك) ( في (21/ يونيو/ 1979), فقد كانت ناقلة البترول الألمانية تنقل حوالي (1600) طن من زيت التشحيم عندما اصطدمت بإحدى سفن الأسطول البريطاني المساعدة بالقرب من السواحل الانجليزية, مما أدى إلى جنوحها وقد تم سحبها وأجريت عملية ضخ وقودها الزيتي ليتم تعويمها، وبينما كان مالك السفينة يتولى القيام بعمليات الضخ والتعويم قامت الحكومة الأنجليزية وبعض السلطات المحلية بإتخاذ عدة إجراءات بهدف تفادي تسرب الزيت من السفينة, والذي كان من الممكن أن يؤدي إلى تلوث السواحل والبيئة البحرية, وقد أسفرت هذه العمليات وتلك الإجراءات عن تكلفة إجمالية قدرت بحوالي (1,588,670) جنية إسترليني وهو مبلغ يتعدى حدود مسؤولية مالك السفينة طبقا لاتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969 الأمر الذي حدا بحكومة المملكة المتحدة والسلطات المحلية ومالك السفينة إلى مطالبة صندوق 1971 بالتعويض عن هذه التكاليف, وقد رفض مدير الصندوق هذه المطالبات مؤكداً أن الصندوق غير مسؤول عن دفع أي تعويض, إلا إذا حدث تسرب للمحروقات الثقيلة أثر الحادث وعلى أساس تحقيق أجراه خبراء الصندوق قدر مدير الصندوق أنه لا توجد أدلة كافية تشير إلى تسرب أي محروقات ثقيلة من الناقلة أثر الحادث, مما يعني عدم أنطباق كل من إتفاقيتي المسؤولية لسنة 1969 وإتفاقية صندوق التعويضات لسنة 1971, وكان لوقوع حوادث مشابهه لحادثة )تاربن باك ) الأثر الأكبر في الكشف عن أوجه النقص في اتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969, المتمثل بعدم أمتداد نطاق الإتفاقية إلى الفترة التي تسبق حدوث تسرب أو إلقاء فعلي للزيت من السفينة, ولذلك فأن اتفاق سريع قد تحقق أثناء التحضير لتعديل إتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969حول التوسع في تعريف الواقعة المنشئة للتلوث ليشمل حالات التهديد به, وتم تعديل الاتفاقية بموجب بروتوكول 1992, إذ أصبح تعريف الواقعة المسببة للتلوث بموجب المادة(2/4) منه أنها (كل حدث أو سلسلة أحداث لها نفس المصدر ينتج عنها تلوث أو تنشئ تهديد جسيم ومحدق به)([68]).أما الوضع في قانون التلوث بالزيت الأمريكي يبدو أن المشرع الأمريكي ذهب إلى ابعد من ما ذهبت إليه اتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط وبروتوكول1992 المعدل لها, وكذلك الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, إذ نص على أن الواقعة (تعني حدث أو سلسلة أحداث لها نفس المنشأ, التي تنطوي على واحدة أو أكثر من السفن مما يؤدي إلى تفريغ الزيت أو أي مزيج زيتي أو تهديد جدي به )([69]), فقد اشترطت الاتفاقية أن يكون تهديد جسيم بحصول التلوث نتيجة تسرب وقود السفينة بسبب الحادثة أو سلسلة الحوادث, فلا تغطي الاتفاقية سوى التهديد الجسيم, بينما قانون التلوث بالزيت الأمريكي لم يشترط أن يكون التهديد جسيم لخضوعه لإحكامه, وذلك لمنع أي تلوث قد يؤدي إلى وقوع أضرار. أما قانون المسؤولية البحرية الكندي لسنة2001, فقد كان تعريف الواقعة المنشئة لأضرار التلوث بالوقود الزيتي مطابقا لما جاءت به الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, فقد نص على الإجراءات التي تتخذ في حالة حصول تسرب فعلي لوقود السفينة والإجراءات التي تتخذ في حدوث تهديد جسيم يتسبب بأضرار التلوث([70]). ويبدو أن القانون الأمريكي للتلوث بالزيت كان أكثر حماية ورعاية للمضرورين وأكثر شدة اتجاه المسؤول عن الضرر, أكثر مما عليه الحال في الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 وقانون المسؤولية البحرية الكندي.ولابد من بيان الواقعة المسببة للتلوث وفقا للاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 من ناحيتين: الأولى واقعة التلوث من حيث إرادية وقوعها, والناحية الثانية واقعة التلوث من حيث حقيقة وقوعها, فمن حيث إرادية وقوعها نجد أن الاتفاقية نصت بصورة صريحة على تغطية المسؤولية المدنية الناتجة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن سواء أخذت الواقعة المادية صورة تسرب أو تصريف, فقد نصت المادة (1/9) عندما تعرضت لتعريف أضرار التلوث بقولها وتعني أضرار التلوث (الخسائر و الأضرار الواقعة خارج السفينة من جراء تلوث نجم عن تسرب أو تصريف وقود السفينة …..), وعلى الرغم من الاتفاقية لم تعطِ مفهوما للمقصود من التسرب أو التصريف, إلا انه يبدو واضحا من صراحة اللفظ أن حادثة التلوث يمكن أن تكون إرادية وذلك هو التصريف, وقد تكون غير إرادية وذلك هو التسرب الذي ينجم عندما تتعرض السفينة لحادثة جنوح أو تصادم أو نتيجة خطأ في عمليات تزويد السفن بالوقود في الميناء([71]), كما حصل في ميناء (Vancouver) الكندي في (4/ يوليو/ 2006), إذ كانت ترسو سفينة البضائع (MV) اندريه لتلقي زيت الوقود الثقيل (التشغيلي) من بارجة النقل PT25)), وأثناء عملية التزويد بالوقود أمتلأت خزانات الوقود تماماً بالوقود مما أدى إلى إنسكاب ما يقارب ((14,000 لتر من زيت الوقود الثقيل إلى الميناء مما أدى إلى تلوث المياه وشاطئ البحر وتضرر قوارب النزهة التي كانت ترسو في المرافئ القريبة وقد تكبد مالك السفينة أكثر من (1) مليون دولار كتعويض في الإستجابة للانسكاب، و تنظيف الزيت من الميناء، وتعويض مالكي قوارب السفن([72]).أما من حيث حقيقة وقوعها تتمثل بالأضرار التي وقعت فعلاً نتيجة تسرب الوقود الزيتي للسفينة عند تعرضها للحادثة جنوح أو تصادم أو حالات التهديد بوقوع أضرار تلوث, وقد أشترطت الإتفاقية في التهديد أن يكون جسيم من حيث خطورته وداهم من حيث المدة الزمنية التي يمكن أن يقع فيها التلوث([73]).

المطلب الثاني // ضرر التلوث بالوقود الزيتي للسفن..

الضرر هو الفعل الأول الذي ينبعث منه التفكير في مسألة محدث الضرر وتحريك الدعوى عليه والمطالبة بالتعويض في مواجهته([74]), ففي مجال المسؤولية عن التلوث بالوقود الزيتي للسفن لا تنعقد المسؤولية ما لم يتوفر عنصر الضرر, فلا يكفي لإنعقادها أن تقع حادثة التلوث، بل يجب أن ينتج عن التلوث ضرر, فالضرر هو: الركن الثاني لقيام المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, والضرر بالوقود الزيتي للسفن هو (الخسائر أو الأضرار التي تقع خارج السفينة من جراء تلوث ينجم عن تسرب أو تصريف شريطة أن يقتصر التعويض عن أتلاف البيئة والذي لا يشمل أي خسائر أو أرباح نجمت عن هذا الإتلاف و تكاليف تدابير الإصلاح المعقولة التي نفذت بالفعل أو التي يعتزم تنفيذها وتكاليف التدابير الوقائية والخسائر أو الأضرار الأخرى المترتبة على هذا التدبير)([75]). ويتبين من هذا التعريف أن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن هي على نوعان من الأضرار النوع الأول هو الضرر ذاته الذي ينشئ من حادثة التلوث, والنوع الثاني هو تكاليف الإجراءات الوقائية وما يترتب عليه من خسائر وإرباح, وان لهذا الضرر شروط معينة, وسوف نقسم هذا المطلب على فرعين نتناول في الفرع الأول أنواع الضرر, ونتناول في الفرع الثاني شروط الضرر.

الفرع الأول // أنواع الضرر..

في إطار التلوث بالوقود الزيتي للسفن تقسم أضرار التلوث على نوعين أساسيين, هما الضرر بحد ذاته، و تكاليف التدابير الوقائية التي تتخذ لتقليل، أو منع التلوث والخسائر المترتبة عليها, لم تبين الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 المقصود بالضرر بحد ذاته, وإنما وضعت تعريفا عاما للمقصود من أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, فقد نصت المادة (1/9/أ) على الأضرار بأنها (الخسائر أو الأضرار التي تقع خارج السفينة من جراء تلوث ينجم عن تسرب أو تصريف شريطة أن يقتصر التعويض عن أتلاف البيئة والذي لا يشمل أي خسائر أو أرباح نجمت عن هذا الإتلاف و تكاليف تدابير الإصلاح المعقولة التي نفذت بالفعل أو التي يعتزم تنفيذها وتكاليف التدابير الوقائية والخسائر أو الأضرار).وان المقصود من ذلك هي الأضرار التي تصيب ممتلكات الأشخاص العقارية والشخصية, فعلى سبيل المثال تلف مراكب الصيد كليا أو جزيئا نتيجة تلوثها أو تلف السفن المتواجدة بالميناء أثناء حادثة التلوث فضلا عن الأضرار البدنية التي تصيب الأشخاص نتيجة ذلك التلوث, وما يترتب على هذا الضرر من فوات الكسب الذي يلحق بالأشخاص الذين تضار ملكيتهم بصورة مباشرة من جراء إتلاف البيئة الطبيعية, فهذا النوع من الضرر يرتبط بممتلكات المضرور, فالصائد المحترف الذي يعتمد على كسبه في ممارسة مهنة الصيد يجد نفسه محروما من هذا الكسب في الفترة التي لا يستطيع فيها الصيد بسبب تلوث معداته وكذا الحال بالنسبة لأصحاب المطاعم والفنادق الساحلية ومكاتب السياحة وشركات النقل, فقد يؤدي عدم تردد السياح على الشواطئ بسبب التلوث إلى فوات كسبهم وتفويت فرصة الحصول على الدخول, والأضرار المالية التي تنتج نتيجة تدمير الممتلكات العقارية والشخصية, إذ يقتضي الأمر إستبدال تلك الممتلكات أو تطهيرها من الزيوت التي لوثتها([76]), وكذلك تكاليف تدابير الإصلاح المعقولة في إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل حادثة التلوث فهذه الأضرار قابلة للتعويض بإستثناء إتلاف البيئة أي الأضرار البيئية (الموارد الطبيعية), إذ يقتصر التعويض فقط على تكاليف تدابير الإصلاح وإعادة الحال إلى ما كانت عليه وفوات الكسب الناجم عن إتلاف البيئة الطبيعية دون الأضرار التي تصيب البيئة ذاتها([77]), وقد نصت على ذلك الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 في المادة (1/9/أ ) التعويض عن إتلاف البيئة يقتصر على تكاليف تدابير الإصلاح المعقولة التي نفذت بالفعل, أو التي يعتزم تنفيذها وإعادة الحال إلى ما كان عليه والتعويض عن فوات الكسب البيئي, فالإتفاقية إستبعدت من نطاقها الضرر الذي يصيب البيئة ذاتها ( الأضرار البيئية المحضة)([78]) على الرغم من أن الوفد الفرنسي والمجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض أقترحوا ضرورة النص على التعويض عن الضرر البيئي أثناء مؤتمر المنظمة البحرية الدولية عند مناقشة إعداد الاتفاقية, إلا أن واضعو الاتفاقية لم يأخذوا بالإقتراح على أساس أن الوقت غير كافٍ لمناقشة هذا الإقتراح([79]).ويلاحظ أن الإتفاقية وصفت تكاليف تدابير الإصلاح بالمعقولة, فما المقصود بمعقولية هذه التدابير؟ لم تبين الإتفاقية المقصود بالمعقولية, فأن تحديد ما هو معقول من تكاليف تدابير الإصلاح و ما هو غير معقول في جميع حوادث التلوث بالوقود الزيتي للسفن يبدو أمراً مستحيلاً, لأن تكاليف تدابير الإصلاح التي تتخذ اثر حادثة التلوث, تختلف باختلاف كل حادث وظروفه, كما أن تدابير الإصلاح التي تتخذ ترتبط بالنتيجة التي تحققها, وكون تلك التدابير تتحقق نتيجة مفيدة ومن جهة أخرى يجب أن تكون التدابير متناسبة مع النتائج المثمرة أو المتحققة([80]).أما القوانين الوطنية, فلم يرد تعريفا للمقصود بأضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن في قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم 27 لسنة 2009 , أما الوضع في قانون التلوث بالزيت الأمريكي لسنة 1990, فقد أورد تعدادا للأضرار القابلة للتعويض, وتشمل الأضرار الناجمة عن إصابة أو تدمير الممتلكات العقارية أو الشخصية أو الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذا التدمير([81]), والأضرار الناجمة عن فقدان الأرباح أو ضعف القدرة على الكسب بسبب إصابة أو دمار أو فقدان تلك الممتلكات([82]), وان تعويض هذه الإضرار من الأمور المشتركة بين قانون التلوث بالزيت الأمريكي، و الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, كما انه نص على تعويض الضرر البيئي بصورة صريحة, إذ نصت المادة (2702/2/أ) وتشمل (الأضرار الناجمة عن إصابة أو تدمير و فقدان استخدام الموارد الطبيعية بما في ذلك التكاليف المعقولة لتقدير تلك الأضرار), وكذلك الأضرار الناجمة عن فقدان الدخل عن استخدام الموارد الطبيعية التي فقدت أو دمرت دون اعتبار لملكية أو إدارة الموارد([83]), وبذلك يكون قد اختلف عن الإتفاقية التي استبعدت التعويض عن الضرر البيئي المحض فأقصى ما ذهبت إليه الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي في مجال التعويض عن إتلاف البيئة هو تكاليف الإجراءات المعقولة للإحياء البيئة فعلا أو التي سوف تتخذ دون التعويض عن الضرر البحري ذاته الذي يتمثل بالموارد الطبيعية كما انه نص على تعويض فوات الكسب الذي ينشئ عن تلوث الموارد الطبيعية (الضرر البيئي)([84]), وهناك نقطة اختلاف أخرى بين الاتفاقية وقانون التلوث بالزيت الأمريكي, فقد جعل مما يدخل في معنى الضرر خسائر الضرائب والعوائد والإيجارات والرسوم واسهم صافي الربح الذي ينجم عن إصابة الممتلكات العقارية والشخصية والموارد الطبيعية([85]), وكذلك تكاليف اتخاذ الخدمات العامة الإضافية التي تتخذ أثناء أو بعد عملية التطهير([86]). وقد قضت محكمة ولاية (Aragon) الأمريكية في (8 / يونيو/ 2004) بتحميل مالك السفينة (كاريسا الجديدة)مبلغ قدره 1,4)) مليون دولار عن الأضرار التي لحقت بمزارع المحار العائدة لشركة (Clausen) الأمريكية نتيجة تلوث خليج (Coos), ومبلغ قدره (25) مليون دولار تكاليف إزالة مخلفات السفينة من الخليج, ومبلغ1.5) ) مليون دولار لاستعادة الشاطئ, ومبلغ إضافي (6.5) ملايين دولار لتنظيف الزيت المتسرب من قبل خفر السواحل([87]). أما القانون الكندي لم يختلف عن الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 في إيراده تعريفا عاما لأضرار التلوث إذ عرفتها المادة (75/6) بأنها (الخسائر أو الأضرار التي تقع خارج السفينة من جراء تلوث ينجم عن تسرب أو تصريف شريطة أن يقتصر التعويض عن أتلاف البيئة, والذي لا يشمل أي خسائر أو أرباح نجمت عن هذا الإتلاف و تكاليف تدابير الإصلاح المعقولة التي نفذت بالفعل أو التي يعتزم تنفيذها وتكاليف التدابير الوقائية والخسائر أو الأضرار).أما النوع الثاني من الأضرار التي تنشأ من التلوث بوقود السفن الزيتي هي تكاليف التدابير الوقائية وما ينتج عنها من خسائر وأضرار, إذن ما المقصود بالتدابير الوقائية؟ وما هو الوقت الذي تتخذ به هذه التدابير؟ وما المقصود بالخسائر التي تترتب على اتخاذ هذه التدابير؟ التدابير الوقائية هي: التدابير التي تتخذ من قبل أي شخص بعد وقوع الحادث لتجنب أضرار التلوث, فعندما تتعرض السفينة لحادث تسرب أو تصريف لوقودها الزيتي من الضروري أن تتخذ إجراءات معينة لمنع تسرب الوقود الزيتي من السفينة, كرأب الصدع الذي يحدث في خزانات الوقود عند تعرضها لحادثة ما لمنع تسرب الزيت إلى البحر وتلوث البيئة البحرية والكائنات الحية وممتلكات الأشخاص, فإذا ما تسرب الوقود إلى البحر فالإجراءات التي من الممكن أن تتخذ في تطويق بقع الوقود الزيتي المتسربة لمنع انتشارها من خلال وضع الحواجز حول السفينة أو استخدام مواد مشتته تعمل على تشتيت بقع الزيت على سطح البحر مما يؤدي إلى تخفيفها والتقليل من الآثار الضارة([88])، وقد عرفت الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 بأنها (أي تدابير معقولة يتخذها أي شخص بعد وقوع حادث ما لتجنب أضرار التلوث أو تقليلها إلى أدنى حد)[89], أما عن الوقت الذي تتخذ به الإجراءات الوقائية لمنع أو تقليل الضرر والتي تكون قابلة للتعويض, فقد أختلف الآراء في تحديد الوقت الذي تتخذ فيه الإجراءات الوقائية والتي تكون تكاليفها قابلة للتعويض وكان مرد ذلك هو اختلافهم في تفسير نص المادة (1/8) من ذات الاتفاقية فقد نصت على أن الحادثة (أي واقعة أو سلسلة من الوقائع ذات منشأ واحد تسبب أضرار التلوث أو تسفر عن تهديد جسيم وداهم بتسبب هذه الأضرار).فهناك من يرى أن حادثة التلوث تتكون من ثلاث مراحل([90]), وهي الواقعة المادية التي تتمثل بالتصادم أو الجنوح والاصطدام بصخرة أو بحاجز وتسرب للوقود الزيتي وضرر تلوث, فالإجراءات التي تتخذ ويمكن استرداد تكاليفها هي الإجراءات التي تتخذ في مرحلة تسرب الوقود الزيتي, فعندما يحدث تسرب في المياه الإقليمية لدولة ما أو في المنطقة الاقتصادية, فأن الإجراءات المتخذة لمنع أو تقليل أضرار التلوث تكون قابلة للتعويض, وإذا حصل تسرب للوقود الزيتي في البحر العالي فالإجراءات المتخذة لمنع وصول الوقود الزيتي للمياه الإقليمية لدولة ما فهي أيضا قابلة للتعويض, وهناك من يرى أن الإجراءات المتخذة بعد التسرب([91]) غير قابله للاسترداد طالما لم يتبع هذا التسرب تلوثاً فعلياً أو حقيقياً, أي أن الإجراءات التي تتخذ في حالات التهديد المحض للتلوث لا يمكن استرداها.ويمكن لنا إنتقاد الرأي الثاني، لأن الهدف من الإجراءات الوقائية هي أصلاً لمنع أو للحد من التلوث والقول بأن الإجراءات حتى تكون قابلة للتعويض يجب أن تكون هناك حالة تلوث فعلية, فهذا مردود، لأنه يتنافى مع الغرض المراد تحقيقه من الإجراءات الوقائية في المنع أو الحد من حالة التلوث سواء كان تلوثاً فعلياً أو تهديداً بالتلوث, كما أن القول بعدم إسترداد تكاليف الإجراءات الوقائية التي تتخذ، ولم يكن هناك تلوث فعلي سوف يؤدي إلى عزوف الأشخاص من اللجوء إلى إتخاذ الإجراءات الوقائية في كافة الحالات التي يحدث فيها تهديد بالتلوث، لان نجاح الأشخاص في إتخاذ الإجراءات الوقائية في منع حصول تلوث سوف يؤدي إلى حرمان الأشخاص من استرداد تكاليف الإجراءات الوقائية.وبالرجوع إلى قانون التلوث بالزيت الأمريكي 1990 نص على تكاليف تدابير الإجراءات الوقائية وأطلق عليها تكاليف الإزالة([92])، والتي تتضمن تكاليف المنع أو تقليل أو تخفيف التلوث الناجم بعد التسرب الفعلي للزيت أو في حالة التهديد بتسرب الزيت, وكذلك الخسائر والأضرار التي تترتب على اتخاذ التدابير الوقائية ([93]), وخير مثال على ذلك إلحاق الضرر بالبعض نتيجة اتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع التلوث, عندما غرقت سفينة (كاريسا) البنمية في خليج (coos) في الولايات المتحدة الأمريكية, إذ تم إغلاق أربع مزارع للمحار تعود إلى شركة ا(Clausen) الأمريكية وقد أصدرت محكمة ولاية (Aragon) حكما في (8/ يونيو/ 2004) بتعويض أسرة شركة المحار مبلغ قدره (1,4) مليون دولار كتعويض عن الخسارة التي لحقت بها من جراء غلق مزارع المحار طول فترة القيام بالإجراءات الوقائية لمنع التلوث بالوقود الزيتي([94]).

الفرع الثاني // شروط الضرر..

للقول بوجود اضرار وبالتالي تخضع للإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن اضرار التلوث بوقود السفن الزيتي, لابد من أن يقع ذلك الضرر خارج السفينة, وأن يكون الضرر ناشئاً عن التلوث بوقود السفن الزيتي وأن ينتج الضرر من جراء تلوث ناجم عن حادثة تسرب, أو تصريف للوقود, وسوف نبين تلك الشروط كلا في فقرة مستقلة.

1– أن يقع الضرر والخسائر خارج السفينة..

يشترط في الضرر الناجم عن التلوث بالوقود الزيتي للسفن أن يقع خارج نطاق السفينة, أي أن يصيب البيئة الطبيعية وممتلكات الأشخاص خارج نطاق السفينة مصدر التلوث, ومن مفهوم المخالفة أن الأضرار والخسائر التي تقع على ظهر السفينة سواء كانت مالية أو بدنية تستبعد من أحكام الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, وهذا ما نصت عليه المادة (1/9/ أ) بقولها (الخسائر أو الأضرار الواقعة خارج السفينة….), وهذا ما عليه إتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969. ونشير على سبيل المثال تسرب الوقود الزيتي إلى البضائع المتواجدة على متن السفينة عند تزويدها بالوقود بسبب خطأ في استخدام خرطوم التزويد بالوقود بدلا من يوضع في خزان الوقود يوضع في مستودعات البضائع مما يؤدي إلى تلف البضائع, وقد استبعد الصندوق الدولي للتعويض الضرر الذي أصاب بضاعة الألياف المتواجدة على متن السفينة اليابانية, والتي كان يعتزم بتزويدها بالوقود في (27/ يوليو/ 1990) ونتيجة خطأ في استخدام خرطوم التزويد بالوقود تسرب الوقود الزيتي على ظهر السفينة والى بضاعة الألياف المتواجدة على ظهر السفينة, مما أدى إلى تلوثها وتلفها دون أن يتسرب الوقود إلى خارج السفينة كون إتفاقية المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969, اشترطت أن تقع الأضرار خارج السفينة من جراء تلوث نجم عن تسرب أو تصريف للزيت من السفينة([95]).ونرى أن ذلك يصح في شأن الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, لأنها أيضاً إشترطت لخضوع أضرار التلوث لأحكامها أن يقع الضرر خارج السفينة, كذلك الأضرار البدنية التي تصيب الأشخاص المتواجدين على متنها وحوادث الوفاة, والأضرار التي تصيب ممتلكات الأشخاص المتواجدين على متن السفينة بسبب حوادث وقودها مستبعدة من نطاق تطبيق الإتفاقية, وتنتقد الإتفاقية في هذا الجانب, إذ أنها تعامل الأضرار التي تقع على متنها معاملة أقل من الأضرار التي تقع خارج السفينة, وهذا ما يؤدي إلى حلول غير عادلة في معاملة المضرورين، فكان من الأولى أن ينص على التعويض عن الأضرار البدنية والوفاة بصورة صريحة وان يمد نطاق تطبيق الإتفاقية إلى الأضرار التي تقع على متنها, فيكون التعويض عن الأضرار التي تقع على متن السفينة أو خارجها([96]). ولم يفرق قانون التلوث بالزيت الأمريكي لسنة 1990, بشأن الأضرار التي تقع على ظهر السفينة والأضرار التي تقع خارج السفينة إذ أنه عامل جميع الأضرار التي تقع نتيجة التلوث بالوقود الزيتي للسفن المعاملة نفسها, لأن المادة (2702/2) عندما أوردت تعدادا للأضرار لم تشترط أن تقع تلك الأضرار خارج السفينة.أما القانون الكندي بموجب قانون المسؤولية البحرية لسنة 2001, اشترط أن تقع الأضرار خارج السفينة عندما عرف الضرر الناجم عن التلوث بالوقود الزيتي للسفينة, بأنه أي خسارة أو ضرر خارج السفينة التي يسببها التلوث الناجم عن تصريف الوقود الزيتي للسفن([97]).

2– أن يكون الضرر بسبب التلوث..

لا يكفي أن يقع الضرر خارج السفينة, وإنما يجب أن يكون ناجماً من جراء تلوث بالوقود الزيتي للسفينة, فكل ضرر لم ينشأ عن تلوث لا يخضع للاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, وهذا ما نصت عليه الإتفاقية في المادة (1/9/أ) ويبدو أن واضعي الإتفاقية أقتفوا إتجاه إتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة1969, في جعل الأضرار الناتجة التلوث بالزيت مغطاة من قبل الاتفاقية, رغم أن الأضرار الناتجة من أحتراق وقود السفن أو الأضرار التي تنجم من إنفجار خزانات الوقود لا تقل خطورة عن الأضرار بسبب التلوث, ولاسيما أن الوقود الزيتي من المواد التي لها القدرة على الاشتعال والاحتراق مولدة إصابات بدنية ومالية جسيمة أكثر مما يسببه التلوث, فمن الأفضل مد نطاق الإتفاقية إلى الأضرار التي تتولد عن أحتراق الوقود أو انفجار خزانات الوقود, ولاسيما أن هذه الحوادث ليست مستبعدة لقابلية الوقود الزيتي على الأحتراق والأنفجار عندما تتوفر الظروف الجوية المناسبة من ضغط ودرجة حرارة, وهناك حالات يتم عمداً حرق وقود السفينة الزيتي لمنع تسربه إلى مياه البحر عندما تتعرض السفينة إلى جنوح أو غرق وخوفا من تسرب وقودها وتلوث مياه البحر يتم تفجير خزانات الوقود ([98]). ولعل ما حدث عندما غرقت السفينة (كاريسا الجديدة) التي تحمل علم (بنمي) عندما غرقت في خليج (coos), في الولايات المتحدة الأمريكية, (في 4 فبراير عام 1999) وتسرب ما يقارب (400000) غالون من وقودها الزيتي من أثنين من الخزانات من اصل خمسة خزانات للوقود, مما تسبب بتلوث المياه والشواطئ وموت أكثر من (400) طائر وأغلقت أربع مزارع للمحار والتي تبلغ قيمتها (10) ملايين دولار, ولمنع المزيد من الضرر بسبب التلوث الناجم من تسرب الوقود تم حرق وقود السفينة من خلال تفجير خزانات الوقود فلا تقل الأضرار التي يسببها أحتراق الوقود الزيتي عن التلوث, بل ربما تكون أكثر خطورة على ممتلكات وصحة الإنسان والأضرار التي تلحق بالبيئة الطبيعية([99]).

3– أن ينتج الضرر من جراء تلوث ناجم عن حادثة تسرب أو تصريف للوقود..

ينبغي أن يحدث الضرر نتيجة تلوث ناجم عن حادثة, والتي يقصد بها الواقعة المادية المسببة للتلوث والتي ينشأ عنها تصريف للوقود الزيتي أو تسرب, وقد تناولنا الواقعة المسببة للتلوث بوصفها احد شروط قيام حادثة التلوث بالوقود الزيتي للسفن كون حادثة التلوث هي احد أركان المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن.

المطلب الثالث// العلاقــة السببيــة..

لانعقاد المسؤولية التقصيرية في مجال التلوث البيئي يستلزم توافر العلاقة السببية بين الخطأ والضرر, إذ لولا وجود الخطأ لما كان الضرر, فالسببية هي العنصر الأخير لإنعقاد المسؤولية([100]), فلا يكون للمضرور من التلوث الحق في الحصول على التعويض ما لم يثبت قيام العلاقة السببية المباشرة بين الضرر الذي أصابه والخطأ أو النشاط غير المشروع الصادر من الغير([101]), ولما كان التمسك بفكرة الخطأ واشتراط إثباته لا تتلاءم مع طبيعة الضرر الناشئ عن التلوث بالوقود الزيتي للسفن الذي يتسم بالامتداد من حيث الزمان والمكان, فقد لا تظهر آثاره بعد وقوع الحادث مباشرة, كما انه ينتشر في أماكن تبعد كثيراً عن مكان وقوع الحادث, فالعلاقة السببية لا تنشئ بين الخطأ والضرر كما هو الحال في ضوء القواعد العامة, وإنما تنشئ بين التلوث والضررفالضرر يجب أن يكون ناشئا عن التلوث فالضرر الذي ينشئ نتيجة احتراق أو انفجار خزانات الوقود لا يعد ضررا, وبالتالي غير خاضع للتعويض لانقطاع العلاقة السببية بين الضرر والتلوث وفقا لنص الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, فقد نصت من خلال تعريف الضرر على أن الضرر يجب أن ينشئ عن تلوث ناجم عن تسرب أو تصريف للوقود الزيتي، (… أضرار التلوث الخسائر والأضرار …..من جراء تلوث نجم عن تسرب أو تصريف وقود السفينة الزيتي)([102]).

   وكذلك قانون التلوث بالزيت الأمريكي أيضا تخلى عن الخطأ لقيام المسؤولية المدنية عن التلوث بالزيت رغم الولايات المتحدة الأمريكية لم تنضم إلى الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, وقد تفوق القانون الأمريكي على الإتفاقيات التي عالجت التلوث بوقود السفن, فقد سبق الإتفاقية بسنوات في معالجته للمسؤولية المدنية للتلوث الناجم عن وقود السفن الزيتي, فلم يقتصر على تنظيم التلوث الناجم من ناقلات البترول, وإنما شمل جميع أنواع السفن, ولم يختلف القانون الكندي عن الاتفاقية في أشتراط الضرر أن يكون ناشئا عن التلوث بالوقود الزيتي لأنعقاد المسؤولية, فالعلاقة السببية تنقطع ولا يكون هناك مجالاً للتعويض في حالة نشوء الضرر دون حادثة التلوث بالوقود الزيتي.فلو فرضنا وقعت حالة تسرب, أو تصريف للوقود وقبل حدوث تلوث انفجرت خزانات الوقود واحتراق السفينة ونتج عن الاحتراق أضرار أصابت أصحاب مراكب الصيد، أو السائحين، وأصحاب الفنادق, والمطاعم المجاورة للبحر, وكذلك الأضرار التي أصابت البيئة، ففي هذه الحالة الأضرار الناجمة ليس سببها التلوث, فالأضرار سببها أحتراق السفينة, فالضرر هنا موجود, لكن السببية غير موجودة, فالسببية إنفصلت عن حادثة التلوث, فالحادثة في هذه الفرضية هي أحتراق السفينة, وليس التلوث بفعل تسرب الوقود الزيتي للسفينة، فهنا إنقطعت العلاقة السببية بين التلوث والضرر فلا تتحقق المسؤولية فإنعدام السببية ينعدم في الوقت ذاته الضرر ومن هذا الوجه يكون الضرر والسببية متلازمان([103]), فيشترط توفر السببية سواء في الضرر ذاته والذي يتمثل في الأضرار التي تصيب البيئة أو الأضرار التي تصيب الممتلكات العقارية أو الشخصية للمضرور, ويجب أن تتوافر العلاقة السببية بين الإجراءات الوقائية وبين الضرر الناشئ عن اتخاذ الإجراءات والخسائر التي تترتب على اتخاذ هذه الإجراءات.وتنقطع العلاقة السببية بين ضرر التلوث ولا يتحمل مالك السفينة أي مسؤولية عن أضرار التلوث إذا كانت الأضرار ناتجة عن أعمال الحرب أو القتال, أو الحرب الأهلية أو التمرد، أو بفعل ظاهرة طبيعية ذات طابع استثنائي أو حتمي, كما أن مالك السفينة لا يتحمل أي مسؤولية إذا كانت الأضرار ناجمة عن فعل أو تقصير من قبل شخص ثالث بنية أحداث ضرر, أو نجمت كليا عن إهمال أو تصرف خاطئ صدر من الحكومة أو سلطة أخرى مسؤولة عن أعمال صيانة الأضواء أو المساعدات الملاحية الأخرى في إطار ممارسة الدولة لوظيفتها تلك هذه الحالات السابقة يعفى فيها المالك كليا من المسؤولية إذا ثبت ضرر التلوث نتج عن أحداها([104]), كما أن المالك يعفى كليا أو جزئيا من المسؤولية متى ما اثبت أن الضرر نجم عن فعل أو تقصير أتاه المضرور([105]).وهناك من قسم حالات انقطاع العلاقة السببية بين حادثة التلوث والضرر إلى نوعين أساسين ([106]), وهما الصور التقليدية للسبب الأجنبي, والصور المستحدثة لسبب الأجنبي, ولبيان ذلك سوف نقسم هذا المطلب إلى فرعين, نتناول في الفرع الأول الصور التقليدية للسبب الأجنبي, ونتناول في الفرع الثاني والصور

المستحدثة لسبب الأجنبي.

الفرع الأول // الصور التقليدية للسبب الأجنبي..

وتنقطع السببية وفقا للقواعد العامة في القانون المدني العراقي بتحقق السبب الاجنبي الذي لا يد للمسؤول عن الضرر فيه كآفة سماوية أو حادث فجائي أو قوه قاهرة أو فعل الغير أو خطأ المتضرر([107]), ففي ما يتعلق بالآفة السماوية أو الحادث الفجائي أو القوه القاهرة, يرى البعض ان هذه المصطلحات الثلاث تفيد معنى وأحد([108]), هو حدث لا دخل لإرادة الأنسان في وقوعه, وليس في وسعة توقعه ولا يمكن ردأ نتائجه أو تلافي حدوثه, في حين الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن اضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 نصت على الظاهرة الطبيعية ذات الطابع الاستثنائي والحتمي والقاهر, فهناك من يرى([109]), أن الظاهرة الطبيعية اكثر تحديداً من القوة القاهرة وفقاً للنظام اللاتيني، أو ما يطلق عليه في القانون الامريكي بالقضاء والقدر, فالاتفاقية تشترط ان تكون الظاهرة الطبيعية ذات طابع استثنائي وحتمي وقاهر, أي لا يمكن لأحد في كافة الظروف تفادي او تجنب الظاهرة الطبيعية, فلا يكفي إثبات عدم القدرة على تجنبها بممارسة العناية المعتادة والخبرة البحرية, كما ان الإتفاقية اقتصرت على الظاهرة الطبيعية فقط, في حين القوة القاهرة لا تقتصر على الظواهر الطبيعية, بل تمتد الى الأفعال البشرية طالما لم تكن متوقعة, ولا يمكن التغلب عليها وليس للمسؤول عن الضرر يد في وقوعها، دون لزوم كون ان الحادث استثنائي, اما فكرة القضاء والقدر الواردة في القانون الامريكي تستلزم ان أن يقع الحادث دون تدخل بشري (كارثة طبيعية غير متوقعة أو ظاهرة طبيعية ذات طابع استثنائي) وأن يكون من طبيعة تؤدي الى عدم امكانية منعة بواسطة اي قدر من العناية والحذر يتوقع من المسؤول ممارسته على نحو معقول([110]), اي ان فكرة القضاء والقدر تتبنى معيار شخصي في قياس مدى قدرة المسؤول في تفادي وقوع الضرر, في حين الإتفاقية تتبنى معيار موضوعي([111]). ونحن نرجح فكرة الظاهرة الطبيعية ذات الطابع الاستثنائي والحتمي والقاهر الذي نصت عليها الإتفاقية كسبب اجنبي لأنقطاع العلاقة السببية بين حادثة التلوث والضرر, كونها توفر ضمانة اكيدة للمضرورين من التلوث.ولا يتحمل المالك المسؤولية إذا اثبت أن الضرر نجم كليا عن فعل أتاه طرف ثالث بنية إحداث ضرر([112]), ويقصد بالغير هنا هو كافة الأشخاص الآخرين غير طاقم السفينة وتابعي المالك, فيعد من الغير( المساعدين والمنقذين والأشخاص الذين على متنها) دون أن يكونوا من تابعي أو وكلاء المالك, كالمسافرين أو زوجات الطاقم السفينة كل هؤلاء يعدون من الغير، إذا ثبت مالك السفينة أن الضرر نتج كليا عن فعل عمدي ارتكبه الغير بنية إحداث ضرر أيا كان حتى لو كان قليل الجسامة, كأن يقوم الغير بتفجير أحواض السفينة بنية إتلافها فيتسرب وقودها الزيتي إلى خارج السفينة مسبباً أضرار التلوث([113]).ويعد من صور الغير إهمال الحكومة أو السلطة التي تعهد إليها الدولة بصيانة المرافق الملاحية, فقد نصت المادة (3/3) من الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001على انه (لا يتحمل مالك السفينة أي مسؤولية عن أضرار التلوث على المالك إذا أثبت أن الضرر.. ج – قد نجم كليا عن إهمال أو تصرف خاطئ آخر صدر عن حكومة أو سلطة أخرى مسؤولة عن صيانة الأضواء أو المساعدات الملاحية الأخرى في إطار ممارستها لوظيفتها تلك ممارسة هذه المهمة). وهناك من يرى نص هذه الفقرة يبدو واسعاً وضيقا في الوقت نفسه ([114]), فهو واسع، كونه لا يشترط أن يكون الإهمال أو الفعل الضار مقصوداً, أي يكون بنية أحداث الضرر, وإنما أكتفى بمجرد الإهمال ولو كان يسيراً لإعفاء المالك من المسؤولية, فضلا عن ذلك لا يتطلب أن يكون صادرا بالضرورة من الحكومة، بل يكفي أن يصدر من أي سلطة مسؤولة عن صيانة المرافق الملاحية, وكونه ضيق، إذ لا يغطي سوى الإهمال المتعلق بصيانة الأضواء أو تقديم المساعدات الملاحية مما يعني أن إهمال الحكومة في غير هاتين الحالتين السابقة الذكر إذا ترتب عليها أضرار لا يعفى مالك السفينة من المسؤولية, وبالتالي إذا ما حدث تراخي في ذلك ولو إهمالا فأن تلك الحكومة أو السلطة تصبح سبباً أجنبياً في دفع مسؤولية مالك السفينة.ومن صور خطأ الغير خطأ المضرور, إذا أثبت المالك أن ضرر التلوث قد تنتج كلياً أو جزئياً إما بسبب عمل أو إمتناع عن عمل من جانب الشخص الذي لحقه هذا الضرر انه أرتكبه بنية إحداث ضرر أو نتيجة لإهمال هذا الشخص، فيجوز إعفائه كلياً أو جزئياً من مسؤوليته تجاه إزاء ذلك الشخص([115]), فإذا ما أرتكب المضرور خطأ يترتب عليه وقوع ضرر تلوث يلحق به شخصيا, ففي مثل هذه الحالة وكمبدأ عام يعفى مالك السفينة المالك ليس فقط عندما يثبت أن ضرر التلوث الذي لحق بهذا الشخص قد نتج عن خطئه العمدي، أي أن يكون هذا الأخير قد تصرف أو إمتنع عن التصرف بقصد إحداث ضرر, وإنما أيضا عندما يقع من جانبه خطأ أو إهمال يسير, أي أن إعفاء المالك إتجاه المضرور المخطئ يكون كلياً أو جزئياً تبعا لأهمية دورة في إحداث الضرر([116]).

الفرع الثاني // الصور المستحدثة للسبب الأجنبي..

تتمثل هذه الصور بأعمال الحرب أو القتال أو الحرب الأهلية أو التمرد([117]), وهذه الأعمال لا يمكن أن تدرج ضمن القوة القاهرة أو خطأ الغير, كونها ذات طابع بشري وقد لا تكون إستثنائية مما يمنعها من أن تصبح قوة قاهرة, وهي قد لا تندرج ضمن خطأ الغير على أن المالك لا يمكنه أن يتمسك بالإعفاء من مسؤوليته عن حادثة التلوث الناجمة عن حادثة تصادم وقعت بسبب أعمال الحرب وقت الحرب, إذ لا يمكن أعتبار التلوث نتج عن أعمال الحرب، إذ يوجد خطر الحرب, ولكن لا يوجد عمل حربي يستدعي الإعفاء من المسؤولية, كأن تجبر إحدى السفن بسبب الحرب على السير مطفأة الأنوار فيحدث تصادم يتسبب في وقوع ضرر التلوث فلا يمكن لمالك السفينة أن يتمسك بالإعفاء من المسؤولية بسبب أعمال الحرب، فحادثة التلوث لم تنتج عن أعمال الحرب وإنما عن تصادم وقع بسبب ظروف الملاحة وقت الحرب([118]).وقد نوقشت حالة تعسف الدولة في منح السفينة ملاذاً آمنا في حالات تعرض السفن الناقلة للبترول لخطر ما, كما في حالة سوء الأحوال الجوية وتعرض السفينة لرياح عاتية وطلبت السفينة الملاذ الآمن من الحكومة أو السلطات المختصة وترفض الحكومة أو السلطات المختصة منحها ملاذاً آمنا، فهناك من يرى أن هذه الحالة تدخل من ضمن إهمال الحكومة أو السلطة المسؤولة عن صيانة الأضواء أو المساعدات الملاحية الأخرى([119]), كما حدث في اسبانيا عام 2002, عندما طلبت الناقلة (برستيج) من الحكومة الاسبانية منحها ملاذا آمنا في سواحل (Galicia) نتيجة تعرضها لرياح عاتية بسبب سوء الأحوال الجوية وقد رفضت السلطات الاسبانية استجابة طلب السفينة في منحها الملاذ الآمن, مما أدى إلى غرق الناقلة وتحطمها وتسرب البترول في الساحل الاسباني وتلوث الساحل ومراكب الصيد بالبترول, وقد توجه المضرورين والحكومة الاسبانية بإقامة دعوى ضد المكتب الأمريكي للشحن (ABS)([120]) الذي صادق على سلامة الناقلة وصلاحيتها للرحلة البحرية, وقد رفضت المحكمة الأمريكية تلك الدعوى في (2/ يناير 2007)على أساس أن مالك السفينة معفى من المسؤولية عن أضرار التلوث كون أن حادثة التلوث نجمت كليا عن فعل الغير([121]), وقد أيدت محكمة استئناف الدائرة الثانية في نيويورك في(29/ أغسطس/ 2013) الحكم الأصلي الذي يقضي أن المكتب الأمريكي للشحن غير مسؤولا عن أضرار التلوث بالبترول وبالتالي يعفى مالك السفينة من المسؤولية عن تلك الأضرار([122]).

الخاتمــة..

   يمكن القول إن موضوع المسؤولية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, أصبح موضوعا سريع التطور في أحكامه نتيجة لزيادة الوعي بمخاطر ذلك التلوث وضرورة إيجاد آلية قانونية للحد من تلك الأخطار تلك الآلية التي تكرس أساسا في الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن لسنة 2001, فضلا عن ذلك ما تقدمه القوانين الوطنية من تنظيم تكرس فيه الأحكام القانونية في معالجة المسؤولية الناشئة عن أضرار التلوث بوقود السفن, وسنتعرض أهم النتائج التي توصلنا إليها في بحثنا مع ما يمكن طرحه من مقترحات في فقرتين.

أولا // النتائـج..

1-   تمتاز أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن بخصوصية ولعل هذه الخصوصية تستنتج من الخصائص التي يتمتع بها الوقود الزيتي ومن تلك الخصائص هو إنتشار الزيت وتفاعله مع جزيئات الماء , إذ يشكل طبقة على سطح الماء تبدأ بالتحرك والإنجراف تبعاً لحركة الأمواج والتيارات, مما يؤدي إلى انتشار التلوث إلى أبعد نقطة جغرافية.

2-   المسؤولية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن مسؤولية قائمة على أساس الضرر دون الخطأ, وهذه المسؤولية تنسجم مع التطورات التي يشهدها قوانين البيئة البحرية, فأن نشاطات السفن داخل البحار تكون مشروعة, كما أن من يقوم بتلك النشاطات يستفيد منها, فيجب أن يتحمل ما ينجم عن هذا النشاط كل تعويض عن الأضرار الناشئة منه, رغم أن المشرع العراقي في قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009, لم ينص على المسؤولية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, وإنما أقتصر على المسؤولية الناشئة عن أضرار التلوث الناشئة عن ناقلات البترول وجعلها مسؤولية مفترضة.

ثانياً // المقترحات..

1- ضرورة قيام المشرع العراقي بإصدار قانون خاص بالتلوث بالبترول بكافة أنواعه ومن بينها وقود السفن الزيتي بعيداً عن القواعد الواردة في القانون المدني, وجعل المسؤولية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, قائمة على أساس الضرر دون الخطأ بنوعيه, حماية لحقوق المتضررين وتيسيراً لهم للمطالبة في الحصول على حقوقهم, أو إدخال تعديلات على قانون حماية وتحسين البيئة من خلال النص على المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن, وضرورة تبني المسؤولية القائمة على الضرر دون الخطأ بنوعيه.

2- ضرورة تبني نظام التأمين الإجباري عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي لتوفير ضمانا فعليا للمتضررين من التلوث, كما يجب على المشرع العراقي أن يحدد على وجه الدقة مدة التغطية التأمينية, والأساس الذي يحدد على ضوئه قيمة قسط التأمين ومبلغ الضمان الذي تلتزم به شركة التأمين بدفعه للمتضررين من التلوث, ونقترح ان ينص على انه (يجب على مالك السفينة التي تبلغ حمولتها (300) طن فأكثر والمسجلة في الجمهورية العراقية, أن يكتتب في تأمين أو ضمان مالي اخر, لتغطية مسؤوليته عن أضرار التلوث بمبلغ يعادل مبلغ الحد الاقصى لمسؤوليته طبقاً للقانون), على أن يضمن هذا النص في قانون خاص بالتلوث بالبترول بكافة أنواعه ومن بينها وقود السفن الزيتي.

3- ضرورة إنشاء صندوق للتعويض عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن لحماية التعويض المتضررين من جراء التلوث في الحالات التي لا يكون مصدر التلوث بالوقود الزيتي للسفن غير معروفا, أو في الحالات التي يعجز فيها محدث الضرر عن دفع التعويض كاملا.

الهوامـش ..

[1]– د. نادر محمد إبراهيم, الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي, الطبعة الأولى, دار الفكر الجامعي, الإسكندرية, 2005, ص71.

2– د. محمود سمير الشرقاوي, القانون البحري الليبي, الطبعة الأولى, المكتب المصري الحديث, الإسكندرية, 1970, ص93.

3– المادة (1/4) الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001, متوفرة على الموقع الالكتروني                                                          www.environnement.gov

4– تناول قانون التجارة البحري العثماني لسنة 1863النافذ في بعض فصولة مسألة إيجار السفينة مفصلا في الفصل السادس من المادة (92-100)، لكنه لم يتناول صور الإيجار إلا أن مشروع القانون البحري العراقي لسنة 1987أورد تفاصيل صورتي إيجار السفن في الباب الخاص باستثمار السفينة.

5- د. مجيد حميد العنبكي, القانون البحري العراقي, الطبعة الاولى, دار الحكمة, بغداد, 2002, ص130.

6– الإدارة البحرية :هي كل ما يتعلق بقيادة السفينة وأجهزتها, وما يتصل بصفة عامة بفن الملاحة البحرية, د. محمود سمير الشرقاوي, مصدر سابق125.

7- الإدارة التجارية :وتتوقف على نوع الملاحة التي تقوم بها السفينة وتشمل إبرام عقود النقل واستلام وتسليم البضاعة بالنسبة للسفن التجارية أما بالنسبة لسفن الصيد فيقصد بها تحديد مناطق الصيد والمحافظة على الأسماك وبيعها, د. محمود سمير الشرقاوي, مصدر سابق125.

8– د. مجيد حميد العنبكي, مصدر سابق, ص130.

9- د. طالب حسن موسى, القانون البحري, الطبعة الثانية, دار الثقافة, عمان, الأردن, 2012, ص60.

10– د. مجيد حميد العنبكي, مصدر سابق , ص148.

11- (Chao Wu), liability and compensation for pollution and bunker spill, Journal of Science and Technology, Volume 7, Issues 1-2, June 2002, p122.                              

12– Griggs(Patrick), Limitation of Liability for Maritime Claims, 2004, p98, published online,www.lawteacher.net

13– Griggs(Patrick), International Convention on Civil Liability for Bunker Oil Pollution Damage 2001, International Journal of Social Science and Humanity, Vol. 3, No. 1, January 2013, p98.         14– المادة (211) القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951وتعديلاتة.

15- المادة (2703/ أ /3) قانون التلوث بالزيت الامريكي رقم (40) لسنة 1990 المعدل.

16- المادة (2702/ 2/ د/ 1) قانون التلوث بالزيت الامريكي رقم (40) لسنة 1990 المعدل.

17- د. عصمت عبد المجيد, مصادر الالتزام في القانون المدني, المسؤولية التقصيرية والعقدية, الطبعة الأولى, المكتبة القانونية, بغداد, 2007, ص257.

18- د. جمال محمود الكردي, المحكمة المختصة والقانون الواجب تطبيقه بشأن دعاوى المسؤولية والتعويض عن مضارالتلوث البيئي العابر للحدود, الطبعة الأولى, دار الجامعة الجديدة, الإسكندرية, 2003, ص134.

19- المادة (32/ أولا) قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم 27 لسنة 2009.

20- المادة (32/ ثالثا) قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم 27 لسنة 2009.

21– المادة (3/1) الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة2001.

23- Bruce B. Weyhrauch , oil spill litigation: private lawsuits and limitations, Tulane Maritime law Journal, volume 7, No.1, 1992, p166.

24- Schoenbaum Thomas, Liability for Damages in Oil Spill Accidents: Evaluating the USA, and International Law Regimes in the Light of Deepwater Horizon, Journal of Environmental Law, Oxford University, Volume 24 Issue 3, 2012, p422.                    

25- Bruce B. Weyhrauch, op. cit, p178.

26-Schoenbaum Thomas, op. cit, p429.                                                              

27- Report of the National Petroleum Council July 1994, H. Leighton Steward, Chairman Committee on The Oil Pollution Act National Petroleum Council, p298,Available on the Website,www.ivsl.org                                                                        

28– المادة (2702/ أ) قانون التلوث بالزيت الأمريكي رقم (40) لسنة 1990 المعدل.

29- المادة (77/3) قانون المسؤولية البحرية الكندي لسنة 2001 المعدل.

30- د. محمد بومدين أرواغ, آلية الضمانات وفي التامين البحري والنقل في القانون المغربي المقارن, الطبعة الأولى, دار الإمارات, الرباط, 2007, ص7.

31 D. Praban Dix, compensation for environmental damage caused by the oïl spill, 2010, pp. 244, is available on the official website of the International Maritime Organization, www.imo.org                      

32– د. نبيلة إسماعيل رسلان, التأمين ضد أخطار التلوث, الطبعة الأولى, دار النهضة العربية, القاهرة, 2003, ص88.

33- Ralston, pollution liability insurance: the application of economic theory, Journal of Risk and Insurance of America, Volume 46, No. 3, (Sep2009), p455.

34- Harry J. Solberg, internal marine and transportation insurance and risk, Journal of the American Marine Insurance, Vol. 25, No. 3 (November 2011),p 77-78.

35– نقلا عن دكتور نادر محمد إبراهيم, الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي, مصدر سابق, ص129.

36- د. نبيلة إسماعيل رسلان, مصدر سابق, ص29.

37- Griggs (Patrick), International Convention on Civil Liability for Bunker Oil Pollution Damage 2001, op. cit, p244.

38 المادة (2716 /ب/2)قانون التلوث بالزيت الأمريكي (40) لسنة 1990 المعدل.

39Griggs (Patrick), Limitation of Liability for Maritime Claims, op. cit, p255.

40- د. نادر محمد إبراهيم, الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي, مصدر سابق, ص162.

41- د. محمد السيد الفقي, القانون البحري, الطبعة الأولي, دار الجامعة الجديد, القاهرة, 2009, ص209.

42- المادة (1/1) اتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969, متاح على الموقع الالكتروني

                                                                               http://www.admiraltylawguide.com

43- د. محمد السيد الفقي,المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالمحروقات, مصدر سابق, ص1.

44- المادة (2/1) بروتوكول 1992 المعدل لاتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969, متاح على الموقع الالكتروني        

45- د. محمد السيد الفقي, المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالمحروقات, مصدر سابق, ص27.                                                          

45- الحطام البحري :هو الأداة البحرية التي تفقد صلاحيتها للطفو وتترك من قبل طاقمها. د. علي البارودي، مبادئ القانون البحري, الطبعة الاولى، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1983, ص60.

55- Griggs(Patrick), International Convention on Civil Liability for Bunker Oil Pollution Damage 2001, op. cit, p77.                                                                              

56- نصت المادة (1/1) من الإتفاقية بأن السفينة هي (أي مركب صالح للملاحة البحرية وأية مركبة عائمة في البحر من أي نوع كان)

57- تقرير عن زيت الوقود الثقيل, المكتب الأمريكي للشحن الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2010, ص55, متاح على الموقع الالكتروني                                                                www.ncbi.nlm.nih.gov

58المادة (1/5)الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتيلسنة 2001.

59- Griggs (Patrick), International Convention on Civil Liability for Bunker Oil Pollution Damage 2001, op. cit , p188.                                                                          

60-د. سالم اللوزي, الدليل الاسترشادي لخطط الطوارئ للتلوث بالزيت في الوطن العربي, المنظمة العربية للتنمية والزراعة ,2008, ص 17, متاح على الموقع الالكتروني                                www.aoad.org

61 D.J. Blatcher , compliance of the Royal Navy ships with emissions of nitrogen oxides, the journal Marine Pollution, Volume 40 Issue 22 in 2013, the University of London, United Kingdom, pp. 233.                                                                                

62- د. محمد السيد الفقي, المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالمحروقات, مصدر سابق, ص40.

63- المادة (75/5) قانون المسؤولية البحري الكندي لسنة 2001 المعدل.

64- المادة (1/8)الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001.

65- نص المادة (1/8) من الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 باللغة الانكليزية

(Incident; means any occurrence or series of occurrences having the same origin, which causes pollution damage or creates a grave and imminent threat of causing such damage)                                                                                                                          

66- نصت المادة (1/8) من الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية الناشئة عن اضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001 (وتعني الحادثة: أي واقعة أو سلسلة وقائع ذات منشأ واحد تسبب أضرار التلوث أو تسفر عن تهديد جسيم وداهم بتسبب هذه الأضرار).

67- نصت المادة (1/8) من إتفاقية المسؤولية المدنية عن اضرار التلوث بالنفط لسنة 1969(يعني حادث: أي واقعة أو سلسلة من الأحداث لها نفس المنشأ والذي يسبب الضرر الناجم عن التلوث)

68- نقلا عن,د.محمد السيد الفقي, المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالمحروقات, مصدر سابق, ص60.

69- المادة (2701/14) من قانون التلوث بالزيت الأمريكي رقم (40) لسنة 1990 المعدل.

70- المادة (47) قانون المسؤولية البحري الكندي لسنة 2001 المعدل.

71– د.نادر محمد إبراهيم,الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي, مصدر سابق, ص66.

72- The official website of the Supreme Court of Canada, op. cit, p22.

73- د. نادرمحمد إبراهيم,الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي,مصدر سابق, ص67.

74- د. احمد محمود سعيد, استقراء لقواعد المسؤولية المدنية في منازعات التلوث البيئي, الطبعة الأولى, دار النهضة العربية, القاهرة, 1994, ص130.

– المادة (1/9) الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتيلسنة 2001.75

76- Reed Smith, op. cit, p322.

77- دليل الصندوق الدولي للتعويض عن انسكاب النفط, 2008, ص55, متاح على الموقع الالكتروني

   http://www.iopcfunds.org

78- د. عبد النور عبد الباري, تلوث البيئة, الأرض والنبات, الطبعة الأولى, دار الجامعة المصرية, القاهرة, 2000, ص30.

79 Griggs (Patrick), International Convention on Civil Liability for Bunker Oil Pollution Damage 2001, op. cit, p87.                                                                              

80- D. Praban Dix, op. cit, p144.

81 المادة (2702/2/د) من القانون ذاته..

82- المادة (2702/2/ط) من القانون ذاته.

83- تفاصيل حادثة السفينة (كاريسا الجديدة), ص22, متاحة على الرابط

                               https://www.fws.gov/oregonfwo/Contaminants/Spills/NewCarissa

88- Julian hay, the efficiency of the article can be international compensation systems to prevent pollution? A discussion of the status of marine oil spills, 2009, p65,

Available on the Website,www.ivsl.org

89- المادة (1/7) من الإتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001.

90- (Chao) Wu,op. cit, p87.

91- Thomas, and the responsibility for the damage the oil spill in the article: Assessment of the United States of America and the systems of international law in the light of the Deepwater Horizon, Journal of Environmental Law, Oxford University, ISSN: 09528873: 2012, Volume 24, Issue 3, p324.                                    

92- نصت المادة (2701/30) من قانون التلوث بالزيت الأمريكي على أن الإزالة :(تعني احتواء النفط من المياه والشواطئ واتخاذ إجراءات ضرورية لقليل أو تخفيف الأضرار التي تصيب البيئة والممتلكات العامة والخاصة والشواطئ والصحة العامة والأسماك والمحار على سبيل المثال).

93- المادة (2702/1) قانون التلوث بالزيت الامريكي رقم (40) الأمريكي لسنة1990 المعدل.

94- حادثة السفينة (كاريسا), مصدر سابق, ص22.

95- التقرير السنوي للصندوق الدولي للتعويض عن أضرار التلوث بالزيت, 1990, ص55, متاح على الموقع الالكتروني,    

                                                                                       www.iopcfunds.org

96- د. نادر محمد إبراهيم, الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي   مصدر سابق, ص108.

97- المادة (75/6) قانون المسؤولية البحرية الكندي لسنة 2001 المعدل.

98– Volkmar J. Hartje, oil pollution caused by tanker, accidents liability versus regulation natural resources journal, Volume 34, Issue 7, 2002 , p526.

99- D. James Payne, William, Carissa new ship, Journal of the American Chemical Society, Volume 133, Issue 27, 2011, p29.                                                                      

100- احمد عبد التواب, المسؤولية المدنية عن الفعل الضار, الطبعة الأولى, دار النهضة العربية, القاهرة, 2008, ص63.

101- عبد الرشيد مأمون, علاقة السببية في المسؤولية المدنية, بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد ,كلية حقوق القاهرة, المجلد 49, العدد 2, 1979, ص74.

102- المادة (1/8/ أ) الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن لسنة 2001.

103- د. محسن عبد الحميد إبراهيم البيه, المسؤولية المدنية عن أضرار البيئة, الطبعة الأولى, دار النهضة العربية, القاهرة, 2000, ص123.

104- المادة (3/3/ أ, ب, ج) الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001.

105- المادة (3/4) الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية الناشئة عن أضرار التلوث بالوقود الزيتي للسفن لسنة 2001.

106Jean-Michel, La pollution de la mer Méditerranée par les hydrocarbure liée au trafic maritimes, Thèse Docteur de l’université de Paris,école doctorale; 2010, p213, Disponible sur le Site,http://capitaineslongcours.online.fr/JYB.pdf

107- المادة (211) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 وتعديلاته.

108- د. عبد المجيد الحكيم, د. عبد الباقي البكري, د. محمد طه البشير, الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي, الجزء الأول, مصادر الالتزام, الطبعة الأولى, مطبوعات جامعة بغداد, 1980, ص241.

109- د. محمد السيد الفقي, المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالمحروقات, مصدر سابق, ص269.

110- المادة (2701/1) قانون التلوث بالزيت الامريكي رقم (40) لسنة 1990 المعدل.

111- د. محمد السيد الفقي, المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالمحروقات, مصدر سابق, ص271.

112- المادة (3/32/ب) الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001.

113- Forster, civil liability of ship-owners for oil pollution, the journal of business law, Volume 23, Issue 9, 1973 , p27.

114Simon, the choice of law in U.S. courts in 2000, the American Journal of Comparative Law, Vol. 49, No. 23, in 2001, p158.

115 المادة (3/4) الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001.

116- د. محمد السيد الفقي, المسؤولية والتعويض عن أضرار التلوث البحري بالمحروقات, مصدر سابق, ص280.

117- المادة (3/3/أ) الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001.

118 professeur Antoine Vialard, Il faut réformer le système de compensation Pour les dommages de pollution par les hydrocarbures, Société française de droit maritime, Avril 3, 2000, p95,Disponible sur le Site, www.afcan.org

119 Jean-Michel, op. cit, p158.

[1] المكتب الأمريكي للشحن (ABS) هو تصنيف المجتمع, مهمته تهدف إلى تعزيز امن الأرواح والممتلكات والبيئة الطبيعة في المقام الأول من خلال تطوير والتحقق من معايير لتصميم وبناء وصيانة التشغيلية للمرافق ذات الصلة البحرية, ويعد مكتب الشحن الأمريكي, ثاني اكبر مجتمع طبقي مع أسطول تصنيف ما يقرب 12000 السفن التجارية والمنشأة البحرية, الخدمة الأساسية هي توفير خدمات التصنيف من خلال تطوير معايير ما يسمى قوانين ABS)) والتي تشكل القواعد الأساسية لتقيم وبناء سفن جديدة وسلامة السفن الموجودة والهياكل البحرية, وقد تم أنشاء المكتب الأمريكي للشحن عام 1862 من قبل الحكومة الأمريكية وخفر السواحل الأمريكية.

ويقصد بمجتمع التصنيف هي منظمات حكومية تؤسس وتحافظ على المعايير التقنية لبناء وتشغيل السفن والهياكل البحرية, والتي أنشئت عام 1760 من قبل ملاك السفن في لندن.

120- Judgment (3573/sdny/2007), United States District Court of the eastern district of Louisiana, center Justia Supreme Court of the United States, is available on the official website of the Supreme Court in the United States https://supreme.justia.com

121- Available on the official website of the U.S. Court of Appeals Second Circuit,        

www.ca2.uscourts.gov

المصادر ..

أولا // المصادر العربية..

أ- الكتب..

1-        د. أحمد عبد التواب,المسؤولية المدنية عن الفعل الضار, الطبعة الأولى, دار النهضة العربية, القاهرة, 2008.

2-        د. أحمد محمود سعيد, استقراء لقواعد المسؤولية المدنية في منازعات التلوث البيئي, الطبعة الأولى, دار النهضة العربية, القاهرة, 1994.

3-        د. جمال محمود الكردي, المحكمة المختصة والقانون الواجب تطبيقه بشأن دعاوى المسؤولية والتعويض عن مضارالتلوث البيئي العابر للحدود, الطبعة الأولى, دار الجامعة الجديدة, الإسكندرية, 2003.

4-        د. طالب حسن موسى, القانون البحري, الطبعة الثانية, دار الثقافة, عمان, الأردن, 2012.

5-        د. طالب حسين موسى, الموجز في قانون التجارة الدولية, الطبعة الأولى, دار الثقافة للنشر والتوزيع, عمان, 1977.

6-        د. عبد المجيد الحكيم, د. عبد الباقي البكري, د. محمد طه البشير, الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي, الجزء الأول, مصادر الالتزام, الطبعة الأولى, مطبوعات جامعة بغداد, 1980.

7-        د. عبد النور عبد الباري, تلوث البيئة, الأرض والنبات الطبعة الأولى, دار الجامعة المصرية, القاهرة, 2000.

8-        د. عصمت عبد المجيد, مصادر الالتزام في القانون المدني, المسؤولية التقصيرية والعقدية, الطبعة الأولى, المكتبة القانونية, بغداد, 2007.

9-        علي البارودي، مبادئ القانون البحري, الطبعة الاولى، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1983.

10-  د. مجيد حميد العنبكي، القانون البحري العراقي، الطبعة الأولى, دار الحكمة، بغداد، 2002.

11-  د. محسن عبد الحميد إبراهيم البيه, المسؤولية المدنية عن أضرار البيئة, الطبعة الأولى, دار النهضة العربية, القاهرة, 2000.

12-  د. محمد بومدين أرواغ, آلية الضمانات وفي التامين البحري والنقل في القانون المغربي المقارن, الطبعة الأولى, دار الإمارات, الرباط , 2007.

13-  د. محمود سمير الشرقاوي ,القانون البحري الليبي, الطبعة الأولى, المكتب المصري الحديث, الإسكندرية, 1970.

14-  د. محمد السيد الفقي، المسؤولية والتعويض عن أضرار التلوث البحري بالمحروقات، الطبعة الأولى, منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2002.

15-  د. نادر محمد إبراهيم، الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي، الطبعة الأولى, دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 2005.

16-  د. نبيلة إسماعيل رسلان, التأمين ضد أخطار التلوث, الطبعة الأولى, دار النهضة العربية, القاهرة, 2003.

ب // البحوث والمجلات..

1-   سالم وسيع سعيد بازار، تلوث البيئة وآثاره على طبيعة الاستثمار للمواد البحرية الحية في اليمن، مجلة حضرموت للدراسات والبحوث، المجلد12, العدد 4، 2003.

2-   عبد الرشيد مأمون, علاقة السببية في المسؤولية المدنية, بحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد ,كلية حقوق القاهرة, المجلد 43, 1979.

ج // الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات..

   1- الاتفاقية الدولية بشأن المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بوقود السفن الزيتي لسنة 2001.

   2- اتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969.

   3- بروتوكول 1992 المعدل لاتفاقية المسؤولية المدنية عن أضرار التلوث بالنفط لسنة 1969.

د // القوانين..

     1- قانون التلوث بالزيت الأمريكي رقم (40) لسنة 1990 المعدل.

     2- قانون المسؤولية البحرية الكندي لسنة 2001 المعدل.

     3- قانون التجارة البحري العثماني لسنة 1863النافذ.

     4- القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 وتعديلاته.

     5- قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009.

     6- قانون الموانئ العراقي رقم (21) لسنة 1995.

7-     مشروع القانون البحري لسنة 1987.

و/ المواقع الالكترونية..

1-   التقرير السنوي للصندوق الدولي للتعويض عن أضرار التلوث بالزيت, 1990, متاح على الموقع الالكتروني,                                                       www.iopcfunds.org

2-   د. سالم اللوزي, الدليل الاسترشادي لخطط الطوارئ للتلوث بالزيت في الوطن العربي, المنظمة العربية للتنمية والزراعة ,2008, ص 17, متاح على الموقع الالكتروني   www.aoad.org

3-   دليل الصندوق الدولي للتعويض عن انسكاب النفط, 2008, متاح على الموقع الالكتروني,

     http://www.iopcfunds.org

4-   تفاصيل حادثة السفينة (New Carissa), متاحة على الرابط الآتي

https://www.fws.gov/oregonfwo/Contaminants/Spills/NewCarissa

5-   تقرير عن زيت الوقود الثقيل, المكتب الأمريكي للشحن الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2010, متاح على الموقع الالكتروني                                       www.ncbi.nlm.nih.gov

ثانيا // المصادر الأجنبية..

أُ- المجلات..

1- Bruce B. Weyhrauch , oil spill litigation: private lawsuits and limitations, Tulane Maritime law Journal, volume 7, No.1, 1992,

2- D.J. Blatcher , compliance of the Royal Navy ships with emissions of nitrogen oxides, the journal Marine Pollution, Volume 40 Issue 22 in 2013, the University of London, United Kingdom.

3- (Chao) Wu, liability and compensation for pollution and bunker spill, Journal of Science and Technology, Volume 7, Issues 1-2, June 2002.

4- Forster, civil liability of ship-owners for oil pollution, the journal of business law, Volume 23, Issue 9, 1973

5- Griggs(Patrick), International Convention on Civil Liability for Bunker Oil Pollution Damage 2001, International Journal of Social Science and Humanity, Vol. 3, No. 1, January 2013.

6- Harry J. Solberg, internal marine and transportation insurance and risk, Journal of the American Marine Insurance, Vol. 25, No. 3 (November 2011).

7- Reed Smith,” International Convention on Civil Liability for Oil Pollution Damage of 2001, Journal of Maritime Law and Commerce, Vol. 55, No. 1, September, 2009.

8- Ralston, pollution liability insurance: the application of economic theory, Journal of Risk and Insurance of America, Volume 46, No. 3 (Sep2009).

9- Schoenbaum Thomas, Liability for Damages in Oil Spill Accidents: Evaluating the USA, and International Law Regimes in the Light of Deepwater Horizon, Journal of Environmental Law, Oxford University, Volume 24 Issue 3, 2012.

10- Thomas, and the responsibility for the damage the oil spill in the article: Assessment of the United States of America and the systems of international law in the light of the Deepwater Horizon, Journal of Environmental Law, Oxford University, ISSN: 09528873, Volume 24, Issue 3, 2012.

11- Volkmar J. Hartje, oil pollution caused by tanker, accidents liability versus regulation, natural resources journal, Volume 34, Issue 7, 2002 .

12- Simon, the choice of law in U.S. courts in 2000, the American Journal of Comparative Law, Vol. 49, No. 23, in 2001.

ب- المواقع الالكترونية..

1- professeur Antoine Vialard, Il faut réformer le système de compensation Pour les dommages de pollution par les hydrocarbures, Société française de droit maritime, Avril 3, 2000, p95,Disponible sur le Site, www.afcan.org

2- Griggs(Patrick), Limitation of Liability for Maritime Claims, 2004, published online,www.lawteacher.net

3- Julian hay, the efficiency of the article can be international compensation systems to prevent pollution? A discussion of the status of marine oil spills, 2009, Available on the Website,www.ivsl.org

4- Jean-Michel, La pollution de la mer Méditerranée par les hydrocarbure liée au trafic maritimes, Thèse Docteur de l’université de Paris,école doctorale; 2010, p213, Disponible sur le Site,http://capitaineslongcours.online.fr/JYB.pdf

5D. Praban Dix, compensation for environmental damage caused by the oil spill, 2010, pp. 244, is available on the official website of the International Maritime Organization, www.imo.org

6- Report of the National Petroleum Council July 1994, H. Leighton Steward, Chairman Committee on The Oil Pollution Act National Petroleum Council,Available on the Website,www.ivsl.org

                       مركز المجني عليه في ظل الاتجاهات الاجرائيـة المعاصرة

Victim’s status under contemporary procedural trends

بحث مقدم من قبل

                              الأستاذ المساعد الدكتور عمار تركي عطية

                                الأستاذ المساعد الدكتور ناصر كريمش خضر

جامعـة ذي قار// كليـة القانون

الخلاصـــة..

   يمثل البحث محاولة لوضعآلية جديدةللسياسة الاجرائية المعاصرة التي نقترحها على المشرع العراقي من خلال اتباع سياسةالتحول عنالإجراءات،والتي تعني خضوع المتهمينلمعاملـةإجرائيةتختلفعنتلكالمقررةتقليدياًللمحاكماتالجزائية، ويتمثل جوهرهذهالسياسةفيالاستغناءعنإجراءاتالخصومةالجزائيةكلياًأوجزئياً واستبدالهابإجراءاتأخرىأقلتعقيداًوأكثرسرعةفيحسمالمنازعات،سواءأكانت بسيطةلاتتطلبسوىتيسيرالإجراءات،ومقترنةببرامج لإصلاحالجانيوتأهيله، هذا بجانبمراعاةحقوقالمجنيعليهوتعويضضرره.وقد اتخذنا من مركز المجني عليه في ظل الاتجاهات الاجرائية المعاصرة مدخلا لاقتراح العديد من التوصيات على المشرع العراقي منها : ضرورة الاقتداء بمنهج المشرع المصري الذي وسع في تعديل قانون الإجراءاتالجنائية في عام 2006 من الحالات التي يقع عليها الصلح.

الكلمات المفتاحية: مركز , المجني عليه ، اتجاهات ، اجرائي ، محاضر .

Abstract..

   Research represents an attempt to develop a new mechanism for policy procedural contemporary that we propose on the Iraqi legislature through a switch on the action policy, which means the subordination of the defendants for the treatment of procedural differ from those traditionally prescribed for the trials of the criminal, and the essence of this policy is to dispense with the criminal litigation actions, in whole or in part and replace them with other procedures less complicated and more speed in resolving disputes, whether simple requiring only facilitate procedures, and associated programs to repair and rehabilitation of the offender, the next into account the victim’s rights and compensation for the harm it. We have taken from the victim in the center under the trends of contemporary procedural input to propose several recommendations on the Iraqi legislature, including: the need to follow the approach of the Egyptian legislator who has expanded to amend the Criminal Procedure Code in 2006 of cases in which it is located Solh

.                                            

key words:status ,Victim, trends,procedural ,contemporary.                                                

المقدمـــة..

مع ظهور بعض النظم الإجرائية الحديثة التي أضفت مرونة على الدعوى الجزائية , اضحى هنالك تحولا في النظرة إلى الدعوى الجزائية من أداة في يد الدولة تفرض من خلالها سلطتها العقابية دون نظر إلى مصلحة المجني عليه في اختيار الإجراء الذي يحقق له الترضية _ إلى وسيله تهدف إلى إقرار نموذج مقبول لعدالة تأخذ مصلحة المجني عليه بالحسبان . واهم هذه النظم الإجرائية المستحدثة هي : التسوية الجنائية و الوساطة الجنائية في القانون الإجرائي الفرنسي و الصلح الجنائي في القانون الإجرائي المصر.(1)ان هذه الاتجاهات الاجرائية المعاصرة تهدف إلى تحقيق بعد إنساني من خلال وضع حلول أكثر إنسانية ومرونة للمنازعات الجزائية يتم التفاوض حولها، لا خرقها. كما تهدف إلى تحسين صورة العدالة الجنائية وإعادة مصداقيتها، من خلال تنظيم الروابط الاجتماعية والحد من قرارات الحفظ وفرض تعويض حقيقي للمجني عليه مقابل الخطأ الذي ارتكبه الجاني.وتحقيق العدالة السريعة، بالتالي تتلافى المشقة التي يعانيها المجني عليه في الحصول على التعويض، فضلاً عن أنها تتسم بالعملية في الرد الفعال على النشاط الإجرامي مما يترتب عليه تحقيق الردع العام والوقاية من الجريمة.وتتسم هذه الاتجاهات ايضا بالمرونة في تقدير كيفية وصورة التعويض، على عكس الحكم القضائي الذي يقتصر دوره على تقدير مقدار التعويض. فضلا عن ذلك أن البعض من هذه الاتجاهات يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق فكرة التضامن بين الأفراد والدولة في نظام العدالة الجنائية عن طريق مشاركة المجتمع المدني في مكافحة تزايد القضايا، وبصفة خاصة الجرائم البسيطة. (2)

اهميـة الموضـوع..

تسعى الاتجاهات الاجرائية المعاصرة الى اعطاء دور اكبر للمجني عليه و السماح لطرفي النزاع بالحوار بالشكل الذي يؤدي إلى إزالة الأحقاد والكراهية الناجمة عن وقوع الجريمة، وهو ما لا يتوافر من خلال مباشرة الإجراءات التقليدية. اذ يمكن من خلالها تقريب وجهات نظرهم بشأن الجريمة و يكون لهم مكنة تحديد مضمون الاتفاق الخاص بمعالجة آثار الجريمة، و هو الأمر الذي يمكن القول معه بأنها تتجه صوب النظام الاتهامي الذي يحكم فيه الخصوم مصير النزاع. كما أن هذه الاتجاهات تكفل حقوق المجني عليهم واحتياجاتهم بشكل أفضل من العدالة التقليدية، اذ تسمح وفقاً لمفهومها، باجتماع كل من الجاني والمجني عليه تحت رقابة قضائية ليقرروا معاً أنسب الوسائل لعلاج آثار الجريمة ومردوداتها في المستقبل.وبما إن حق المجني عليه يبدأ منذ وقوع الجريمة لذلك يجب العمل على كفالة هذا الحق منذ أن تقع عليه الجريمة، ومن هنا كان لزاما على الفقه الجنائي الحديث ، أن يعيد النظر في المركز القانوني للمجني عليه في النظرية العامة للجريمة والعقاب،وأن يتجه نحو الموازنة بين حقوق كل من الجاني والمجني عليه ،بحيث لا يطغى أحدهما على الأخر.

هـدف الدراســة..

   تهدف الدراسة إلى بحث الاتجاهات المعاصرة في الدعوى الجزائية بوصفها أحد أوجه تطبيق العدالة الرضائية في الدعوى الجزائية ؛وتعديل نصوص قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل بما يلائم متطلبات السياسة الاجرائية المعاصرة ، سيما وقد مضت مدة زمنية طويلة على صدور هذا القانون والافادة من موقف التشريعات التي اقرت الاخذ بهذه الانظمة الاجرائية الحديثة، فبعض التشريعات الإجرائية اتجهت إلى تطبيق نظام الصلح والبعض الآخر اتجه إلى تطبيق الوساطة الجنائية والتسوية الجنائية. فالغرض الأساسي من هذه الدراسة هو تحديد ماهية هذه الاتجاهات والإلمام بأحكامها عن طريق تحديد نطاق تطبيقها وشروط تطبيقها وإجراءات مباشرتها في الأنظمة الإجرائية المقارنة، وتحديد مركز المجني عليه من خلالها ، وبيان امكانية الارتكاز عليها في تطوير نظامنا الإجرائي في العراق.فبالرغم من أن المشرع العراقي قد اخذ في تطبيق أنظمة الصلح والتنازل وصفح المجني عليه في قانون اصول المحاكمات الجزائية ، ألا أنه لم ينص حتى الآن على إجراء الوساطة الجنائية او التسوية الجنائية . فالمشرع العراقي وأن كان أقر نصوصاً تشريعية للصلح، وإن كانت تختلف عن نظامي الوساطة والتسوية الجنائية ولكنها قريبة الشبه منها.

مشكلـة البحـث..

   يثيرموضوع تحديد مركز المجني عليه في ظل الاتجاهات الاجرائية المعاصرة العديد من المشكلات: ولا سيما في ظل الأنظمة المستحدثة في القانون الجنائي الاجرائي ، لوجود جدل بين الفقه ما بين قبولها ورفضها، ولعدم اخذ العديد من التشريعات المقارنة بها حتى الآن. فضلا عن أن هناك بعض التشريعات التي لازالت تجري بعض التعديلات على تطبيق هذه الانظمة في تشريعاتها.و تجارب الدول في بعض هذه الاتجاهات لا زالت تحت الدراسة، نظراً لحداثة تطبيقها. فضلا عن انعدام السوابق القضائية التي تبين أحكامها، و انعدام القواعد المنظمة لكيفية مباشرتها من جانب أطرافها ، و عدم وجود إحصائيات كافية بشأن نتائج تطبيقها في التشريعات المقارنة. وفضلا عن ذلك ان الفقه التقليدي ما يزال يعترض عليها بوصفها أحد الوسائل التي تؤدي إلى العدول عن العقوبة ، ولعد ملائمتها للنظام الجنائي، لكون هذه الاتجاهات تقوم على الرضاء، والذي يرفضه الاتجاه التقليدي في الفقه، لكون إجراءات الدعوى الجزائية منظمة بالقانون، ولا يجوز للأفراد مخالفة أحكامها بإرادتهم.

منهـج البحـث..

على هدي ما تقدم سوف يتحدد منهج الدراسة على النحو الاتي : أن دراسة مركز المجني عليه في ظل الاتجاهات الاجرائية المعاصرة ، ليست مجرد شرح لنصوص يضمها القانون بين دفتيه ، ولا هي أيضاً مجرد عرض لبعض النظريات لاستكشاف مدى التوفيق الذي أصابها أو استظهار مدى ما اكتنفها من غموض أو ما اعتراها من قصور ، او سرد لبعض الآراء ، وإنما هي دراسة تأصيلية تحليلية ، نلتزم من خلالها بمنهج علمي سعيا إلى استخلاص العديد من النتائج العلمية والعملية التي تكشفت من خلال هذه الدراسة وذلك التحليل من خلال المقارنة للأنظمة القانونية في البلاد المختلفة .

خطــة البحـث..

    ومن خلال ما تقدم ستتم معالجة الموضوع في مبحثين يخصص المبحث الاول لدراسة الوضع القانوني للمجني عليه في ظل الاتجاهات الاجرائية المعاصرة ، بينما سيكون المبحث الثاني لحقوق المجني عليه في ظل تلك الاتجاهات .    

المبحث الأول/الوضع القانوني المجني عليه في ظل الاتجاهات المعاصرة..

   بما ان الجريمة تعد انتهاكا للقوانين المنظمة لإرادة المجموع وإخلالا بالنظام العام في المجتمع لذا لم يعتد بالمجني عليه الذي وقعت جريمة على حق شخصي له ما عدا حقه في المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابته من الجريمة ، بل إن هذا الحق نفسه استدعى حماية الذمة المالية للجاني ما دام لم يعد الفاعل الوحيد للجريمة ، فسلوك المجني عليه شكل عنصرا في تقدير التعويض المستحق له عن الأضرار التي وقعت به بسبب الجريمة .(3) كما ان الخلاف الفقهي حول الحق الذي مسته الجريمة وحول الاطراف الحقيقيين للدعوى الجزائية في ظل نظام الاتهام العام سبب اشكالية في تحديد الوضع القانوني للمجني عليه وذاتية مركزه ، و سنحاول في هذا المبحث تسليط الضوء على تعريف المجني عليه واهم الاعتبارات التي تتحكم في تحديد مركزه في مطلب اول بينما سيخصص مطلب ثان لبيان ذاتية المجني عليه في ظل الاتجاهات الاجرائية المعاصرة ، على النحو الاتي:

المطلب الأول//تعريف المجني عليه والاعتبارات التي تتحكم في تحديد مركزه..

   من المعلوم ان الدولة ظلت بعيدة عن مسار العلاقة بين الجاني والمجني عليه في الدعوى الجزائية إلا بالقدر الذي يضمن عدم لجوء الأفراد إلى الانتقام والأخذ بالثار .و على الجاني إذا أراد أن يتفادى ملاحقته جنائيا أن يبادر إلى الصلح مع المجني عليه أو ورثته كإجراء بديل يحقق للمجني عليه أو لورثته الترضية المادية والمعنوية التي تحول دون السير في إجراءات الملاحقة وفي ظل هذا الوضع الذي ناسبه نظام الاتهام الفردي .ظهر المجني عليه في الدعوى الجزائية دون أن يكون بالضرورة مضرورا من الجريمة متصرفا ومدافعا عن حقوقه ومصالحه التي أهدرتها الجريمة 0ولم يبدأ تجاهل المجني عليه بصورة كاملة إلا بالفصل التام بين حق الدولة في عقاب الجاني للضرر العام الذي تحدثه الجريمة ووسيلتها للحصول على هذا الحق الدعوى الجزائية وبين حق المجني عليه في التعويض عن الضرر الشخصي الذي أصابه من الجريمة ووسيلته للحصول عليه الدعوى المدنية التي يملك – في الغالب – ان يرفعها بالتبعية للدعوى الجزائية المرفوعة على المتهم ولقد صاحب هذا الفصل نظام الاتهام العام .الذي لا يزال هو النظام السائد في العديد من القوانين الإجرائية .ولو مع عد التغيرات التي أدخلت عليه وأثرت على مفهوم المجني عليه مادام إن ما يميزه حتى الآن هو أن الدعوى الجزائية طرفاها المدعي والمتهم بعد استبعاد المجني عليه .(4) والواقع إن التمييز في الضرر الذي تحدثه الجريمة بين الضرر العام وهو ضرر ثابت بالمخالفة للقوانين المعمول بها في الدولة والضرر الخاص ، ويقصد به الضرر الذي يصيب فردا من الأفراد لا يثير مشكلة فالجريمة في كل الأحوال تضر بالمجتمع حتى لو وقع ضررها المباشر على فرد من أفراده إما بإهدار حق له يحميه القانون الجنائي أو إنقاصه كما هو الشأن في الجرائم التي تقع اعتداء على الحق في الحياة أو في السلامة الجسدية أو الشرف والاعتبار أو الملكية . وإما تهديده بالضرر كما هو الشأن في جرائم الشروع في قتل أو سرقة . وإنما المشكلة في نظام الاتهام العام نفسه الذي حصر مفهوم المجني عليه في الدعوى الجزائية في إطار الحق في الحصول على التعويض عن الضرر الذي أصابه من الجريمة ولم يعطه بصفته من وقعت الجريمة عليه حقوقا في الدعوى الجزائية تتناسب مع حقوقه الشخصية التي أهدرتها الجريمة ومن هنا ظهرالمجني عليه المختفي وراء فكرة الضرر 0(5) وسنحاول في هذا المطلب بيان تعرف المجني عليه واهم الاعتبارات التي تتحكم في تحديد مركزه القانوني في الفروع الاتية:

  

الفرع الاول// تعريف المجني عليه..

   نعرض في هذا الفرع للتعريف التشريعي والفقهي والقضائي وكما يأتي:

اولا // التعريف التشريعي..

   لم يعرف قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم ( ٢٣ ) لسنة ١٩٧١ المعدل او في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، مثل قوانين عدة المجني عليه (6) ، لكنه إستخدم مصطلح المجني عليه، فنص على عدم جواز تحريك الدعوى الجزائية إلا بناء على شكوى من المجني أو من يمثله قانوناً في الجرائم المنصوص عليها في المادة الثالثة منه (7) ، ويبدو أنه يقصد بذلك إن المجني عليه هو الشخص الذي وقعت عليه نتيجة الجريمة، أو أعتدي على حقه الذي يحميه القانون ، ثم ميّز بين المجني عليه والمتضرر من الجريمة ،فأعطى الأخير حق الادعاء بالحق المدني ضد المتهم والمسؤول مدنياً للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي سببته الجريمة ، وربما لم يجد المشرع العراقي ضرورة لمثل هذا التعريف ، مادام طرفا الدعوى الجزائية، هما المجتمع الذي تضرر من الجريمة، والمتهم الذي أخل بقوانينه ، أو قد يكون ذلك راجعا إما لوضوح هذا المصطلح ، وٕاما غموضه وما يثيره هذا التعريف من اعتراضات من جانب الفقه ، وهذا هو النهج الذي إنتهجته اللجنة المكلفة بإعداد مشروع قانون العقوبات الفرنسي ،عندما رات استبعاد كل تعريف يكون محلا للخلاف الفقهي. وٕاذا تعيّن القول إن المجني عليه هو من وقعت عليه الجريمة فإن صفته كمجني عليه في الدعوى الجزائية ليس لها اعتبار إلا ما تعلق بهذه الصفة ،إذ يمكن القول إن نظام الاتهام العام لم يعتد بإرادة المجني عليه إلا في نطاق ما أصطلح على تسميته بجرائم الشكوى، وهي الجرائم التي لا يجوز تحريك الدعوى الجزائية فيها، إلا بناء شكوى من المجني عليه ،أو من يمثله قانوناً (8).وبخلاف الاتجاه السابق فإن بعض التشريعات وضعت للمجني عليه تعريفاً محدداً في نصوص قانونية ،فقد عرفه قانون الاجراءات الجنائية لجمهورية بولندا لسنة ١٩٦٩ في المادة ( ٤٠ ) منه بأنه:(صاحب المال القانوني أو الحقوق التي انتهكتها الجريمة مباشرة أو هددتها بالإنتهاك سواء كان شخصاً طبيعياً أو قانونياً ، ويجوز عد الجماعات أو الجمعيات العامة أو الاجتماعية مجنيا عليها حتى لو لم تكن شخصية قانونية) .إما قانون الاجراءات الجنائية للاتحاد السوفيتي (السابق) لعام ١٩٥٨ فقد عرف المجني عليه في المادة ( ٢٤ ) منه بالنص على أنه: (يعتبر مجنيا عليه الشخص الذي تسببت الجريمة في إلحاق ضرر معنوي أو جسماني أو مالي به ) .والتعريف بهذه الصياغة ، لا يفرق بين المجني عليه والمتضرر من الجريمة، إذ إن المجني عليه قد لا يصاب بضرر مادي أو جسمي أو أدبي من الجريمة، فضلا عن إن ضرر الجريمة قد لا يقتصر على المجني عليه، وإنما يطال أشخاص آخرين كأفراد أسرته ، وهو ما يؤدي إلى الخلط بين المجني عليه والمتضرر من الجريمة. (9)

ثانيا // التعريف الفقهي..

  وعلى الصعيد الفقهي(10) فقد ورد تعريف المجني عليه في الفقه الفرنسي ، بأنه ذلك الشخص الذي أصابته الجريمة بضرر ما أيا كان نوع هذا الضرر بشرط أن يكون هذا الضرر شخصيا ومباشراً او هو ذلك الشخص

الذي يطلب التعويض عن ضرر أصابه من جريمة جنائية بأكثر من طريق ولكنها ليست ذات فاعلية واحدة.(11) ، ولم يخرج الفقه المصري عن هذا النطاق، اذ انه من المستقر عليه أن المجني عليه هو صاحب الحق الذي يحميه القانون بنص التجريم ووقع الفعل الإجرامي عدوانا مباشراً عليه.(12) ، وعرفه البعض الآخر بأنه : صاحب الحق أو المصلحة المشمولين بالحماية بنص واللذين أصابتهما الجريمة بضرر أو هددتهما بالخطر.(13) . ويساير الفقه العراقي كلا من الفقه الفرنسي والمصري في تعريف المجني عليه (14) ويستفاد من ذلك أن الجريمة متى أكتمل لها بنيانها القانوني فيترتب عليها أضرار متعددة منها ما يصيب المجتمع أو المصلحة العامة ، ومنها ما يصيب المصلحة الخاصة بالشخص الذي وقعت عليه تلك الجريمة وفى هذه الحالة الأخيرة تكون الأضرار شخصية ومباشرة ومترتبة على تلك الواقعة الجنائية فيكون هذا الشخص مجنيا عليه جنائيا – وبناء على ذلك يبدو أن أقرب تعريف للمجني علية هوالذي يصفه بأنه: الشخص الذي وقع عليه الاعتداء ومسته الجريمة في حق من حقوقه التي صانها وحماها المشرع بنص عقابي. كما يشترط أن يكون الاعتداء قد أصاب حقا صانه القانون بأي نص تجريم سواء أورد في قانون العقوبات أم غيره من القوانين العقابية ، فالشخص الذي وقع عليه الفعل الإجرامي في التحريض على تناول المخدرات يعد مجنيا عليه في جريمة خاصة تحددها و تنص عليها تشريعات المخدرات المقارنة.(15)

ثالثا // التعريف القضائي..

   وبالنسبة لموقف القضاء فلا تختلف أحكام القضاء الفرنسي عن التعريفات الفقهية فترى أن المجني عليه هو من وقعت عليه الجريمة شخصيا ، ولكنها لا تعترف له بالحق في إقامة الدعوى الجزائية إلا إذا كان قد أصابته أضرار شخصية ومباشرة وادعى بحقوق مدنية حتى يطلق عليه تعبير المضرور من الجريمة كما ورد في نص المادة 1/2 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، وفى هذا قضـت المحاكم الفرنسية بان: الشكوى المقدمة من المجني عليه في جناية أو جنحة إلى قاضى التحقيق يترتب عليها نفس الأثر الذي يترتب على اتهام النيابة العامة للمتهم وهو تحريك الدعوى الجنائيـة.(16) أما محكمة النقض المصرية فقد عرفت المجني عليه بأنه:- كل من يقع عليه الفعل أو يتناوله الترك المؤثم قانونا سواء أكان شخصا طبيعيا أم معنويا بمعنى أن يكون هذا الشخص نفسه محلا للحماية القانونية التي يهدف إليها الشارع . (17)أما القضاء العراقي فلم يعرف المجني عليه صراحة لكن الاستنتاج الأكيد من قرارات المحاكم العراقية يشير الى ان المقصود بالمجني عليه هو من شكلت الجريمة اعتداء على حق من حقوقه المحمية بموجب القانون .(18) وهناك شواهد قضائية اخرى تدل على استعمال لفظ مجني عليه في مناسبات عديدة.(19)

الفرع الثاني // الاعتبارات التي تتحكم في تحديد مركز المجني عليه..

اذا كان المجني عليه هو من وقعت الجريمة عليه بالمعنى المذكور سابقا .وان صفته كمجني عليه في الدعوى الجزائية ليس لها اعتبار إلا ما تعلق بهذه الصفة بحيث يمكن القول إن نظام الاتهام العام لم يعتد بإرادة المجني عليه إلا في نطاق ما اصطلح على تسميته بجرائم الشكوى وهي الجرائم التي يمتنع فيها على الادعاء العام تحريك الدعوى الجزائية إلا بناء على شكوى من المجني عليه(20).وإذا كان الادعاء العام في هذه الجرائم لا يملك تحريك الدعوى الجزائية إلا بناء على شكوى من المجني عليه فمتى تقدم هذا الأخير بالشكوى فالادعاء العام أن يحرك الدعوى أو لا يحركها وفي عبارة عامة فان سلطة الادعاء العام بعد تقديم الشكوى في

جريمة يشترط القانون فيها الشكوى هي ذات سلطته في جريمة لم يتطلب فيها القانون تقديم الشكوى .(21) فإذا انتهى الادعاء العام إلى تحريكها فالمجني عليه أثناء سير الدعوى _وقبل أن يصدر في الدعوى حكم نهائي أن يتنازل عن الشكوى فتنقضي الدعوى الجزائية طبقا للمادة 9 / جـ من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي التي نصت: (يحق لمن قدم الشكوى ان يتنازل عنها، واذا تعدد مقدمو الشكوى فان تنازل بعضهم لا يسري في حق الآخرين.) ومثل ذلك ما ورد في بعض القوانين العربية (22). وهكذا يمكن القول ان إرادة المجني عليه في ظل النظام التقليدي للاتهام العام يمكن ان تمثل عقبه إجرائية تارة عند ارتكاب جريمة من جرائم الشكوى وتارة ثانيه أثناء سير الدعوى الجناية المتعلقة بها. (23) وبالنظر إلى أن الاعتداد بهذه الإرادة ولو في النطاق المحدود بهذه الجرائم ,يخالف مفهوم المصلحة العامة من وجهة نظر الاتهام العام فقد نظر دائما إلى هذا الاستثناء باعتباره أثرا باليا لنظام قد ولى ولا يقصد به غير نظام الاتهام الفردي.(24) ولكن السنوات الأخيرة شهدت ميلا من جانب التشريعات الإجرائية التي نشأت في أحضان نظام الاتهام العام نحو التوسع في الاعتداد بإرادة المجني عليه في الدعوى الجزائية وبصرف النظر عن الاعتبارات التي أملت عليها هذا الاتجاه فقد أضفى هذا التوسع أهميه على التمييز بين المجني عليه والمضرور من الجريمة لملاحظة التغير الذي طرأ على مفهوم المجني عليه في الدعوى الجزائية بحسبان ان النظم الإجرائية المستحدثة قد اعتدت بإرادة المجني عليه بصرف النظر عن كونه مضرورا من الجريمة في ترتيب بعض الآثار القانونية في إطــــار الدعوى الجزائية.(25) وسنبين في هذا الفرع اهم الاعتبارات التي تتحكم في تحديد مركز المجني عليه في ظل الاتجاهات الاجرائية المعاصرة وكما يأتي:

اولا // الضرر العام والضرر الخاص..

أدى التمييز في الضرر الذي تحدثه الجريمة بين الضرر العام والضرر الخاص إلى قيام الدولة نيابة عن المجتمع بملاحقه الجاني من خلال دعوى عامة تباشرها باسمه بواسطة أجهزتها العامة لإزالة الاضطراب الذي أحدثته الجريمة بالمجتمع ولكي تدخل الدولة بذلك في علاقة مباشرة مع الجاني.لا ينظر من خلالها إلى المجني عليه إلا بحسبان الضرر الخاص الذي لحقه من الجريمة والذي يكون الجاني مسئولا عن التعويض عنه وفقا لمبدأ المسئولية الأخلاقية وبموجب هذا المفهوم فحسب أعطى المجني عليه حقوقا في الدعوى الجزائية ليس من شانها أن توقف أو تعطل سيرها.ولقد بدا واضحا منذ القرن الثامن عشر .أن الدعوى الجزائية في طريقها لحماية المصلحة العامة ، و بالنسبة للضرر الخاص فقد أوجبت الطبيعة العامة للدعوى الجزائية أن تحل النيابة العامة ( الادعاء العام ) محل المجني عليه وهو من وقعت الجريمة عليه بوصفه فردا من أفراد المجتمع وبالتالي ظهور : المضرور من الجريمة الذي لا يشترط أن يكون مجنيا عليه وهكذا اختفى المجني عليه في الدعوى الجزائية وراء فكرة الضرر فله بصفته مضرورا أن يقيم نفسه مدعيا(26) بحقوق مدنية في الدعوى الجزائية المرفوعة أمام القضاء الجنائي فتتحرك الدعوى الجزائية بالطريق المباشر ولن يظهر بصفته مجنيا عليه إلا في نطاق ما يسمى بجرائم الشكوى ، و طبقا لذلك تعد حقوق المجني عليه الناجمة عن الجريمة في مواجهة المسؤول بقدر الضرر الذي أصابه هي الأساس في إعطاء المجني عليه حق الادعاء بحقوق مدنية أمام القضاء الجنائي ، ليس باعتبار اختصاص القضاء الجنائي بالدعوى المدنية وإنما بالنظر إلى مصلحة المجني عليه في سرعة الإجراءات الجنائية التي لا نظير لها في الإجراءات المدنية التي تسيـر

ببطء فيما لو طرق باب القضاء المدني ولكي يحصل المجني عليه على التعويض عن الضرر الذي أصابه لابد من وجود مسؤول مباشر مرتكب للفعل الإجرامي بصفته فاعلا أو شريكا عن التعويض وقد يكون هذا المسئول معسرا ، وهنا يتعين البحث عن مسؤول غير مباشر ( المسئول المدني ) ليتحمل التعويض(27) وقد رتب نظام الاتهام العام على التمييز بين الضرر العام والضرر الخاص الفصل بين الدعويين الجزائية والمدنية . فالدعوى الجزائية أصبحت ملكا للدولة ووسيلتها في تعقيب الجناة وإنزال العقاب بهم وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات الهدف منها الكشف عن الحقيقة وإقرار سلطة الدولة في عقاب كل من الحق الضرر بالمصلحة العامة أو عرضها للخطر ، وهكذا أخذت الدولة مكان المجني عليه في الدعوى الجزائية وأصبح الادعاء العام لا المجني عليه في كل الجرائم .هو الطرف الحقيقي بحيث يمكن القول وبشكل عام :ان المجني عليه لم يعد له أي دور مؤثر في سير الدعوى الجزائية أو إنهائها ولو انه من وقع الاعتداء على حق من حقوقه التي يحميها قانون العقوبات.(28) وبينما سعى نظام الاتهام العام إلى النأي بالدعوى الجزائية عن أن تكون أداة في يد الدولة للتنكيل بالجناة وخصومها السياسيين لم يفعل الشـيء الكثيـر للمجنـي عليـه إذ يتعيـن على هـذا الأخيـر إذا أراد الحصـول على التعويـض للضـررالخاص .من منطق التزام الجاني تبعا لمبدأ المسؤولية الأخلاقية بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن جريمته أن يتحمل وحده مسؤولية وضع التزام الجاني بتعويضه موضع التنفيذ والغالب أن تسمح القوانين الإجرائية المستمدة من نظام الاتهام العام للمجني عليه الادعاء بحقوق مدنية بالتبعية للدعوى الجزائية ، ويجيز بعضها فضلا عن ذلك للمجني عليه الحصول على التعويض بواسطة الدعوى المباشرة أمام القضاء الجنائي.(29)    

ثانيا // الدعوى الجزائية والدعوى المدنية..

جاء في المذكرة الايضاحية الملحقة بقانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل ما ياتي : (جواز اقامة الدعوى المدنية من قبل المتضرر من الجريمة على المسؤول مدنيا عن فعل المتهم تبعا للدعوى الجزائية المقامة على المتهم (م 13) وجواز تدخل المسؤول مدنيا في الدعوى (م 14). وهذه النصوص قطعت الخلاف في اجتهاد المحاكم ما بين مجيز لدخوله في الدعوى الجزائية بحجة ان القانون المدني رتب عليه مسؤولية مدنية وبين مانع له بحجة انه لا يحكم بالتعويض الا تبعاً لعقوبة اصلية تصدر على الشخص نفسه وهو ما لم يتوفر في حالة المسؤول مدنيا.)ومن التشريعات التي أقامت تشريعها الإجرائي في وقت مبكر على الفصل بين الدعويين الجنائية والمدنية مع تخويل المجني عليه حق الادعاء بحقوق مدنية أمام القضاء الجنائي (هولندا) في عصرهوجو جروتيس (1583-1645) وكذلك فرنسا بموجب المادة (5) من القسم الثالث في الأمر الصادر سنة 1670. (30) وقد اخذت مصر كغيرها من الدول التي اعتنقت نظام الاتهام العام بنظرية الدعوى المدنية التي يقيمها المضرور من الجريمة _سواء كان هو المجني عليه أم غيره أمام القضاء الجنائي والتي تستقل عن الدعوى الجنائية التي يقيمها المجتمع وتباشرها النيابة العامة باسمه وطبقا لما أوردته المذكرة الإيضاحية لقانون الإجراءات الجنائية إذا كانت الدعوى الجنائية عمومية أي ملكا للجماعة فقد نيطت مباشرتها بالنيابة العامة بصفتها ممثله للجماعة وانطلاقا من الطبيعة العامة للدعوى الجنائية نصت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية على أن تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولا ترفع من غيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون ولا يجوز ترك الدعوى الجنائية أو وقفها أو تعطيل سيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون والواقع انه لا ينال من هذه الطبيعة أن المشرع أورد استثناءات تتعلق برفعها أعطى بموجبها المضرور من الجريمة عند توافر الشروط التي يتطلبها القانون حق رفع الدعوى الجنائية بالطريق المباشر (المادة 232 إجراءات) ومنح بموجبها المجني عليه ولو لم يكن مضرورا من الجريمة في جرائم الشكوى حرية رفع الدعوى الجزائية أو عدم رفعها بمعرفة النيابة العامة فلا تملك هذه الأخيرة رفع الدعوى الجنائية الناشئة عن هذه الجرائم إلا بناء على شكوى المجني عليه (المادة 3 إجراءات)(31) والوضع الموجود في مصر نفسه ينطبق على العراق.اذ نصت المذكرة الايضاحية لقانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل على جواز اقامة الدعوى المدنية من قبل المتضرر من الجريمة على المسؤول مدنيا عن فعل المتهم تبعا للدعوى الجزائية المقامة على المتهم (م 13) وجواز تدخل المسؤول مدنيا في الدعوى (م 14). وهذه النصوص قطعت الخلاف في اجتهاد المحاكم ما بين مجيز لدخوله في الدعوى الجزائية بحجة ان القانون المدني رتب عليه مسؤولية مدنية وبين مانع له بحجة انه لا يحكم بالتعويض الا تبعاً لعقوبة اصلية تصدر على الشخص نفسه وهو ما لم يتوفر في حالة المسؤول مدنيا.وتحرك الدعوى الجزائية بطريق الشكوى (32) او الاخبار ، وإن الشكوى هيتصرف قانوني يصدر من المجني عليه أو من يقوم مقامه قانونا ضمن المدة التي حددها القانون يتضمن طلب الى السلطة المختصة بتحريك الدعوى الجزائية في بعض الجرائم التييرى المشرّع فيها إعطاء مصلحة المجني عليه الأولوية والاعتبار .(33) وقد أخذت العديدمن التشريعات بهذا الأسلوب للحيلولة دون تحريك الدعوى الجزائية إذا لم يقدم المجني عليه الشكوى، حتى يفسح المجال للجاني وأسرته في إرضاء المجني عليه للحيلولة دونتقديم الشكوى.(34) أو أن المجني عليه يرى أن مصلحته في عدم تحريك الدعوىالجزائية كما هو الحال في جريمة الزنا.(35) ففي هذه الجريمة نجد أن الحق المعتدى عليه يتصل بالرابطة والصلة العائلية فيكون المجني عليه هو أفضل من يقدر أهمية هذا الاعتداء ومدى جدارته لأن تتخذ الإجراءات الجنائية في شأنه بأن المشرّع قد حدد على سبيل الحصر الجرائم التي لا يجوز تحريكها إلا بناءً على شكوى من المجني عليه،(36) كالسرقة بين الأزواج وبين الأصول والفروع حيث يخشى المشرع أن يكون أضرار الإجراءات الجنائية بهذه الصلات وبالمجتمع أكثر من الفائدة التي يمكن أن يحققها، فيترك للمجني عليه المقارنة بين الوجهتين وتقدير أيهما أجدر بالرعاية.(37) ولما كان المشرع الجنائي قد ترك للمجني عليه في الجرائم التي قيد تحريك الدعوى فيها بقيد الشكوى ملائمة تحريك الدعوى الجزائية من عدمه، فان من المعقول والمنطقي أن يمنحه الحق في التنازل عن الشكوى بعد تقديمها، وان يرتب على ذلك أثرا مهما هو انقضاء الدعوى الجزائية ذلك أن المجني عليه قد يرى بعد أن يكون قد حرك الدعوى بتقديمه للشكوى أن مصلحته تتطلب وقف السير فيها.(38)

ثالثا // الحق الجزائي والحق المدني..

   في معرض ذكر الحق الجزائي والحق المدني نصت المادة التاسعة من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل على ان : (أ – تقديم الشكوى يتضمن الدعوى بالحق الجزائي وهو طلب اتخاذ الاجراءات الجزائية ضد مرتكب الجريمة وفرض العقوبة عليه. وتتضمن الشكوى التحريرية الدعوى بالحق المدني ما لم يصرح المشتكي بخلاف ذلك. ب – لا تنظر المحكمة الجزائية في الدعوى بالحق المدني الا تبعاً للحق الجزائي.)لا بد من بيان ان المجني عليه في الجريمة غير مطلق المضرور منها أي سواء كان مجنيا عليه ام غير مجني عليه وان للمضرور لا للمجني عليه حق الادعاء بحقوق مدنية أمام القضاء الجنائي وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض المصرية بأنه : (ليس في القانون ما يمنع أن يكون المضرور من الجريمة أي شخص ولو كان غير المجني عليه مادام قد اثبت قيام هذا الضرر وكان ناتجا عن جريمة ذلك أن المناط في صفة المدعي ليس وقوع الجريمة عليه وإنما هو إلحاق الضرر الشخصي به بسبب وقوع الجريمة) .(39) ويعد هذا القضاء تطبيقا مباشرا لنصوص قانون الإجراءات الجنائية التي تخول المضرور من الجريمة حق الادعاء بحقوق مدنية أمام القضاء الجنائي .(40) ومؤدي ما تقدم أن : المجني عليه لا يظهر في الدعوى الجزائية إلا بصفته مدعيا بحقوق مدنية عن الضرر الذي لحقه من الجريمة لا يميزه شي عن المضرور من الجريمة إلا ما تعلق بجرائم الشكوى التي يمتنع فيها على النيابة العامة تحريك الدعوى الجنائية الأبناء على شكوى من المجني عليه ولهذه الملاحظة أهميتها في تعريف المجني عليه استقلالا عن فكرة الضرر أي بصرف عما إذا كان مضرورا أم غير مضرور من الجريمة بحيث لا يختلط بمطلق المضرور أي سواء كان مجنيا عليه ام غير مجني عليه 0 ويمكن التمييز في شان تعريف المجني عليه بين وجهتي نظر تذهب الأولى إلى تعريفه في عبارة موجزه فهو من وقعت الجريمة عليه ، ويندرج في إطارها كل التعريفات التي ميزت بين المجني عليه والمضرور وهو من امتد إليه غرض الجريمة أو تعدى إليه ضررها (41)0 ويفضل بعض أنصار وجهة النظر هذه تعريف المجني عليه بقوله (المجني عليه هو صاحب الحق الذي يحميه القانون بنص التجريم ووقع الفعل الإجرامي عدوانا مباشرا عليه 0ومن ثم فانه لا يكفي الاعتبار شخص مجنيا عليه ان يكون قد أصابه ضرر مباشر بارتكاب الجريمة وإنما يتعين ان يتخذ هذا الضرر صورة النتيجة الإجرامية .(42) وتتفق وجهة النظر هذه مع تعريف محكمة النقض للمجني عليه اذ تعرفه بقولها (هو الذي يقع عليه الفعل او يتناوله الترك المؤثم قانونا سواء أكان شخصا طبيعيا او معنويا بمعنى ان يكون هذا الشخص نفسه محلا للحماية القانونية التي يهدف إليها الشارع .(43) بينما تذهب وجهة النظر الثانية إلى تعريف المجني عليه بأنه يشمل فضلا عمن أراد الجاني الاعتداء على حق من حقوقه كل من تحققت فيه النتيجة الجنائية التي يعاقب عليها القانون فلا يعتد بما إذا كان قد ابتغاها لمن وقعت عليه أم لا فإذا كانت النتيجة قد تحققت فيمن وجه إليه الجاني نشاطه فلا صعوبة وان توافرت في غيره ولم يقصده فهو مجني عليه أيضا.(44)وإذا توافرت الأضرار سالفة الذكر بالشخص صار مضروراً من الجريمة ، وإذا تقدم بطلباته الإجرائية للتعويض عن هذه الأضرار اجتمعت فيه صفتي المضرور من الجريمة والمدعى بالحق المدني ، أي أن الأخير هو من أصابته الجريمة بضرر ما ارتبط بعلاقة سببية بالفعل الذي يقوم به الركن المادي للجريمة وقدم طلبه أمام القضاء الجنائي للتعويض عن هذه الأضرار.(45) ويبدو من هذا العرض الدور الإجرائي للمدعى بالحق المدني في دعواه المدنية ، حيث يمكن القول بأنه منشئها والمتصرف فيها فهو الذي حركها ابتداءًوله أن يباشرها أمام القضاء الجنائي ويجوز له أن ينهيها في أي وقت شاء بمقابل أو بدون مقابل ، وهو في هذا الدور يختلف عن دور الادعاء العام الذي لا يملك التنازل أو الصلح عن الدعوى الجزائية ، وبهذا أخذت معظم تشريعات الدول العربية.(46) ويساير الاتجاه القضائي المقارن مذهب الفقه والتشريع في قصر الإدعاء المدني والإدعاء المباشر على المدعى بالحق المدني المضرور من الجريمة ، إذ قضت محكمة النقض المصرية بأن :- لما كـان منـاط قبول الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية هو أن يكون الضرر المطلوب التعويض عنه قد نشأ مباشرة عن الفعل المكون للجريمــة المرفوعــة بها الدعــوى الجنائيــة وكان لا يوجد ما يمنع من أن يكون المضرور من الجريمة شخصا آخر خلاف المجني عليه ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن زوجة المجني عليه قد لحقها ضرر نشأ مباشرة عن الجريمة التي وقعت على زوجها ، فإن ما يثيره الطاعن بخصوص قبول دعواها يكون غير سديد.(47) وأخيراً فقد أجمعت التشريعات المقارنة على ضرورة توافر أهلية الإدعاء لدى المدعى بالحق المدني وفقا للمادة252 من القانون المصري والمادة 11 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي والمادة 23/1 من القانون الإماراتي والمادة 3/2 من القانون الأردني،(48) وهذا ما يعنى اشتراط قدرة المضرور من الجريمة على التصرف في حقوقه والتعبير عن ذلك ، فإذا كان هذا المجني عليه لازال صغيراً دون الخامسة عشر من عمره أو مصابا بعاهة في عقله فلا يقيل الإدعاء المدني إلا من ممثله القانوني أو وليه أمر وصيه أو القيم عليه حسب الأحوال.

المطلب الثاني// ذاتية مركز المجني عليه..

   من المعلوم  ان الاعتداء الناتج عن الجريمة يمس شخص المجني عليه سواء أكان شخصا طبيعيا أم معنويا إذ يستوي أمام القانون شخص المجني عليه ، فالقانون كما يعترف للشخص الطبيعي بحقه في اكتساب صفة المجني عليه ، فانه يعترف أيضا للشخص المعنوي بهذه الصفة. كما أن الجريمة لابد وأن تنال بالاعتداء حقا مقرراً بهذا الشخص أيا كان هذا الاعتداء وأياً كان هذا الحق ، فصاحب المال المسروق مجنيا عليه والمعتدى عليه في جرائم الاعتداء على الأشخاص مجنيا عليه والمقذوف في حقه أو شرفه أو اعتباره مجنبا عليه في جرائم السب . والمغتصبة مجني عليها في جرائم الاغتصاب، والمهتوك عرضها مجني عليها في جرائم هتك العرض، فتعبير المجني عليه يشمل – إذن – الذكر والأنثى. ان المجني عليه على وفق هذا المفهوم يظهر اما بصفته مضرورا من الجريمة او بصفته ضحية لها كما قد يظهر من ناحية الاجراءات بوصفه مشتكيا او مخبرا عنها . وسيتم بيان كلا من هذه الامور في الفروع الاتية :

الفرع الاول//المجنـي عليـه بوصفـه متضـررا من الجريمـة..

   ورد ذكر المتضرر من الجريمة في المادة الاولى من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل التي نصت في فقرتها : أ – تحرك الدعوى الجزائية بشكوى شفوية او تحريرية تقدم الى حاكم التحقيق او المحقق او أي مسؤول في مركز الشرطة او أي من أعضاء الضبط القضائي من المتضرر من الجريمة او من يقوم مقامه قانوناً او أي شخص علم بوقوعها او بإخبار يقدم الى أي منهم من الادعاء العام ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. ويجوز تقديم الشكوى في حالة الجرم المشهود الى من يكون حاضراً من ضباط الشرطة ومفوضيها.ولتحديد من هو المجني عليه ,الذي نعرض لمفهومه يجب أن نعين المقصود بـ (المتضرر من الجريمة) ، وللإجابة على التساؤل الذي يطرح عادة :هل صحيح _كما يذهب البعض _إن المجني عليه مضرور دائما من الجريمة ,بحيث إذا أطلقت عبارة المضرور من الجريمة ينصرف الذهن مباشرة إلى مجني عليه بصرف النظر عن وجود أو عدم وجود مضرورين آخرين من الجريمة وبعبارة أخرى إذا تعلق الأمر بالمجني عليه هل يتعين أن نوحد في الدلالة بين مصطلح المجني عليه ومصطلح المضرور من الجريمة, فلا يلزم لظهور المجني عليه في الدعوى الجزائية ان يختفي وراء فكرة (الضرر) بحيـث يتمتع لمجرد توافر صفة المجني عليه بالحقوق المعطاة للمضرور من الجريمة حال كون هذا الأخير مدعيا بحقوق مدنية أمام القضاء الجنائي . فضلا عن سائر الحقوق المقررة للمدعى بالحقوق المدنية في الإجراءات الجنائية؟ (49)وللإجابة عن ذلك لا بد من تعريف المتضرر من الجريمة بأنه : كل شخص أصابته الجريمة المرتكبة بأضرار شخصية ومباشرة ومحققة. وبناء عليه نصت المادة العاشرة من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي قم 23 لسنة 1971 المعدل:( لمن لحقه ضرر مباشر مادي او ادبي من اية جريمة ان يدعي بالحق المدني ضد المتهم والمسؤول مدنياً عن فعله مع مراعاة ما ورد في المادة التاسعة بعريضة او طلب شفوي يثبت في المحضر اثناء جمع الادلة او اثناء التحقق الابتدائي او امام المحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية في اية حالة كانت عليها حتى صدور القرار فيها ولا يقبل ذلك منه لأول مرة عند الطعن تمييزاً.) ولا تختلف التشريعات المقارنة في تعريف المضرور من الجريمة عن هذا الوصف.(50)وتبدو أهمية هذا التمييز بين المجني عليه والمتضرر من الجريمة في الآثار التي تترتب على ذلك سواء من الناحية الموضوعية أم من الناحية الاجرائية ، فقد يمنح المشرع للمجني عليه حقوقا لا تعطى للمتضرر من الجريمة ،وعلى سبيل المثال يرتب قانون العقوبات على رضا المجني عليه نفي أحد الاركان الذي تقوم به بعض الجرائم او قد يؤدي الى تخفيف عقوبة الجريمة او تشديدها ، كما قيد الادعاء العام في تحريك الدعوى الجزائية على شكوى من المجني عليه في بعض الجرائم، وأعطاه حق التنازل عن الشكوى والصلح فيها كما يتوقف قرار المحكمة بقبول الصفح على طلب من المجني عليه أو من يمثله قانوناً في حالة صفح المجني عليه أما المتضرر من الجريمة فقد خوله القانون حق الإدعاء المدني بالتبعية للدعوى الجزائية.(51) واللافت للنظر في التشريعات المقارنة أنها لم تنتهج مذهبا واحداً في تحديد نوع هذه الإضرار التي تصيب ذلك المضرور من الجريمة. فبينما نجد التشريع العراقي في المادة المذكورة والتشريع المصري اشترط في المادة 251 مكرر أن يكون الضرر شخصياً ومباشراً ، ومحققا سواء حالا أم مستقبلا ، نجد أن التشريعيين الإماراتي والكويتي لم ينصا على نوع تلك الأضرار .(52)ولا يشترط في المتضرر من الجريمة أن يكون مجنيا عليه بمعنى انه لا يلزم ان يتخذ الضرر الناتج عن هذه الجريمة صورة النتيجة الإجرامية وإن كان في الغالب يتحدان بحيث يكون المجني عليه هو ذاته المضرور من الجريمة ، ولكن إذا اختلفا فعلا فالمضرور من الجريمة هو الذي يوليه التشريع المقارن حماية أكبر من المجني عليه بالنظر إلى الأضرار التي أصابته . ولهذا يقرر جانب من الفقه – وبحق – « أن القانون الفرنسي لا يرتب للمجني عليه بوصفه كذلك أي حق وإنما يفترضه دائما صاحب حق مدني ولا يقبله إلا كذلك ». (53) وبناء على ذلك فلا يجوز الإدعاء المدني من المجني عليه ولا يجوز له تحريك الدعوى بالإدعاء المباشر في الدول التي تأخذ بهذا النظام . وترتيبا على ما تقدم فإن المضرور من الجريمة يطلق عليه التشريع المقارن – اصطلاحا – تعبير المدعى بالحق المدني. وقد بدا عدم التمييز واضحا بين المجني عليه والمضرور من الجريمة في مؤتمر الأمم المتحدة السابع للوقاية من الجريمة وعلاج المجرمين.(54) الذي مد التعريف عليه إلى مطلق المجني عليه. (55) أي سواء أصابه ضرر من الجريمة ولو لم يكن مجنيا عليه فيها إذ وفقا لما استقر عليه الرأي في المؤتمر يدخل في بيان الأشخاص الذين يصدق عليهم أنهم مجني عليهم : الأشخاص الطبيعيون الذين عانوا ضررا بما في ذلك الإصابة البدنية أو العقلية والآلام العاطفية أو الخسارة المالية متى كان هذا الضرر ناتجا عن أفعال أو امتناعات يجرمها القانون الوطني وكذلك عند اللزوم الأسرة اللصيقة بالمجني عليه مباشرة والأشخاص المعتمدون عليه والأشخاص الذين قاسوا ضررا تبعا لتدخلهم في سبيل مساعدته هو في حالة الحرج أو سبيل تفادى وقوع الجريمة عليه كما ذهب الفقيه بوزا من قبل إلى عدم التمييز بين المجني عليه والمضرور من الجريمة ؛ فمن وجهة نظره يعد كل من لحقه ضرر من الجريمة مجنيا عليه بقوله : يقصد بالمجني عليه بصفة عامه الشخص الذي كابد وعانى من تصرفات الغير أو من حوادث مشئومة . ولذا يعد المجني عليه طرفا سلبيا يقابله طرف إيجابي هو من سبب ( الجاني ) الضرر فالمجني عليه تعرض لموقف ظالم .يفرض على العدالة أن تعوضه عن معاناته وان تزيل الظلم. (56) بينما يذهب آخرون.(57)   إلى قصر عدم التمييز بين المجني عليه والمضرور من الجريمة على المجني عليه وحده . ولذا يرى أن المجني عليه مضرور بالجريمة في كل حال . (58) الا أن بعض الفقهاء يذهب الى أن المتضرر من الجريمة , هو من لحقه ضرر مادي أو أدبي قد يكون شخصا آخر غير المجني عليه ولو أن الغالب ان تقع الجريمة على شخص المجني عليه ويناله ضررها ؛فلزم عن ذلك أن يكون المجني عليه في معظم الصور مضرورا من الجريمة وله تبعا لذلك الحق في طلب التعويض أمام القضاء الجنائي ففي جرائم الضرب والإصابة و السرقة والإتلاف الناشئ عن حريق عمدي أو غير عمدي لاشك أن المجني عليه – وهو من وقع به فعل الضرب أو الإصابة أو صاحب المال المسروق أو صاحب الشيء المتلف – يكون مضرورا.(59) وإذا كان الغالب أن يكون المجني عليه متضررا من الجريمة فقد يمتد ضررها إلى غيره . ولا يعني ذلك – بطبيعة الحال – ألا يكون المجني عليه قد أصابه ضرر منها مثال ذلك جار المجني عليه في جنحة تخريب أو إتلاف إذا امتد الإتلاف إلى متاعه فيكون له – ولو انه لم يكن مقصودا بالذات بالجريمة- حق الادعاء بحقوق مدنية أمام القضاء الجنائي.وكذلك الشأن بالنسبة لمالك العقار الذي كان موضوعا لجريمة نصب . فهو قد أضير من الجريمة دون أن يكون هو المجني عليه . إذا المجني عليه فيها هو المشتري الذي استولى الجاني على ماله .(60) وقد يتعدى ضرر الجريمة إلى شخص آخر خلاف المجني عليه فلا يكون هذا الأخير مضرورا مثال ذلك جريمة القتل فالمجني عليه فيها هو من وقع عليه الفعل الإجرامي عدوانا مباشرا عليه أما المضرور فيها فهو من كان يعوله القتيل أو القريب الذي أضير بفقد القتيل.(61) وعلى هذا فثمة ضرر في حالتي امتداد الضرر وتعدي الضرر ولكن عندما يفترض انتقال الضررالموجب للتعويض إلى شخص آخر خلاف المجني عليه وهو ما يسمى بالمضرور من الجريمة فقد يحدث خلاف في التطبيق ولا يعني ذلك هدم التفرقة بين مصطلحي المجني عليه (والمجني عليه المضرور من الجريمة) فإذا أطلق شخص عيارا ناريا تجاه آخر لم يصبه وأصاب آخر فقد يرى البعض أن المجني عليه وهو هنا من أراد الجاني الاعتداء عليه لم يصبه ضرر موجب للتعويض عنه لان الضرر الموجب للتعويض تعدى بالكامل إلى شخص آخر وهو هنا المضرور.(62) وغني عن الذكر أن المجني عليه في هذا المثال لم يلحقه ضرر مادي ولكن الضرر الأدبي يظل موقع خلاف وقد اجازت محكمة النقض المصرية في 7 من مايو سنة 1952 تعويض المجني عليه ولو انه لم يصب بالعيار الناري الذي أطلق لما تحدثه هذه الجريمة من إزعاج وترويع ، بينما يرى البعض لا يشترط أن يكون المجني عليه قد أصابه ضرر فعلي بل يكفي ان تكون مصلحته قد تعرضت لمثل هذا الضرر ولو لم يكن قد تحقق بالفعل _ في ذلك توسعا في مفهوم الضرر وان إزعاج المجني عليه أو اضطرابه هو ضرر محتمل بينما الضرر المحقق الوقوع شرط من شروط الضرر الذي يصلح أساسا للدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي كما هو الحال في جرائم الشروع.(63)

الفرع الثاني//المجنـي عليــه بوصفــه ضحيــة للجريمــة..

   اقر البرلمان العراقي لأول مرة بلفظ الضحية عام 3009 في القانون رقم 20 والمتعلق بتعويض ضحايا الارهاب والمتضررين من العمليات العسكرية ، ومع شيوع تداول لفظة (ضحية)أو عبارة (ضحايا الجريمة) بين الباحثين بل وفي المؤتمرات والندوات التي تعقد تحت مسمى ضحايا الجريمة لمناقشة أمور تتعلق بكفالة حقوق هؤلاء الضحايا كان يجب ان نقف على مدلول هذه اللفظة التي لم يرد ذكر لها في القانون بينما شاع استخدامها للتعبير أحيانا عن المجني عليه وأحيانا أخرى للتعبير عن (المجني عليه والمضرور من الجريمة) معا بل وضم إليهما آخرون اعتبروا ضحايا وهؤلاء إما أن يكونوا مجنيا عليهم في جريمة وأما مضرورين منها واغلب الظن إن لفظه (ضحية) ترجمه حرفيه للفظه الفرنسية victime أو اللفظة الانجليزيةvictim التي يقابلها في اللغة العربية (مجني عليه) اشتقاقا من عبارة (جنا). (64) أما لفظة ضحية في اللغة العربية فلم تستخدم بمعنى المجني عليه أو المضرور ,وإنما استخدمت للتعبير عن الشاة التي تذبح ضحية وبها سمى يوم الأضحى.(65) أما في الاصطلاح الفقهي :فيعبر بعض الباحثين عن (المجني عليه) بلفظة (الضحية) فالمجني عليه هو (الضحية) وهو من وقع عليه الاعتداء بفعل يوصف في القانون بأنه جريمة.(66) ومنهم من يصفه بالضحية المباشرة للجريمة ولا يراد بهذا الصف الا التمييز بين المجني عليه الخاص وهو من وقعت الجريمة اعتداء على حق من حقوقه والمجني عليه العام وهو المجتمع الذي تأذى بالجريمة ومنهم.(67) من يؤثر استخدام لفظة (ضحايا) للدلالة على ضحايا السلوك المجرم فضلا عن الذين يصابون بالضرر في عائلهم وأقاربهم الذين أضيروا في إحساسهم وعواطفهم ، إذ يقدم تعريفا لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة يظهر فيه (المجني عليه)ضحية والضحايا _طبقا للتعريف_هم (المجتمع كمجني عليه عام والفرد كمجني عليه خاص وقد يشمل أسرة المجني عليه الخاص في حالة قتله مثلا.كما يشمل المتهم إذا مست حقوقه الأساسية أثناء سير العدالة كما لو حبس تعسفا دون مبرر أو استجوب تحت تأثير تعذيب أو تحت تأثير عقاقير مخدرة ليعترف أو انتهكت سرية مراسلاته ومحادثاته التلفونية وأحاديثه الشخصية وحرية مسكنه وخصوصياته وقد تمس حقوق شهوده أيضا …الخ الأمر الذي يعرضه لآلام بدنية ونفسية مع ضياع لمصالحه المادية وانتهاك لحياته الخاصة وفضلا عما قد تتعرض له أسرته من اضطهاد وتعذيب للضغط عليه).(68) ويلحظ ان هناك اهتمام عالمي بإنصاف ضحية الجريمة، من خلال ضمان تعويضه عن الاضرار التي تلحقه من الجريمة وحماية مصالحه في الدعوى الجزائية ، وكذلك الحديث الذي يكاد لا ينقطع عن حقوق المجني عليه في الدعوى الجزائية وعن اتجاه العديد من الدول الأوربية نحو الاعتداد بإرادة المجني عليه في الدعوى الجزائية

وهو الاتجاه الذي يصاغ أحياناً في تعبيرات واسعة مثل ” إحياء جديد للمجني عليه” أو ” إعادة تخصيص الدعوى الجزائية” في إشارة إلى الجزاء التعويضي(69).ويبدو لنا مما تقدم أن لفظة (ضحية ) تطلق ويراد بها في الغالب كل من المجني عليه والمضرور من الجريمة ،الأمر الذي يطرح من جديد فكرة التسوية بين مصطلحي (المجني عليه) و(المضرور من الجريمة مجنيا عليه) بمعنى ان يكون كل مضرور من الجريمة مجنيا عليه ،وكل مجني عليه مضرورا من الجريمة ،فكلاهما ضحية ،وبالتالي عدم التفرقة في مفهوم المجني عليه في الدعوى الجنائية بين المجني عليه الذي لحقه ضرر منها .أما عن اعتبار المتهم (البريء)ضحية أخرى من ضحايا الجريمة ) وهو الذي زج به في إجراءات التحقيق والاتهام والمحاكمة بغير حق نتيجة تضليل العدالة من قبل الجاني أو لقصور أجهزة العدالة الجنائية عن معرفة الجاني الحقيقي).(70)

الفرع الثالث//المجني عليه بوصفه مشتكيا او مخبرا عن الجريمة..

   وإذا كان تعريف المجني عليه على نحو ما رأينا ، فإن المشتكي والمخبر لهما وضعا إجرائيا مختلفا فالمخبر هو الشخص الذي يقوم بإخطار الجهات المختصة بوقوع جريمة وفقا لنص المادة 25 من قانون الإجراءات الجنائية المصري والمادة الاولى من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي (71)، شريطة أن يجيز القانون للادعاء العام تحريك الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب.أما المشتكي فله معنى ينصرف إلى من يقوم بالإخطار بالجريمة سواء أكان هو نفسه المجني عليه أو المضرور من الجريمة.ويلاحظ أن المشرع في سائر التشريعات المقارنة ينص على أن الشكوى التي لا تتضمن إدعاءً مدنيا فإنها تعد من قبيل التبليغات.(72) وقد اختلفت التشريعات المقارنة في مدى إلزام الشخص بالإبلاغ عن الجرائم ، حيث ذهبت بعض القوانين إلى أن الإبلاغ واجب على كل شخص علم بنبأ الجريمة مثل القانون الإماراتي في المادة 36 والقانون الأردني في المادة 25، في حين ذهبت بعض الدول الأخرى إلى جعله اختياريا للشخص مثل القانون المصري في المادة 25 والمادة 45 من القانون اللبناني الحالي .اما المشرع العراقي فقد عد الاخبار في بعض الاحوال اختياريا وفي احوال اخرى الزاميا (73).ويترتب على الاتجاه الأول أن يسأل الشخص الذي لم يبلغ عن الجريمة التي علم بها عن جريمة خاصة هي جريمة الامتناع عن الإبلاغ عن جريمة علم بها وهى مجرمة في معظم التشريعات العربية منها المادة 274 من القانون الإماراتي ، ويترتب على الاتجاه الثاني أن يصير الإبلاغ عن الجرائم حقا وسلطة تقديرية للشخص العادي ولا يعاقب إن هو أمسك عن القيام به.ولاشك أن الاتجاه الأول يفضل على الثاني حيث أنه يحمل معنى التضامن الاجتماعي الإلزامي للأفراد في مواجهة الجريمة. وهو واجب لابد أن يقوم به الفرد العادي مقابل تواجده في مجتمع منظم يستظل بظله ويرتبط معـه بعلاقات تبادليـة أهمهـا المحافظــة على الأمـن والاستقرار في المجتمع. اذ الزمت العديد من التشريعات بهذا الواجب موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة، حيث يكون الإبلاغ واجبا عليه، (74) شريطة أن يتوافر له العلم بالجريمة أثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته لوظيفته . ونطاق هذا الواجب لابد وأن يكون مقتصراً على ما علم به المخاطب بأحكام المادة حال أدائه لعمله الرسمي ، ويترتب على ذلك وجوب القول بأن ما يصل إلى علمه في غير عمله أو بدون توافر مقتضيات العمل يكون الإبلاغ محض رخصة له وليس واجبا عليه.وأخيراً يتعين القول بأن اتجاه التشريعات المقارنة كان صائبا في عدم اشتراط شكلا محدداً للإبلاغ أو الشكوى فيكون ذلك كتابه – وهو الغالب الأعم – وقد يكون شفاهه ، وقد يستفاد من ظروف الحال كما في حالات طلب الاستغاثة أو المساعدة من رجل الشرطة . (75)

المبحث الثاني//حقوق المجني عليه في ظل الاتجاهات المعاصرة..

   إن سلطة المجتمع في العقاب تنشأ بمجرد وقوع الجريمة كرد فعل عن الاضطراب الذي تحدثه في هذا المجتمع ، فيلجأ إلى استعمال سلطته في العقاب عن طريق دعوى جزائية تنوب النيابة العامة(الادعاء العام) عنه و تمثله في مباشرتها .وتعد الدعوى الجزائية الطريق الطبيعي التي تسلكه الدولة للمطالبة بحقها في العقاب ، بل عدها بعض الفقه الطريق الوحيد الذي إذا  ما انغلق أصبح متعذرا عليها استيفاء هذا الحق، ومع ذلك قد يعترف القانون أحيانا بطرق معينة تمثل حقا للمجني عليه تغني الدولة عن اقتضاء حقها في العقاب ومن دون لجوء إلى الدعوى وذلك عبر ممارسة المجني عليه لهذه الحقوق .وبما إن حق الدولة في العقاب هو في الأصل حق قضائي أي لا يستوفى و لا يقتضى إلا باللجوء إلى القضاء الذي يصدر أحكاما تمكن من تنفيذ هذا الحق عبر تطبيق العقوبة على الجاني لكن قد يسمح القانون أحيانا باللجوء إلى أساليب أخرى ضمن اطار الدعوى الجزائية.ولما كانت هذه الاساليب استثناءا على مبدأ قضائية حق الدولة في العقاب فإنها لا تطبق إلا في نطاق ضيق وعلى الجرائم البسيطة والتي تسمح بتحقيق الهدف الذي استحدثت من أجله.وسنتناول في هذا المبحث حقوق المجني عليه في ظل الاتجاهات التقليدية للدعوى الجزائية في مطلب اول ، بينما سنخصــص مطلبا ثانيا لحقوق المجني عليه في ظل الاتجاهات البديلة وكما يأتي:

المطلب الأول//حقـوق المجني عليــه في ظــل الاجراءات التقليديــة..

   إنالمتتبعلآثارأزمةالعدالةالجنائية،يجدأنالجرائمالبسيطةفيتزايدمستمر نظراً لكثرةالتشريعاتالمنظمةلشتىنواحيالحياة،التيتتضمنجزاءاتجنائيةتغرق المحاكمبالقضاياوترهقالقضاة،وتؤديإلىبطءالعدالة. كماأدتالجرائمالبسيطة نتيجةتدخلالدولةفيالعصرالحديثفيجميعالأنشطةالسياسيةوالاقتصادية والاجتماعيةإلىتضخمحجمالتجريمالتنظيميأومايطلقعليهبعضهمالتجريم القانوني إنهذاالتدخلمنجانبالدولة،ومارافقهمناتساعفياستخدامالجزاء الجنائي،أوجدفيالواقعوضعاًصعباًللغاية،أدىإلىاتساعنطاقالتجريم،(76)ليشملأفعالاً ترتقيلانتشكلخطراًأوتهديداًعلىأمنالمجتمعفضلاًعنأنالقيموالمصالح التي تنالهاهذهالأفعالليستبتلكالأهميةالتييتوقفعليهااستمرارالمجتمع واستقراره وهذاماأثبتهالتطبيقالعمليالذيأظهرخطأالإسراففيسياسةالتجريم؛فبدأت المطالبةبالحدمنتدخلقانونالعقوباتفيمجالاتلاشأنلهبها لذافإنهوجبعلى السلطاتالمختصةعدماللجوءللتجريمكأداةلمواجهةأيظاهرةإلابعددراسة،للتأكد منانهسيلقىحداًأدنىمنقبولالمكلفين،بمايقنعهمبأهميةهذاالتكليفلحياتهمولايثير لديهمالحساسيةالكافيةالتيتجعلهميناصبونالعداءلكلالأفعالخاصةالتيتؤلف موجباتهذاالتجريم وهكذاتلازمتظاهرةأزمةالعدالةالجنائيةمعظاهرةالتضخم العقابيوالتيكانتنتاجاًطبيعياًلتزايدأعدادالقضاياالجنائية،الأمرالذيباتيهدد المحاكمبالشلل،فأضحىالوصولإلىالعدالة الناجزةالآمنةأمراًعسيراً،وغداالقضاء معذوراًإذالميحققالعدالةالآمنةأمامالأعدادالهائلةمنالقضايا.(77) كما إنالإسراففياستخدامالدعوىالجزائية وطولالإجراءاتقدأخلبهذاالتوازن،وشل

الجهازالقضائي،ولماكانتالجرائمالبسيطةتثقلكاهلالعدالةبالقدرالذيحالبينهاوبين النظرفيالجرائمالخطيرةبالشكلالذييتناسبمعخطورتهاوتعقيدها فضلاعن الثغراتالإجرائيةالتييفلتمنخلالهاالمتهممنالعقاب،كماانسوءاستعمالبعض الحقوقالإجرائيةقدخلقلدىالأفرادشعوراًبعجزالجهازالقضائيالتقليديعنمكافحة الجريمةعلىأكملوجه،بلإنالخطورةتكمنحينمايصدرحكم،وتضيعفاعليتهبسبب الطعنفيه،أوالإشكالفيتنفيذهالأمرالذييجعلمنهمجردورقةبيضاء،مجردةمن كلقيمةوهناالعجبكممنأدلةضاعتبسببطولالإجراءاتوتعقيداتهاأوكم منمجرمينارتكبواأشدالجرائمفتكاً،وضاعتأدلةالاتهامضدهم؛فعادواإلى مجتمعاتهمأبرياءكماولدتهمأمهاتهمهذامنناحية،ومنناحيةأخرىفإنسنواتًطوالاً تفصلبينوقوعالجريمة،وتوقيعالعقابتقودإلىعدمالثقةفيالقانونوتضعفمن نفوذهوهيبتهفينظرالناسكافة،فالرأيالعاملايهتمبالعقوبةقدراهتمامهبالجريمة، ولاشكفيأنبطءالعدالةيطمرفكرةالردعالعام.(78) ومن هنا ظهرت الحاجة الى منح المجني عليه قدرا من الحقوق التقليدية و  تتنوع حقوق المجني عليه في الدعوى الجزائية ضمن إطار قانون أصول المحاكمات الجزائية في إطاره التقليدي تجاه الجاني إلى الحق في تحريك الدعوى الجزائية وانقضاء هذا الحق ، والتنازل عنها والحق في الادعاء المدني . وسنتولى تباعا دراسة هذه الحقوق كلا في فرع مستقل وكما يأتي:

الفرع الأول//الحق في تحريك الدعوى الجزائية وانقضائه..

تصدر الشكوى من الشخص المتضرر من الجريمة بنفسه أو محاميه ، أما الإخبار عن الجرائم فهو جائز لكل من علم بها، ولو لم يكن مضرورا منها أو ذا مصلحة فيها، وغير مرتب للمسؤولية،ولذلك فلا يسأل من قام بالإخبار إلا إذا كان قد تعمد الكذب فيه، وتوافرت في شأنه جريمة الاخبار الكاذب ولذلك قضي في مصر بعدم قيام هذه الجريمة إذا كان ما بلغ به المتهم قد حصل منه أثناء استجوابه في مركز الشرطة بعد ما سيق إلى التحقيق معه في الجريمة وسمعت أقواله فيها كمجني عليه.(79) ويقصد بالشكوى التي يترتب عليها رفع القيد الوارد على حرية الادعاء العام في تحريك الدعوى الجزائية أن يتقدم المجني عليه في جرائم محددة إلى الجهات القضائية بإخطار أو بلاغ للمطالبة باتخاذ الإجراءات القانونية الجنائية ضد مرتكب الجريمة.ولقد عرفت الشكوى بأنها الإجراء الذي يصدر من المجني عليه- فحسب- معلنا به السلطات أن ثمة جريمة حاقت به، وذلك في إطار الجرائم المعلق حق الدولة في العقاب عليها على الشكوى المجني عليه.(80) ولكي تكون الشكوى صحيحة ومنتجة لأثارها يجب أن تستوفي مجموعة من الشروط منها ما يتعلق بصفة الشاكي ومنها ما يتعلق بالجهة التي تقدم إليها الشكوى.فقد استلزم القانون تقديم الشكوى من المجني عليه، تاركا ذلك لتقديره، ولذلك فهي حق شخصي يمارسه بنفسه أو بوكيل خاص عن جريمة معينة سابقة عن التوكيل ، وبذلك فالشكوى حق مقرر للمجني عليه وحده وليس لغيره أن يقدمها، ولو ألحقت به الجريمة ضررا.(81) ويستوي في ذلك أن يكون المجني عليه شخصا طبيعيا أو شخصا معنويا إذ لكل منهما أن يقدم هذه الشكوى حيث يوجبها القانون، إما بنفسه أو عن طريق من يمثله أو بواسطة وكيله،(82) وإذا تعدد من يتطلب القانون شكواهم بشأن جريمة واحدة فيكفي أن يشكو أحدهم عدا جريمة الزنا فإنها نظرا لطبيعتها الخاصة تستلزم شكوى المجني عليه وإذا تعددت الجرائم فإنه يتعين أن يشكو المجني عليه في كل منها ، وإذا تعدد المتهمون يكفي أن تقدم الشكوى ضد أحدهم فتعتبر كأنها مقدمة ضد الباقين.(83) كما يشترط القانون لصحة الشكوى أن يكون الشاكي يتمتع بالأهلية اللازمة، ولا يكون مصابا بعاهة في عقله، والعبرة في تحديد الأهلية والصفة بوقت تقديم الشكوى لا بوقت وقوع الجريمة، وإذا كان المجني عليه غير أهل لتقديم الشكوى قدمها ممثله القانوني ولي النفس إذا كانت الجريمة من جرائم النفس أو الاعتبار أو الوصي أو القيم عليه إذا كانت من جرائم المال.ولأن الشكوى هي حق شخصي للمجني عليه وحده فإن وفاة المجني عليه قبل تقديم الشكوى لا تنقل هذا الحق للورثة إذ ينقضي الحق في تقديم الشكوى بوفاة المجني عليه. (84) وتجدر الإشارة إلى إن الشكوى ليست حقا مطلقا بل إن أثرها يرتبط بظروف وأسباب منها ما هو سابق لتقديمها ومنها ما هو لاحق تتمثل هذه الأسباب التي تحد من آثار الشكوى وتسقط الحق فيها فيما يلي:بوفاة المجني عليه ينقضي الحق بتقديم الشكوى، ولأن هذا الحق ذو طابع شخصي محض فإنه يترتب عليه عدم قابليته للانتقال إلى الورثة، فإذا كان المجني قد توفي بعد علمه بوقوع الجريمة وقبل تقديم الشكوى، فلا يجوز للورثة تقديم مثل هذه الشكوى، أما إذا توفي المجني عليه بعد أن كان قد تقدم بشكواه فإن هذا لا يؤثر على سير دعوى الحق العام.(85)ونصت المادة (6) الأصولية على انه ( لا تقبل الشكوى في الجرائم المبينة بالمادة الثالثة من هذا القانون بعد مضي ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة أو زوال العذر القهري الذي حال دون تقديم الشكوى ويسقط الحق في الشكوى بموت المجني عليه ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ).ومن هذا النص يتضح أن الحق في تقديم الشكوى ينقضي أو يسقط إما بمضي المدة أو بوفاة المجني عليه لان تقديم الشكوى حق شخصي يتعلق بالمجني عليه ولا ينتقل إلى الورثة.هذا قبل تقديم الشكوى أما إذا توفي المجني عليه بعد تقديم الشكوى فان ذلك لا يؤثر على الدعوى الجزائية ولا يمنع سيرها لان المجني عليه اظهر رغبته في طلب معاقبة مرتكب الجريمة ويبقى الحق في المطالبة بالحقوق المدنية لورثة المجني عليه أيضا وهو ما صرحت به م (7) الأصولية.واستثنى المشرع من ذلك جريمة الزنا إذ نصت المادة (379 /ا ) عقوبات عراقي ( تنقضي دعوى الزنا ويسقط الحق المدني بوفاة الزوج الشاكي أو تنازله عن محاكمة الزوج الزاني أو برضا الشاكي إلى معاشرة الزوج الزاني قبل صدورحكم نهائي في الدعوى ).وهذه الحالة الأخيرة لا يوجد أي مبرر لاستثنائها طالما أن الزوج المجني عليه قد أفصح عن رغبته في اتخاذ الإجراءات لمعاقبة الجاني قبل وفاته.(86)

الفرع الثاني//الحق في التنازل عن الشكوى..

إذا كانت الشكوى شرطا لازما لتحريك الدعوى الجزائية فإن التنازل عنها يضع حدا للمتابعة الجزائية و تنقضي به الدعوى الجزائية، و هذا ما أكدته المحكمة الجزائرية العليا في قرارها الصادر بتاريخ 20/12/1970 والذي جاء فيه:«في حالة السرقة بين الأقارب يوضع حدا للمتابعة بمجرد ما تسحب الضحية شكواها ولا يكون ذلك بالتصريح بالبـراءة وإنما بانقضاء الدعوى العمومية و هو ما أورده المشرع الجزائري في المادة 6 من ق إ ج،و هو الجاري به العمل القضائي و على سبيل المثال الحكم الصادر عن محكمة مازونة مجلس قضاء غليزان بتاريخ 22/09/2008 فهرس رقم 01695/08 ، ويعد التنازل تصرفا قانونيا من جانب واحد يعبر فيه المجني عليه عن إرادته الحرة في وقف الأثر القانوني المترتب عن الشكوى، ومن ثمة وقف سير الدعوى العمومية وقد يكون من طرف الضحية أو من ينوب عنه، كما أنه لا يشترط لذلك شكلا

معينا فقد يكون كتابة أو شفاهة أمام السلطات المخول لها قانونا تلقي الشكاوي والتنازل عنها، كما يشترط أن يكون صريحا بلفظ التنازل أو ما شابه ذلك من ألفاظ يستنتج منها التنازل كالعفو أو السماح.(87) ويقتضي الحق في الشكوى إذا تنازل عنها صاحب هذا الحق أو ممثله القانوني للهيئة المعنوية . كما أن سكوت صاحب الحق في الشكوى وعدم تقديم الشكوى إلى الجهات التحقيقية لاتخاذ الإجراءات اللازمة فان ذلك لا يريد تحريكها أيضا وهو بمثابة التنازل الضمني .(88) وفي القانون الجنائي لا ينصب التنازل على الدعوى الجزائية في ذاتها وإنما يرد على المطالبة بتحريكها في الإطار المحدد له وهو الجرائم التي لا يجوز تحريك الدعوى الجزائية فيها إلا بناء على شكوى المجني عليه أو ممثله القانوني . وبذلك يتبين أن جوهر التنازل هو التعبير عن الإرادة ، إذ فيه إسقاط الحق بإرادة صاحبه ، فإذا كانت الشكوى في الجرائم التي تستلزمها تؤدي إلى تحريك الدعوى الجزائية ، فان التنازل عنها يؤدي إلى سقوطها قبل الحكم النهائي فيها وبالتالي انقضاء الدعوى الجزائية.ولا تتوقف صحة التنازل ونفاذه على إرادة المتهم ، فلا عبرة لاعتراضه عليه بطلب الاستمرار في الدعوى لإثبات براءته منها عوضا عنها لانقضائها بالتنازل . وهذا خلاف الصلح الذي لا ينشأ إلا بموافقة المتهم.(89)والتنازل هو إجراء من جانب المجني عليه يعبر بمقتضاه عن إرادته في وقف الأثر القانوني لشكواه.وقد نظم المشرع أحكامه في المادتين ( 8 ، 9 ) الأصولية.وقضت المادة الثامنة الأصوليــة (إذا اشترط القانون لتحريك الدعوى الجزائية تقديم شكوى فلا يتخذ أي إجراء ضد مرتكب الجريمة الا بعد تقديم الشكوى . ويعتبر المشتكي متنازلا عن شكواه بعد تقديمها إذا تركها دون مراجعة مدة ثلاثة أشهر دون عذرمشروع ويصدر قاضي التحقيق قرارا برفض الشكوى وغلق الدعوى نهائيا).وهذه حالة التنازل الضمني.وإذا كانت الجريمة مرتكبة من أكثر من شخص فان التنازل عن احد المتهمين لا يشمل المتهمين الآخرين إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك 0 ومثال هذا الاستثناء ما نصت عليه ( م 379 / 1 )عقوبات التي قضت بان تنازل الزوج عن محاكمة زوجته الزانية يعد تنازلا عن محاكمة من زنى بها.أما إذا كانت الجريمة قد وقعت على أكثر من شخص فان تنازل احدهم لا يسري بحق الآخرين ( م 9 / جـ الأصولية ).ان التنازل عن الشكوى لا يعني التنازل عن الحقوق المدنية فيبقى للمجني عليه الحق في المطالبة بالحقوق المدنية أمام المحاكم المدنية إلا إذا تنازل صراحة عنها ( م 9 / و )الأصولية ويستثنى من ذلك دعوى الزنا فان التنازل عن الدعوى الجزائية يؤدي سقوط الدعوى بالحقوق المدنية أيضا ( م379/ا)عقوبات لأنه لو أجيز الاستمرار بالمطالبة بالحقوق المدنية بعد سقـــوط الدعوى الجزائية فان ذلك سيؤدي إلى إثارة الفضيحة من جديد.وإذا تنازل المشتكي عن حقه المدني فان ذلك لا يؤثر على الحق الجزائي الذي يبقى قائما ولا يسقط إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك 0 وإذا تنازل المشتكي عن شكواه أو عن حقه المدني فان هذا التنازل يمنعه من تقديم شكوى أخرى أو أن يطالب بحقوقه المدنية أمام أية محكمة جزائية أو مدنية (م9 الأصولية ).(90)

الفرع الثالث//الحق في الإدعاء المدني..

   لقد منح المشرع للمجني عليه الخاص حق الإدعاء مدنيا أمام قاضي التحقيق في حالة تضرره من جرم ما ضد شخص معلوم أو مجهول، و لذلك نص صراحة في المادة 72 من ق إ ج بأنه « يجوز لكل شخص متضرر من جناية أو جنحة أن يدعي مدنيا بان يتقدم بشكواه أمام قاضي التحقيق المختص»، إلا أن هذا الحق

الممنوح للضحية في تحريك الدعوى العمومية قيده المشرع بشروط شكلية و أخرى موضوعية، فلقد فرض المشرع لقبول الشكوى المصحوبة بالإدعاء المدني توافر شروط شكلية أهمها:

1 – تقديم شكوى من المتضرر: و يكون ذلك إما منه شخصيا أو ممن ينوب عنه كمحاميه أو وكيله الخاص و لا يكفي تقديم الشكوى، بل يجب على المضرور أن يعلن في شكواه بصفة صريحة عن رغبته في تحريك الدعوى الجزائية و ذلك بإدعائه مدنيا و إلا عدت شكواه مجرد تبليغ عن وقوع جريمة فحسب و هذا ما أكدته المحكمة الجزائرية العليا في قرارها الصادر بتاريخ 07 يناير 1969 و الذي جاء فيه : « إن مجرد تقديم الشكوى من المضرور دون التصريح بالإدعاء المدني لا ينجر عنه تحريك الدعوى العمومية ولا يعطي للشاكي صفة الطرف المدني.(91)

2 – أن تكون الشكوى مكتوبة: يضمنها الضحية بدلائل الضرر الحاصل من الجريمة، و إن كانت شفوية فيدونها قاضي التحقيق في محضره، ولذلك نصت المادة التاسعة من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي على ان:(تقديم الشكوى يتضمن الدعوى بالحق الجزائي وهو طلب اتخاذ الاجراءات الجزائية ضد مرتكب الجريمة وفرض العقوبة عليه. وتتضمن الشكوى التحريرية الدعوى بالحق المدني ما لم يصرح المشتكي بخلاف ذلك).ولا يستلزم في الشكوى أية بيانات رسمية و جرى العمل أن تقدم الشكوى إلى قاضي التحقيق مذيلة بتوقيع الشاكي و مؤرخة، و الوقائع المدعى بها و اسم المتهم إن كان معروفا ولذلك ليس من الضروري تحديد هوية المشتكي منه و هذا ما أكدته المحكمة العليا الجزائرية في قرارها في الملف رقم 200697 الصادر بتاريخ 22/ 03/1999 و الذي قضى بأنه: « تعرض قرارها للنقض غرفة الاتهام التي أيدت أمر القاضي الرامي إلى رفـض التحقيق لعدم تمكنه من تحديد هوية المشتكي، ذلك أن القواعد العامة التي تنظم الإدعاء المدني تفرض فتح تحقيق في الجريمة التي يدعي الشاكي بأنه مضار بها ولو كان ذلك ضد شخص غير مسمى باعتبار أن للقاضي كل الصلاحيات للكشف عن مرتكبيها.(92) ولا يكفي لقبول الادعاء المدني أمام قاضي التحقيق توافر شروطه الشكلية بل أن المشرع اشترط أيضا إلى جانب ذلك توافر شروط موضوعية تتمثل أساسا في ما يأتي:

1 – وجود جريمة و أن يكون هناك ضرر ناشئ عن هذه الجريمة: فلا يكفي لصحة الإدعاء المدني وقوع الجريمة فحسب بل يجب أن يكون هناك ضرر ناشئ عن هذه الأخيرة حتى يصدق على الضحية وصف المدعى المدني .وعليه فإن الشخص الذي يصيبه ضرر بسبب ارتكاب الجريمة سواء كان مجنيا عليه أو غيره من الأشخاص و تثبت له صفة المدعي المدني، يخوله قانون اصول المحاكمات الجزائية حق تنصيب نفسه مدعيا مدنيا، للمطالبة بحقه في التعويض أمام القضاء الجنائي ، عليه فإن عدم الإصابة بمثل ذلك الضرر لا يخول الحق في الإدعاء مدنيا أمام القضاء الجنائي، و هذا يعني أن وصف المدعي المدني لا يصدق عليه .

2 – قيام رابطة السببية بين الجريمة و الضرر: لا يكفي لشخص أن يدعي مدنيا بإثباته وقوع الجريمة و حصول ضرر بل لا بد أن يثبت أن الضرر الذي لحقه كان نتيجة مباشرة لهذه الجريمة، وهذا ما أكدته أيضا المحكمة الجزائرية العليا في قرارها الصادر بتاريخ 09 ديسمبر 1969 والذي جاء فيه بأنه: « تجيز المادة 2 ق إ ج للمتضرر من جناية أو جنحة أو مخالفة أن يتأسس طرفا مدنيا للحصول على تعويض الضرر الذي لحق به.(93)

المطلب الثاني//حقوق المجني عليــه في ظل الاجراءات البديلــة..

بما انالسياسة الجنائيةالإجرائيةتهدفأساساًإلىتحقيقغرضينهما: كشفالحقيقة،وحمايةالحرية الشخصية ويبقىمنمصلحةالمتهمعدمبقاءمصيرهمجهولاًمدةطويلة،ومن مصلحةالمجتمعتحقيقالردعالعامبإنزالالعقوبةعلىالجناة،وتوقيعالقصاصعليهم ومنمصلحةالمشتكيإشباعغريزةالعدالةلديه،بمعنىأنهقدشفىغليلهمنالجاني.(94) وعليهحاولتالتشريعاتالمختلفةوضعآليةلهذهالسياسةمحلالتطبيق،وهذهالآليةاختلف نظامهاومداهامنتشريعإلىآخر؛تبعاًللظروفالخاصةبكلدولة،والأهداف المرسومةللسياسةالجنائيةفيها. وعليهاتجهتالسياسةالجنائيةاتجاهين: أحدهما موضوعي،ويتمثلفيسياسةالحدمنالتجريموالعقابوهومايعنيرفعوصف التجريمعنبعضأنواعالسلوكالإجراميوإدخالهافيدائرةالمشروعية؛فلايترتب علىارتكابهاعقوبةجنائية .(95) وأساسذلكأنثمةجرائممعينةلمتعدتتضمناعتداءاً علىمصالحالمجتمععلىالنحوالذييبرراستمرارهاتحتطائلةالتجريمفضلا عن ذلكأنأنماطاًمعينةمنالسلوكالإجراميلمتعدمحلاستهجانأواستنكارمنالمجتمع أوالرأيالعامويعنيالحدمنالعقابأنيظلالسلوكغيرمشروعدونأنيترتبعليهتوقيعجزاءجنائي،وهكذاتستمرصفةالتجريمقائمةبالنسبةللفعلعلىأنيوقع علىمرتكبهاجزاءاتسواءأكانتمدنية،تأديبية،إداريةأوأياًمنبدائلالعقوبة.والاتجاهالآخرإجرائييسمىبسياسةالتحولعنالإجراءات،ويقصدبهاأنيخضع المتهمونلمعاملةإجرائيةتختلفعنتلكالمقررةتقليدياًللمحاكماتالجنائية. ويتمثل جوهرهذهالسياسةفيالاستغناءعنإجراءاتالخصومةالجنائية،كلياًأوجزئياً واستبدالهابإجراءاتأخرىأقلتعقيداًوأكثرسرعةفيحسمالمنازعات،سواءأكانت بسيطةلاتتطلبسوىتيسيرالإجراءات،ومقترنةببرامجلإصلاحالجانيوتأهيله هذا بجانبمراعاةحقوقالمجنيعليهوتعويضضرره. وهذهالوسائلتعدمنأهمآليات السياسةالجنائيةالمعاصرةفيمواجهةأزمةالعدالةالجنائية،فلمتقتصربدائلالدعوى الجنائيةفينطاقالإجراءاتالجزائيةوإنمايجبالنظربعينالاعتبارإلىالقوانين الجنائيةالموضوعيةوالإجرائيةعلىحدالسواء،فلكلقانونمنهذهالقوانيندورهفي الوصولإلىالأهدافالمبتغاةمنبدائلالدعوىالجنائية .(96) ومن كل ما تقدم من أسباب فقدظهرت الوسائل البديلة لحل المنازعات كنتاج لعدم فاعلية الجهاز القضائي الجنائي التقليدي فيحسم القضايا الجنائية فإذا كانت ممارسة الدعوى الجزائية تفترض المرور بمراحلهاالإجرائية في الاتهام والتحقيق والمحاكمة فهذه الوسائل البديلة المختلفة تستهدفبالدرجة الأولى اختصار هذه الإجراءات الشكلية أملاً في زيادة فعالية العدالة الجنائية في إنجاز القضايا.(97) وإنكانت من أهم أهداف الوسائل البديلة وهو إصلاح الجاني وتعاون كافة قطاعات الدولة فيمكافحة الجرائم إلى جانب القطاع الجنائي لتحقيق هذا الهدف حيث أن مكافحة الإجراملم يعُد قاصراً على القطاع الجنائي وحده (98)، وبالطبع من أهداف هذه البدائل هو تخفيف العبء عن كاهلأجهزة العدالة الجنائية. (99) ومن هنا أضحت الأساليب غير القضائية لإدارةالدعوى الجزائية ضرورة ملحة لمواجهة البطء في الإجراءات الجزائية التقليدية بهدفاختصار تلك الإجراءات(100) فكان أحد معالم التطور العلمي الجنائي هوبدائل الخصومة الجنائية للنظر في مكافحة الإجرام بغير الإجراءات الجنائيةالتقليدية (101) وضرورة التخلي عنها في نطاق الجرائم القليلة الأهميةواستبدالها بوسائل إجرائية بسيطة ومرنة كالصلح الجنائي والوساطة الجنائية والتسوية الجنائية،التي من شأنها تأمين سرعة حسم الخصومات الجنائية وإدارة النزاع بطريقة سهلة ميسرةومختصرة وتخفيف الضغـط عـن كاهـل إدارة

العدالة الجنائية (102)، وهذا يتفق مع المبدأ الدستوري المتضمن ضرورة الفصل في الدعوى في المدة المعقولة المنصوص عليهافي غالبية الدساتير، اذ أن مشكلة بطء الإجراءات الجنائية تعرقل سير العدالةالجنائية لكون العدالة البطيئة تعد صورة من صورالظلم .وفضلا عما تقدم، أدى ممارسة وتطبيق هذه البدائل إلى قبول إطراف الدعوى الجزائية قبولاً تاماً بالحلول التي ساهموا في التوصل إليها بوصفها عدالة تفاوضية حفاظاً على علاقاتهم مستقبلاً من دون إخلال بالضمانات الجوهرية الراسخة في التشريعات الإجرائية المعاصرة والمقررة لحماية حقوق الإنسان واحترام حرياته الأساسية (103).كل ذلك أدى إلىظهور ما يطلق عليه “العدالة الرضائية أو التفاوضية” في المواد الجنائية والتي بموجبها اجازالمشرع الجنائي التحول عن العدالة القسرية (الدعوى الجزائية)، والاخذ بالحسبان إرادة المتهم وإرادة المجني عليه عند إدارة العدالةالجنائية.(104) ومن ثم فقد تغير مسار الإجراءات الجنائية تدريجياً من النظام التنقيبي إلى النظام ألاتهامي، فتزايد دور إطراف الدعوى الجزائية من المتهم والادعاء العام في إدارة الدعوى الجزائية كما تعاظم دور المجني عليه الذي لم يعـد الطـرف الغائب في الإجراءات بل أصبح يحتل مكانة متقدمة لا تقل شأناً عن مكانة المتهم.وقد تأثرت بكل ذلك الطبيعة القانونية للدعوى الجزائية فبدأ ينظر لها على أنها نوع من الخصومات الاعتيادية بين المتهم والمجني عليه، بحيث يكون لهما حق التصرف فيها والتفاوض بشأنها تحت رقابة وإشراف النيابة العامة أو القضاء (105). وقد لاقت هذه السياسة ترحيباً كبيراً في كثير من الدول فاتجه المشرع الجنائي في كثير منها مثل النمسا وإسبانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وسويسرا والبرتغال إلى إسقاط إجراءات الخصومة الجنائية كلياً أو جزئياً والحد من الإجراءات الجنائية التقليدية واستبدالها بإجراءات أخرى أقل تعقيداً وأكثر سرعة في حسم المنازعات سواء كانت بسيطة لا يقصد منها سوى تيسير الإجراءات أو مقترنة ببرامج لإصلاح الجاني وإعادة تأهيله مرة ثانية.(106) وسنتناول حقوق المجني عليه في ظل هذه الاتجاهات المستحدثة في الفروع الآتيــة:

الفرع الاول//الحق في الصلح مع الجاني..

اولا // مفهـوم الصلـح وموقـف التشريعـات الاجرائيــة منـه..

يقومالصلحالجزائيعلىفكرةمؤداهاأنحقالمجنيعليهفيهذاالنوع منالقضايا-يتقدمعلىحقالمجتمعوذلكبالنظرللضرراليسيرالذيخلفتههذهالجرائم،فضلاعن تبسيطالإجراءاتواختصارالوقتوتخفيفالعبءوالنفقاتعنكاهلالمحاكم.(107) وقد عرفتمحكمةالنقضالمصرية الصلحفيالموادالجزائيةبانه:(نزولالهيئةالاجتماعيةعنحقهافيالدعوىالجنائية مقابلالجعلالذيقامعليهالصلحويحدثأثرهبقوةالقانون).(108) إنالصلح الجنائي بين المتهم والمجني عليه وفي جرائم محددةعينها القانون جاء لغايات الحفاظ على روابط عائلية أو خاصة لخصوصية العلاقة بين المجنيعليه والمتهم أو لارتباط الجريمة للمجني عليه، فهو الأقدر على حماية ومعرفة مصالحهالخاصة وهي بديلاً عن الدعوى الجزائية. وقد أوردت التشريعات الجزائية العربية هذه الجرائم على سبيل الحصر ومن ثم فلا يجوز القياس عليها منها زنا الزوجية والقذف والسب أو إفشاء السر أو الأخبار الكاذبة أو الإيذاء الخفيف والسرقة وخيانة الأمانة التي تقع بين الأزواج أو بين الأصول والفروع كذلك إتلاف أموال الأشخاص. وقد نصت العديد من التشريعات الجنائية العربية على الصلح الجنائي منها قانون الإجراءات والمحاكماتالجزائية الكويتي (م 240) والفقرة (2) من

المادة (23) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي والمادة (17) من قانون الإجراءات الجنائية القطري والمادة(36) من قانون الإجراءات الجنائية السوداني والفصل (41) من قانون المسطرة الجنائية المغربي أما المشرع المصري فقد عادإلى الأخذ بنظام الصلح في قانون الإجراءات بل ووسع في نطاقه وذلك بمقتضى القانونرقم 174 لسنة 1998م بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية المادة 18 مكرراً (أ) من قانون الاجراءات الجنائية،(109) كما وسع المشرع المصري في تعديل قانون الإجراءاتالجنائية في عام 2006 من حالات الصلح رغبة منه في مواجهة أزمةالعدالة الجنائية وإعطاء أطراف الدعوى الجنائية المتهم والمجني عليه حق إنهاء الخصومة الجنائية بدون حكم، وبذلك يعد هذا النص تطبيقاً للاتجاهات الحديثة في التشريعاتالجنائية المعاصـرة التي تعطى للمجنـي عليــه دوراً ملحوظـاً في إنهـاء الدعـوى الجنائيــةبالنسبــة لبعـض الجرائم،(110) وبخاصة تلك الواقعة على الأفراد والتي توصفبأنها قليلة أو متوسطة الخطورة والتي تقع على المجني عليه بمناسبة علاقاتهالاجتماعية بالمتعاملين معه دون أن يتعارض الصلح في هذه الأحوال مع مقتضيات الحفاظعلى المصلحة العامة .(111) ان الغاية من تبني التشريعات لنظام الصلح الجنائي هي تبسيط وتيسير الإجراءات الجنائية وتخفيف العبء عن كاهل القضاء وفض النزاع بين المجني عليه والمتهم على نحو تهدأ به النفوس وتصفى وتستقر معه الأمور وتهدأ، أما بخصوص تعارض نظام الصلح الجنائي مع الردع بنوعية هو في حقيقته تعارض شكلي غير موضوعي، لأن نظام الصلح الجنائي لا يطبق بصفة عامة إلا على الجرائم البسيطة قليلة الأهمية التي لا تسبب ضرراً جسيماً فادحاً بالمجني عليه أو بالمجتمع. أما بشأن القول بعدم تحقيق نظام الصلح الجنائي للردع بسبب عدم خضوع المتهم لإجراءات المحاكمة المعتادة فمردود عليه بعدم جدوى هذه الإجراءات تجاه مرتكبي هذا النوع من الجرائم البسيطة والتي لا ينم ارتكابها عن خطورة إجرامية لمرتكبيها.(112) والصلح وسيلةلحلبعضالمنازعاتالجزائيةالناشئةعن جرائمذاتخطورةمحدودة،ومنشأن الاخذ بهتقليلعددالقضاياالتيتحال إلىالمحاكموتخفيفالعبءعنالقضاةحتىلاتتراكمالقضاياويتأخرالفصل فيها.(113) كما أنجوهرهحصولالمجنيعليهعلىتعويضعادل يجبرالضررالناشئ عنالجريمة ، كما أنهيقومعلىرضاءأطراف النزاعالجانيوالمجنيعليه(114) . ويختلفالصلحعن الاجراءات الجزائية البديلة الاخرى كالوساطة الجنائية والتي تعد وسيلة حديثة لحل المنازعات الجنائيةفيأمورمنها:انالصلحيكونفيأيةمرحلةتكونعليهاالدعوى،حتىوانكانتمنظورةأمام القضاء،بلإنبعضالتشريعاتأجازتالصلحفيبعضالجرائمحتىبعد صدورحكمباتبالعقوبة،فيحينأنالتشريعاتالتياعترفتبإجراءالوساطة وضعتمجموعةمنالشروطوالضوابطأبرزها،أنيكونقرارالنيابةباللجوء للوساطةقبلصدورقرارهافيشأنالدعوىالجزائيةكمافيقانونالإجراءات. (115) ، كما أنالنصوصالتيأجازتالصلحفيبعضالجرائملمتعنسوىبتقديممايفيد الصلحبينالجانيوالمجنيعليه،أووكيلهالخاصإلىالنيابةالعامةأوالمحكمة بحسبالأحوال،فهيلمتتطلبشروطاأخرىمثلأنيكونالصلحفيمقابل تعويضكاملللضرر،الذيسببتهالجريمةللمجنيعليه،أوأنيكونمنشأن هذاالإجراءالعملعلىإعادةتأهيلالجانيوهيشروطيلزمتوافرهافي الوساطة.وكذلك فأنالنصوصالتشريعيةالتيتعالجالوساطةالجزائيةلمتحددالجرائمالتييجوز معالجتهافيالوساطة،ولمتضعمعياراًفيهذاالخصوص،فالأمرفيالنهاية متروكلتقديرالنيابةالعامة،فيحينأنالنصوصالتيأجازتالصلححددت علىسبيلالحصرالجرائمالتييجوزفيهاذلك،وهيفيالعادةالجرائمالتيلايكونفيهاالحبسوجوبياً.(116) كما أنالوساطةالجنائيةتتمعنطريقتدخلشخصثالث(الوسيط)،الذييقوم بالدورالرئيسيفيالوصولإلىاتفاقللوساطةبينأطرافالنزاع،كماأنهيقوم بمتابعةتنفيذهذاالاتفـاقحتىالنهايةفيحينأنالصلحلايكونعنطريق وسيط،إنمايتممباشرةبينالجانيوالمجنيعليهأووكيلهالخاص.ويترتبعلىالصلح،كماتنصالتشريعاتالتيأجازتذلكانقضاءالدعوى الجزائيةمندونأنيكونللنيابةأوالمحكمة (بحسبالأحوال)أيسلطةتقديرية فيهذاالشأن. فيحينأنالوساطةلاترتبمثلهذاالأمرمباشرة،ذلكأن الوسيطبعدأنيفرغمنمهمتهيقدمتقريراًمكتوباًحولنتائجهذهالمهمةوعلى ضوءهذاالتقريريكونتصرفالنيابةإمابحفظالدعوىأوبالملاحقةالجزائية،بلإننجاحالوساطةلايحولدونتحريكالدعوىإذارأتالنيابةالعامةأن إجراءالوساطةلميحققمبتغاه . (117)

ثانيا // موقف المشرع العراقي من الصلح الجنائي واثر ذلك في حقوق المجني عليــه..

جعل المشرع العراقي الصلح سببا من أسباب انقضاء الدعوى الجزائية في بعض الجرائم والحكمة من ذلك هي محاولة قطع دابر الضغينة والعداوة بين الأفراد و إعادة الألفة ولا سيما في الجرائم التي لا تشكل خطورة واضحة على المجتمع . وقد نظمت أحكام الصلح المواد (194- 198 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل . وبالنسبة للجرائم التي يجوز فيها الصلح فقد أشارت إليها المادة 194 من القانون المذكور :بأنها الجرائم التي يتوقف تحريك الدعوى الجزائية فيها على شكوى وهي المذكورة في المادة 3 الأصولية . وقد فرقت المادة 195 بين ثلاث حالات فيما يتعلق بقبول الصلح وهي على النحو الآتي:

أ – إذا كانت الجريمة المشار إليها في المادة (194) معاقباً عليها بالحبس مدة سنة فأقل أو بالغرامة فيقبل الصلح دون موافقة القاضي أو المحكمة.

ب – إذا كانت الجريمة معاقباً عليها بالحبس مدة تزيد على سنة فلا يقبل الصلح إلا بموافقة القاضي أو المحكمة.

جـ – يقبل الصلح بموافقة القاضي أو المحكمة في جرائم التهديد والإيذاء وإتلاف الأموال أو تخريبها ولو كان معاقباً عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنة.إن الصلح حق للمجني عليه أو من يقوم مقامه قانونا ولا ينتقل إلى الورثة وإذا كان المجني عليه قاصرا أو مجنونا أو معتوها فيكون لممثله القانوني الحق في إجراء المصالحة نيابة عنه . والقانون لم يتطلب شكلا خاصا تتم بموجبه المصالحة لذا فانه إذا ما توافرت شروط الصلح فليس للمحكمة رفضه من دون أن تبدي الأسباب التي دعتها لذلك علما أن هذه مسالة وقائع تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة أو للقاضي . ان طلب الصلح مع متهم لا يسري إلى متهم آخر.كما لا يقبل الصلح إذا كان مقترناً بشرط أو معلقاً عليه.بحسب المادة 196من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل.ويقبل طلب الصلح في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة حتى صدور القرار في الدعوى. وإذا توافرت الشروط القانونية في طلب الصلح فيصدر قاضي التحقيق او المحكمة قراراً بقبوله وإخلاء سبيل المتهم أن كان موقوفاً.(م197) ، وأخيرا فانه يترتب على القرار الصادر بقبول الصلح نفس الأثر المترتب على الحكم بالبراءة. (198). (118)

الفرع الثاني// حقوق المجني عليــه في ظل نظام الوساطــة الجنائيــة..

اولا // مفهوم الوساطــة الجنائيــة وموقف التشريعات منها..

   تعنيالوساطةالجنائية(119) وسيلةلحلالمنازعاتذاتالطبيعة الجنائية، التيتؤسسعلىفكرةالتفاوضبينالجانيوالمجنيعليهعلىالآثارالمترتبة علىوقوع الجريمة عنطريقتدخلعضوالنيابةالعامة،أومنيفوضهفيذلكسواء أكانشخصاًطبيعياً أمشخصاًمعنوياً،ويترتبعلىنجاحهاتعويضالضررالواقععلى المجنيعليه،وإصلاحالآثارالمترتبةعلىالجريمة،وإعادةتأهيلالجانيبالشكلالذيلايكونفيهحاجةللاستمرارفيالدعوىالجنائية.(120)وتمثلالوساطةالجنائيةنمطاًمنالإجراءاتالجزائية التيتقومعلىالرضائيةفي إنهاءالمنازعاتالجنائية. كماأنهاتعدخياراًثالثاًيجوزللنيابةأنتلجأإليهللتصرففي الدعوىالجزائية ،اذكانتالنيابةالعامةفيالغالبماتتجهإلىاحدطريقينتقليديين: الأولهوالأمربحفظالأوراق،والثانيهومتابعةالإجراءاتوقدأثبتالتطبيقالعمليعدم ملائمتهمافيالتعاملمعالجرائمالبسيطة،اذيؤديانإلىحلوللاتلبيحقوقواحتياجات المجنيعليهأوالمعاملةالسليمةللجاني فيجوزللنيابةالعامةحالنظرهاللقضاياالجنائية البسيطة،التيتتسمبوجودروابطدائمةبينأطرافهاوقبلاتخاذقرارهابشأنالدعوى الجنائيةأنتحيلالقضيةإلىوسيطبعدأنتحصلعلىموافقةالأطراف،بدلاًمنإصدار أمريحفظالأوراقبالشكلالذييؤديإلىحلالخصومة،أوتحريكالدعوىفيقضايالا يفضلأنتشغلبهاالمحاكموبذلكيمكنعدالوساطةالجنائيةإحدىالوسائللإنهاء الدعوىالجزائية.(121)وذهبرأيفيالفقهالفرنسي(122).إلىتعريفالوساطةالجنائيةبالنظرإلىموضوعها بأنهانظاميستهدفالوصولإلىاتفاقأومصالحة،أوتوفيقبينأشخاص،أوأطراف ويستلزمتدخلشخصأوأكثرلحلالمنازعاتبالطرقالودية“. بينمايذهبرأيآخر(123)، إلى تعريفهابأنهاكلطريقةغيرتقليديةلحلالمنازعاتبواسطةشخصثالث،كانتتحلوفقاً للأوضاعالمعتادةبمعرفةقاضيالواقعة. وذهبجانبثالثفيالفقه(124)   .إلىتعريفهابأنها حالةبحثعنحلتفاوضيبينأطرافنزاعمتولدعنجريمةبفضلتدخلالغير“. والجرائمالمعنيةهناهيالجرائمالمتعلقةبوجودعلاقاتإنسانيةتفرضعلىطرفيهاأن يتعايشامعاًأوبالقربمنبعضهماالبعض،أوكانتبينهماعلاقاتغيرمستقرة.(125)وفي فرنسا تمالتصويتوالموافقةعلىتشريع ٤ينايرلعام١٩٩٣م،الذيأضفىصفةالشرعيةعلىإجراءالوساطةالجنائية، اذأضافتالمادةالسادسةمنهفقرةأخيرةإلىالمادة٤١منقانونالإجراءاتالجزائية التي جاءنصهاعلىانهيجوزللنيابةالعامةقبلالتصرففيالدعوىالعموميةوبعدموافقة أطرافالنزاعأنتقرراللجوءإلىالوساطةمتىتبينلهاأنهذاالإجراءمنشانهتعويض الضررالذيحدثللمجنيعليه،ووضعنهايةللاضطرابالناجمعنالجريمةوإعادة تأهيلالجاني“.وظهرتأولىتجاربهافيالولاياتالمتحدةفي أواخرالستينياتفيولايةأوهايووأعقبتهاتجاربأخرىفيالسبعينياتفيولاياتومدن أخرىمثلمينابولس،أوكلاهوما،بوسطن. وقدتزايدتأعـدادهذهالتجاربلتتجاوزالمائة نموذجفيوقتناالراهن، ويرجعانتشارالوساطةفيالولاياتالمحتدةالأمريكيةإلى حركةالاهتمامبضحاياالجريمة،التيبدأتفيالسبعينيات.(126)وبما انالمجنيعليهأحدالأطرافالمهمةفيالوساطةالجنائية،فلايتصورقيامها بدونرضائه،فإذالميتمكنالوسيطمنالحصولعلىهذهالموافقة،تعينعليهإخطار النيابةالعامةبذلكلاتخاذقراربالتصرففيالدعوى،فرضاء

المجنيعليهبها شرطأساسيوضروريلقيامالوساطة. والأصلأنالمجنيعليهلايلعبدوراًرئيسياًفيالدعوىالجزائية ؛إذيعدكلمنالمتهموالنيابةالعامةهماالأطرافالرئيسية فيالدعوى(127)، وعلىالعكسمنذلكنجدفينظامالوساطةأنهاتتمبينالمجنيعليه والجاني،وليسللنيابةالعامةدورفياتفاقالصلحبينهما،وعليهينبغيعلىالمجنيعليه المشاركةالفعالةفيعمليةالوساطةالجنائية،منخلالإجراءلقاءاتمعالجانيفي حضورالوسيط،وإيضاحمدىالأضرارالتيلحقتبهمنجراءالجريمة،معالتزامه بالبعدعنالتعنت،واختلاقالمشاكلأثناءعمليةالوساطة. ويكونللمجنيعليهدورفي الاتفاقعلىالتدابيرالتييقومبهاالجانيفيالوساطة،فينبغيعليهالمشاركةالإيجابية فيمهمةالوساطةمنخلالالتعبيرعنطلباتهومناقشةالجانيعنأسبابالجريمة بالشكلالذييؤديإلىحلالنزاعالناجمعنها.(128) واذ أنالوساطةتعدفيحدذاتهامنقبيلحقوقالمجنيعليهم وقد تأكد ذلك في التوصيةالصادرةعنالمجلسالأوروبيسنة١٩٩٩والتينصتعلىحقالمجنيعليهفي الاتصال بالجانيوالحصولمنهعلىاعتذارأوتعويضعنالجريمةالمرتكبة،وهذاهوأساس الوساطة. وتتمثلحقوقالمجنيعليهفيعمليةالوساطةفيحقهفيالاحترام،ورد اعتباره،وحقهفيرفضالوساطةأوالاستمرارفيها،كذلكحقهفيالاستعانةبمحاموالإحاطةبجوانبالوساطةوالأطرافالقانونيةلها. فبالنسبة لحق المجني عليه في الاحترام فيعدهذاالحقمنالحقوقالبديهيةفيالوساطةالجنائية،ويترتبعليهضرورةأن يحظىالمجنيعليهبحسنالاستقبال،وحسنالاستماع،وتمامالإطلاععلىكلالتفاصيل بحيثيشعربأنهموجودفيوسطالمشكلةيتفاعلمعأسبابهاوطريقةحلها ، وأنهلا يمكنتهميشهأوإبعادهعمايدورمنإجراءاتللوساطةوالتيتهدففيالنهايةعلى تعزيزالعلاقاتالاجتماعية (129)، ويعدهذاالحقذاطبيعةمعنوية؛وهومايميزالوساطة الجنائيةالتيتركزعلىالجوانبالمعنويةلأطرافالنزاعبخلافالإجراءاتالجنائية التقليديةالتيقدتفتقدتطبيقهعنطريقإهمالدورالمجنيعليهوعدمإعطاءهالاهتمام اللازمأثناءمباشرةالإجراءاتالقضائيةومنمظاهرهذاالاحترام،ألايتركالمجني عليهوحيداًللتأثيرعليه،وهو الأمرالذييفترضضرورةالتواجدالدائمللوسيط؛فضلا عنضرورةإيجاداتفاقياتبينجهاتالوساطةونقابةالمحامينلتسهيلوتنظيممسألة الاستعانةبمحامينمنقبلالمجنيعليهم.(130) اما حق المجني عليه في رد اعتباره فيتماثلمعحقهفيالاحترامباعتبارهمامن الحقوقذاتالطبيعةالمعنوية،والوساطةالجنائيةتهدفإلىأنيحسالمجنيعليهبأن اعتبارهقدردإليه،وذلكلتكوينفكرةالاندماجالاجتماعي. وحصولالمجنيعليهعلى تعويضعادلوفقاًلمفهومهللعدالةهوالهدفمنقبولهللوساطة،سواءكانالتعويض نفسياًأممادياًوينبغيألايقتصرتعويضالمجنيعليهعلىالأضرارالمادية فقط،فتعويضالمجنيعليهبشكلماديقدلايكونكافياًبالنسبةللمجنيعليه،وهوماقد يؤديإلىحلشكليللنزاعفقط (131). فحصولالمجنيعليهعلىتعويضلايعني بالضرورةتحققالعدالة،وإنمايعنيأنطرفيالنزاعقدتوصلاإلىحلمرضللنزاع بينهم؛وهومايجعلالوساطةالجنائيةذاتمفهوممختلفعنالعدالةالتقليدية،والتي تهدفإلىكشفالحقيقةوتقريرذنبالجاني. وعليهينبغيعلىالوسيطأنينتبهإلىأن يكونحلالنزاعبأيصورةكانتيؤديإلىإشعارالمجنيعليهبأنهعادإلىوضعه الاجتماعيالذيكانعليهقبلوقوعالجريمة. بيدأنهذهالمسألةليستبسيطة،فهي تقتضيالبحثفينفسيةالمجنيعليه،ومعرفةمايدورفيها،ويرىالبعض(132) خطورة هذهالمسألة،وضرورةالاحتياطلهاعندتقريرالنيابةالعامةاللجوءإلىالوساطةالجنائية .(133)

ثانيا // امكانيــة الاخذ بنظام الوساطــة الجنائيــة في العراق..

لا يخفى الدور الإصلاحي للوساطة فهي تراعي الجوانب النفسية للخصوم اذ من المعلوم ان الطريقةالتقليديةعالجتالجرائمالبسيطةمنخلالطريقين: الأول هوالامر باغلاق الدعوى الجزائية وهو ما اشارت اليه المادة 130/ب من قانون اصول المحاكمات الجزائية بقولها : (اما اذا كانت الادلة لا تكفي لاحالته فيصدر قراراً بالافراج عنه وغلق الدعوى مؤقتاً مع بيان اسباب ذلك) الامرالذيقديترتبعليهالإضراربالمجنيعليهلماقدينتابهمنشعور بالظلملعدممعاقبةالجانيأوشعورهبعدمالأمانوالخوفمنتكرارالعدوانعليه (134)، والطريقالثانيالمتمثلبمباشرةإجراءاتالدعوىوقد يكون ذاأثرسلبيعلىالمجنيعليه عندمايجدأنالمحكمةلمتمكنهمنإبداءرأيهوسماعأقوالهبالشكلالكافي (135)، كماأنمباشرةالإجراءاتالتقليديةقدلاتدعمالشعوربالمسؤوليةلدىالجاني،فهي منناحيةأولىتتسمبالشكلية،والغالبفيهاأنالجانييسعىإلىإنكاروقوعضررعلى المجنيعليه،بلقديتجهإلىتبريرسلوكهالإجراميللتمردعلىالظلمالاجتماعيالواقع عليه؛وهومايخففمنشعورهبالمسؤوليةعنارتكابالجريمة، وفضلا عنذلكأنجهةالدفاععنالجانيغالباًماتسعىإلىإبرازالدوافعالتي أوصلتهإلىسلوكالجريمة،نظراًلعدمخبرتهالقانونيةوهومايدعملدىالجانيالشعور بسلامةموقفهنتيجةماأصابهمنظلماجتماعي.وقدذهبرأيفيالفقهإلىأنالخصوم يشعرونبمصادرةحقهمفيتقريرمصيرالنزاعبسببوجودالمحاميالذيعهدواإليه بمهمةالدفاع،والقاضيالذيقديستمعإليهملبرهةيسيرة.فمباشرةالإجراءاتالتقليدية التيتقومعلىأساسإدانةالجانيوإهمالالمجنيعليهلاتثمرسوىشعوربالعزلة الاجتماعيةلدىالأول،وظلمجديدلدىالثاني،وهوالأمرالذيلايحققالاندماج الاجتماعيللخصوم. بينمايمكنمنخلالالوساطةالجنائيةتحقيقذلكعنطريقين: الأول هوالمواجهةالمباشرةبينالجانيوالمجنيعليه،والثانيهوإمكانصفحالمجنيعليهعن الجاني (136).لذلك فانجوهرالوساطةالجنائية يبدوليسفقطفيعلاجالآثارالنفسيةالتيتخلفها الجريمةأومباشرةالإجراءاتالقضائية،والتيعادةماتقععلىعاتقطرفيالدعوى،بل وتضفيعليهماشعوراًبالرضابنظامالعدالةالجنائية. فبالنسبةللآثارالنفسيةالتيتخلفها الجريمة،تسعىالوساطةالجنائيةإلىإعادةبناءالعلاقاتبينأطرافالجريمةمنخلال إجراءلقاءاتبينالجانيوالمجنيعليهوإعطاء الفرصةللطرفينلمناقشةالأضرارالناجمة عنالجريمة،وكيفيةإصلاحها،من دونالبحثفي أسبابارتكابالجريمة،وهوالأمرالذي يكونلهبالغالأثرفيدعموإنشاءعلاقاتاجتماعية جديدةبينالطرفين،كماوانهيعجلمن اندماجهمافيالمجتمع،اذيؤديإلىجبرضرر المجنيعليه،والقضاءعلىالشعور بالعزلةالاجتماعيةالتيتنتابالجانيمنجراءمباشرة الإجراءاتالقضائية ، كما أنالآثارالنفسيةالمترتبةعلىلقاءالجانيبالمجني عليه،يمكن أنتلعبدوراًمهماًفيحلالنزاع،حيثينتابالأولشعوربأنالثانييقاسمهذات المصير وذاتالمركزالاجتماعيالذييترتبعليهتخفيفالإحساسلدىالمجنيعليهبالخوف وعدمالأمان،وتعظيمرغبتهفيالمشاركةالإيجابيةللروابطالاجتماعية. فالغالبأنالمجني عليهفيالإجراءاتالتقليديةقديتضررمنعدمعقابالجاني،إذاحكمببراءته،أوأدين بعقوبةتافهة،بينماتتجهالوساطةالجنائيةإلىضماناحتراموضعالمجنيعليه،أملاًفي إعادة التوازنالاجتماعيالذياختلبارتكابالجريمة،وهومايحققهالتعويضالرمزيمن دفع الاعتداءالذيأصابالمجنيعليهفيكرامته،اذ يشعرهبأنهعلىقدمالمساواةمع الجاني، فيخرجهمنعزلتهالاجتماعيةمتجهاصوبتشييدعلاقاتجديدة

داخلالمجتمع. وقدأشاررأي فيالفقهالفرنسي(137) ، إلىأنالمجنيعليهلايبتغيالحصولعلى تعويضماليفقط،وإنما يسعىإلىفهمالأسبابالتيدفعتالجانيلارتكابالجريمة،وجعلهيعلممدىالألمالذيسببهله منخلالالتعبيرعمايدورفينفسه،وليسمنخلال محاميه. وهومايؤديإلىتخفيفالآلامالنفسيةالتيخلفتهاالجريمةوفيالجانبالمقابل تتيحالوساطةالجنائيةالفرصةللجانيمنالاعتذارللمجنيعليه،والإفصاحعنرغبتهفي أنيصفحالمجنيعليهعنهبالشكلالذيلايتحققفيظلالإجراءاتالعادية.وممايؤكد أهميةالوساطةفيعلاجالآثارالنفسيةالناجمةعنالجريمة،أنأحدالمجنيعليهمالذين اشتركوافيعملياتوساطةجنائيةمعالجناةكانقدقررأنالوساطةقدخففتمنشعوره بالخوف،لأنهأدركأنالجانيكانشاباً،وقدأدركفيالنهايةآثارفعلتهالإجرامية،بعدأن كانهونفسهلايقدرمداها.(138) ولا شك في ان نظام الوساطة الجنائية كغيره من الانظمة غير التقليدية في حل النزاعات الجنائية يقلل من عدد القضايا التي تحال الى المحاكم ومن ثم تخفيف العبء عن كاهلها مما يحول دون تراكم القضايا وتأخير الفصل فيها ، وفضلا عن ذلك فانه وسيلة لاعادة الانسجام الاجتماعي بين افراد المجتمع من خلال تدخل الوسطاء الذين يسعون الى ازالة الاثار النفسية الناجمة عن الجريمة ، كما انه يجنب الجاني مخالطة معتادي الاجرام ويجنبه الاثار النسية لتقييد الحرية ، كما يجنب المجني عليه طول المدة الزمنية للاجراءات ويحقق له الحصول على تعويض للضرر الذي احدثته الجريمة وبوقت قصير.وبذلك فان ما يحققه نظام الوساطة الجنائية من مزايا تدعو للفع قدما لقبولها في التشريع الجزائي العراقي ، سيما اذا علمنا ان المجتمع العراقي يعرف العديد من صور هذه الوساطة ، والتي من امثلتها الوساطة الشرطية التلقائية التي تقوم بها الشرطة العراقية بمهمة الوسيط فيما بين اطراف النزاع ، في الجرائم التي يجوز فيها الصلح والتي نصت عليه المادة الثالثة من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل ، كما ان هنالك صورة اخرى للوساطة التي تقوم بها المجالس العرفية والتي يلعب فيها وجهاء العشائر دور الوسيط . وهو ما يعني ان اصل هذا النظام موجود في المجتمع العراقي وينبغي تقنينه رسميا حتى يحقق الاهداف المرجوة منه. (139)

الفرع الثالث// حقوقه في ظل نظام التسوية الجنائية..

اولا // مفهـوم التسويـة الجنائيـة وحقوق المجني عليه فيها.

   استحدث المشرّع الفرنسي نظام التسوية الجنائية بالقانون رقم 99-515 الصادر في 23حزيران سنة 1999 بشأن تدعيم فعالية الإجراءات الجزائية، ثم عدله بالقانون رقم399-2006الصادر في 4 نيسان سنة 2006 اذ تم تعديل قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي وأضيفت فقرة ثانية على المادة (41) منه والتي تمثل بديلاً جديداً من بدائل إجراءات الدعوى الجزائية، إذ يتيح للنائب العام أن يقترح على الشخص الطبيعي البالغ الذي يعترف بارتكابه واحدة أو أكثر من الجنح أو المخالفات التي حددها القانون في المادتين (41-2) و(41-3) من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي بأن ينفذ تدابير معينة بعد اعتماده من قبل المحكمة الجنائية المختصة اذ يترتب على تنفيذ تلك التدابير انقضاء الدعوى الجزائية.ومن خلال موقف المشرع الفرنسي يلحظ أن للتسوية الجنائية جملة من الشروط وهي:

1. يشترط في المتهم ان يكون شخصاً طبيعياً بالغاً لسن الرشد، ومن ثم يستبعد المتهم الحدث وكذلك يستبعد الشخص المعنوي ، كذلك يجب أن يعترف المتهم بارتكابه للجريمة التي أجاز فيهـا القانـون الفرنسي إجـراء

التسوية والتي سنأتي عليها لاحقاً، وأخيراً موافقة المتهم على إجراء التسوية الجنائية ولا يهم أن تكون هذه الموافقة تحريرية أو شفوية.

2- يشترط في الجريمة التي تجوز فيها إجراء التسوية الجنائية، ان تكون مما نصت عليه المادتين (41-2) و(41-3) من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي وهي الجرائم الموصوفة بالجنحة التي يعاقب عليها – كعقوبة أصلية – بالغرامة أو بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات وكذلك الجرائم الموصوفة بالمخالفة واستثنيت تلك الجرائم التي تقع بواسطة الصحف وجرائم القتل الخطأ والجرائم السياسية.

3- أن لا تكون الدعوى الجزائية قد تمت المباشرة بها سواء من قبل النيابة العامة أو من قبل المجني عليه لأن التسوية الجنائية هي إحدى الخيارات المطروحة ومن ثم فللنيابة العامة الحرية في أن تقرر اللجوء إليها أو التصرف في الإجراء الجنائي على ضوء الخيارات الأخرى المتاحة.وتبدأ التسوية الجنائية باقتراح يصدر عن النائب العام إذا اتضح له أن ذلك ملائماً، ويوجه هذا الاقتراح إلى الجاني إما مباشرة أو عن طريق شخص مخول بذلك من العاملين بالمحكمة أو عن طريق احد مأموري الضبط القضائي، فإذا لم يقبل الجاني باقتراح التسوية، عندئذ يسقط الاقتراح وبالتالي يحق للنائب العام تحريك الدعوى الجزائية أما إذا وافق الجاني ورضي بالاقتراح فيتم إثبات موافقته تحريرياً في محضر وتسلم له نسخة منه.(140) ويقوم النائب العام بإبلاغ الجاني والمجني عليه ، بأنه قد عرض اقتراح التسوية أمام القاضي.وعند الضرورة يجوز للقاضي أن يستمع إلى أقوال كل من الجاني والمجني عليه وبحضور المحامين عنهما، وبعد كل هذه الخطوات الإجرائية، فللقاضي له الحق أن يقرر احد أمرين ، أما التصديق على التسوية الجنائية ومن ثم تأخذ طريقهـا إلى التنفيـذ أو رفضهـا

فيصبح الاقتراح كأن لم يكن.ولا يحق للقاضي إجراء أي تغيير أو تعديل أو حذف أو إضافة على التسوية المعروضة أمامه، وقرار القاضي بات غير قابل للطعن.وإذا تم التصديق على التسوية الجنائية ونفذ الجاني كافة التدابير المقررة فيترتب على ذلك انقضاء الدعوى الجزائية. وقد يفشل اقتراح التسوية الجنائية لعدة أسباب، منها رفض الجاني، أو عدم تصديقه من قبل القاضي ، أو عدم قيام الجاني بتنفيذ التدبير المطلوب منه بعد قبوله لاقتراح التسوية الجنائية، عندئذٍ يقوم النائب العام بتحريك الدعوى الجزائية. (141) ومن شروط التسوية ، يجب إن يتضمن اقتراح النائب العام بالتسوية الجنائية على الجاني قيام هذا الأخير بتعويض الضرر الذي أصاب المجني عليه بسبب الجريمة خلال مدة لا تزيد على ستة أشهر. ومؤدى ذلك، أن هذا التدبير له صفة إلزامية ما لم يثبت الجاني انه قد سبق وقام بهذا التعويض فعلاً ، وفي حالة عدم قيام الجاني بتعويض المجني عليه عن الضرر الذي أصابه، عندئذ يحق للمجني عليه الإدعاء المباشر أمام محكمة الجنح للمطالبة بالتعويض، ففي مثل هذه الحالة ستنظر المحكمة الجنائية الدعوى المدنية وحدها رغم أن الدعوى الجنائية تكون قد انقضت بتنفيذ تدابير التسوية الجنائية، ورغم أن الدعوى المدنية لا تكون تابعة للدعوى الجنائية استثناء من القواعد العامة حفاظاً على حقوق المجني عليه .(142) ان التسوية الجنائية تلتقي مع الوساطة في بعض الامور وتختلف عنها في امور اخرى ، اذ يتفقهذانالنظامانمنعدةوجوه، فيعدكلاًمنهماأحدالحلولالمتاحةلتخفيف عبءتزايدالمطالباتالقضائيةللحقوقعنكاهلالمحاكمويستهدفانمعاعلاجاًفعالاً لصنفمعينمنالجرائميقصرالقضاءالتقليديعنتحقيقه.(143) ومعذلكفهمايختلفانمننواحثلاثةتتعلقبوظيفةالمقابلوطبيعةكلاًمنهما وأثرهما:فمن حيث الوظيفة: المقابلفيالنظامينيتمثلفيدفعمبلغمنالمال،إلاانهلايهدفإلىتحقيقذات الغاية،إذيتحددهذاالمبلغفينظامالتسويةعلىضـوءمـاأصـاب

النظامالعام،من اضطرابوتحصلعليهالدولة. بينمايتمتقديرهفينظامالوساطة؛وفقاًللضررالخاص الذيأصابالمجنيعليه،مستهدفاًبذلكتعويضهعنوسببهذاالفارقبينالنظامين أنالتسويةذاتصفةجزائيةخلافاًللوساطةفهيذاتطبيعةإصلاحيةأوتعويضية.(144) ومن حيث الطبيعة التسويةالجنائيةهيإحدىصورالعدالةالرضائيةفيإطارالعدالةالتفاوضية، وإذاكانصحيحاًأنكلاًمنهمايستلزمرضاالأطراف،فإنهذاالرضاهوالحدالأولي فيالتفاوض. ويعدبمثابةشرطمفترضأوسابقلإجرائه،ويرتبطذلكبماتكفله الوساطةمنمساواةبينطرفيهامقارنةبمركزالنيابةالعامةعلىالمتهمفيشانالتسوية الجنائية،فإنالتسويةالجنائيةتخضعلسلطةرئيسالنيابةسواءمنحيثاللجوءإليها،أو منحيثصياغةشروطها.أماالمتهمفعلىالرغممنضرورةرضائهإلاأنهيتجردمن أيسلطةتفاوضيةفيمواجهةالنيابةبخصوصالعرضالمقدمإليهفهوإماأنيقبلهكليةً أويرفضهجملةً.أمافيالوساطةفالأمرمختلفلأنهانظامثلاثييستوعبكلاًمنالجانيوالوسيط والمجنيعليه. وإذاكانجوهرمهمةالوسيطتنحصرفيعقدلقاءمشتركبينالجاني والمجنيعليه،فهوبذلكيدفعكلاًمنهمالطاولةالتفاوضالمباشرعلىموضوعالاتفاق وشروطتنفيذهباسطاًمالديهمنحججمدعمةلموقفهوداحضةلحججخصمهإلىأنيتم الاتفاقعلىحليرضيالطـرفيندونضغطمنجانبالوسيط.ومن حيث الأثر : يختلفالأثرالمترتبعلىإعمالأيمننظاميالتسويةوالوساطة الجزائيةعلى الرغممنانطوائهماضمنآلياتالحدمنتزايدأعدادالدعاوىالجزائيةأمام المحاكم، ففيالتسويةالجنائيةتنقضيالدعوىالجنائيةبتنفيذالتدابيرالتياشتملتعليها،بينمالا يكونالأمركذلكفيشأنالوساطةالجنائية؛لأننجاحالأخيرةلايؤديإلىانقضاء الدعوىالجزائيةوإنمامجردحفظالدعوى.وهوأمرمنتقدبالنظرإلىالطبيعةالإدارية للوساطة. وإمكانيةالعدولعنهمنجانبالنيابةالعامةفيأيوقتطالماالدعوىلم تنقضِبالتقادم،ولاشكفيمجافاةذلكلحكمةالوساطةالجنائيةبحسبانهاإحدىالوسائل الهادفةلتخفيفالعبءعنعاتقالمحاكمومعذلكفإنهيمكنالتقليلمنقيمةهذاالعيب، إذامالاحظناأنتحريكالدعوىالجنائيةالسابقحفظهالنيكونكماقالالبعضإلاإجراءاستثنائياًيفترضلتوافرهظروفخاصة(145) وبالنسبة لحقوق المجني عليه في نظام التسوية الجنائية: فإن إجراء التسوية كبديل لنظام الملاحقة الجنائية لم يأت بجديد بالنسبة للمجني عليه فالدعوى الجزائية لا يزال طرفاها النيابة العامة والمتهم والنيابة العامة هي التي تعرض اتفاق التسوية الجنائية على المتهم وللمتهم أن يقبل أو يرفض التسوية.وهكذا يظل المجني عليه بعيدا عن مسار هذه العلاقة إلا بصفته مضرورا من الجريمة ويعد تعويضه عن الضرر الذي أصابه احد التدابير التي تتخذ في مواجهة الجاني الذي قبل التسوية ، إذ يتعين على ممثل النيابة العامة ان يقترح على الجاني تعويض المجني عليه عن الأضرار التي لحقته من الجريمة خلال فترة لا تجاوز الستة أشهر ما لم يكن قد بادر إلى تعويضه ( المادة 41-2/ 3من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي ) فإذا لم يجر تعويضه من خلال التسوية الجنائية فله أن يسلك طريق الادعاء المباشر أمام محكمة الجنح أو المخالفات وعندئذ لا تفصل المحكمــة إلا في الحقــوق المدنيــة فقط ،إذ تنـص الفقـرة 9 من المـادة (41-2) من القانون المذكور على أن : (يترتب على تنفيذ التسوية انقضاء الدعوى الجنائية ولا يحول ذلك دون حق المدعي في إلا دعاء المباشر أمام محكمة الجنح طبقا للشروط المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية ولا تفصل المحكمة عندئذ إلا في الحقوق المدنية فقط بعد الاطلاع على الأوراق) وهكذا يتبين أن المشرع الفرنسي في إجراء التسوية الجنائية لم يعول على إرادة المجني عليه في اللجوء إليها.

فالمجتمع ممثلا في النيابة العامة لا المجني عليه هو الذي يقدر ما إذا كان إجراء التسوية هو الأنسب فإذا قدر أن مصلحته في التسوية الجنائية لم يعلق انقضاء الدعوى الجنائية على تعويض الجاني له .(146)

ثانيا // امكانيــة الاخذ بنظام التسويــة الجنائيـة في التشريع العراقي..

من المعلوم إن قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ٢٣ لسنة ١٩٧١ قد صدر في بداية السبعينات القرن الماضي، وٕان بداية ظهور نظام التسوية الجنائية تعود إلى عهد قريب نسبيا أي بعد تشريع هذا القانون بمدة زمنية طويلة فنظام التسوية الجنائية، نظام حديث في إنهاء الدعوى الجزائية. وقد ظهرت بعد أن أضحت المجتمعات تعاني من ظاهرتين: الأولى: زيادة عدد الجرائم، والثاني حفظ بلا تحقيق أو بالأحرى الحفظ الإداري للوقائع، بالإضافة إلى العديد من المعوقات الأخرى التي وقفت في وجه الأجهزة القضائية كظاهرة التضخم التشريعي وأزمة العقوبة السالبة للحرية قصيرة الحدة وفشلها.(147) ومن جانب اخر أخذ القانون العراقي الجنائي بالصلح كمبدأ للمصالحة في بعض الجرائم وقد نص قانون أصول المحاكمات الجزائية على الصلح وأحكامه كما بينا سابقا رغبة من المشرع لاحلال السلام بين المتخاصمين خصوصاً وٕان الحكم على بعضهم قد لا يمنع الطرف الثاني في الدعوى الجزائية من إعادة ارتكاب الجرائم أخذ بالثأر وانتقاماً من الجاني وان اعتماد نظام الصلح من قبل المشرع العراقي يطرح التساؤل حول إمكانية تطبيق نظام التسوية الجنائية في القانون العراقي ، سيما وان نظام التسوية الجنائية اخذ يكتسب أهميته يوماً بعد يوم في العالم كبديل للدعوى الجنائية، ووسيلة جديدة لمكافحة الجريمة . وهذا الأمر دفع بالعديد من التشريعات إلى البحث عن مفهوم آخر للعدالة الجنائية ومزجه مع المفهوم التقليدي – وهو إحقاق عدالة تعويضية أو إصلاحية.لذا نؤيد من يرى(148) امكانية تطبيق نظام التسوية الجنائية في العراق بوصفه نظاماً بديلاً عن الدعوى الجزائية خاصة في الجرائم البسيطة وبما يحفف عبء الدعاوى الجزائية وكلفتها على الدولة وعلى قضاة الموضوع وكذلك مساهمته في حل النزاعات الجزائية بشكل سريع. خصوصا بعد زيادة الدعاوى في العراق وعدم مواكبة القضاء لها بسبب صعوبة وكلفة إنشاء محاكم جديدة وصعوبة في إعداد الكوادر القضائية ، الأمر الذي يجعلنا أن نفكر في البحث عن مفهوم آخر للعدالة الجنائية تضمن إحقاق العدالة التي تتطلع إليها من وراء الدعوى الجزائية ، اذ ان النظام الجزائي العراقي أقر العديد من المبادئ التي يفيد بإنهاء النزاع الجنائي في جرائم معينة كالتنازل والصلح والصفح، فلا مانع من اقرار أسايب أخرى لإنهاء النزاعات بين الافراد ، إضافة الى ذلك، فقد جاء في ورقة عمل اصلاح النظام القانوني في العراق على قانون اصلاح النظام القانوني رقم ( ٣٥ ) لسنة ١٩٧٧ ، في (الفصل الرابع- ثانيا – قانون الاجراءات الجنائية) منها على :توسيع الحالات التي تجوز فيها الصلح أو الصفح، بحيث تشمل الجرائم ذات الآثار الشخصية.

الخاتمــة..

توصل البحث إلى جملة من النتائج والتوصيات نورد أهمها فيما يأتي:

أولا // النتائــج..

1- تسعى الاتجاهات الاجرائية المعاصرة الى اعطاء دور اكبر للمجني عليه و السماح لطرفي النزاع بالحوار بالشكل الذي يؤدي إلى إزالة الأحقاد والكراهية الناجمة عـن وقـوع الجريمـة، وهـو ما لا يتوافـر مـن خـلال

مباشرة الإجراءات التقليدية. اذ يمكن من خلالها تقريب وجهات نظرهم بشأن الجريمة و يكون لهم مكنة تحديد مضمون الاتفاق الخاص بمعالجة آثار الجريمة، و هو الأمر الذي يمكن القول معه بأنها تتجه صوب النظام الاتهامي الذي يحكم فيه الخصوم مصير النزاع.

2- يثير موضوع تحديد مركز المجني عليه في ظل الاتجاهات الاجرائية المعاصرة العديد من المشكلات: ولا سيما في ظل الأنظمة المستحدثة في القانون الجنائي الاجرائي ، لوجود جدل بين الفقه ما بين قبولها ورفضها، ولعدم اخذ العديد من التشريعات المقارنة بها حتى الآن. فضلا عن أن هناك بعض التشريعات التي لازالت تجري بعض التعديلات على تطبيق هذه الانظمة في تشريعاتهــا.وتجارب الدول في بعض هذه الاتجاهات لا زالت تحت الدراسة، نظراً لحداثة تطبيقها. فضلا عن انعدام السوابق القضائية التي تبين أحكامها، و انعدام القواعد المنظمة لكيفية مباشرتها من جانب أطرافها ، و عدم وجود إحصائيات كافية بشأن نتائج تطبيقها في التشريعات المقارنة.

3- لم يعرف قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم ( ٢٣ ) لسنة ١٩٧١ المعدل او في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، مثل قوانين عدة المجني عليه ، لكنه إستخدم مصطلح المجني عليه فنص على عدم جواز تحريك الدعوى الجزائية إلا بناء على شكوى من المجني أو من يمثله قانوناً في الجرائم المنصوص عليها في المادة الثالثة منه ، ويبدو أنه يقصد بذلك إن المجني عليه هو الشخص الذي وقعت عليه نتيجة الجريمة، أو أعتدي على حقه الذي يحميه القانون ، ثم ميّز بين المجني عليه والمتضرر من الجريمة فأعطى الأخير حق الادعاء بالحق المدني ضد المتهم والمسؤول مدنياً للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي سببته الجريمة ، وربما لم يجد المشرع العراقي ضرورة لمثل هذا التعريف ، مادام طرفا الدعوى الجزائية هما المجتمع الذي تضرر من الجريمة، والمتهم الذي أخل بقوانينه ، أو قد يكون ذلك راجعا ، إما لوضوح هذا المصطلح ، وٕاما غموضه وما يثيره هذا التعريف من اعتراضات من جانب الفقه .

4- أما القضاء العراقي فلم يعرف المجني عليه صراحة لكن الاستنتاج الأكيد من قرارات المحاكم العراقية يشير الى ان المقصود بالمجني عليه هو من شكلت الجريمة اعتداء على حق من حقوقه المحمية بموجب القانون. وهناك شواهد قضائية اخرى تدل على استعمال لفظ مجني عليه في مناسبات عديدة.

5- يمكن تعريف المتضرر من الجريمة بأنه : كل شخص أصابته الجريمة المرتكبة بأضرار شخصية ومباشرة ومحققة.ولا تختلف التشريعات المقارنة في تعريف المتضرر من الجريمة عن هذا الوصف ، منها المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية المصري والمادة 22 من القانون الإماراتي ، والمادة 111 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي والمادة 10 من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي وكذلك المادة الثانية من قانون الإجراءات الفرنسي ، بيد أن اللافت للنظر في هذه التشريعات المقارنة أنها لم تنتهج مذهبا واحداً في تحديد نوع هذه الإضرار التي تصيب ذلك المضرور من الجريمة. فبينما نجد التشريع المصري في المادة 251 مكرر والتشريع العراقي في المادة 10 الأصولية اشترطا أن يكون الضرر شخصياً ومباشراً ، ومحققا سواء حالا أم مستقبلا ، نجد أن التشريعيين الإماراتي والكويتي لم ينصا على نوع تلك الأضرار.

7- في القانون الجنائي لا ينصب التنازل على الدعوى الجزائية في ذاتها وإنما يرد على المطالبة بتحريكها في الإطار المحدد له وهو الجرائم التي لا يجوز تحريك الدعوى الجزائية فيها إلا بناء على شكوى المجني عليه أو ممثله القانوني . وبذلك يتبين أن جوهر التنازل هو التعبير عن الإرادة.

8- إن الغاية من تبني التشريعات لنظام الصلح الجنائي هي تبسيط وتيسير الإجراءات الجنائية وتخفيف العبء عن كاهل القضاء وفض النزاع بين المجني عليه والمتهم على نحو تهدأ به النفوس وتصفى وتستقر معه الأمور وتهدأ.

ثانيا // التوصيات..

1- نوصي المشرع العراقي بضرورةوضعآلية جديدةللسياسة الاجرائية المعاصرة من خلال اتباع سياسةالتحولعنالإجراءات،والتي تعني خضوع المتهمينلمعاملةإجرائيةتختلفعنتلكالمقررةتقليدياًللمحاكماتالجنائية. ويتمثل جوهرهذهالسياسةفيالاستغناءعنإجراءاتالخصومةالجنائية،كلياًأوجزئياً واستبدالهابإجراءاتأخرىأقلتعقيداًوأكثرسرعةفيحسمالمنازعاتسواءأكانت بسيطةلاتتطلبسوىتيسيرالإجراءات،ومقترنةببرامجلإصلاحالجانيوتأهيله، هذا بجانبمراعاةحقوقالمجنيعليهوتعويضضرره.

2- نقترح على المشرع العراقي أن يقتدي بمنهج المشرع المصري الذي وسع في تعديل قانون الإجراءاتالجنائية في عام 2006 من حالات التي تقع عليها الصلح رغبة منه في مواجهة أزمةالعدالة الجنائية وإعطاء أطراف الدعوى الجنائية المتهم والمجني عليه إنهاء الخصومةالجنائية بدون حكم، وبذلك يعد هذا النص تطبيقاً للاتجاهات الحديثة في التشريعاتالجنائية المعاصرة التي تعطى للمجني عليه دوراً ملحوظاً في إنهاء الدعوى الجنائيةبالنسبة لبعض الجرائم، وبخاصة تلك الواقعة على الأفراد والتي توصفبأنها قليلة أو متوسطة الخطورة والتي تقع على المجني عليه بمناسبة علاقاتهالاجتماعية بالمتعاملين معه دون أن يتعارض الصلح في هذه الأحوال مع مقتضيات الحفاظعلى المصلحة العامة.

3- نحبذ الاخذ بنظام الوساطة الجنائية في حل النزاعات الجنائية في العراق لكونه يقلل من عدد القضايا التي تحال الى المحاكم ومن ثم تخفيف العبء عن كاهلها مما يحول دون تراكم القضايا وتأخير الفصل فيها وفضلا عن ذلك فانه وسيلة لإعادة الانسجام الاجتماعي بين افراد المجتمع من خلال تدخل الوسطاء الذين يسعون الى ازالة الاثار النفسية الناجمة عن الجريمة ، كما انه يجنب الجاني مخالطة معتادي الاجرام ويجنبه الاثار النسية لتقييد الحرية ، كما يجنب المجني عليه طول المدة الزمنية للإجراءات ويحقق له الحصول على تعويض للضرر الذي احدثته الجريمة وبوقت قصير . كما ندعو للدفع قدما لقبول هذا النظام في التشريع الجزائي العراقي ، سيما اذا علمنا ان المجتمع العراقي يعرف العديد من صور هذه الوساطة ، والتي من امثلتها الوساطة الشرطية التلقائية التي يقوم بها اعضاء الضبط القضائي بمهمة الوسيط فيما بين اطراف النزاع ، في الجرائم التي يجوز فيها الصلح والتي نصت عليه المادة الثالثة من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل ، كما ان هنالك صورة اخرى للوساطة التي تقوم بها المجالس العرفية والتي يلعب فيها وجهاء العشائر دور الوسيط . وهو ما يعني ان اصل هذا النظام موجود في المجتمع العراقي وينبغي تقنينه رسميا حتى يحقق الاهداف المرجوة منه.

4- نفضل اقرار الاخذ بنظام التسوية الجنائية لكونه بدا يكتسب أهميته يوماً بعد يوم في العالم كبديل للدعوى الجنائية، ووسيلة جديدة لمكافحة الجريمة . كما نؤيد امكانية تطبيق نظام التسوية الجنائية في العراق بوصفه نظاماً بديلاً عن الدعوى الجزائية خاصة في الجرائم البسيطة وبما يحفف عبء الدعاوى الجزائية وكلفتها على الدولة وعلى قضاة الموضوع وكذلك مساهمته في حــل النزاعــات الجزائية بشكل سريع. خصوصا بعد زيادة الدعاوى في العراق وعدم مواكبة القضاء لها بسبب صعوبة وكلفة إنشاء محاكم جديدة وصعوبة في إعداد الكوادر القضائية ، الأمر الذي يجعلنا أن نفكر في البحث عن مفهوم آخر للعدالة الجنائية تضمن إحقاق العدالة التي تتطلع إليها من وراء الدعوى الجزائية ، اذ ان النظام الجزائي العراقي أقر العديد من المبادئ التي يفيد بإنهاء النزاع الجنائي في جرائم معينة كالتنازل والصلح والصفح، فلا مانع من اقرار أساليب أخرى لإنهاء النزاعات بين الافراد ، إضافة الى ذلك، فقد جاء في ورقة عمل اصلاح النظام القانوني في العراق على قانون اصلاح النظام القانوني رقم ( ٣٥ ) لسنة ١٩٧٧ ، في (الفصل الرابع- ثانيا – قانون الاجراءات الجنائية) منها على :توسيع الحالات التي تجوز فيها الصلح أو الصفح، بحيث تشمل الجرائم ذات الآثار الشخصية.

5- نؤكد ضرورة حصولالمجنيعليهعلى تعويضعادلوفقاًلمفهومالعدالةحالقبولهللإجراءات البديلة سواءكانالتعويض نفسياًأممادياً، وينبغيألايقتصرتعويضالمجنيعليهعلىالأضرارالمادية فقطفتعويضالمجنيعليهبشكلماديقدلايكونكافياًبالنسبةللمجنيعليه،وهوماقد يؤديإلىحلشكليللنزاعفقط ، فحصولالمجنيعليهعلىتعويضلايعني بالضرورةتحققالعدالة،وإنمايعنيأنطرفيالنزاعقدتوصلاإلىحلمرضللنزاع بينهم؛وهومايجعلالاجراءات البديلة ذاتمفهوممختلفعنالعدالةالتقليدية،والتي تهدفإلىكشفالحقيقةوتقريرذنبالجاني. وعليهينبغيعلىالوسيطأنينتبهإلىأن يكونحلالنزاعبأيصورةكانتيؤديإلىإشعارالمجنيعليهبأنهعادإلىوضعه الاجتماعيالذيكانعليهقبلوقوعالجريمة.

7- ومن الضروري التأكيد على سرعة الفصل في الإجراءات وحسم الدعوى الجزائية كونها من الحقوق المهمة للمجني عليه والتي لا بد من مراعاتها.

8- ويبدو من الأهمية بمكان منح دور للادعاء العام في تحريك الدعوى الجزائية أو حفظها لعدم الملائمة في تحريكها في تشريعنا العراقي تمهيدا للأخذ بالأنظمة المتطورة في الوساطة والتسوية الجنائية المعمول بها في بعض الدول في الوقت الحاضر.

الهوامــش.

(1) انظر:د.محمد محي الدين عوض , حقوق المجني عليه في الدعوى الجنائية , أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ,ص 28 . عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه في الدعوى الجنائية : ،دار النهضة العربية , القاهرة ، ط1 , 2006 ، ص10.

(2) الدكتور رامي متولي القاضي : الوساطة في القانون الجنائي الإجرائي ، الناشر دار النهضة العربية بالقاهرة، 2010. ص 8 وما بعدها.

(3) د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه ، مصدر سابق ، ص8.

(4)المصدر السابق ، ص58- 59.

(5):د.محمد محي الدين عوض .حقوق المجني عليه في الدعوى الجنائية .. أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ص55 و56 0 د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص60.

(6) تنظر المواد : ٣٩٦ ،٣٩٤ ،٣٩٣ ،٣٨٥ ،٣٧٩ ،٣٣٨ من قانون العقوبات العراقي، والمواد ٣٢٦ – ٣٦٨ من قانون العقوبات من قانون العقوبات المصري، والمواد ٢٢٢ ،٣٠٩ ،٢٦٧ من قانون العقوبات الفرنسي. راجع د. محمد علي سالم والمدرس محمد عبد المحسن سعدون ، حماية حقوق ضحايا الجريمة ، مصدر سابق ، ص .، ص 5-6.

(7) وهي مجموعة من الجرائم التي لا تحرك الدعوى الجزائية فيها الا بناء على شكوى من المجني عليه او من يقوم مقامه قانونا .

(8) د. محمد علي سالم والمدرس محمد عبد المحسن سعدون ، حماية حقوق ضحايا الجريمة: مصدر سابق ص 7.

(9) المصدر السابق : ص 8.

(10) راجع المستشار الدكتور : محمد حنفي محمود محمد : بحث في حقوق المجني عليه ، متاح على موقع شبكة رواد المعرفة الكترونيةعلى الرابط الآتي على الانترنت: http://rooad.net/admin/index.php?action=news_add&cat=17#_ftn1 ص2.

(11) Michèle Rassat :- Traitéde procédure pènale :- P.U.F. 1e édition 2001, p. 247. No. 166.

(12) د/ محمود نجيب حسنى :- شرح قانون الإجراءات الجنائية ، الطبعة الثالثة ، سنة 1995 ، دار النهضة العربية بالقاهرة ، ص127 رقم 121.

(13) د/ محمد أبو العلا عقيدة :- شرح قانون الإجراءات الجنائية ، الطبعة الثانية ، سنة 2001 ، دار النهضة العربية بالقاهرة ، ص150 .

(14) راجع د. سامي النصراوي : دراسة في اصول المحاكمات الجزائية ، دار السلام ، بغداد ، ط1 ، 1977، ص 32. أ. عبد الامير العكيلي و د. سليم ابراهيم حربة : شرح اصول المحاكمات الجزائية ، ج 1، بغداد ، 1988، ص 40 وما بعدها.

(15) راجع في ذلك :- د/ إبراهيم على صالح :- المسئولية الجنائية للأشخاص المعنوية ، رسالته ، كلية الحقوق جامعة القاهرة ، سنة 1975عن المستشار الدكتور: محمد حنفي محمود محمد : مصدر سابق ،ص 3.

(16) مشار اليه في الدكتور :محمد حنفي محمود محمد: بحث في حقوق المجني عليه ،مصدر سابق ، ص 2.

(17) نقض جلسة 27/5/1963 مجموعة المكتب الفنى للمحكمة السنة 14 ، ق87 ، ص445 . راجع المستشار الدكتور : محمد حنفي محمود محمد : بحث في حقوق المجني عليه ،مصدر سابق ، ص 2.

(18) فقد جاء في احد قرارات محكمة التمييز (…قررت محكمة التمييز نقض الحكم وٕاعادة الاوراق الى محكمتها لاجراء المحاكمة مجددا بغية توجيه تهمتين اثنتين ،إحداهما وفق المادة ٤٠٦ عقوبات عن جريمة قتل المجنى عليه ( ح ) ومشفوعة بسبق الاصرار والأخرى وفق المادة 406/ 1– أ عقوبات بدلالة المادة

( ٣١ ) منه عن جريمة الشروع عمدا بقتل المجني عليه ( ص ) مع سبق الاصرار أيضا لما ثبت من وقائع الحادثة وظروفها ان الظرف المشدد وهو سبق الاصرار كان العامل الذي تحرك المتهم من خلاله لارتكاب الجريمة وانه كان قد طغى على كافة الوقائع الموضوعية والشخصية للجريمة خاصة اذا ما لوحظ بان المتهم عند إطلاقه العيارات النارية من رشاشته بشكل عشوائي على من كان نائما في فراشه بساحة الدار من أهل الدار كان مطمئن البال ومعتقدا كل الاعتقاد بان المقصود بالقتل هو ( س ) – والد المجنى عليه ( ح ) وشقيق المصاب ( ح ) وهو لا محالة متواجد بينهم في الدار في مثل تلك الظروف بين ان يكون هذا أو ذاك وفي هذا المكان أو ذلك إلا ان ( س ) لم يكن آنذاك في داره صدفة الأمر الذي يتعين معه القول بان المتهم يكون مسؤولا عن هذه الجريمة المغطاة بسبق الاصرار بكاملها خاصة ان الخطأ في شخص المجنى عليه حالة ينسحب معها سبق الاصرار على المجني عليهما للأسباب المذكورة…) قرار محكمة التمييز العراقية الاتحادية رقم ٣٥ /985/986 في 16/10/1985. منشور على الرابط :     http://www.iraq   مذكور في د. محمد علي سالم والمدرس محمد عبد المحسن سعدون ، حماية حقوق ضحايا الجريمة ، مصدر سابق ، ص .، ص 10-11.

(19) لقد درجت احكام القضاء الجزائي العراقي على استعمال لفظ مجني عليه ، ينظر على سبيل المثال قرار محكمة التمييز العراقية الاتحادية رقم 1071 / جنايات / 71 في 4/5/1972 النشرة القضائية عدد 2، س3، ص 236 . وكذلك قرارها المرقم 297 / جنايات / 74 في 20/3/1974 النشرة القضائية عدد 1 ، س5 ص 356. وينظر ايضا حكم محكمة جنايات البصرة رقم 36/ج/1997 في 16،3/1997 المصدق بالقرار التمييزي المرقم 2526 / الهيأة الجزائية الثانية / 97 في 24 / 8 / 1997 . كذلك القرار التمييزي المرقم 3260 / جنايات / 74 في 20/2/1974 . النشرة القضائية عدد 1 ، س5، ص 365. وللمزيد راجع : د. جمال ابراهيم الحيدري : شرح احكام القسم الخاص من قانون العقوبات ، مكتبة السنهوري ، بغداد ،2014، ص 156-157.

(20) (نصت المادة 3 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل على انه :

أ – لا يجوز تحريك الدعوى الجزائية الا بناء على شكوى من المجني عليه او من يقوم مقامه قانوناً في الجرائم الآتية : 1 – زنا الزوجية او تعدد الزوجات خلافاً لقانون الاحوال الشخصية. 2 – القذف او السب او افشاء الاسرار او الاخبار الكاذب او التهديد بالقول او بالايذاء الخفيف اذا لم تكن الجريمة وقعت على مكلف بخدمة عامة اثناء قيامه بواجبه او بسببه.

3 – السرقة او الاغتصاب او خيانة الامانة او الاحتيال او حيازة الاشياء المتحصلة منها اذا كان المجني عليه زوجاً للجاني او احد اصوله او فروعه ولم تكن هذه الاشياء محجوزاً عليها قضائياً او ادارياً او مثقلة بحق لشخص آخر. 4 – اتلاف الاموال او تخريبها عدا اموال الدولة اذا كانت الجريمة غير مقترنة بظرف مشدد. 5 – انتهاك حرمة الملك او الدخول او المرور في ارض مزروعة او مهيأة للزرع او ارض فيها محصول او ترك الحيوانات تدخل فيها. 6 – رمي الاحجار او الاشياء الاخرى على وسائط نقل او بيوت او مبان او بساتين او حظائر. 7 – الجرائم الاخرى التي ينص القانون على عدم تحريكها الا بناء على شكوى من المتضرر منها. ب – لا يجوز تحريك الدعوى الجزائية في الجرائم الواقعة خارج الجمهورية العراقية الا بإذن من وزير العدل.)

(21) انظر :د.محمود نجيب حسني ,شرح قانون الإجراءات الجنائية المرجع السابق رقم 127ص128 . و تنص المادة 61 من قانون الإجراءات الجنائية على انه اذا رأت النيابة العامة انه لا محل للسير في الدعوى ,تأمر بحفظ الأوراق . د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص27.

(22) نصت المادة 10/1 من قانون الإجراءات الجنائية المصري : ( لمن قدم الشكوى …أن يتنازل عن الشكوى في أي وقت إلى ان يصدر في الدعوى حكم نهائي وتنقضي الدعوى الجنائية بالتنازل ).

(23) يجدر بالذكر أن المشرع اعتد بتنازل المجني عليه في حالتين خاصتين بعد صدور الحكم النهائي وليس لهذا التنازل بطبيعة الحال علاقة بالدعوى الجنائية التي انقضت بالحكم النهائي .انظر المادتين 273ع الخاصة بجريمة زنا الزوجية والمادة 312ع الخاصة بالسرقة بين الأزواج والأصول والفروع.

(24) انظر :د.رؤوف عبيد ,مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري المرجع السابق ص36. د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص28.

(25) فالمادة 18 مكررا (أ )- كمثال – من قانون الإجراءات الجنائية (المضافة بالقانون رقم 174 لسنة 1998 (1) تتكلم عن مطلق المجني عليه (2)في الجنح التي يجوز فيها الصلح مع المتهم .وترتب على إثبات صلحه مع المتهم انقضاء الدعوى الجنائية .وتحرص في ذات الوقت على ضمان حقوق المضرور من الجريمة ((وهو غير المجني الذي يجوز له الصلح (3):إذ تنص على أن :(( للمجني عليه – أو لوكيله الخاص – في الجنح المنصوص عليها في المواد 000 وفي الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون ان يطلب إلى النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال إثبات صلحه مع المتهم .ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر.ولا اثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة )).ينظر :د.امين مصطفى محمد .انقضاء الدعوى الجنائية بالصلح وفقا لأحكام القانون رقم 174 لسنة 1998 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات – دراسة مقارنه .دار النهضة العربية. وانظر أيضا: أدوار غالي الذهبي .شرح تعديلات قانون الإجراءات الجنائية بالقانون رقم 174 لسنة 1998.المرجع السابقص 84.مشار اليها في د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص28.

(26) د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص61- 62.

(27) المصدر سابق ، ص63.

(28) انظر:د.محمود نجيب حسني شرح قانون الإجراءات الجنائية رقم 34 ص42 , ورقم 36 ص 44 . د.احمد فتحي سرور الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية ص87و88 د.حسنين عبيد شكوى المجني عليه _نظره تاريخيه انتقاديه ص122و123 ،د.عصام احمد محمد حق المجني عليه في تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عن الجرائم الماسة بسلامة جسمه ،ص35. د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص64.

(29) انظر في شأن الصورة الأولى لنظام الاتهام العام :د.رؤوف عبيد ،مبادئ الإجراءات في القانون المصري ص20 ,د. احمد فتحي سرور ,الشرعية الدستورية من ص 87الى ص 93. و د. رمسيس بهنام ,مشكلة تعويض المجني عليه في الجريمة ص 449. . د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص65.

(30) والتي كانت تنص على أن يقبل الادعاء بحقوق مدنية من الشاكي إذا صرح بذلك في الشكوى المقدمة منه أو من خلال إجراء رسمي لاحق في أي مرحلة من مراحل نظر الدعوى ومع أن الجمعية التأسيسية للثورة الفرنسية قد ألغت هذا النظام ليظل الحكم على الجاني بالعقوبة وتعويض المجني عليه عن الضرر الذي أصابه أمرا يتم بموجب إجراء واحد فسرعان ما عادت فرنسا إلى الفصل بين الدعويين الجنائية والمدنية بموجب المواد أرقام 6و8و430 في القانون الصادر سنة 1793 (السنة الرابعة للثورة الفرنسية) ثم في قانون تحقيق الجنايات الفرنسي لسنة 1808 وأخيرا في قانون الإجراءات الجنائية الحالي إذ تنص المادة الأولى منه على أن يختص القضاة أو غيرهم من الموظفين بتحريك الدعوى العمومية ومباشرتها في الأحوال المبينة في القانون وللطرف المضرور حق تحريك الدعوى الجنائية وفق الشروط المبينة في هذا القانون وتنص المادة الثانية من ذات القانون على أن (الدعوى المدنية حق لكل من أصيب بضرر مباشر من الجريمة جناية كانت أم جنحه أم مخالفه وليس للتنازل عن الدعوى المدنية أن يوقف أو يعطل سير الدعوى العمومية مع مراعاة الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة السادسة ، وللمزيد انظر: د.رؤوف عبيد ,مبادئ الإجراءات الجنائية ….ص36 د. محمد محي الدين عوض ,حقوق المجني عليه في الدعوى الجنائية ,ص56 ,د. عصام احمد محمد ,حق المجني في تحريك الدعوى الناشئة عن الجرائم الماسة بسلامة جسمه ,ص137و138. د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص65.

(31) انظر:د.مأمون محمد سلامه الإجراءات الجنائية في التشريع المصري ص72. د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص66.

(32) وفي احوال كثيرة يستعمل القضاء الجزائي العراقي لفظ مشتكي للتعبير عن مصطلح المجني عليه ، ينظر على سبيل المثال : قرار محكمة التمييز العراقية الاتحادية ذي العدد 2381 / تمييزية / 1979 في 10/12/1979 . وحكم محكمة جنايات الرصافة / بغداد رقم 765 /ج/1999 في 26/10/1999. وللمزيد راجع د. جمال الحيدري : شرح احكام القسم الخاص ، مصدر سابق ، ص 152، وص 170 .

(33) د. سعيد حسب الله عبد الله، قيد الشكوى في الدعوى الجزائية “دراسة مقارنة” ، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون، جامعة الموصل، 2000، ص 44

(34) الدكتور أحمد فتحي سرور، الوسيط في الإجراءات الجنائية، طبعة مصورة ومعدلة، 1995، دار النهضة العربية، ص 545.

(35) انظر نص الفقرة (1) من المادة (378) من قانون العقوبات العراقي والفقرة (ثانياً) من المادة (109) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي والفقرة (أ) من المادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية البحريني.والمادة (284) من قانون العقوبات الأردني والمادة (475) من قانون العقوبات السوري والمادة (489) من قانون العقوبات اللبناني والمواد (399- 400) من قانون العقوبات الليبي.

(36) انظر نص الفقرة (أ) من المادة (3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي والمادة (18) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي والمادة (10) من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي والمادة (11) من نظام الإجراءات الجزائية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمادة (109) من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي والمادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية البحريني والمادة (3) من قانون الإجراءات الجنائية القطري والمادة (3) من قانون الإجراءات الجنائية المصري والمادة (4) من قانون المسطرة الجنائية المغربي.

(37) د. يس عمر يوسف، شرح قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991، ط2، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1996، ص100

(38) على عدنان الفيل : بدائل إجراءات الدعوى الجزائية، مصدر سابق ، ص81.

(39) الطعن رقم 1019 لسنة 55 ق ,جلسة 16 من مايو سنة 1985 مجموعة أحكام محكمة النقض س 36 رقم 124 ص 708 نقض أول نوفمبر سنة 1990 مجموعة أحكام محكمة النقض س 41 رقم 173 ص 973 مشار إليه في مؤلف د. أدوار غالي الذهبي , شرح تعديلات قانون الإجراءات الجنائية بالقانون 174 لسنة 1998 ط1 دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة 1999 ,ص 84 و85 . د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 22.

(40) فالمادة27/1 من قانون الإجراءات الجنائية المصري تنص على انه :لكل من يدعي حصول ضرر له من الجريمة ان يقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية في الشكوى التي يقدمها إلى النيابة العامة أو إلى احد مأموري الضبط القضائي وفي التحقيق الذي يباشره قاضي التحقيق تنص المادة 76 على أن لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يدعي بحقوق مدنية أثناء التحقيق في الدعوى ويفض قاضي التحقيق نهائيا في قبوله بهذه الصفة وفي التحقيق الذي تجربه النيابة العامة تنص المادة 199 مكررا على أن لمن لحقه ضرر من الجريمة ان يدعي بحقوق مدنية أثناء التحقيق في الدعوى وتفصل النيابة العامة في قبوله بهذه الصفة وفي الادعاء بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية .تنص المادة 251 على أن من حقه ضرر من الجريمة ان يقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظور أمامها الدعوى الجنائية وفي الادعاء المباشر في النطاق المسموح به تنص المادة 232/1 على ان :تحال الدعوى إلى محكمة الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتــهم مباشرة بالحضور من المدعى بالحقوق المدنية.

(41) د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص23.

(42) انظر :د.رؤوف عبيد ,مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري المرجع السابق ص 71و120 . وانظر في تعريف المجني عليه :د.حسنين عبيد شكوى المجني عليه .نظره تاريخيه انتقاديه أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ,ص143و144؛ د.محمد محي الدين عوض حقوق المجني عليه في الدعوى الجنائية أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ص20 ؛د. احمد فتحي سرور الوسيط في قانون العقوبات (القسم العام) ط4 ,دار النهضة العربية 1985 ,رقم 168,ص298. د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص24.

(43) نقض 2 فبراير 1960 مجموعة أحكام محكمة النقض السنة 11 العدد الأول ,ق 29 ص 142. د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص24.

(44) انظر :د. حسن صادق المصرفاوي ,الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية رقم 11 ص 26 الأستاذ البشري الشوريجي دور النيابة العامة ، أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ص 197و198. د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص24.

(45) راجع تعريف الأستاذ المرحوم د/ محمود نجيب حسنى ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، الطبعة الثالثة ، سنة 1995 ، ص270 . عن المستشار الدكتور : محمد حنفي محمود محمد : مصدر سابق ، ص 4.

(46) راجع المادة 9 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي و المادة1 من قانون الإجراءات الجنائية الجزائري ، والمادة 58 من القانون السوري ، والمادة 205 إجراءات ليبي ، والمادة 6 من القانون اللبناني ، والمادة 2/3 من قانون الإجراءات الأردني الحالي بصيغته المعدلة بموجب القانون 16 لسنة 2001م .

(47) جلسة 1/11/1990 مجموعة المكتب الفني ، السنة 41 ، ق173 ، ص974 .

(48) وانظر كذلك المادة 20 من قانون الإجراءات الجنائية الجديد في قطر الصادر بالقانون رقم 23 لسنة 2004 المنشور فى الجريدة الرسمية العدد 12 بتاريخ 29/8/2004 وهو احدث قانون للإجراءات الجنائية في الدول العربية.

(49) عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص13.

(50) منها المادة الثانية من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسي والمادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية المصري والمادة 22 من نظيره الإماراتي ، والمادة 111 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي.

(51) د. محمد علي سالم :والمدرس محمد عبد المحسن سعدون ، حماية حقوق ضحايا الجريمة مصدر سابق ، ص 12.

(52) تنظر المادة 22 من القانون الإماراتي ، والمادة 111 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي.

(53) د.عبد الوهاب العشماوى :- الاتهام الفردي أو حق الفرد فى الخصومة الجنائية ، رسالة ، كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول ، طبعة 1953 ، دار النشر للجامعات المصرية ، ص288 .

(54) عقد هذا المؤتمر في ميلانو بايطاليا في الفترة من 26 أغسطس إلى 6 سبتمبر سنة 1985، وقد تناول كثير من الباحثين تعريف المؤتمر للمجني عليه تحت عنوان ضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة . انظر على سبيل المثال :د.حمدي رجب عطية دور المجني عليه في إنهاء الدعوى الجنائية.رسالة دكتوراه جامعة القاهرة – كلية الحقوق 1990 ص 30 عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 16.

(55) هو التعبير الذي استخدمه أ. د.رمسيس بهنام . مشكلة تعويض المجني عليه في الجريمة أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ص 447.عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 15.

(56)عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 16.

(57) د. رمسيس .. مشكلة تعويض المجني عليه في الجريمة .. ص 447 . وهو التعريف الذي يؤيده المستشار البشري الشوربجي .. دور النيابة العامة في كفالة حقوق المجني عليه في مصر .. ص 198 .ود.غنام محمد غنام ,حقوق المجني عليه في الإجراءات الجنائية .أعمال مؤتمر أكاديمية شرطة دبي حول ضحيا الجريمة ,ص 152 . عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 18.

(58) المستشار البشري الشوريجي ,دور النيابة العامة في كفالة حقوق المجني عليه ,أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ,ص197 ؛د.حسن صادق المصرفاوي ,,الدعوى المدنية أمام المحاكم الجنائية منشأة المعارف بالإسكندرية 1989 ,رقم 12 ,ص28. عن د.محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 20.

(59) د.رؤوف عبيد .مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري ط17 .دار الجيل للطباعة القاهرة 1988 ص 120 .د.محمد محيي الدين عوض .. حقوق المجني عليه في الدعوى العمومية ص 22 : د.احمد شوقي عمر أبو خطوه .التدخل في الدعوى الجنائية– دراسة تحليليه مقارنة بين القانونين المصري والفرنسي. مطبعة المدني . القاهرة 1991 رقم 9 .ص 24 و25.عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 18.

(60) نقض 19/3/1919 ألمجموعه الرسمية سنة 1920 ص 106 عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 19.

(61) د.محمود محمود مصطفى حقوق المجني عليه قي القانون المقارن ط1 القاهرة 1975 رقم 9 ص13 عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 20.

(62) انظر: د. فوزيه عبد الستار الادعاء المباشر في الإجراءات الجنائية _دراسة مقارنه دار النهضة العربية 1990 رقم 33 ص 41. عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 21.

(63) د.حسنين عبيد ,شكوى المجني عليه _نظره تاريخيه انتقاديه ,أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ,ص144. وانظر أيضا : د.فوزية عبد الستار ,المرجع السابق رقم 33 ص 41 .تأكد هذا النظر بالمادة 251 مكررا من قانون الإجراءات الجنائية (مضافة بالقانون رقم 174 لسنة 1998) التي نصت على انه :لا يجوز الادعاء بالحقوق المدنية وفقا لأحكام هذا القانون إلا عن الضرر الشخصي المباشر الناشئ عن الجريمة والمحقق الوقوع حالا او مستقبلا ,وما قيل في المتن بشان الشروع في قتل بعيار ناري لم يصب المجني عليه يمكن ان يقال في الشروع في سرقه من جيب خال , والشروع في نصب كشفت وسيلته.

د.محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص 22.

(64) انظر :لسان العرب لابن منظور ,طبعة دار المعارف ,ج1,باب الجيم ,مادة (جنا) من ص706 إلى ص708 ، عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص12.  

(65) انظر :لسان العرب لابن منظور ,المرجع السابق ,ج4 باب الضاد مادة (ضحى) من ص 2559 إلى ص 2561 , وانظر أيضا :د. احمد محمد احمد بخيت (حماية ضحايا الجريمة في إطار المبدأ الإسلامي لا يطل دم في الإسلام – دراسة مقارنه أعمال مؤتمر أكاديمية شرطة دبي حول ضحايا الجريمة ,دبي الإمارات العربية المتحدة 3-5 مايو 2004,ج1, من ص 487 إلى ص490 . عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص12.

(66) انظر: الأستاذ الهادي سعيد,حقوق المجني عليه في الدعوى العمومية أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي,ص 221و222 . عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص14.

(67) المستشار سرى محمود صيام (كفالة حق الضحايا في الحصول على التعويض) أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ,ص 454 . عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص15.

(68) د. مجمد محيي الدين عوض “حقوق المجني عليه في الدعوى الجنائية” أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ،ص25و26. عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص16.

(69)الاستاذ الدكتور محمد علي سالم و المدرس محمد عبد المحسن سعدون : حماية ضحايا الجريمة في مرحلة التحقيق الابتدائي – دراسة مقارنة ، ص3 ، بحث منشور على الانترنت ، ينظر الرابط الاتي : najaftin.edu.iq.

(70) انظر المستشار البشري الشوربجي ،”دور النيابة العامة في كفالة حقوق المجني عليه في مصر” أعمال المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي ،ص199و200. عن د. محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه، مصدر سابق ، ص16.

(71) نصت المادة 1 /أ من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي على ان : تحرك الدعوى الجزائية بشكوى شفوية او تحريرية تقدم الى قاضي التحقيق او المحقق او أي مسؤول في مركز الشرطة او أي من أعضاء الضبط القضائي من المتضرر من الجريمة او من يقوم مقامه قانوناً او أي شخص علم بوقوعها او بإخبار يقدم الى أي منهم من الادعاء العام ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. ويجوز تقديم الشكوى في حالة الجرم المشهود الى من يكون حاضراً من ضباط الشرطة ومفوضيها.ونصت المادة 3 من القانون ذاته على : أ – لا يجوز تحريك الدعوى الجزائية الا بناء على شكوى من المجني عليه او من يقوم مقامه قانوناً في الجرائم الآتية …الخ .

(72) المادة 39 من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي ، والمادة 28 من القانون المصري . ما عدا المشرع العراقي الذي يفرق بين الشكوى التحريرية والشفوية. عن المستشار الدكتور : محمد حنفي محمود محمد : مصدر سابق ، ص 4.

(73) نصت المادة 47 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي : ( لمن وقعت عليه جريمة ولكل من علم بوقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى او علم بوقوع موت مشتبه به ان يخبر حاكم التحقيق او المحقق او الادعاء العام او احد مراكز الشرطة.) ونصت المادة 48 من نفس القانون : ( كل مكلف بخدمة عامة علم اثناء تأدية عمله او بسبب تأديته بوقوع جريمة او اشبته في وقوع جريمة تحرك الدعوى فيها بلا شكوى وكل من قدم مساعدة بحكم مهنته الطبية في حالة يشتبه معها بوقوع جريمة وكل شخص كان حاضراً ارتكاب جناية عليهم ان يخبروا فوراً احداً ممن ذكروا في المادة (47).

(74)المادة 26 من قانون الإجراءات الجنائية المصري المقابلة للمادة 38 من القانون الإماراتي .

(75) عن المستشار الدكتور : محمد حنفي محمود محمد : مصدر سابق ، ص5.

(76) محمود طه جلال : أصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية المعاصرة ،دار النهضة العربية ، القاهرة ، القاهرة ، ط1 ، 2005. ص11. ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية في النظم المعاصرة ، دراسة تحليلية ، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة نايف للعلوم الأمنية ، الرياض ، 2011. ص 27 .

(77) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 26- 27 .

(78) عمر محمد سالم : نحو تيسير الإجراءات الجنائية ،دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط1 ، 1997. ص 62.

(79) د. أحسن بوسقيعة : الوجيز في القانون الجزائي الخاص– الجرائم ضد الأشخاص و الجرائم ضد الأموال، جزء الأول، طبعة سادسة، دار هومة، ص 238.

(80) أ. عبد الرؤوف مهدي : شرح القواعد العامة في الإجراءات الجنائية، الجزء الأول، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1995، ص 383

(81) د. عوض محمد عوض: المبادئ العامة في قانون الإجراءات الجنائية، دار المطبوعات الجامعية،مصر، 1999 ص59

(82) د. محمد سعيد نمور: أصول الإجراءات الجزائية، شرح لقانون أصول المحاكمات الجزائية، دار الثقافة والتوزيع، 2005، ص 177، 178،

(83) د. جلال ثروت، سليمان عبد المنعم: أصول الإجراءات الجنائية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2006، ص 230

(84) د. محمد سعيد نمور: المرجع السابق، ص 179. دليج نجاة : حماية حقوق الضحية خلال الدعوى الجزائية : في التشريع الجزائري ، وزارة العدل الجزائرية بحث قضائي 2006-2009.ص 12.

(85) د. محمد سعيد نمور: المرجع السابق، ص 190

(86)د. سعيد حسب الله : اصول المحاكمات ، مصدر سابق ، ص 45.

(87) أ. محمد صبحي نجم: شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، سنة 1984، صفحة 50 ، دليج نجاة : حماية حقوق الضحية خلال الدعوى الجزائية : مصدر سابق .ص 14.

(88) شاهر محمد علي المطيري : الشكوى كقيد على تحريك الدعوى الجزائية ، في القانون الجزائي الأردني والكويتي والمصري . رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة الشرق الأوسط ، 2010. ص79.

(89) شاهر محمد علي المطيري : الشكوى كقيد على تحريك الدعوى الجزائية، مصدر سابق ، ص 80 .

(90) محاضراتي

(91) أ.د. جيلالي بغدادي: التحقيق دراسة مقارنة نظرية و تطبيقية ، الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية الجزائري 1999، ص 85.

(92) د. أحسن بوسقيعة: قانون الإجراءات الجزائية في ضوء الممارسة القضائية ،المرجع السابق، ص . 36 نقلا عن دليج نجاة : حماية حقوق الضحية خلال الدعوى الجزائية : مصدر سابق .ص18- 19.

(93) دليج نجاة : حماية حقوق الضحية خلال الدعوى الجزائية : مصدر سابق .ص 20

(94) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 30

(95) د. أسامة حسنين.عبيد: الصلح في قانون الإجراءات الجنائية، ماهيته والنظم المرتبطة به، دراسة مقارنة . القاهرة: دار النهضة العربية الطبعة الأولى، ٢٠٠٥.ص 32.

(96) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 32.

(97) د. أسامة حسنين عبيد، الصلح ، مصدر سابق ، ص 10 وما بعدها.

(98) الدكتور أحمد فتحي سرور، بدائل الدعوى الجنائية، مجلة القانون والاقتصاد للبحوث القانونية والاقتصادية، مطبعة جامعة القاهرة، السنة الثالثة والخمسون، 1983، ص212

(99) على عدنان الفيل : بدائل إجراءات الدعوى الجزائية ص77.

(100) الدكتور محمد حكيم حسين حكيم، النظرية العامة للصلح، المرجع السابق، بند 7، ص20

(101) الدكتور، أحمد فتحي سرور، المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية، مجلة القانون والاقتصاد، عدد خاص بمناسبة العيد المئوي لكلية الحقوق، 1983، ص 69

(102) الدكتور محمود طه جلال، أصول التجريم والعقاب في السياسة المعاصرة، رسالة دكتوراه منشورة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005، ص 453

(103)J. pradel, La rapidité de Línstance pénale, Aspecte de droit comparé, Rev. pénit. 1995, p 213

(104) الدكتور شريف سيد كامل، المرجع السابق، ص248؛ الدكتور أسامة حسنين عبيد، المرجع السابق، ص16

(105) د. أحمد عوض بلال، التطبيقات المعاصرة للنظام ألاتهامي في القانون الانجلوامريكي، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993، ص359

(106) على عدنان الفيل : بدائل إجراءات الدعوى الجزائية، مصدر سابق ، ص 78- 79.

(107) د. أنور محمد صدقي المساعدة : الصلح الجزائي في التشريعات الاقتصادية القطرية دراسة مقارنة، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية ، المجلد 24 ، العدد الثاني ، 2008. ص 96

(108)وقد جاء في هذا الحكم ما يأتي:” فالصلح يعد – في حدود تطبيق القانون- بمنزلة نزول الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل الجعل الذي قام عليه الصلح ويحدث أثره بقوة القانون، بما يقتضي من المحكمة- إذا ما تم التصالح في أثناء نظر الدعوى أن تحكم بانقضاء الدعوى الجنائية، أما إذا تراخى إلى ما بعد الفصل في الدعوى فإنه يترتب عليه وجوب وقف تنفيذ العقوبة الجنائية المقضي بها. وقد كشف المشرع عن هذا النظر في القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك والذي ألغى القانون رقم 623 لسنة 1955 ، أحكام النقض، س1963/ 1 ، ص927 . ينظر : د. أنور محمد صدقي المساعدة : الصلح الجزائي ، المصدر السابق ، ص 99، الهامش رقم 6 .

(109) الدكتور مأمون محمد سلامة، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، الجزء الأول، سنة 2001، ص 322 . على عدنان الفيل : بدائل إجراءات الدعوى الجزائية، مصدر سابق ، ص 82.

(110) الدكتور مأمون محمد سلامة، المرجع السابق، ص 325

(111) الدكتور شريف سيد كامل، المرجع السابق، ص 117 و ما بعدها. على عدنان الفيل : بدائل إجراءات الدعوى الجزائية، مصدر سابق ، ص 83.

(112) على عدنان الفيل : بدائل إجراءات الدعوى الجزائية، مصدر سابق ، ص84.

(113) مدحت محمد عبد العزيز إبراهيم : الصلح والتصالح في قانون الإجراءات الجنائية ، دراسة تحليلية مقارنة بين التشريعين المصري والفرنسي طبقا لأحدث التعديلات ، دار النهضة العربية ، القاهرة ط1 ، 2004 .ص9. ( ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 67. )

(114) محمد حكيم حسين الحكيم : النظرية العامة للصلح وتطبيقاتها في المواد الجنائية ، دراسة مقارنة ، دار الكتب القانونية ، القاهرة ، ط1 ، 2005. ص44.

(115) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 68

(116) إبراهيم عيد نايل : الوساطة الجنائية وسيلة مستحدثة لحل المنازعات الجنائية ، دراسة في القانون الاجرائي الفرنسي ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، ط1 ، 2001. ص 18.

(117) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 69-70 .

(118) راجع : د. سعيد حسب الله عبد الله : شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية ، الموصل ، ط2 ، 1998 ، ص 50-57.

(119) أضحى مفهوم الوساطة الجنائية من المصطلحات المألوفة في البيئة القانونية الحديثة ، وقد أوصى المجلس الأوروبي عام ١٩٨٩ بتطوير الإجراءات غير القضائية في نطاق القانون الجنائي وخاصة الوساطة . وتطبق المانيا الوساطة منذ عام ١٩٧٥ ، وفرنسا عام ١٩٩٣ ، وبلجيكا عام ١٩٩٤ ، وفي بعض الولايات الأمريكية عام ١٩٧٨ ، وبولندا ، وكندا ، ويوغسلافيا ، والاتحاد السوفيتي. ( روسيا حاليًا ) وتعرف الوساطة الجنائية بأنها : ” إجراء غير قضائي ، تقرره النيابة العامة وحدها ، قبل تحريك الدعوى الجنائية ، تهدف الى تعويض المجني عليه ووضع حد للمتاعب التي خلفتها الجريمة. 344 ويعرفها البعض بأنها : ” أسلوب غير قضائي ، يعتمد على اقتراح النيابة العامة، وتستمد وجودها من الصلح الذي تم بين الجاني عليه والجاني الذي تحقق من مسئوليته الجنائية ، وتكفله بتعويض المجني عليه ” . وتهدف الوساطة الجنائية إلى تحقيق الأمن الاجتماعي ومساعدة طرفي النزاع .راجع د. محمد حكيم حسين حكيم : العدالة الجنائية التصالحية في الجرائم الارهابية ، الرياض ، ط1 ، 2007. ص 45.

(120) مدحت عبد الحليم رمضان : الإجراءات الجنائية الموجزة لإنهاء الدعوى الجزائية ،دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط1 ، 2000. ص 32.

(121)ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 39 .

(122)Guilhem jouan: Les enjeux de la mediation, P: 103-108

(123)Lazerges: Mediation, Justicepenale et politique criminelle, P: 186.

(124)Mbanzoulou: La mediation penale, P: 16-17

(125) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 40 .

(126)المصدر السابق . ص45- 47.

(127) مامون محمد سلامة : الإجراءات الجنائية في التشريع المصري ،دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981. ص 140.

(128) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 119.

(129) القاضي : الوساطة ، ص 213 .

(130) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 121 .

(131) القاضي : الوساطة ، ص 213 .

(132) عادل علي المانع : الوساطة في حل المنازعات الجنائية ،مجلة الحقوق ، الكويت ، العدد الرابع ، السنة الثلاثون ، 2006.ص 95.  

(133) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق، ص 122.

(134)Faget: le cadre juridique de la mediation penal, p: 37.

(135)Hadida: les enjeux de la mediation penale pour le evocat, P: 133.

(136) رامي متولي القاضي : الوساطة في القانون الجنائي الإجرائي المقارن ، درا النهضة العربية ، القاهرة ، ط1 ،2010. ص، 101 – 102 ،ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق.ص 49.

(137)     Ponafe-schmitt: la mediation, P: 114 – 115. نقلا عن ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 49 .

(138) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص 50 .

(139) علي اعذافة محمد : الوساطة ، مصدر سابق ، ص 123- 124.

(140) على عدنان الفيل : بدائل إجراءات الدعوى الجزائية، مصدر سابق ، ص 91- 92.

(141)المصدر السابق ، ص92.

(142) على عدنان الفيل : بدائل إجراءات الدعوى الجزائية، مصدر سابق ، ص94.

(143)ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية، المصدر السابق . ص 75.

(144) عبيد : الصلح في قانون الإجراءات الجنائية ، ص 485

(145) ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية ، مصدر سابق . ص76- .77 .

(146) – تعد هذه حالة شاذة تطرح فيها الدعوى المدنية وحدها بنص القانون على القضاء الجنائي ما دامت القاعدة أن الدعوى المدنية تنظر بالتبعية للدعوى الجنائية ، ينظر عبد اللطيف عبد العال ، ص 94- 95.

(147) د. رامي متولي القاضي : التسوية الجنائية ، مصدر سابق ، ص ٣٧٩

(148)للمزيد راجع : المدعي العام صباح احمد نادر : التظيم القانوني للوساطة الجنائية وامكانية تطبيقها في القانون العراقي – دراسة مقارنة / بحث مقدم الى مجلس القضاء في اقليم كردستان العراق كجزء من متطلبات الترقية الى الصنف الثالث من اصناف الادعاء العام، ص 31-34.

المصادر..

الكتـب..

1-   د.إبراهيم عيد نايل : الوساطة الجنائية وسيلة مستحدثة لحل المنازعات الجنائية ، دراسة في القانون الاجرائي الفرنسي ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، ط1 ، 2001.

2-   د.أحسن بوسقيعة : الوجيز في القانون الجزائي الخاص– الجرائم ضد الأشخاص و الجرائم ضد الأموال، جزء الأول، طبعة سادسة، دار هومة ، 1998.

3-   د.أحمد فتحي سرور، الوسيط في الإجراءات الجنائية، طبعة مصورة ومعدلة، دار النهضة العربية ، 1995.

4-   د.جمال ابراهيم الحيدري : شرح احكام القسم الخاص من قانون العقوبات ، مكتبة السنهوري ، بغداد ،2014.

5-   د.جلال ثروت، سليمان عبد المنعم: أصول الإجراءات الجنائية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2006.

6-   د. سامي النصراوي : دراسة في اصول المحاكمات الجزائية ، دار السلام ، بغداد ، ط1 ، 1977

7-   د. سعيد حسب الله عبد الله : شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية ، الموصل ، ط2 ، 1998 .

8-   د.رامي متولي القاضي : الوساطة في القانون الجنائي الإجرائي ، الناشر دار النهضة العربية بالقاهرة، 2010.

9-   د.عبد الوهاب العشماوى :- الاتهام الفردي أو حق الفرد فى الخصومة الجنائية ، رسالة ، كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول ، دار النشر للجامعات المصرية ، طبعة 1953

10-   أ.عبد الامير العكيلي و د. سليم ابراهيم حربة : شرح اصول المحاكمات الجزائية ، ج 1، بغداد ، 1988.

11-   د.عبد الرؤوف مهدي : شرح القواعد العامة في الإجراءات الجنائية، الجزء الأول، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 1995.

12-   د.محمد سعيد نمور: أصول الإجراءات الجزائية، شرح لقانون أصول المحاكمات الجزائية، دار الثقافة والتوزيع، 2005.

13-   د.محمود نجيب حسنى ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، دار النهضة العربية ، الطبعة الثالثة ، سنة 1995 .

14-   د.محمد أبو العلا عقيدة :- شرح قانون الإجراءات الجنائية ، الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية بالقاهرة، سنة 2001.

15-   د.محمود نجيب حسنى :- شرح قانون الإجراءات الجنائية ، الطبعة الثالثة ، دار النهضة العربية بالقاهرة ، سنة 1995.

16-   د.محمد عبد اللطيف عبد العال : مفهوم المجني عليه في الدعوى الجنائية : ،دار النهضة العربية , القاهرة ، ط1 , 2006 .

الابحاث..

1-   د.أنور محمد صدقي المساعدة : الصلح الجزائي في التشريعات الاقتصادية القطرية دراسة مقارنة، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية ، المجلد 24 ، العدد الثاني ، 2008.

2-   صباح احمد نادر : التظيم القانوني للوساطة الجنائية وامكانية تطبيقها في القانون العراقي – دراسة مقارنة / بحث مقدم الى مجلس القضاء في اقليم كردستان العراق كجزء من متطلبات الترقية الى الصنف الثالث من اصناف الادعاء العام. 2013.

3-   دليج نجاة:حماية حقوق الضحية خلال الدعوى الجزائية : في التشريع الجزائري ، وزارة العدل الجزائرية بحث قضائي 2006-2009.

4-  علي عدنان الفيل : بدائل إجراءات الدعوى الجزائية. بحث منشور على الرابط الاتي: http://www.moj.gov.bh/jlsi/default9738.html

5-   د.محمد علي سالم و المدرس محمد عبد المحسن سعدون : حماية ضحايا الجريمة في مرحلة التحقيق الابتدائي – دراسة مقارنة ، ص3 ، بحث منشور على الانترنت ، ينظر الرابط الاتي : najaftin.edu.iq

6-  د. : محمد حنفي محمود محمد : بحث في حقوق المجني عليه ، متاح على موقع شبكة رواد المعرفة الكترونيةعلى الرابط الآتي على الانترنت: http://rooad.net/admin/index.php?action=news_add&cat=17#_ftn1

                                    

الرسائــل الجامعيــة..

1-   د. سعيد حسب الله عبد الله، قيد الشكوى في الدعوى الجزائية “دراسة مقارنة” ، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون، جامعة الموصل، 2000.

2-   ياسر بن محمد سعيد بابصيل : الوساطة الجنائية في النظم المعاصرة ، دراسة تحليلية ، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة نايف للعلوم الأمنية ، الرياض ، 2011.

                   

 


                                                                                          

                    

                                                              

                                                                        

                                                                                            

                                                                  

                                                        

          

                                                                              

                                                          

.                                                                          

                                                                                

                                                                                                                          

.

.

.                                                                              

.

                              

.

                                 

                                                                                                                                          

                                                                   

.

.