العنف في العراق

 

تبرز في الواقعين العربي والإسلامي عامة وفي العراق خاصة بعد سقوط النظام السابق  عام 2003، ظاهرة خطيرة ينذر استمرارها بانهيار الكثير من المكتسبات ، التي حققها العالمان العربي والإسلامي والعراق بعد التحولات الجذرية التي شهدها العراق مؤخرا في مختلف المجالات . إذ تبرز ظاهرة القتل والاغتيالات، واستشراء لغة العنف و التعصب كلغة وحيدة لمعالجة الكثير من المشكلات التي تمر فيها مجتمعاتنا ، أو طريقة لتحقيق الأهداف.

لذا نحن بحاجة إلى دراسة هذه الظاهرة، و نعدها مؤشرا للانهيار والانزلاق الذي يشهده واقعنا الراهن. علينا تفكيك هذه الظاهرة معرفيا ونحدد موجباتها وأسبابها وطرق معالجتها ، لان هذه الظاهرة بمتولياتها النفسية والسلوكية، تعتبر معولا للهدم والتفتيت لأعمدة البناء والأعمار في البلد على مختلف الأصعدة، لذا نحتاج إلى رؤية متزنة رشيدة ترى الأمور على حقيقتها ، وتوضح الأسباب الحقيقية لتلك الظاهرة المنحرفة، وسبل الخروج منها أو تجاوزها.

وأن الخلل الذي يعيشه الوضع السياسي والثقافي العربي ، يلقي بظله الثقيل على مجمل الحياة العربية ، ويتجسد في داء العنف والتعصب ، وغياب أدنى حالات التسامح السياسي والمعرفي والثقافي ، تجاه قوى المجتمع السياسية والمدنية ، وكأن همنا الأساس هو البحث عن عدو نحاربه ، لنبرز ترسانتنا الفكرية والسياسية تجاهه.

ويعرف العنف بأنه الإيذاء باليد أو باللسان، بالفعل أو بالقول في الحقل التصادمي مع الآخر، وهذا العنف  الفردي. أما العنف الجماعي، وهو أن تقوم مجموعة بشرية ذات خصائص مشتركة، باستخدام القوة كوسيلة لتحقيق تطلعاتها الخاصة، أو تطبيق سياقها الخاص على الواقع الخارجي.

أذن العنف كظاهرة فردية أو مجتمعية، هي تعبير عن خلل ما في تفكير وسياق صانعها، سواء على المستوى النفسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي،وهؤلاء يستخدمون العنف متوهمين أن هذا الخيار سيوفر لهم كل متطلباتهم وأهدافهم ، وهذا أسلوب خاطئ. ولم يسجل لنا التأريخ الإنساني ، أن العنف والإعمال التخريبية والترويع والتخويف، واستخدام أدوات القوة الغاشمة في العلاقات الإنسانية، قد حقق أهدافه ووصل إلى مطامحه، وإنما على العكس من ذلك، نجد أن العنف يشكل قناة أساسية لتبديد الطاقات ونسف الانجازات وتعريض أمن الجميع للكثير من المخاطر والمساوئ.

 

والإنسان هو الكائن الذي يستخدم العنف لتدمير ذاته أو نوعه، ولعل الجذر الفكري والمعرفي الذي يغذي حالات العنف هو حالة التعصب ، فالمتعصب يرفض حالة الاختلاف الطبيعية،التي تمثل جزء من القانون العام والناموس الطبيعي الكوني،فيلجأ إلى الترويع والتخويف. فالتعصب المقيت، هو الوجه الآخر للعنف، فهما وجهان لحقيقة واحدة، الوجه الثقافي والفكري هو التعصب، والوجه الاجتماعي والسلوكي هو العنف واللجوء إلى القوة الغاشمة في العلاقات الإنسانية.

أما الحاضن الأكبر لظاهرتي التعصب والعنف، هو الاستبداد بكل صوره وأشكاله، حيث يلتهم الحياة بتنوعها و يختزلها في بؤرة ضيقة، ويقمع كل من يحاول أن يعبر عن رأيه أو يمارس حريته أو يطالب بحقوقه. لذا نستطيع القول، أن هذا الثالوث الخطر( الاستبداد، التعصب، العنف) يتغذى كل واحد من الآخر، فالاستبداد يهيئ الأرضية والظروف لممارسة العنف والتعصب ، وهذين الأخيرين يؤكدان خيار الاستبداد ويعمقانه على مستويات الحياة كافة.

ولو نظرنا الى سمات العراقي عموما، تجد إن الصفة البارزة في شخصية العراقي ،  طيب وكريم وشهم وغيور …وهذه الصفات الجميلة والحسنة بلا شك موجودة عند العراقيين، لكن إلى جانب هذه الخصال هناك ميل لدى بعض العراقيين يتمثل في ضيق أفق الحوار لديهم وانكفائهم على الذات والتخندق تجاه الآخر ، ولا يوجد في الغالب استعداد للاعتراف بالخطأ في حالة حصوله ، بل غالبا ما تتحرك الأنا لدى البعض واضعين شتى الأعذار والمبررات للذات، ومتهمين الآخر بشتى الموبقات  والخطايا ، لذا الطابع الغالب على الحوارات بين الأطراف العراقية تميل إلى الصراخ والتهديد والوعيد والانسحاب ورفض التسليم بالحقيقة ، وأحيانا تأخذ اتجاهات بعيدة عن آداب الحوار والسلوك الحضاري.  

أما العوامل التي ساعدت على انتشار العنف في العراق حسب أعتقادنا هي كما يأتي:

 

العوامل الأسرية / إن حرمان الأطفال من رعاية وحنان الأبوين ، وانخفاض مستوى الوعي لدى الأبوين والتمسك بالعادات والتقاليد ، إضافة للخلافات بين الأبوين أو المعاملة التمييزية ضمن الأسرة، إضافة إلى تردي المستوى المعيشي للأسرة العراقية نتيجة لفقدان رب الأسرة لمورد يتعيش منه ويشعره بكرامته، وهذا ينعكس سلبا على أفراد الأسرة لاسيما الأطفال، إذ يظهر العنف في سلوك كل منهم  نتيجة للكبت.

 

العوامل الاجتماعية/ إن فشل الأطفال عن تكوين صداقات مع اقرأنهم تؤثر سلبا على مهاراتهم الاجتماعية ، وتقلل من ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين ، وتنمي مشاعر العنف والانعزالية في نفوسهم. لذا ينبغي الالتفات إلى أطفالنا وإفساح المجال لهم من أن ينمي عنده حق الاختيار، مع توجيه النصح والإرشاد دون استخدام الضرب والإكراه.

 

العوامل الاقتصادية / من أهم الأسباب التي أدت إلى استفحال ظاهرة العنف في العراق هو الفقر والبطالة، اذ بلغ نسبة الفقر في العراق، حسب إحصائيات قامت بها بعض منظمات المجتمع المدني مؤخرا، تقدر بنحو 43 في المائة من سكان العراق يعيشون في حالة فقر. وبالرغم من مخالفة ذلك لنص المادة (22) من الدستور التي أقرت الحق بالعمل لكل عراقي ،وهذا ساهم بشكل مباشر لدى البعض من ذوي النفوس الضعيفة، إن يعملوا ضمن تنظيمات إجرامية داخلية أو مرتبطة بالخارج من اجل الحصول على المال،والقيام بإعمال عنف في العراق.

 

عوامل قانونية / إن غياب السلطة والقانون في المجتمع ،يؤدي إلى انتشار الفوضى والفساد على المستويات جميعا،وبالتالي انعدام الأمن والاستقرار. كذلك نجد بعض الجهات الحكومية وعلى مختلف المستويات بدلا من أن تكون راعية لتطبيق القانون، إلا إننا نرى أنهم هم من يعبث بالأمن وبالمال العام، ولا يطبق القانون عليهم، ولكن يطبق بقوة وبقساوة على الفقير لو اخطأ حتى لو كان خطاء بسيطا. لذا ندفع باتجاه تغليب مبدأ سيادة القانون، على أن يطبق على الجميع بشكل متساوي ولا احد يعلوا على القانون ، استنادا لنص المادة (14) من الدستور التي أقرت المساواة بين العراقيين أمام القانون .

 

العوامل الفكرية أو الثقافية / إن ازدياد نسبة الأمية  والتخلف في المجتمع وسلب الحقوق والحريات والحد من حرية التعبير عن الرأي وحرية الفكر والمعتقد وهذا مخالف لنص المادة (38،130) من الدستور، كل هذا يساهم بالحد من التفكير السليم  والانحراف نحو ثقافات وأفكار تتسم بالعنف. لذا ينبغي توخي الحذر في الخطابات الموجهة للمواطنين، سواء الصادرة من رجال دين أو قادة سياسيين، مستغلين عواطفهم خاصة مع زج قضايا الدين وبعض الحوادث التاريخية في الخطابات التي من شانها أن تثير وجدان وعواطف البسطاء والجهلة،  الذين يندفعون باتجاه ارتكاب حماقات يندى لها الجبين. واختيار منطق بديل عن هذا يتسم بالموضوعية والاعتدال يدفع باتجاه الوحدة وعدم الفرقة والتناحر الفض، والتأكيد على الهوية العراقية والانتماء إلى هذا البلد.

 

أسباب أخرى للعنف / ونرى من الأسباب الرئيسة في تفشي ظاهرة العنف والعنف المضاد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية،والعراق خاصة، هي تبني سياسات خاطئة تؤدي إلى عسكرة الحياة المدنية. وبالتالي تنعدم الحقوق الطبيعية للحياة الإنسانية المدنية، وتتحول هذه الحقوق إلى سياسة مكبوتة، إذ تنزل من ساحة العلن ومن مجال التفاعل الحر بين الإرادات والمصالح، إلى أقبية الكبت والتهرب من النور وتدخل دهاليز الظلام ، وهناك تتابع نموها غير الطبيعي دون أي مراقبة مشروعة. وكذلك يمكن أن نوعز أن العنف في العراق سببه ما يلي :-

أ‌)                    توالي عهود الاستبداد في الحكم بالعراق.

ب‌)                دور القوى الغازية ( الاستعمار والاحتلال).

ت‌)                تدخل دول الجوار في الشأن الداخلي للعراق.

ث‌)                دور القوى السياسية العراقية.

ج‌)                 الابتعاد عن أخلاق وتعاليم الإسلام.

أ.م.د. حسن علي كاظم / رئيس فرع القانون الخاص / ممثل تدريسيي جامعة كربلاء