طبيعة بناء النظام السياسي في العراق

طبيعة بناء النظام السياسي  في العراق

حسناً فعل الشرع العراقي عندما اختار الديمقراطية النيابية في الدستور الدائم 2005. والحقيقة هو نظام سياسي يصوت فيه افراد الشعب , من تتوفر فيهم شروط معينة على اختيار اعضاء الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين , وتسمى بالنيابة لان الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة , بل ينتخب نواباً يقررون عنهم كما هو الحال الآن .

وقد يتسأل البعض , كيف استطاعت دولة مثل الولايات المتحدة الاميركية , ان تبلور أو تشكل الهوية والامة برغم الاعراق والاديان المختلفة والهجرات المتزايدة الممتزجة بالثقافات المختلفة من جميع بقاع العالم , حتى اصبحت بحق العالم المصغر بكل أطيافه والوانه ومكوناته , دون ان يحدث صدام او فوضى أو نزاعات بين المهاجرين الى هذه القارة الواسعة, انها الديمقراطية التي تتسع للجميع بصرف النظر عن العرق او الدين او الجغرافية , وهذا سر قوتها وثرائها وقدرتها على تجاوز وتخطي الازمات والمعوقات لانها تخلق في الفرد والمجتمع الثقة بالنفس وتزرع فيه الحرية وروح المسؤولية والقدرة على الارتباط , والمبادرة وتحمل العواقب بلا تردد  او خوف . وهذا ما نحتاج اليه كعراقيين الآن .

ولكن الاشكالية التي تثار دائماً , عن الغزو الثقافي الغربي والغاء الخصوصيات ونمط حياة الامم , غالباً ما تصدر عن مجتمعات مغلقة ويحكمها الاستبداد والعنف ويغلفها الفشل في جميع المجالات , دون ان تتحمل وزر المسؤولية ولو مرة واحدة .

ونجد حشداً من الاعلاميين والاكاديميين ومثقفين يدافعون عن ضرورة التلاقح الثقافي وتبني مشروع الحداثة في المجالات كافة ( الادب , الصناعة )، ويقيمون سياجاً او جداراً لعزل النظام السياسي ويعتبرونه من الثوابت الوطنية , التي لا يجوز المساس بها , انهم يعتمدون على نظرية ( اهون الشرين), على اعتبار ان التطرف الديني , سوف يملأ الفراغ ويعود بالمنطقة الى ما هو اسوأ مما كانت عليه .

أذن ما هي البدائل التي تحل مكان فساد الدكتاتورية …؟

اذا كانت هذه الانظمة لا تسمح ببناء مجتمع مدني او قوى سياسية منافسة لها وتحرم عليها الانشطة والممارسات التي تخالف نهج السلطة وتحكم عليها بالنفي والخيانة , وما يترتب على ذلك من ضمور للحريات وثقافة حقوق الانسان, ما يولد نقيض الدكتاتورية , وهو الاسلام السياسي المتطرف , الذي يقابل الاقصاء والنفي بشيء مماثل , ويجعل المجتمع ساحة حرب لقوى لا تعترف  بالرأي الآخر , على انه جزء من العملية السياسية والاجتماعية ومكمل لها , بل انه شاذ وغريب وطارئ , لأنه يؤمن بالتعددية وتداول السلطة واحترام حقوق الانسان والقانون وإرساء مؤسسات  المجتمع المدني بكل آلياته واسسه الضرورية , لبناء الدولة الحديثة ,وهنا يصبح الدكتاتور ونقيضه المترف جزءاً من الازمة التي تضرب المجتمع. لذا فهما مرفوضان واقعاً , وأصبحت الديمقراطية وآليات تطبيقها حقيقة ملموسة الآن .

– اللامركزية او الفيدرالية شكل واقعي للحكم /

تقوم الدولة الاتحادية , ثنائية القومية او متعددة القوميات, منطقياً على اساس نظام اتحادي (فيدرالي) يتكون من ادارة مركزية ثنائية القومية او متعددة القومية , تختص بإدارة شؤون الدولة المركزية كالدفاع والخارجية والمالية , وكيانات لامركزية تتكون من وحدتين او قوميتين تختص بإدارة الشؤون المحلية كالتعليم والصحة والنقل والزراعة والصناعة والاسكان والداخلية والبلديات والاتصالات , اذ يفترض هذا النموذج من ثنائية ومتعددة القومية وجود النظام الديمقراطي التشاركي , فهو شرط جوهري لممارسة كل القوميات والطوائف لحقوقها , والواقع فان العلاقة الجدلية بين الديمقراطية والحقوق القومية بديهية , اذ لا يمكن التمتع بالديمقراطية من دون ممارسة الحقوق القومية ولا يمكن ممارسة الحقوق في غياب الديمقراطية .

ومن هنا تأتي الدعوة الى تفعيل العملية الديمقراطية من خلال ( دمقرطة الدولة ) وتنشيط العمل البرلماني المؤهل لممارسة السلطة التشريعية واشرافها الفاعل على السلطة التنفيذية , مع المحافظة على استقلالية القضاء للحكم بين الناس بالعدل والمساواة . لذا نقترح بأنه اذا كان لابد من العمل بالفيدرالية واعطاء الوحدات الادارية كافة ( المحافظات ) سلطات لامركزية, فنأمل ان يعدل الدستور ويقر نظام الفيدرالي على اساس المحافظات المعمول به الآن فقط، اذ يقوم الدستور بتقسيم الاختصاصات والصلاحيات فيما بينهم منعاً للتداخل .

– دور منظمات المجتمع المدني

كما لا يخفى على احد الدور الذي تضطلع به منظمات المجتمع المدني , وجهودها الرامية  الى احلال السلام والوئام الاجتماعي والتوعية والتثقيف في جميع المسائل المطروحة على الساحة العراقية خاصة في هذه المرحلة , ولعل حجم ونوعية النشاطات والفعاليات التي تقيمها هذه المنظمات من ورش عمل وندوات ومؤتمرات , الا دليلاً ملموساً على مصداقيتها وبروز احساسها الوطني للإسهام بوضع حد للممارسات والمظاهر السلبية والمشكلات التي تحيق بالعراق الآن , فضلاً عن السعي الى الاسهام في وضع المعالجات الحقيقية والواقعية لبلوغ مستوى من الحل الذي يسهم في لقاء وحوار الاطراف المتصارعة للسيطرة على العنف وتجنيب العراق المآسي الكارثية التي تحل بالشعب من كل ناحية , وذلك عن طريق تقريب وجهات النظر بين القوى والحركات السياسية او الحوار مع المسؤولين الحكوميين وممثلي الاحزاب العاملة في الساحة , وتأتي المشاركة الفاعلة لمنظمات المجتمع المدني في انجاح مشروع المصالحة الوطنية هي الاخرى محاولة جادة لبناء السلام بين طوائف الشعب العراقي المختلفة .

أ.م.د. حسن علي كاظم

رئيس فرع القانون الخاص/ كلية القانون