منهج اللاعنف بالإسلام

دعا  الاسلام الى اللين واللاعنف في شتى المجالات, فهو في نفس الوقت أكد على تجنب دواعي العنف وأسبابه الرئيسة، التي غالباً ما تؤدي الى فساد العباد ودمار البلاد .وحيث أن الاسلام يروم للبشرية جمعاء سعادة أبدية, التي لا تحقق إلا تحت ظلال اللين اللاعنف , فانه أخذ يحذر بشدة من اسباب العنف التي لا تجني البشرية منها سوى الويل والضياع . فمن أبرز تلك الاسباب المولدة للعنف الصفات الذميمة التي ورد النهي عنها , كالغضب والحسد والعصبية والبغي والحقد والغيبة والنميمة , والتنابز بالألقاب وما شابه ذلك.

– اللاعنف مع الافراد:

عودنا النظام الاسلامي ازاء أية مشكلة, بأن يطرح الحل الجذري لها، ويتناول كل شاردة وواردة تتعلق بها.والسؤال هنا: ماهي حلول الاسلام مقابل مشكلة العنف والقوة التي ألفها المجتمع الجاهلي وعاش تحت تأثيراتها…؟

 لقد عمد الاسلام الى تربية افراد المجتمع واعدادهم بالشكل المناسب, بحيث أصبح الكثير منهم آية من اللين والرفق حتى مع ألذ اعدائه. فكانت التربية تستند الى ما يلي:1)- لا تضر أخاك المؤمن.2)- التعاطف مع الصغار.3)- احترام الكبار.4)- احتضان الايتام.5)- قضاء حوائج الناس.6)- المحبة والتزاور والتواصل.7)- احترام الجار.8)- العمل على تهذيب النفس.9)- تنظيم الاسرة.10)- اكرام المرأة... والشواهد كثيرة في ذلك..

سياسة اللاعنف في الاسلام:

 – بين الحين والاخر يعاود البعض تساؤلاته حول سياسة الاسلام قائلا” :- يا ترى هل للإسلام سياسة خاصة…؟واذا كانت كذلك فماهي…؟ وما هو الفارق بين سياسية الاسلام والسياسة الغربية او الشرقية…؟وهل ان سياسة الاسلام تختلف عن سائر سياسات الرسالات السماوية السابقة…؟

– نعم الاسلام يشتمل على افضل برنامج في المجال السياسي وفي ادارة البلاد والعباد, على النحو الذي بينا جزء منه, ومن مقومات هذه السياسة هو السلم واللاعنف في مختلف مجالات الحياة ومع مختلف الاطراف, والتي بالنتيجة تؤدي الى الامن, وهذا ما أكد عليه ميثاق الامم المتحدة بالحفاظ على السلم والامن الدوليين عام1945م.

– ويكفي الانسان ان يلقي نظرة سريعة على الآيات والروايات الشريفة التي تطرقت الى منهجية الرسالات السالفة في ادارة البلاد وهداية العباد, يتجلى له واضحا ان كافة الرسالات السماوية كانت لها سياسة واحدة, قد دعا اليها الانبياء والرسل.

– والسؤال هنا: ماهي تلك السياسة التي اتفقت عليها رسالات السماء…؟

الجواب/ انها سياسة اللين واللاعنف والغض عن اساءة الاخرين.

– فهذا هابيل الذي هدده اخوه بالقتل اجابة مباشرة “بجواب يكشف عن التزامه بسياسة السماء الداعية الى اللين واللاعنف, حيث قال﴿ لئن بسطت الي يدك لتقلتني ما أنا بباسط يدي اليك لا قتلك اني اخاف الله رب العالمين اني اريد ان تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين ﴾ .كذلك قصة الرجل الذي اذى نبي الله ابراهيم والذي تمادى بالأذى, فكان النبي ابراهيم(ع) يقول له. (هداك الله).

– وعندما آمر الله نبيه موسى(ع) ووصيه هارون (ع) بالذهاب الى فرعون اوصاهما بالتزام اللين واللاعنف ابان دعوته الى الله, فقال عزمن قائل﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ .

– كذلك النبي عيسى (ع) لقد التزم بقانون اللين واللاعنف في دعوته, بل كان يوصي اتباعه, حيث قال يوما”(مالا تحب ان يفعل بك فلا تفعله بأحد وان لطم خدك الايمن فأعط الايسر).

– كذلك لو عملنا جولة سريعة في رحاب الآيات الكريمة والروايات الشريفة يتجلى بوضوح, أن الاسلام ليس فقط لا يدعو العنف واساليبه في شتى المجالات, وانما سياسته على خلاف ذلك تماما, حيث انها تؤكد على اللين واللاعنف, فمن ابرز معالم سياسة الاسلام الداعية الى اللاعنف هو:

– حرمة الدماء…قال رسول الله (ص) (اول ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء)، وكذلك قول (لا يدخل الجنة سافك للدم ولا شارب للخمر ولا مشاء بنميم).و حرمة الاعراض و حرمة كرامة الرعية و اللاعنف ازاء المعارضة…ففي زمن الرسول (ص) كان المعارضون حتى من غير المسلمين يبدون اعتراضاتهم بكل صراحة ودون أية مخافة, وكان الرسول (ص) يتقبل ذلك بصدر رحب ويتعامل معهم بكل صفاوة واحترام ولم يلجا يوما ما الى العنف والبطش معهم.

اللاعنف في الحروب…حيث خاض الرسول (ص) بعض الحروب دفاعا لا مهاجما، واذا ما كان بان يكلف سرية من الجيش بعمل ما يوصيهم ( سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله, لا تغلوا, ولا تمثلوا, ولا تغدروا, ولا تقتلوا شيخا فانيا , ولا صبيا ولا امرأة ,ولا تقطعوا شجرا الا ان تضطروا اليها…)... كذلك يوصي الجيش بقوله (لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم…)، و اعطاء الامان.، و العطف على الاسرى.

– الدعوة الى الاسلام…كان يقول (ص) يوصي الامام علي (ع) يقول (يا علي لا تقاتل احدا حتى تدعوه الى   الاسلام).

مظاهر اللاعنف في الاسلام :-

هناك عدة أمور تتجلى فيها اللاعنف الذي طالما أكد عليه الشارع المقدس ودعا إليه الرسول الاعظم (ص) و أهل بيته الأطهار (ع) فمن أبرز هذه الأمور :-

– اللاعنف في القول :- فمن آثار اللين و اللاعنف أن ينعكس ذلك على سائر جوارحه وجوانحه ، ومن تلك الجوارح التي تتطبع باللاعنف هو اللسان . ذلك العضو الذي كثيراً ما يأخذ بيد الأنسان إما إلى الهلاك والضياع المحتوم أو إلى السعادة والفلاح في الدارين الدنيا والآخرة .

لذا يوصينا الرسول الكريم (ص) بــ (لا تكونوا فحاشين) أي السيء من القول (احفظوا ألسنتكم) . أي نجاة المؤمن لسانه، و اللاعنف بالحيوان والبيئة واللاعنف … (لا تقطعوا شجراً) ، (أماطة الأذى عن الطريق) . و اللاعنف مع المرأة ..

و كانت المرأة قبل الإسلام ضحية العنف وكانت مضطهدة بأنواع الاضطهاد في مختلف أنحاء الأرض ، من غير فرق بين المرأة في الحضارات اليونانية أو المصرية أو الهندية أو الفارسية أو وادي الرافدين وغيرها، فكيف عند الذين لم تكن لهم حضارةً أصلاً كالجاهليين .

العنف من أسباب تأخر المسلمين …؟

عندما يتأمل الانسان في تأريخ الاسلام ، يجد ان معظم المصائب والرزايا التي عانت منها المسلمون على امتداد التأريخ هي ناجمة عن سياسة العنف التي كان يستخدمها الحكام خلافاً لسيرة الرسول الاعظم (ص) وأمير المؤمنين والأئمة الأطهار (ع) ، وعلى ما ورد بالقرآن الكريم والسنّة النبوية .فالحكّام المستبدون الذين استولوا على المسلمين من دون شرعية ، لم يلتزموا بتعاليم الاسلام الداعية الى اللين واللاعنف والحوار ، وكانوا من وراء ضعف المسلمين . 

أ.م.د. حسن علي كاظم