حروف المعاني : حروف العطف
معنى الحرف في اللغة : –
الحرف في اللغة هو الطرف ، ومنه قولهم ” حرف الجبل ” اي طرفه . والحرف ايضا هو الوجه الواحد ، ومنه قوله تعالى ” ومن الناس من يعبد الله على حرف ” اي على وجه واحد ، وهو ان يعبد على السراء والظراء .
علة تسميه حرفا : –
الظاهر انه سمي حرفا ؛ لانه طرف في الكلام كما تقدم ، واما قوله تعالى ” ومن الناس من يعبد الله على حرف ” فهو راجع الى هذا المعنى ؛الشاك كأنه على طرف من الاعتقاد وناحية منه . ولفظ الحروف يطلق على الحروف التسعة والعشرين التي هي صل تراكيب الكلام ، ويطلق على ما يوصل معاني الافعال الى الاسماء ، وعلى ما يدل بنفسه على معنى في غيره ، على ما فسر في علم النحو بان الحرف ما دل على معنى في غيره . ويسمى الاول ” حروف الهجاء ” اي التعدد من هجى الحروف اذا عددها . والثاني : حروف المعاني لما ذكرناه من ايصالها معاني الافعال الى الاسماء ، او لدلالتها على معنى ، فان الباء في قولك ” مررت بزيد ” حرف معنى لدلالتها على الالصاق بخلاف حرف الباء في ” بكر ” و” بشر ” فانها لا تدل على معنى . وكذلك الهمزة في ” ازيد ” حرف معنى بخلافها في ” احمد ” ، ومثلها ” من ” في قولك ” اخذت من الدراهم ” خلافه في ” منوال ” . ثم الطق لفظ الحروف ها هنا على المذكور في الباب بطريقة التغليب ؛ لان بعض ما ذكر في هذا الباب اسماء مثل ” كل ، ومتى ، ومن واذا … الخ ” لكن لما كان اكثرها حروفا سمي الجميع بهذا الاسم . وفي ضوء ما تقدم يكمن القول بان الحروف تنقسم على قسمين :
اولا : حروف المعاني .. وسميت بذلك لانها توصل معاني الافعال الى الاسماء اذا لو لم يكن ” من والى ” في قولك ” خرجت من البصرة ” لم يفهم ابتداء خروجك وانتهاؤه .وهذه الحروف قسمين : الاسماء والافعال ، اي انها تجيء مع الاسماء والافعال ، وتكون عوضا عن جمل وتفيد معناها باوجز لفظ ، فكل حروف المعاني تفيد فائدتها المعنوية مع الايجاز والاختصار :
حروف العطف جيء بها عوضا عن ” اعطف ” .
حروف الاستفهام جيء بها عوضا عن ” استفهم ” .
حروف النفي انما جيب ها عوضا عن ” انفي ” .
حروف الاستثناء جاءت عوضا عن ” استثني ” او ” لا اقصد ” .
وكذلك ” لام ” التعريف نابت عن ” اعرف ” .
وحروف الجر جاءت لتنوب عن الافعال التي بمعناها ، فاباء نابت عن ” الصق ” مثلا ، والكاف نابت عن ” اشبه ” ، وكذلك سائر حروف المعاني .
ثانيا : حروف المباني : وهي حروف التهجي اي حروف الهجاء الموضوعة لفرض التركيب لا للمعنى .
وجه الاحتجاج الى حروف المعاني في اصول الفقه :
من عادة الاصوليين التعرض لمباحث حروف المعاني في كتبهم ؛ وذلك لانه لايمكن فهم النصوص الشرعية فهما صحيحا الا اذا فهمت معاني تلك الحروف . ولقد صنف الاصوليون عنها – ومباحث فقه اللغة عامة – كالمدخل الى اصول الفقه ؛ لان اصول الفقه متوفقة على معرفة اللغة الفصحى ؛ لورود القران الكريم والسنة النبوية الشريفة بهما ، اللذين هما اساس اصول الفقه وادلته ، ومن لايعرف اللغة لايمكنه استنباط الاحكام من الكتاب والسنة .
ويمكن اجمال حروف المعاني في ستة اقسام ، هي : حروف العطف ، وحروف الجر ، واسماء الظروف ، وحروف الاستثناء ، وحروف الشرط .
حروف العطف
العطف في اللغة الثني والرد ، ويقال عطف العود اذا ثنى ورده الى الاخر .فالعطف في الكلام ان يرد احد المفردين الى الاخر فيما حكمت عليه ، او احدى الجملتين الى الاخرى في الحصول والعطف ضربان : عطف بيان، وعطف نسق .
عطف البيان هو التابع الجامد الذي جيء به لايضاح متبوعه في المعارف مثل ” اقسم بالله ابو الحسن علي ” ف”علي ” عطف على ” ابو الحسن ” ، او لتخصيصه في النكرات ، نحو قوله تعالى ” من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ” فصديد عف بيان على ماء .
وعطف النسق : اي المنسوق ، وهو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه احد حروف العطف ، وفائدته الاختصار واثبات المشاركة .
الاصل في حروف العطف هو ” الواو ” لانه العطف لاثبات المشاركة ، ودلالة ” الواو ” على مجرد الاشتراك ينما تدل سائر حروف العطف على معنى زائد عل الاشتراك ، فان ” الفاء ” يوجب الترتيب مع الاشتراك ، و” ثم ” يوجب التراخي مع الاشتراك ، فلما كانت الحروف زيارة على حكم العطف صارت كالمركبة معنى ، والواو مفرد ، والمفرد قبل المركب . والحاصل ان العطف لما كان عبارة عن الاشتراك ، الواو مختصة لافادة هذا المعنى دون غيره صارت اصلا في العطف .
اولا : الواو
وهي لمطلق الجمع باختلاف بين النحاة والأصوليين ان كانت لمطلق الجمع او للترتيب ؟ غير ان الاكثر فيها لمطلق الجمع ولا تدل على ترتيب ولا معية . فاذا قلت ” جاء زيد وعلي ” فقد اشركت بينهما في الحكم من غير تعرض لمجيئهما معا ، او لمجيء احدهما بعد الاخر . فهي للقدر المشترك بين الترتيب والمعية ، اي انها تدل على الاجتماع في الفعل من غير تقييد بحصوله من كليهما في زمان ، او سبق احدهما ، فقولك السابق ” جاء زيد وعلي ” على السواء انهما انهما جاءا معا ، او زيدا اولا او اخرا .
ولقد احتج القائلون بان الواو العاطفة لمطلق الجمع بعدة ادلة ، هي :
1- ان الجمهور اتفق على ان الواو لمطلق الجمع ولا تدل على ترتيب ولا معية . فاذا قلت ” جاء زيد وعلي ” فانك قد اشركت بينهما في الحكم من غير تعرض لمجيئهما معا او لمجيء احدهما بعد الاخر ، فهي للقدر المشترك بين الترتيب والمعية .
2- ان الواو قد تستعمل فيما يمتنع الترتيب فيه كقولهم ” تقاتل زيد وحيدر ” ، ولو قيل ” تقاتل زيد فحيدر ” او ” تقاتل زيد ثم حيدر ” لم يصح .
3- لو اقتضت ” الواو ” الترتيب لم يصح قولك ” رايت زيدا وعليا ” او ” رايت زيدا وعلي قبله ” ؛ لان قولك بعده يكون تكرارا لما تفيده الواو من الترتيب ، وقولك قبله يكون مناقضا لمعنى الترتيب .
4- احتجوا بقوله تعالى ” يامريم اقنتي لربك واسجدي مع الراكعين ” والركوع مقدم على السجود . وقوله ” فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى اهله ” و ” او تقطع ايديهم وارجلهم ” و ” السارق والسارقة ” و ” والزانية والزاني ” وليست ” الواو في شيء من هذه المواضع للترتيب .
5- ثم ان الامام الجرجاني يقول ” معنى ” الواو ” الجمع بين الشيئين في الحكم لا في الوقت ولا ترتيب فيه ، لانها في الاسمين المختلفين بازاء التثنية في المتفقين . فاذا قلت ” جاءني زيد وعلي ” لم يجب ان يكون المبدوء به في اللفظ سابقا ، بل كان منهما بمنزلة صاحبه في جواز تقدمه ، كما اذا قلت ” جاني الزيدان ” لم يكن اللفظ مقتضيا تقديم احدهما ، بل مقتضاه اجتماعها في وجود النقل فقط .
ثانيا : الفاء وثم
مقتضى ” الفاء ” ايجاب الثاني بعد الاول من غير مهلة ، اما ” ثم ” فانها توجب الثاني بعد الاول بمهلة . وترد ” الفاء ” بعدة معان : للتعقيب ، وللترتيب ، وللسببية ، وقد تكون للمهلة ، وقد تأتي لمطلق الجمع .
اولا ” الفاء ” :
أ- التعقيب ، الفاء العاطفة من الحروف التي تشرك في الاعراب والحكم . وتعني التعقيب وقوع الثاني عقيب الاول من غير مهلة ، ولكن في كل شيء يحسبه نحو ” جاء زيد فعلي ” اي عقبه بلا مهلة . وتقول : تزوج فلان فولد له ، اذا لم يكن بينهما الا مدة الحمل ، ومنه قوله تعالى ” انزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة ” . واستدل على ان ” الفاء ” للتعقيب باجماع اهل اللغة على ذلك ، وقالوا انها لو لم تكن للتعقيب لما دخلت على الجزاء ” الشرط ” .
ب- وتاتي ” الفاء ” للترتيب مع التشريك ، وهو معنوي : كقام زيد وعلي وذكرى ، وهو عطف مفصل على مجمل نحو قوله تعالى ” فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما ” ، وقال عز شأنه ” فقد سالوا موسى اكبر من ذلك فقالوا ارنا الله جهرة ” ، وقوله تعالى ” ونادى نوح ربه فقال ” . والترتيب على نوعين : ترتيب في المعنى ، وترتيب في الحكم ، والمراد بالترتيب في المعنى ان يكون المعطوف بها لاحقا متصلا بلا مهلة كقوله تعالى ” الذي خلقك فسواك فعدلك ” . واما الترتيب في الذكر فانه على نوعين ايضا ، الاول يتم بعطف مفصل على مجمل ، ومنه قوله تعالى ” ونادى نوح ربه فقال رب ” . والثاني يتم بعطف لمجرد المشاركة في الحكم ، بحيث يحسن بالواو كقول امرئ القيس : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ت- وترد ” الفاء ” للمهلة مثل ” ثم ” ، وجعل منه قوله تعالى ” الم تر ان الله انزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة ” .وتؤولت هذه الاية على ان ” فتصبح ” معطوف على محذوف تقديره : انبتنا به فطال الانبات فتصبح .
ث- وتاتي ” الفاء ” لمجرد السببية والربط نحو قوله تعالى ” انا اعطيناك الكوثر فصل لربك ” ولا يجوز ان تكون عاطفة ، فانه لا يعطف الخبر على الانشاء .
ج- وذهب بعضهم الى ان ” الفاء ” قد تاتي لمطلق الجمع كالواو ، ويستعمل في الاماكن والمطر خاصة كقولهم : هذا مكان كذا ، فمكان كذا ، وان كان عفاؤهما في وقت واحد ، ونزل المطر بمكان كذا فمكان كذا ، وان كان نزوله في وقت واحد .
ما يترتب على جعل ” الفاء ” للتعقيب من احكام فقهية :
ذكرنا ان ” الفاء ” للوصل والتعقيب ، اي لكون المعطوف موصولا بالمعطوف عليه متعقبا له بلا مهلة ، ويتفرع على ذلك ما ياتي :
1- ان ” الفاء ” تستعمل في الجزاء ؛ لان الجزاء يكون عقيب الشرط بلا فاصل ، فاذا قال رجل لامراته ” ان دخلت هذه الدار فهذه الدار فانت طالق ” ، فالشرط ان تدخل الثانية بعد الاولى بلا تراخ ، فان لم تدخل الدارين ، او دخلت احداهما فقط ، او دخلت الاولى بعد الثانية ، او دخلت الثانية بعد الاولى بتراخ لم تطلق .
2- تستعمل ” الفاء ” في احكام العلل على سبيل الحقيقة ؛ لان ” الفاء ” للتعقيب والاحكام تعقب العلل ، وتترتب عليها بالذات ، وان كانت مقارنة لها بالزمان كقولنا ” جاء الشتاء فتأهب ” لان الحكم مرتب على العلة . ويقال ” اخذت كل ثوب بعشرة فصاعدا ” . واذا قال الرجل لاخر ” بعت منك هذا العبد بكذا ” فقال الاخر ” فهو حر ” يكون قبولا للبيع ، اي قبلت فحررت ؛ لانه رتب الاعتاق على الايجاب ، ولو قال ” وهو حر ” لا يكون قبولا للبيع ، فيحتمل ان يكون اخبارا عن الحرية قبل الايجاب ، وان يكون انشاء للحرية بعد القبول ، فلا يثبت القبول والاعتاق بالشك .
ثانيا : ثم
يقتضي حرف ” ثم ” عدة امور : التشريك في الحكم ، والترتيب ، والمهلة ” التراخي في الزمان ” ، وتاتي لمعان اخرى : للاستئناف ، وقد تاتي لفاوت ما بين رتبتين . غير ان الغالب فيها التشريك في الحكم والترتيب والمهلة . فاننا نقول ” جاء زيد ثم علي ” اذا تراخى مجيء ” علي ” عن مجي ” زيد ” ، ومنه قوله تعالى ” لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى ” والهداية سابقة على ذلك ، فالمراد ثم دام على الهداية بدليل قوله تعالى ” وامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وامنوا ثم اتقوا واحسنوا ” .
ما يشترك في ان المعطوف مخالف للمعطوف عليه في حكمه
بل ، لكن ، لا
الحرف ” بل ”
ويعطف بها بشرطين :
الاول : افراد معطوفها .
والثاني : ان تسبق بايجاب او امر او نفي او نهي .
ومعنى الايجاب والامر هو سلب الحكم عما قبلها حتى كانه مسكوت عنه ، ولم يحكم بشيء ، وجعله لما بعدها مثل ” قام زيد بل علي ” او ” ليقم زيد بل علي ” فالقيام في المثالين ثابت ل” علي ” ومسلوب عن ” زيد ”
ومعناها بعد الاخيرين ” النفي والنهي ” تقرير حكم ما قبلها من نفي او نهي على حاله ، وجعل ضده لما بعدها كقولك ” ما كنت في منزل ربيع بل ارض لا يهتدى بها ” ، فتقرر نفي الكون في منزل الربيع عن نفسك وتثبت لها الكون في ارض لا يهتدى بها . وتقول ” لايقم زيد بل علي ” فتقرر نهي ” زيد ” عن القيام وتأمر ” عليا “بالقيام .
ومذهب الجمهور ان ” بل ” لا تفيد نقل حكم ما قبلها لما بعدها الا بعد الايجاب والأمر ، نحو ” قام زيد بل علي ” و ” اضرب زيدا بل عليا ” ، فهي في ذلك لإزالة الحكم عما قبلها حتى كأنه مسكوت عنه وجعله لما بعدها . وان وقع بعدها جملة كان اضرابا عما قبلها اما بمعنى ترك الاول والرجوع عنه بابطاله ، وتسمى حرف ابتداء ، كقوله تعالى ” وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عبادا مكرمون ” اي هم عباد . وكذلك قوله ” ام يقولون به جنة بل جاءهم بالحق ” .
واما بمعنى الانتقال من حديث الى اخر ، والخروج من قصة الى قصة من غير رجوع عن الاول ، وهي في هذه الحالة عاطفية ، كقوله تعالى ” لقد جئتمونا كما خلقناكم اول مرة بل زعمتم الن نجعل لكم موعدا ” ، وقوله تعالى ” ام يقولون افتراه بل هو الحق من ربك ” وهنا نلاحظ انه انتقل من القصة الاولى الى ما هو اهم منها . وقال جل ثناؤه ” قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا ” ، وقوله عز وجل ” ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة ” .
اذن تفيد ” بل ” الاضراب عن الاول منفيا كان او موجبا والاثباث للثاني على سبيل التدارك فقط ، فاذا قلت ” جاءني زيد بل علي ” كنت قاصدا للاخبار بمجيء ” زيد ” ، ثم تبين لك انك غلطت في ذلك فتضرب عنه الى ” علي ” فتقول ” بل علي ” .
الحرف ” لكن ”
وهي ثقيلة وخفيفة و” لكن ” للاستدراك ثقيلة وخفيفة وفسر بعض العلماء الاستدراك بانه : رفع التوهم الناشئ من الكلام السابق ، كقولنا ” ما زيد شجاع لكنه غير كريم ” فرفعت ب” لكن ” ما افهمه الوصف بالشجاعة من ثبوت الكرم له لكونهما كالمتضايفين .
و” لكن ” ، كما ذكرنا ، ثقيلة وخفيفة ، والثقيلة مشددة من اخوات ” ان ” تنصب الاول وترفع الثاني . والمشهور فيها انها للاستدراك وفسر بان تنسب لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها . ولذلك لابد ان يتقدمها كلام مناقض لما بعدها نحو ” ما هذا ساكنا لكنه متحرك ” او ضده ” ما هذا ابيض لكنه اسود ” .
والخفيفة وتكون بسكون النون ، وهي على نوعين :
الاول ان تكون مخففة من الثقيلة وهي حرف ابتداء ، ولا عمل لها اذ خففت وغالبا ما ياتي بعدها مبتدا وخبر نحو قوله تعالى ” ولكن الشياطين كفروا ” ، وقوله ” لكن الله يشهد ” ، وقوله ” لكن الظالمون اليوم ” . والثاني ان تكون حرف عطف ، وانما تعطف بشروط ثلاثة :
1- افراد معطوفها ، اي ان يكون مفردا .
2- ان تسبق بنفي او نهي .
3- ان لا تقترن بالواو .
ومثل النفي : ” ما مررت برجل صالحا لكن طالح ” .
ومثل النهي : ” لا يقم زيد لكن علي .
فان تلتها جملة اصبحت حرف ابتداء جيب ها لمجرد افادة الاستدراك وليست عاطفة لعدم افراد معطوفها مثل قوله تعالى ” ولكن كانوا هم الظالمين ” وكقول زهير ابن ابي سلمى :
ان ابن ورقاء لا تخشى بوادره لكن وقائعه في الحرب تنتظر
فوقائعه مبتدا وتنتظر خبره ، و” لكن ” الداخلة على هذه الجملة حرف ابتداء .
وان سبقت ” لكن ” بحرف الواو اصبحت حرف ابتداء وليست عاطفة ، لان من شروط عطفها ان لا تقترن بالواو ، نحو قوله تعالى ” ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله ” .
الفرق بين ” بل ” و” لكن ”
سبق ان قلنا ان ” لكن ” حرف يستدرك به ما يقدر في الجملة التي قبلها من التوهم نحو قولك ” ما رايت زيدا لكن عليا ” ، فلمتوهم ان يتوهم ان ” عليا ” غير مرئي ايضا فاماطت كلمة ” لكن ” التوهم . والفرق بينه وبين ” بل ” من وجهين :
الاول : ان ” لكن ” اخص من ” بل ” في الاستدراك ؛ لانك تستدرك ب” بل ” بعد الايجاب كقولك ” ” ضربت زيدا بل عليا ” ، ولا تستدرك ب ” لكن ” الا بعد النفي فلا تقول ” ضربت زيدا ولكن عليا ” انما تقول ” ما ضربت لكن عليا ” ؛ لانه وضع للاستدراك بعد النفي ، وهذا في عطف المفرد على المفرد . فان كان في الكلام جملتان مختلفتان جاز الاستدراك ب ” لكن ” في الايجاب ايضا كقولك ” جاءني زيد لكن علي لم يات ” ، فقولك ” علي لم يات ” جملة منفية ، وما قبل ” لكن ” جملة موجبة فقد حصل الاختلاف ، و ” علي ” في قولك ” ولكن علي لم يات ” مرفوع بالابتداء . وكذلك قولك ” ضربت زيدا لكن لم اضرب عليا ” ف ” علي ” منصوب ب ” اضرب ” وليس لحرف العطف فيه حظ كما في قولك ” ما ضربت زيدا ولكن عليا ” . وعلى هذا فان الحرف ” لكن ” وضع للاستدراك بعد النفي وهو مختص بعطف المفرد على المفرد دون عطف الجملة على الجملة .
الثاني : ان موجب الاستدراك ب ” لكن ” اثبات ما بعده ، فاما نفي الاول فليس من احكامها بل يثبت ذلك بدليله ، وهو النفي الموجود فيه صريحا بخلاف كلمة ” بل ” ، فان موجبها وضعا نفي الاول واثبات الثاني ، كما في قولك ” ما جاءني زيد بل علي ” فقد انتفى مجيء ” زيد ” بكلمة ” بل ” .
الحرف ” لا ”
” لا ” عاطفة تشرك ما بعدها في عراب ما قبلها . ويعطف بها بشروط ثلاثة :
1- فراد معطوفها ، تسبق بايجاب و امر ، فالاول : نحو : هذا زيد لا علي . والثاني نحو : اضرب زيدا لا عليا .
2- ان لا تقترن بعاطف ، فاذا قيل : جاءني زيد لا بل علي ، فالعاطف ” بل” و ” لا ” توكيد للنفي ، وفي هذا المثال مانع اخر من العطف بلا ، وهو تقدم النفي ، وقد اجتمعا ايضا في قوله تعالى ” ولا الضالين ” .
3- ان يتعاند متعاطفاها ، فلا يجوز ” جاءني رجل لا زيد ” لان يصدق على ” زيد ” اسم الرجل ، بخلاف ” جاءني رجل لا امراة ” ، اذ لا يصدق احدهم